قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامُهُ أُنَدِّيهِ مَعَ الْ إِبِلِ ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتْلَ رَاعِيَهَا ، وَخَرَجَ يَطْرُدُ بِهَا ، وَهُوَ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَبَاحُ اقْعُدْ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ ، وَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ ، وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ ، قَالَ : وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ ، فَجَعَلْتُ وَجْهِي قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : يَا صَبَاحَاهُ ، ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ مَعِي سَيْفِي وَنَبْلِي ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَرْتَجِزُهُمْ ، وَذَلِكَ حِينَ كَثُرَ الشَّجَرُ ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَمَيْتُهُ ، وَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ ، إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِ وَأَقُولُ : {
} أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ {
}وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ {
}فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ فَأَرْمِيهِ ، وَهُوَ عَلَى رَحْلِهِ ، فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّحْلِ حَتَّى انْتَظَمْتُ كَتِفَهُ ، قُلْتُ : خُذْهَا {
} وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ {
}وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ {
}فَإِذَا كُنْتُ فِي الشَّجَرِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ ، وَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ وَرَدَّيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ شَأْنِي وَشَأْنَهُمُ أَتْبَعُهُمْ ، وَأَرْتَجِزُ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي وَاسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ بِهَا لَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، إِلَّا جَمَعْتُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ وَجَمَعْتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا امْتَدَّ الضُّحَى أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ مُمِدًّا لَهُمْ وَهُمْ فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ ، ثُمَّ عَلَوْتُ الْجَبَلَ ، قَالَ عُيَيْنَةَ : وَأَنَا فَوْقَهُمْ مَا هَذَا الَّذِي أَرَى ؟ قَالُوا : لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ ، مَا فَارَقَنَا مُنْذُ سَحَرَ حَتَّى الْآنَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَيْدِينَا ، وَجَعَلَهُ وَرَاءَهُ ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ : لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ ، فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ ، فَقَامَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ ، فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمُ الصَّوْتَ ، قُلْتُ لَهُمْ : أَتَعْرِفُونِي ، قَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ ، فَيُدْرِكُنِي وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتُنِي ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : أَظُنُّ ، قَالَ : فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ ، وَعَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ الْكِنْدِيُّ ، قَالَ : فَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ ، فَأَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ ، فَأَعْتَرِضُ الْأَخْرَمَ ، فَقُلْتُ : يَا أَخْرَمُ احْذَرْهُمْ ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَقْتَطِعُوكَ ، فَاتَّئِدْ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ، قَالَ : يَا سَلَمَةُ ، إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ ، قَالَ : فَخَلَّى عِنَانَ فَرَسِهِ ، فَلَحِقَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ ، وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَاخْتَلَفَا فِي طَعْنَتَيْنِ ، فَعَقَرَ الْأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَقَتَلَهُ وَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ ، فَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَاخْتَلَفَا فِي طَعْنَتَيْنِ ، فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ ، وَقَتْلَهُ أَبُو قَتَادَةَ ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي إِثْرِ الْقَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَيُعْرِضُونَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ : ذُو قَرَدٍ ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ ، فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ ، فَعَطَفُوا عَنْهُ وَشُدُّوا فِي الثَّنِيَّةِ ثَنِيَّةِ ذِي ثَبِيرٍ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ ، فَأَلْحَقُ رَجُلًا فَأَرْمِيهِ ، قُلْتُ : خُذْهَا {
} وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ {
}وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ {
}قَالَ : يَا ثَكِلَتْنِي أُمِّي أَأَكُوعُ بَكْرَةَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ ، وَكَانَ الَّذِي رَمَيْتُهُ بَكْرَةَ ، وَأَتْبَعْتُهُ بِسَهْمٍ آخَرَ ، فَعَلِقَ فِيهِ سَهْمَانِ وَخَلَّفُوا فَرَسَيْنِ ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي عِنْدَ ذِي قَرَدٍ ، فَإِذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمَاعَةٍ ، وَإِذَا بِلَالٌ قَدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ وَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، خَلِّنِي فَأَنْتَخِبَ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةَ رَجُلٍ وَآخُذَ عَلَى الْكُفَّارِ ، فَلَا أُبْقِي مِنْهُمْ مُخْبِرًا ، إِلَّا قَتَلْتُهُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَلِكَ يَا سَلَمَةُ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، وَالَّذِي أَكْرَمَ وَجْهَكَ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُمْ يُقْرَوْنَ الْآنَ إِلَى أَرْضِ غَطَفَانَ " ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ ، فَقَالَ : نَزَلُوا عَلَى فُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ ، فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا ، فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبَرَةً ، فَتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هُرَّابًا ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ " ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَنِي وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ ضَحْوَةٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، خَلِّنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ ، قَالَ : " إِنْ شِئْتَ " ، قُلْتُ : اذْهَبْ إِلَيْكَ فَطَفَرَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَثَنَيْتُ رِجْلِي ، فَطَفَرْتُ عَنِ النَّاقَةِ ، ثُمَّ إِنِّي رَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا ، أَوْ شَرَفَيْنِ - يَعْنِي اسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي - ، ثُمَّ عَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ ، فَأَصُكُّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِيَدِي ، وَقُلْتُ : سُبِقْتَ وَاللَّهِ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامُهُ أُنَدِّيهِ مَعَ الْ إِبِلِ ، فَلَمَّا كَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَقَتْلَ رَاعِيَهَا ، وَخَرَجَ يَطْرُدُ بِهَا ، وَهُوَ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَبَاحُ اقْعُدْ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ ، وَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةَ ، وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ ، قَالَ : وَقُمْتُ عَلَى تَلٍّ ، فَجَعَلْتُ وَجْهِي قِبَلَ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ نَادَيْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : يَا صَبَاحَاهُ ، ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ مَعِي سَيْفِي وَنَبْلِي ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَرْتَجِزُهُمْ ، وَذَلِكَ حِينَ كَثُرَ الشَّجَرُ ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ جَلَسْتُ لَهُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَمَيْتُهُ ، وَلَا يُقْبِلُ عَلَيَّ فَارِسٌ ، إِلَّا عَقَرْتُ بِهِ ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِ وَأَقُولُ : أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَأَلْحَقُ بِرَجُلٍ فَأَرْمِيهِ ، وَهُوَ عَلَى رَحْلِهِ ، فَيَقَعُ سَهْمِي فِي الرَّحْلِ حَتَّى انْتَظَمْتُ كَتِفَهُ ، قُلْتُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَإِذَا كُنْتُ فِي الشَّجَرِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ ، وَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ وَرَدَّيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ شَأْنِي وَشَأْنَهُمُ أَتْبَعُهُمْ ، وَأَرْتَجِزُ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي وَاسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً يَسْتَخِفُّونَ بِهَا لَا يُلْقُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، إِلَّا جَمَعْتُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ وَجَمَعْتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا امْتَدَّ الضُّحَى أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ مُمِدًّا لَهُمْ وَهُمْ فِي ثَنِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ ، ثُمَّ عَلَوْتُ الْجَبَلَ ، قَالَ عُيَيْنَةَ : وَأَنَا فَوْقَهُمْ مَا هَذَا الَّذِي أَرَى ؟ قَالُوا : لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ ، مَا فَارَقَنَا مُنْذُ سَحَرَ حَتَّى الْآنَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَيْدِينَا ، وَجَعَلَهُ وَرَاءَهُ ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ : لَوْلَا أَنَّ هَذَا يَرَى وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَكُمْ ، فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ ، فَقَامَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ ، فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمُ الصَّوْتَ ، قُلْتُ لَهُمْ : أَتَعْرِفُونِي ، قَالُوا : مَنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ ، فَيُدْرِكُنِي وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتُنِي ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : أَظُنُّ ، قَالَ : فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ ، وَعَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ الْكِنْدِيُّ ، قَالَ : فَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ مُدْبِرِينَ ، فَأَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ ، فَأَعْتَرِضُ الْأَخْرَمَ ، فَقُلْتُ : يَا أَخْرَمُ احْذَرْهُمْ ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَقْتَطِعُوكَ ، فَاتَّئِدْ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ، قَالَ : يَا سَلَمَةُ ، إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ ، قَالَ : فَخَلَّى عِنَانَ فَرَسِهِ ، فَلَحِقَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ ، وَيَعْطِفُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَاخْتَلَفَا فِي طَعْنَتَيْنِ ، فَعَقَرَ الْأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَقَتَلَهُ وَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ ، فَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَاخْتَلَفَا فِي طَعْنَتَيْنِ ، فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ ، وَقَتْلَهُ أَبُو قَتَادَةَ ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي إِثْرِ الْقَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئًا وَيُعْرِضُونَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ : ذُو قَرَدٍ ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ ، فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ ، فَعَطَفُوا عَنْهُ وَشُدُّوا فِي الثَّنِيَّةِ ثَنِيَّةِ ذِي ثَبِيرٍ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ ، فَأَلْحَقُ رَجُلًا فَأَرْمِيهِ ، قُلْتُ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ قَالَ : يَا ثَكِلَتْنِي أُمِّي أَأَكُوعُ بَكْرَةَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ ، وَكَانَ الَّذِي رَمَيْتُهُ بَكْرَةَ ، وَأَتْبَعْتُهُ بِسَهْمٍ آخَرَ ، فَعَلِقَ فِيهِ سَهْمَانِ وَخَلَّفُوا فَرَسَيْنِ ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي عِنْدَ ذِي قَرَدٍ ، فَإِذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي جَمَاعَةٍ ، وَإِذَا بِلَالٌ قَدْ نَحَرَ جَزُورًا مِمَّا خَلَّفْتُ وَهُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، خَلِّنِي فَأَنْتَخِبَ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةَ رَجُلٍ وَآخُذَ عَلَى الْكُفَّارِ ، فَلَا أُبْقِي مِنْهُمْ مُخْبِرًا ، إِلَّا قَتَلْتُهُ ، فَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَلِكَ يَا سَلَمَةُ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، وَالَّذِي أَكْرَمَ وَجْهَكَ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ ، فَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّهُمْ يُقْرَوْنَ الْآنَ إِلَى أَرْضِ غَطَفَانَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ ، فَقَالَ : نَزَلُوا عَلَى فُلَانٍ الْغَطَفَانِيِّ ، فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا ، فَلَمَّا أَخَذُوا يَكْشِطُونَ جِلْدَهَا رَأَوْا غَبَرَةً ، فَتَرَكُوهَا وَخَرَجُوا هُرَّابًا ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَرْدَفَنِي وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ ضَحْوَةٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَا يُسْبَقُ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ أَلَا رَجُلٌ يُسَابِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، خَلِّنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ ، قَالَ : إِنْ شِئْتَ ، قُلْتُ : اذْهَبْ إِلَيْكَ فَطَفَرَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَثَنَيْتُ رِجْلِي ، فَطَفَرْتُ عَنِ النَّاقَةِ ، ثُمَّ إِنِّي رَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا ، أَوْ شَرَفَيْنِ - يَعْنِي اسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي - ، ثُمَّ عَدَوْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ ، فَأَصُكُّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِيَدِي ، وَقُلْتُ : سُبِقْتَ وَاللَّهِ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ