• 2859
  • خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَادَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ قَوْمٍ خَافُوا عَدُوًّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ فَبَعَثُوا رَجُلًا يَتَرَبَّأُ لَهُمْ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَبْصَرَ الْعَدُوَّ فَأَقْبَلَ لِيُنْذِرَ قَوْمَهُ فَخَشِيَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يَنْذِرَ قَوْمَهُ فَأَهْوَى بِثَوْبِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ أُتِيتُمْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ "

    حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَمَاعَةَ الْحَضْرَمِيُّ ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، ثنا بَشِيرٌ ، يَعْنِي ابْنَ الْمُهَاجِرِ الْغَنَوِيَّ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَادَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ قَوْمٍ خَافُوا عَدُوًّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ فَبَعَثُوا رَجُلًا يَتَرَبَّأُ لَهُمْ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَبْصَرَ الْعَدُوَّ فَأَقْبَلَ لِيُنْذِرَ قَوْمَهُ فَخَشِيَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يَنْذِرَ قَوْمَهُ فَأَهْوَى بِثَوْبِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ أُتِيتُمْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : يَتَرَبَّأُ لَهُمْ : هُوَ أَنْ يَعْلُوَ شَاهِقًا فَيَرْقُبَ الْعَدُوَّ لِيُنْذِرَ بِهِ ، وَاسْمُهُ الرَّبِيئَةُ عَلَى مِثَالِ فَعِيلَةُ ، مَهْمُوزٌ ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : الدَّيْدَبَانُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْيَشْكُرِيُّ : أَمَّا النَّهَارُ فَرَابِي قَوْمِي بِمَرْقُبَةٍ يَفَاعِ وَاللَّيْلُ أَبْطَنَ ذَا خَضَا خِضَ وَالْوُعُورِ مِنَ الْبِقَاعِ تَرِدُ السِّبَاعُ مَعِي فَأُلْـ ـفَى كَالْمُدِلِّ مِنَ السِّبَاعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : إِنِّي لَأَرْبَأُ بِكَ عَنْ كَذَا ، أَيْ : أَرْفَعُكَ عَنْهُ ، وَتَقُولُ : مَا رَأَيْتُهُ حَتَّى أَرْبَأَ عَلَيَّ ، أَيْ : أَشْرَفَ عَلَيَّ ، وَهَذَا مَثَلٌ فِي السَّبْقِ إِلَى اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْفَوْزِ بِتَصْدِيقِهِ قَبْلَ فَقْدِهِ ، وَأَنَّهُ آخِرُ مَنْ أَنْذَرَ ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ يُنْتَظَرُ ، وَيَتَضَمَّنُ مَعْنَى دُنُوِّ السَّاعَةِ وَقُرْبِهَا ، كَمَا قَالَ : بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ . وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ وَقَالَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ : {{ هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى ، أَزِفَتِ الْآزِفَةُ }} . يَعْنِي : دَنَتِ الْقِيَامَةُ وَهَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَقْرِيبِ الْكَائِنِ الَّذِي هُوَ لَا مَحَالَةَ وَاقِعٌ ، كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٍ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ أَرَادَ بِدُنُوِّ الْمَوْتِ وُقُوعَهُ لَا مَحَالَةَ . وَقَالَ كَعْبٌ الْغَنَوِيُّ : لَعَمْرُكُمَا إِنَّ الْبَعِيدَ الَّذِي مَضَى وَإِنَّ الَّذِي يَأْتِي غَدًا لَقَرِيبُ فَسَمَّى مَا قُدِّرَ كَوْنُهُ وَيُنْتَظَرُ وُقُوعُهُ وَإِنْ بَعُدَ وَقْتُهُ بِاسْمِ غَدٍ ، وَهُوَ ثَانِيَ يَوْمِكَ ، لِأَنَّ مُرُورَ الْأَوْقَاتِ يُدْنِيهِ ، وَفِي التَّنْزِيلِ : {{ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ }} . وَهَذَا وَشِبْهُهُ مُتَصَرِّفٌ فِي أَكْثَرِ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَلِهَذَا أَخْرَجُوا الْمُسْتَقْبَلَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّذِي وَقَعَ الْوَعْدُ بِهِ مَخْرَجَ الْمَاضِي الَّذِي قَدْ تَصَرَّمَ وَقْتُهُ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ }} ، {{ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ }} . وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ }} أَنَّ مَعْنَاهُ : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ وَعْدًا ، فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ وُقُوعًا وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا بَالَغُوا فِي شِدَّةِ السَّعْي وَسُرْعَةِ الْحَرَكَةِ : جَاءَنَا زَيْدٌ أَسْرَعَ مِنَ الرِّيحِ ، وَأَسْرَعَ مِنَ الْبَرْقِ ، وَرَأَيْنَا فُلَانًا يَطِيرُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُبَارِي الرِّيحَ وَالْبَرْقَ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الطَّيَرَانِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْخِفَّةُ وَسُرْعَةُ الْحَرَكَةِ . وَيُقَالُ فِي أَمْثَالِهِمْ : جَاءَ فُلَانٌ قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جَرَى ، يُرِيدُونَ السُّرْعَةَ ، أَيْ قَبْلَ لَحْظَةِ الْعَيْنِ ، وَالْعَيْرُ بِالرَّاءِ : إِنْسَانُ الْعَيْنِ ، وَفُسِّرَ بَيْتُ الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ : زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مِنْ ضَرَبَ الْعَيْـ ـرَ مُوَالٍ لَنَا وَأَنَّا الْوَلَاءُ أَيْ كُلُّ مَنْ ضَرَبَ بِجَفْنٍ عَلَى عَيْرٍ ، قَالَ : وَالْعَيْرُ إِنْسَانُ الْعَيْنِ وَهَذَا تَفْسِيرُ بَعْضِ الرُّوَاةِ مِنَ الْقُدَمَاءِ ، وَهُوَ غَرِيبٌ ، فَهَذِهِ لُغَاتُ الْعَرَبِ ، وَإِنَّمَا خَاطَبَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَتِهِ وَلُغَتِهِمْ ، فَمَنْ جَهِلَ لُغَاتِ الْمُخَاطَبِينَ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ جُمْلَةِ النَّظَّارِينَ