عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : " لَا وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا " . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : " كَيْفَ قُلْتَ ؟ " . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ لَمَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ ، إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلْتِ الشَّمْسَ ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ ، فَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ "
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ، قَالَا : ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، ثنا لَيْثٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ قُلْتَ ؟ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ لَمَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ ، إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلْتِ الشَّمْسَ ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ ، فَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ، ثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ ، ثنا يَزِيدُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ , وَحَدَّثَنَا الْحَضْرَمِيُّ ، ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، ثنا هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : الزَّهْرَةُ : نَوَّارُ الرَّبِيعِ , وَزَهْرَةُ الدُّنْيَا : حُسْنُهَا وَبَهْجَتُهَا وَمَا أَظْهَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِمَّا يَتَنَافَسُ أَهْلُهَا ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَانِيَةٌ تَتَقَدَّمُ الْآخِرَةَ . وَالرَّبِيعُ : فَصْلٌ مِنَ الزَّمَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَيُسَمَّى الْمَطَرُ بِعَيْنِهِ رَبِيعًا ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْجَوَادِ الْكَثِيرِ الْمَعْرُوفِ الْفَائِضِ الْخَيْرِ رَبِيعٌ ، وَيَجْمَعُ مَعْنَى الْخِصْبِ وَالسَّعَةِ وَالْخَيْرِ كَمَا قَالَ الْمُعَذِّلُ بْنُ غَيْلَانَ : أَرَى خَلَّةً مِنْ صُحْبَةٍ وَقَرَابَةٍ وَذِي رَحِمٍ مَا كُنْتُ مِمَّنْ يُضِيعُهَا وَلَوْ سَاعَدَتْنِي بِالْمَكَارِمِ قُدْرَةٌ لَفَاضَ عَلَيْهِمْ بِالنَّوَالِ رِبِيعُهَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ أَوْسٍ : أَوَّلُ الرَّبِيعِ عِنْدَ طُلُوعِ الْحَمَلِ وَالثَّوْرِ وَالْجَوْزَاءِ ، ثُمَّ الصَّيْفِ وَهُوَ عِنْدَ طُلُوعِ السَّرَطَانِ وَالْأَسَدِ وَالسُّنْبُلَةِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ فِي كِتَابِ الصِّفَاتِ . أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّبِيعَ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ الْفَصْلُ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّاسُ الْخَرِيفُ ، وَذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الشَّمْسِ بِرَأْسِ الْمِيزَانِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : وَإِنَّمَا سَمَّتْهُ الْعَرَبُ الرَّبِيعَ لِأَنَّ أَوَّلَ الْمَطَرِ يَكُونُ فِيهِ ، وَسَمَّاهُ النَّاسُ الْخَرِيفَ لِأَنَّ الثِّمَارِ تَخْتَرِفُ فِيهِ فَهَذَا قَوْلُ الْعَرَبِ ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ ، وَقَدْ أَوْجَبَهُ ضَرْبٌ مِنَ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْفَصْلَ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ حُلُولُ الشَّمْسِ السَّرَطَانَ وَالْأَسَدَ وَالسُّنْبُلَةَ قَيْظًا ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي تُحْمَى فِيهِ الشَّمْسُ وَيَشْتَدُّ فِيهِ الْحَرُّ ، وَفَصْلُ الصَّيْفِ مَقْرُونٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَهُوَ يَتَقَدَّمُهُ إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ ، وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تُبْطِلُهُ ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الصَّيْفِ وَبَيْنَهُ ، وَقَالَ الشَّاعِرُ : أَمَا يَسْتَفِيقُ الْقَلْبُ إِلَّا انْبَرَى لَهُ تَوَهُّمُ صَيْفٍ مِنْ سُعَادٍ وَمُرْبِعِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَاعَدَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ عَنِ الْآخَرِ . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ النُّعْمَانِ الْقَزَّازُ ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلَيٍّ الْعِجْلِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ آدَمَ يَقُولُ : السَّنَةُ أَرْبَعَةُ أَزْمَنَةٍ ، كُلُّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا زَمَانٌ . فَالرَّبِيعُ زَمَانٌ ، وَهُوَ أَيْلَولُ وَتَشْرِينُ الْأَوَّلُ وَتَشْرِينُ الثَّانِي ، ثُمَّ الشِّتَاءُ زَمَانٌ ، وَهُوَ كَانُونُ الْأَوَّلُ وَكَانُونُ الثَّانِي وَشِبَاطٌ ، ثُمَّ الصَّيْفُ زَمَانٌ ، وَهُوَ آذَارُ وِنَيْسَانُ وَأَيَّارُ ، ثُمَّ الْقَيْظُ زَمَانٌ ، وَهُوَ حَزِيرَانُ وَتَمُّوزُ وَآبُ وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ السَّرِيِّ يَقُولُ : مِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ الرَّبِيعَ الْأَوَّلَ مِنَ السَّنَةِ ابْتِدَاؤُهُ لِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ تَمْضِي مِنْ أَيْلُولَ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الرَّبِيعَ الْأَوَّلَ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ تَمْضِي مِنْ آذَارَ . قَالَ : وَذَلِكَ آخِرُ أَمْطَارِ الشِّتَاءِ وَأَوَّلُ مَطَرِ الرَّبِيعِ . وَقَالَ : وَفِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ نَيْسَانَ آخِرُ مَطَرِ الرَّبِيعِ وَأَوَّلُ مَطَرِ الصَّيْفِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ : الْوَسْمِيُّ : أَوَّلُ مَطَرِ الرَّبِيعِ ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَطَرِ ، وَهُوَ الَّذِي يِسِمُ الْأَرْضَ وَقَدْ تَرَدَّدَ ذِكْرُ الرَّبِيعِ فِي الشِّعْرِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الْمَطَرَ بِعَيْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ النَّبَاتَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الْوَقْتَ ، فَأَمَّا مَا جَاءَ وَصْفُهُ وَطِيبُ أَوَانِهِ مِنْ قَدِيمِ الشَّعْرِ وَحَدِيثِهِ فَإِنَّمَا يُعْنَى بِهِ أَيَّامُ النَّشْرِ وَالزَّهْرِ وَالنَّوْرِ ، كَمَا قَالَ الْبُحْتُرِيُّ : أَتَاكَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ يَخْتَالُ ضَاحِكًا مِنَ الْحُسْنِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَا وَقَدْ نَبَّهَ الْمَنْثُورُ فِي غَلَسِ الدُّجَى أَوَائِلَ وَرْدٍ كُنَّ بِالْأَمْسِ نُوَّمَا فَأَوْجَبَ اسْمَ الرَّبِيعِ لِفَصْلِ نَيْسَانَ . وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ : إِنَّ الرَّبِيعَ أَوَّلُ الزَّمَانِ وَهَذِهِ صِفَةُ زَمَنِ النُّورِ . وَأَنْشَدَنَا ابْنُ عَرَفَةَ بَيْتَيْنِ : تَوَاصُلُنَا عَلَى الْأَيَّامِ بَاقٍ وَلَكِنْ هَجْرُنَا مَطَرُ الرَّبِيعِ يَرُوعُكَ صَوْبُهُ لَكِنْ تَرَاهُ عَلَى رَوَعَاتِهِ دَانِي النُّزُوعِ وَهَذَا نَعْتُ الْمَطَرِ فِي آذَارَ ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا لَا تَقُومُ فِي مِثْلِهِ حُجَّةٌ مِنْ شِعْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، لِأَنَّ أَصْحَابَهُ أَعْلَامُ الدِّرَايَةِ ، وَسَوَاءٌ قَالُوا ذَلِكَ قَوْلًا أَوْ أَتَوْا بِهِ شِعْرًا ، وَأَحْسِبُهُ نَقَلَ اسْمَ زَمَنِ النَّوْرِ إِلَى اسْمِ الرَّبِيعِ لِأَنَّ آثَارَ الْمَطَرِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ حَيَاةً لِلْأَرْضِ وَسَبَبًا لِلنَّشْرِ تَظْهَرُ فِيهِ ، وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً }} ، وَلَيْسَ اخْضِرَارُهَا عُقَيْبَ يَوْمٍ يُمْطَرُ فِيهِ ، إِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا بِمَكَّةَ مَوْجُودٌ ، تَخْضَرُّ الْأَرْضُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ . وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي مَعْنَى الْمَطَرِ بِعَيْنِهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ : خَلِيلَيَّ أَمْسَى حُبُّ خَرْقَاءَ عَامِدِي فَفِي الْقَلْبِ مِنِّي زَفْرَةٌ وَصُدُوعُ وَلَوْ جَاوَرَتْنَا الْعَامَ خَرْقَاءُ لَمْ نَبُلْ عَلَى جَدْبِنَا إِلَّا يُصَوبُ رَبِيعُ وَقَالَ آخَرُ : إِذَا غِبْتَ عَنَّا غَابَ رَبِيعُنَا وَنَسْقِي الْغَمَامَ الْغَدَقَ حِينَ تَؤُوبُ وَقَالَ أَبُو طَالِبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذَا الْبَيْتَ : وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ وَأَنْشَدَنَا الْحَامِضُ : ثِمَالُ الْيَتَامَى وَأَنْشَدَنَا وَكِيعٌ لِصَمُوتٍ الْأَعْرَابِيَّةِ . قَالَ وَرَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ : فَكِّهْ إِلَى جَنْبِ الْخُوَانِ إِذَا سَرَتْ نَكْبَاءُ تَقْطَعُ مَنْبِتَ الْأَطَنَابِ وَأَبُو الْيَتَامَى يُنْبِتُونَ فِنَاءَهُ نَبْتَ الرَّبِيعِ بِكَالِئٍ مِعْشَابِ فَقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ لَمَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ . قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ : هَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْكَلَامِ فِي تَحْذِيرِ الدُّنْيَا ، وَالِاعْتِزَازِ بِزَهْرَتِهَا ، وَالرُّكُونِ إِلَى غَضَارَتِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَاشِيَةَ يَرُوقُهَا نَبْتُ الرَّبِيعِ ، فَتَأْكُلُ مِنْهُ بِأَعْيُنِهَا ، فَرُبَّمَا تَفَتَّقَتْ سِمَنًا فَهَلَكَتْ . يَقُولُ : فَمَنْ أَعْطَى كُفُؤًا وَرَفَاهِيَةَ عَيْشٍ فِي دُنْيَاهُ فَلْيَقْتَصِدْ وَلَا يَنْهَمِكْ فِيهَا فَتُلْهِيَهُ عَنْ الِاحْتِزَازِ لِآخِرَتِهِ فَيَهْلِكَ ، كَمَا أَنَّ الْمَاشِيَةَ تُلْهِيهَا زُهْرَةُ النَّبَاتِ فَتَأْكُلُ حَتَّى تَهْلِكَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ }} . وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ يَذْكُرُ الدُّنْيَا كَيْفَ يَحْلُو طَعْمُ شَيْءٍ زَائِلٍ رُبَّ حُلْوٍ فِي مَذَاقِ الْعَيْشِ مُرُّ وَالْحَبَطُ : انْتِفَاخُ بَطْنِ الدَّابَّةِ مِنَ الِامْتِلَاءِ ، أَوْ مِنَ الْمَرَضِ . يُقَالُ : حَبَطَ يَحْبَطَ حَبَطًا وَيُقَالُ : إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ مَازِنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ سُمِّيَ الْحَبَطُ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ لَهُ فَمَاتَ ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ حَبَطِيُّ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - كَمَا يُنْسَبُ إِلَى سَلَمَةَ سَلَمِيُّ ، وَإِلَى سَفَرَةَ سَفَرِيُّ ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَثْقِلُونَ الْكَسْرَةَ مَعَ الْيَاءِ . وَقَوْلُهُ : أَوْ يُلِمُّ يَعْنِي : أَوْ يَقْرَبُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ . وَقَوْلُهُ : فَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ الْبَرَكَةُ : الْكَثْرَةُ وَالِاتِّسَاعُ هَكَذَا قَالَهُ لَنَا ابْنُ عَرَفَةَ ، وَسَأَلَتُ عَنْهُ الْحَامِضَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ ، يَقُولُ : مَنْ أَخَذَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِصَادِ وَالرِّضَى بِالْقَسْمِ حَيَا بِعِزِّ الْقَنَاعَةِ وَغِنَى النَّفْسِ حَيَاةً طَيْبَةً ، وَمَنْ طَمَحَ بَصَرُهُ إِلَى كُلِّ مَا يَرَى مِنَ الْمَتَاعِ بِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تَأْكُلُ فَتَمْتَلِئُ ثُمَّ تَرُوثُ - وَالثَّلْطُ : الرَّوْثُ - وَتَبُولُ ثُمَّ تَجْتَرُّ ، وَالْجَرَّةُ : أَنْ تُخْرِجَ مَا فِي بَطْنِهَا بَعْدَ الِامْتِلَاءِ فَتُدِيرُهُ فِي فَمِهَا ، ثُمَّ تُعَاوِدَ الْأَكْلَ ، لَا تَعْرِفُ غَيْرَ هَذِهِ الْحَالِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ }} . وَقَوْلُهُ : فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ . قَالَ ابْنُ الْبِرْتِيِّ : مَعْنَاهُ : يُكْثِرُ الْأَكْلَ ، كَمَا تَقُولُ : فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ وَلَا يَسْكُتُ ، وَيَبْكِي وَلَا يَرْقَأُ دَمْعُهُ ، وَمَعْنَاهُ : يُكْثِرُ الْكَلَامَ وَيُكْثِرُ الْبُكَاءَ . قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ : لَا تَشْبَعُ عَيْنُهُ وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ , وَيُعْرَفُ بِالشَّامِيِّ ، ثنا الْمُخَيْمِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنْبِجِيُّ ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : صِفْهُ لِي ، قَالَ : سَمِعْتُ الرَّوادَ يَدْعُو إِلَى زِيَادَتِهَا ، وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ : هَلُمَّ ظُعُنُكُمْ إِلَى مَحِلِّةٍ تُطْفَأُ فِيهَا النِّيرَانُ ، وَتَشْتَكِي فِيهَا النِّسَاءُ ، وَتَنَافُسُ فِيهَا الْمِعْزَى ، فَلَمْ يَفْهَمِ الْحَجَّاجُ مَا قَالَ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ إِنَّمَا تُخَاطِبُ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَأَفْهِمْهُمْ ، قَالَ : نَعَمْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، كَثُرَ الْمَطَرُ وَكَثُرَ الْكَلَأُ وَالْعُشْبُ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ نَارٍ يُخْبَزُ بِهَا ، فَهَذَا إِطْفَاءُ النِّيرَانِ ، وَأَمَّا تَشَكِّي النِّسَاءِ : وَلَا تَزَالُ الْمَرْأَةُ تَرْعَى بُهْمَهَا فَتَأْخُذُ مَرَّةً يَمْنَةً ، وَمَرَّةً يَسْرَةً لِكَثْرَةِ الْكَلَأِ ، فَتَتْبَعُهَا الْمَرْأَةُ مِنْ لَيْلَتِهَا وَلِسَاقِهَا وَجِيفٌ مِنَ الْإِعْيَاءِ ، فَهَذَا تَشَكِّي النِّسَاءِ ، وَأَمَّا تَنَافُسُ الْمِعَزَى فَإِنَّ بُطُونَهَا تَشْبَعُ ، وَعُيُونَهَا لَا تَشْبَعُ