بعد مقتل عمر بن حفصون استلم ابنه سليمان قيادة الثورة، وبقي على سيرة أبيه، ثم قتل في هذه السنة, كان سليمان قد ركب وخرج عن مدينة ببشتر مركز الثورة ومقرها.

معارضا لبعض الحشم المجاورين له من العسكر، فتبادرت إليه الخيل من الجهة التي كان فيها عبد الحميد الوزير، فصرع سليمان عن فرسه، فاحتز رأسه سعيد بن بعلي العريف المعروف بالشفة، وقطعت يداه ورجلاه، وبعث الوزير عبد الحميد برأسه وجثته ويديه مبعضة مفترقة، فرفعت على باب السدة بقرطبة في خشبة عالية، وكان الفتح فيه عظيما سارا لجميع المسلمين.


هاجمت الروم المسلمين، فقصدوا الثغور، ودخلوا سميساط- وهي من ثغور الجزيرة بالشام- وغنموا جميع ما فيها من مال وسلاح وغير ذلك، وضربوا في الجامع بالناقوس أوقات الصلوات، ثم إن المسلمين خرجوا في أثر الروم وقاتلوهم وغنموا منهم غنيمة عظيمة، فأمر المقتدر بالله بتجهيز العساكر مع مؤنس المظفر، وخلع المقتدر عليه في ربيع الآخر؛ ليسير إليهم.


خرجت سرية من طرسوس إلى بلاد الروم، فوقع عليها العدو، فاقتتلوا فاستظهر الروم وأسروا من المسلمين أربعمائة رجل، فقتلوا صبرا، وفيها سار الدمستق في جيش عظيم من الروم إلى مدينة دبيل، وفيها نصر السبكي في عسكر يحميها، وكان مع الدمستق دبابات ومجانيق معه مزراق يزرق بالنار عدة اثنى عشر رجلا، فلا يقر بين يديه أحد من شدة ناره واتصاله، فكان من أشد شيء على المسلمين، وكان الرامي به مباشر القتال من أشجعهم، فرماه رجل من المسلمين بسهم فقتله، وأراح الله المسلمين من شره، وكان الدمستق يجلس على كرسي عال يشرف على البلد وعلى عسكره، فأمرهم بالقتال على ما يراه، فصبر له أهل البلد، وهو ملازم القتال، حتى وصلوا إلى سور المدينة، فنقبوا فيه نقوبا كثيرة، ودخلوا المدينة، فقاتلهم أهلها ومن فيها من العسكر قتالا شديدا، فانتصر المسلمون، وأخرجوا الروم منها، وقتلوا منهم نحو عشرة آلاف رجل.


ظهر الديلم على الري والجبال، وأول من غلب منهم لنكى بن النعمان، فقتل من أهل الجبال مقتلة عظيمة وذبح الأطفال في المهد، ثم غلب على قزوين أسفار بن شيرويه وألزم أهلها مالا، وكان له قائد يسمى مرداويج بن زيار، فوثب على أسفار المذكور وقتله وملك البلاد مكانه، وأساء السيرة بأصبهان، وجلس على سرير من ذهب، وقال: أنا سليمان بن داود، وهؤلاء الشياطين أعواني، وكان مع هذا سيئ السيرة في أصحابه.


سير المهدي العبيدي- صاحب إفريقية- ابنه أبا القاسم من المهدية إلى المغرب في جيش كثير، في صفر؛ لسبب محمد بن خرز الزناتي، وذلك أنه ظفر بعسكر من كتامة، فقتل منهم خلقا كثيرا، فعظم ذلك على المهدي، فسير ولده، فلما خرج تفرق الأعداء، وسار حتى وصل إلى ما وراء تاهرت، فلما عاد من سفرته هذه خط برمحه في الأرض صفة مدينة، وسماها المحمدية، وهي المسيلة، وكانت خطته لبني كملان، فأخرجهم منها، ونقلهم إلى فحص القيروان، كالمتوقع منهم أمرا؛ فلذلك أحب أن يكونوا قريبا منه، وهم كانوا أصحاب أبي يزيد الخارجي، وانتقل خلق كثير إلى المحمدية، وأمر عاملها أن يكثر من الطعام ويخزنه ويحتفظ به ففعل ذلك، فلم يزل مخزنا إلى أن خرج أبو يزيد ولقيه المنصور، ومن المحمدية كان يمتار ما يريد؛ إذ ليس بالموضع مدينة سواها.


كانت بين يوسف بن أبي الساج وبين أبي طاهر القرمطي عند الكوفة موقعة، فسبقه إليها أبو طاهر فحال بينه وبينها، فكتب إليه يوسف بن أبي الساج: اسمع وأطع، وإلا فاستعد للقتال يوم السبت تاسع شوال منها، فكتب: هلم، فسار إليه، فلما تراءى الجمعان استقل يوسف جيش القرمطي، وكان مع يوسف بن أبي الساج عشرون ألفا، ومع القرمطي ألف فارس وخمسمائة رجل.

فقال يوسف: وما قيمة هؤلاء الكلاب؟ وأمر الكاتب أن يكتب بالفتح إلى الخليفة قبل اللقاء، فلما اقتتلوا ثبت القرامطة ثباتا عظيما، ونزل القرمطي فحرض أصحابه وحمل بهم حملة صادقة، فهزموا جند الخليفة، وأسروا يوسف بن أبي الساج أمير الجيش، وقتلوا خلقا كثيرا من جند الخليفة، واستحوذوا على الكوفة، وجاءت الأخبار بذلك إلى بغداد، وشاع بين الناس أن القرامطة يريدون أخذ بغداد، فانزعج الناس لذلك وظنوا صدقه، فاجتمع الوزير بالخليفة فجهز جيشا أربعين ألف مقاتل مع أمير يقال له بليق، فسار نحوهم، فلما سمعوا به أخذوا عليه الطرقات، فأراد دخول بغداد فلم يمكنه، ثم التقوا معه فلم يلبث بليق وجيشه أن انهزم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكان يوسف بن أبي الساج معهم مقيدا في خيمة، فجعل ينظر إلى محل الوقعة، فلما رجع القرمطي قال: أردت أن تهرب؟ فأمر به فضربت عنقه.

ورجع القرمطي من ناحية بغداد إلى الأنبار، ثم انصرف إلى هيت.