سار المعز الفاطمي من إفريقية يريد الديار المصرية، وكان أول مسيره أواخر شوال سنة 361 وكان أول رحيله من المنصورية، فأقام بسردانية، وهي قرية قريبة من القيروان، ولحقه بها رجاله وعماله، وأهل بيته وجميع ما كان له في قصره من أموال وأمتعة وغير ذلك، وسار عنها واستعمل على بلاد إفريقية يوسف بلكين بن زيري، وجعل على صقلية حسن بن علي بن أبي الحسين، وجعل على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي، وجعل على جباية أموال إفريقية زيادة الله بن القديم، وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني، وحسين بن خلف الموصدي، وأمرهم بالانقياد ليوسف بن زيري، فأقام بسردانية أربعة أشهر حتى فرغ من جميع ما يريد، ثم رحل عنها، ومعه يوسف بلكين وهو يوصيه بما يفعله، ثم سار المعز حتى وصل إلى الإسكندرية أواخر شعبان من سنة 362، وأتاه أهل مصر وأعيانها، فلقيهم وأكرمهم وأحسن إليهم، وسار فدخل القاهرة خامس شهر رمضان سنة 362، وأنزل عساكره مصر والقاهرة في الديار، وبقي كثير منهم في الخيام.


كانت وقعة بين هبة الله بن ناصر الدولة بن حمدان وبين الدمستق بناحية ميافارقين، وكان سببها غزو الدمستق بلاد الإسلام، ونهبه ديار ربيعة وديار بكر، فلما رأى الدمستق أنه لا مانع له عن مراده قوي طمعه على أخذ آمد، فسار إليها وبها هزارمرد غلام أبي الهيجاء بن حمدان، فكتب إلى أبي تغلب يستصرخه ويستنجده، ويعلمه الحال، فسير إليه أخاه أبا القاسم هبة الله بن ناصر الدولة، واجتمعا على حرب الدمستق، وسار إليه فلقياه آخر رمضان، وكان الدمستق في كثرة، لكن لقياه في مضيق لا تجول فيه الخيل، والروم على غير أهبة، فانهزموا، وأخذ المسلمون الدمستق أسيرا، ولم يزل محبوسا إلى أن مرض سنة 363، فبالغ أبو تغلب في علاجه، وجمع الأطباء له، فلم ينفعه ذلك، ومات- قبحه الله- فقد بالغ في إيذاء المسلمين قتلا وأسرا ونهبا.


لما سار المعز الفاطمي إلى مصر خلف على إفريقية يوسف بلكين بن زيري، ولما عاد يوسف بلكين من وداع المعز أقام بالمنصورية يعقد الولايات للعمال على البلاد، ثم سار في البلاد، وباشر الأعمال، وطيب قلوب الناس، وكان المعز يريد أن يستخلف يوسف بلكين على الغرب لقوته، وكثرة أتباعه، ولكنه كان يخاف أن يتغلب على البلاد بعد مسيره عنها إلى مصر، فلما استحكمت الوحشة بين يوسف وبين زناتة أمن تغلبه على البلاد، ولكن يوسف اجتمعت له صنهاجة كما اجتمعت لأبيه من قبل، وبدأ يقوى أمره.