أخذ ملك الروم رومانوس بن قسطنطين من المسلمين جزيرة أقريطش (كريت) من بلاد المغرب، وكان الذي افتتح أقريطش عمر بن شعيب، غزاها وافتتحها في حدود سنة ثلاثين ومائتين، وصارت في يد أولاده إلى هذا الوقت.


مرض معز الدولة بن بويه بانحصار البول، فقلق من ذلك وجمع بين صاحبه سبكتكين ووزيره الحسن المهلبي، وأصلح بينهما ووصاهما بولده بختيار خيرا، ثم عوفي من ذلك فعزم على الرحيل إلى الأهواز لاعتقاده أن ما أصابه من هذه العلة بسبب هواء بغداد ومائها، فأشاروا عليه بالمقام بها، وأن يبني بها دارا في أعلاها حيث الهواء أرق والماء أصفى، فبنى له دارا غرم عليه ثلاثة عشر ألف ألف درهم، فاحتاج لذلك أن يصادر بعض أصحابه، ويقال أنفق عليها ألفي ألف دينار.

قال ابن كثير: " ومات وهو يبني فيها ولم يسكنها، وقد خرب أشياء كثيرة من معالم الخلفاء ببغداد في بنائها، وكان مما خرب المعشوق من سر من رأى، وقلع الأبواب الحديد التي على مدينة المنصور والرصافة وقصورها، وحولها إلى داره هذه لا تمت فرحته بها، فإنه كان رافضيا خبيثا "


هو أمير المؤمنين، الناصر لدين الله، أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن، كان أبوه محمد ولي عهد والده عبد الله بن محمد، فقتله أخوه أبو القاسم المطرف، فقتله أبوهما به.

ولما قتل محمد، كان لابنه عبد الرحمن عشرون يوما.

وولي الخلافة بعد جده عبد الله.

قال ابن حزم: "كانت خلافته من المستطرف؛ لأنه كان شابا، وبالحضرة جماعة من أعمامه، وأعمام أبيه، فلم يعترض معترض عليه.

واستمر له الأمر وكان شهما صارما ".

نظر أهل الحل والعقد من يقوم بأمر الإسلام، فما وجدوا في شباب بني أمية من يصلح للأمر إلا عبدالرحمن بن محمد، فبايعوه، وطلب منهم المال فلم يجده، وطلب العدد فلم يجدها، فلم يزل السعد يخدمه إلى أن سار بنفسه لابن حفصون، فوجده مجتازا لوادي التفاح، ومعه أكثر من عشرين ألف فارس, فهزمه وأفلت ابن حفصون في نفر يسير، فتحصن بحصن مبشر.

ولم يزل عبد الرحمن يغزو حتى أقام العوج، ومهد البلاد، ووضع العدل، وكثر الأمن، ثم بعث جيشا إلى المغرب، فغزا سجلماسة، وجميع بلاد القبلة، وقتل ابن حفصون.

ولم تزل كلمته نافذة, وصارت الأندلس أقوى ما كانت وأحسنها حالا، وصفا وجهه للروم، وشن الغارات على العدو، وغزا بنفسه بلاد الروم اثنتي عشرة غزوة، ودوخهم، ووضع عليهم الخراج، ودانت له ملوكها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجل يصنعون في بناء الزهراء التي أقامها لسكناه على فرسخ من قرطبة.

كل من تقدم من آباء عبد الرحمن لم يتسم أحد منهم بإمرة المؤمنين، وإنما كانوا يخاطبون بالإمارة فقط، وفعل مثلهم عبد الرحمن إلى السنة السابعة والعشرين من ولايته، وكان قد تلقب بأمير المؤمنين لما رأى من ضعف الخلافة في بغداد, وظهور الشيعة العبيدية بالقيروان وادعائهم لقب الخلافة، وما آلت إليه البلاد من التفرق والتشتت، فرأى أنه أحق بإمرة المؤمنين فتسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين سنة 316، ولم يزل منذ ولي الأندلس يستنزل المتغلبين حتى صارت المملكة كلها في طاعته، وأكثر بلاد العدوة، وأخاف ملوك الطوائف حوله.

قال عبد الواحد المراكشي: " اتسعت مملكة الناصر، وحكم على أقطار الأندلس، وملك طنجة وسبتة وغيرهما من بلاد العدوة، وكانت أيامه كلها حروبا, وعاش المسلمون في آثاره الحميدة آمنين ".

وقد ابتدأ الناصر ببناء مدينة الزهراء في أول سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكان يقسم دخل مملكته أثلاثا: فثلث يرصده للجند، وثلث يدخره في بيت المال، وثلث ينفقه في الزهراء, وكان دخل الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفا، ومن السوق والمستخلص سبعمائة ألف دينار وخمسة وستون ألفا.

ويقال: إن بناء الزهراء أكمل في اثنتي عشرة سنة، بألف بناء في اليوم، مع البناء اثنا عشر فاعلا.

حكى أبو الحسن الصفار: " أن يوسف بن تاشفين ملك المغرب لما دخل الزهراء، وقد خربت بالنيران والهدم، من تسعين سنة قبل دخوله إليها، وقد نقل أكثر ما فيها إلى قرطبة وإشبيلية، ونظر آثارا تشهد على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيها.

فقال أبو مروان بن سراج: كيف يكون سفيها وإحدى كرائمه أخرجت مالا في فداء أسارى في أيامه، فلم يوجد ببلاد الأندلس أسير يفدى ".

وقد افتتح سبعين حصنا -رحمه الله.

بدأ عبد الرحمن الناصر المرض وبقي فترة على ذلك، إلى أن توفي في هذه السنة في صدر رمضان، فكانت إمارته خمسين سنة وستة أشهر، ثم خلفه ابنه الحكم الذي تلقب بالمستنصر.


هو عبد الملك بن نوح الساماني صاحب خراسان وغزنة وما وراء النهر.

تولى حكم الدولة السامانية بعد والده, وكان في العاشرة من عمره، وكان ضعيف الهيبة ولم يقم بشيء للمحافظة على وحدة دولتهم، وكان سبب موته أنه سقط عن فرسه فوقع ميتا وافتتنت خراسان بعده، فقام بالأمر من بعده أخوه منصور بن نوح الساماني.

وفي عهد منصور بدأت الدولة في الضعف بسبب خروج بعض القادة عن طاعته، وازداد نفوذ البويهيين الذين امتلكوا أهم أقاليم الدولة السامانية.