هو أبو جعفر محمد بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، صاحب التفسير الكبير, والتاريخ الشهير، كان إماما في فنون كثيرة، منها: التفسير والحديث، والفقه والتاريخ، وغير ذلك، وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله، وكان من الأئمة المجتهدين، لم يقلد أحدا من المجتهدين.

مولده سنة 224 بآمل طبرستان.

أكثر من الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علما وذكاء وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله.

قال الذهبي: "كان ثقة صادقا حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك" قال أبو بكر الخطيب: "كان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه؛ لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها؛ صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عارفا بأقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، خبيرا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، والكتاب الذي في التفسير لم يصنف مثله، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، وأخبار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه"، كان من العبادة والزهادة والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم، وكان حسن الصوت بالقراءة مع المعرفة التامة بالقراءات على أحسن الصفات، وكان من كبار الصالحين، يتعفف عن قبول أموال السلاطين والوزراء، وكان صاحب همة عالية في الكتابة, قال الخطيب: "سمعت علي بن عبيد الله اللغوي يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة".

قال أبو محمد الفرغاني: " تم من كتب محمد بن جرير كتاب "التفسير" الذي لو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب، كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد مستقصى، لفعل".

وتم من كتبه كتاب "التاريخ" إلى عصره، وكتاب "تاريخ الرجال" من الصحابة والتابعين، وإلى شيوخه الذين لقيهم، وكتاب "لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام" وهو مذهبه الذي اختاره وجوده واحتج له، وهو ثلاثة وثمانون كتابا، وكتاب "القراءات والتنزيل والعدد"، وكتاب "اختلاف علماء الأمصار"، وكتاب "الخفيف في أحكام شرائع الإسلام" وهو مختصر لطيف، وكتاب "التبصير" وهو رسالة إلى أهل طبرستان، يشرح فيها ما تقلده من أصول الدين، وابتدأ بتصنيف كتاب "تهذيب الآثار" وهو من عجائب كتبه، ابتداء بما أسنده الصديق مما صح عنده سنده، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه، ثم فقهه، واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، والرد على الملحدين، فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالي، وبعض "مسند ابن عباس"، فمات قبل تمامه".
وهو أحد المحدثين الذي اجتمعوا في مصر في أيام ابن طولون، وهم محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني، ومحمد بن جرير الطبري هذا.

توفي ببغداد ودفن ليلا بداره؛ لأن العامة اجتمعت ومنعت من دفنه نهارا، وادعوا عليه الرفض، ثم ادعوا عليه الإلحاد، وكان علي بن عيسى يقول: والله لو سئل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه، ولا فهموه"، وحوشي ذلك الإمام عن مثل هذه الأشياء، وأما ما ذكره عن تعصب العامة، فليس الأمر كذلك، وإنما بعض الحنابلة تعصبوا عليه، ووقعوا فيه، فتبعهم غيرهم؛ ولذلك سبب، وهو أن الطبري جمع كتابا ذكر فيه اختلاف الفقهاء، لم يصنف مثله، ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن فقيها، وإنما كان محدثا، فاشتد ذلك على الحنابلة، وكانوا لا يحصون كثرة ببغداد، فشغبوا عليه- رحمه الله رحمة واسعة.


هو الإمام الحافظ البارع أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي الرازي، مولى الأنصار، ويعرف بالوراق، ولد سنة 224 من قرى الري.

أحد الأئمة، ومن حفاظ الحديث، وله تصانيف حسنة في التاريخ وغير ذلك، وروى عن جماعة كثيرة، وتوفي وهو قاصد الحج بين مكة والمدينة بالعرج.


دخل أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي أمير القرامطة في ألف وسبعمائة فارس إلى البصرة ليلا، فنصب السلالم الشعر في سورها فدخلها قهرا، وفتحوا أبوابها وقتلوا من لقوه من أهلها، وهرب أكثر الناس فألقوا أنفسهم في الماء فغرق كثير منهم، ومكث بها سبعة عشر يوما يقتل ويأسر من نسائها وذراريها، ويأخذ ما يختار من أموالها، ثم عاد إلى بلده هجر، وكلما بعث إليه الخليفة جندا من قبله فر هاربا وترك البلد خاويا.


هو الأستاذ الفيلسوف محمد بن زكريا الرازي، من أهل الري، فيها تعلم ونشأ، ثم سافر إلى بغداد, أشهر أطباء الإسلام وأكثرهم ابتكارا، صاحب التصانيف، من أذكياء أهل زمانه، كان كثير الأسفار، واسع المعرفة، مليح التأليف، وكان في بصره رطوبة؛ لكثرة أكله الباقلى، عمي آخر عمره.

قال عنه الذهبي: "أخذ عن البلخي الفيلسوف، فبلغ الغاية في علوم الأوائل.

نسأل الله العافية".

كان في شبيبته يضرب بالعود، فلما التحى قال: "كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستحسن، فتركه وأقبل على دراسة الطب والفلسفة بعد الأربعين، وعمر وبلغ في علومه الغاية حتى أشير إليه في الطب"، اشتغل على الطبيب أبي الحسن علي بن ربن الطبري الذي كان مسيحيا، فأسلم، تولى تدبير مارستان الري ثم رئاسة الأطباء في بيمارستان بغداد زمن المكتفي، كان واسع الاطلاع وله مشاركات في الحساب والكيمياء والفلسفة والفلك، وله تصانيف كثيرة أكثرها في الطب، ترجم أكثرها إلى اللاتينية، منها كتاب الأسرار في الكيمياء، والطب المنصوري، والفصول في الطب، ومقالة في الحصى والكلى والمثانة، وتقسيم العلل، والمدخل إلى الطب، وأشهرها الحاوي في الطب، وكتاب الجدري والحصبة، وغيرها كثير.

كان يجلس في مجلسه للتعليم ودونه التلاميذ ودونهم تلاميذهم ودونهم تلاميذ أخر, فكان يجيء الرجل فيصف ما يجد من المرض لأول من يلقاه من تلاميذه، فإن كان عندهم علم وإلا تعداهم إلى غيرهم، فإن أصابوا وإلا تكلم الرازي في ذلك.

كان وافر الحرمة، صاحب مروءة وإيثار، كريما متفضلا بارا بالناس، حسن الرأفة بالفقراء والأعلاء، حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم.

وللرازي أخبار كثيرة وفوائد متفرقة فيما حصل له من التمهر في صناعة الطب وفيما تفرد به في مداواة المرضى، وفي الاستدلال على أحوالهم، وفيما خبره من الصفات والأدوية التي لم يصل إلى عملها كثير من الأطباء.

فكان إمام وقته في علم الطب، متقنا لهذه الصناعة حاذقا فيها عارفا بأوضاعها وقوانينها، والمشار إليه في ذلك العصر، فتشد إليه الرحال في أخذها عنه، ومن كلامه في الطب: "مهما قدرت أن تعالج بالأغذية، فلا تعالج بالأدوية"، "مهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب"؛ "إذا كان الطبيب عالما والمريض مطيعا، فما أقل لبث العلة"؛ "عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة".

توفي في بغداد، وقد اختلف كثيرا في سنة وفاته مع شهرته، فقيل: توفي سنة 313، وقيل 317، وقيل 320، وقيل 360.


غزا مؤنس المظفر بلاد الروم، فغنم وفتح حصونا، وغزا ثمل الخادم أيضا في البحر، فغنم من السبي ألف رأس، ومن الدواب ثمانية آلاف رأس، ومن الغنم مائتي ألف رأس، ومن الذهب والفضة شيئا كثيرا.


هو الإمام العلامة الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي المعروف بالخلال.

ولد سنة 234، أو في التي تليها، ويجوز أن يكون رأى الإمام أحمد، ولكنه أخذ الفقه عن خلق كثير من أصحابه، رحل إلى فارس وإلى الشام والجزيرة يتطلب فقه الإمام أحمد وفتاويه وأجوبته، وكتب عن الكبار والصغار، حتى كتب عن تلامذته، ثم إنه صنف كتاب "الجامع في الفقه" من كلام الإمام.

قال الخطيب: "جمع الخلال علوم أحمد وتطلبها، وسافر لأجلها، وكتبها، وصنفها كتبا، لم يكن فيمن ينتحل مذهب أحمد أحد أجمع لذلك منه".

له التصانيف الدائرة والكتب السائرة، من ذلك الجامع، والعلل، والسنة، والعلم، والطبقات، وتفسير الغريب، والأدب، وأخلاق أحمد، وغير ذلك.

سمع من الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر، ومحمد بن عوف الحمصي وطبقته، وصحب أبا بكر المروذي إلى أن مات، وسمع جماعة من أصحاب الإمام أحمد، منهم صالح وعبدالله ابناه، وإبراهيم الحربي، والميموني، وبدر المغازلي، وأبو يحيى الناقد، وحنبل، والقاضي البرني، وحرب الكرماني، وأبو زرعة، وخلق سواهم سمع منهم مسائل أحمد، ورحل إلى أقاصي البلاد في جمعها وسماعها ممن سمعها من الإمام أحمد وممن سمعها ممن سمعها منه، وشهد له شيوخ المذهب بالفضل والتقدم، حدث عنه جماعة منهم أبو بكر عبدالعزيز، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن يوسف الصيرفي، وكانت له حلقة بجامع المهدي، ومات يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيع الآخر.


هو الإمام الفاضل، نحوي زمانه، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل الزجاج، مصنف كتاب "معاني القرآن" و"الاشتقاق" و"القوافي" و"العروض" و"فعلت وأفعلت" ومختصرا في النحو وغير ذلك، وقد كان أول أمره يخرط الزجاج فأحب علم النحو، فذهب إلى المبرد، وكان يعطي المبرد كل يوم درهما، ثم استغنى الزجاج وكثر ماله ولم يقطع عن المبرد ذلك الدرهم حتى مات، وقد كان الزجاج مؤدبا للقاسم بن عبيد الله الوزير، توفي عن 75 عاما.