عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً , فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا , وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا , وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ "
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً , فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا , وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا , وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَسَدٌ ، قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , وَحَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ . غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ , لَا سَمْرَاءَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الشَّاةَ الْمُصَرَّاةَ إِذَا اشْتَرَاهَا رَجُلٌ فَحَلَبَهَا , فَلَمْ يَرْضَ حِلَابَهَا , فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ , كَانَ بِالْخِيَارِ , إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا , وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا , وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآثَارِ . وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ . وَقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ , غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ عَنْهُ . وَخَالَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ آخَرُونَ , فَقَالُوا : لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِالْعَيْبِ , وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ , أَبُو حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا . وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ , مَنْسُوخٌ . فَرُوِيَ عَنْهُمْ هَذَا الْكَلَامُ مُجْمَلًا , ثُمَّ اخْتُلِفَ عَنْهُمْ مِنْ بَعْدُ فِي الَّذِي نَسَخَ ذَلِكَ مَا هُوَ ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ , فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ , نَسَخَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ , فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ . فَلَمَّا قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالْفُرْقَةِ الْخِيَارَ , ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِأَحَدٍ بَعْدَهَا إِلَّا لِمَنِ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا التَّأْوِيلُ , عِنْدِي , فَاسِدٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَجْعُولَ فِي الْمُصَرَّاةِ , إِنَّمَا هُوَ خِيَارُ عَيْبٍ , وَخِيَارُ الْعَيْبِ لَا يَقْطَعُهُ الْفُرْقَةُ . أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ , وَتَفَرَّقَا , ثُمَّ رَأَى بِهِ عَيْبًا بَعْدَ ذَلِكَ , أَنَّ لَهُ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ , بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ , لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ التَّفَرُّقُ , الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ . فَكَذَلِكَ الْمُبْتَاعُ لِلشَّاةِ الْمُصَرَّاةِ , فَإِذَا قَبَضَهَا فَاحْتَلَبَهَا , فَعَلِمَ أَنَّهَا عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ ظَهَرَ لَهُ مِنْهَا , وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ فِي احْتِلَابِهِ مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ , جُعِلَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْمُدَّةُ , وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ , حَتَّى يَحْلُبَهَا فِي ذَلِكَ , فَيَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ مَا هِيَ عَلَيْهِ . فَإِنْ كَانَ بَاطِنُهَا كَظَاهِرِهَا , فَقَدْ لَزِمَتْهُ وَاسْتَوْفَى مَا اشْتَرَى . وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا بِخِلَافِ بَاطِنِهَا , فَقَدْ ثَبَتَ الْعَيْبُ , وَوَجَبَ لَهُ رَدُّهَا بِهِ . فَإِنْ حَلَبَهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ , فَقَدْ حَلَبَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهَا , فَذَلِكَ رِضَاءٌ مِنْهُ بِهَا . فَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُ , وَجَبَ فَسَادُ التَّأْوِيلِ الَّذِي وَصَفْتُ . وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ : كَانَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الْحُكْمِ فِي الْمُصَرَّاةِ , بِمَا فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ , فِي وَقْتِ مَا كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ فِي الذُّنُوبِ , يُؤْخَذُ بِهَا الْأَمْوَالُ . فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ مَنْ أَدَّاهَا طَائِعًا , فَلَهُ أَجْرُهَا , وَإِلَّا أَخَذْنَاهَا مِنْهُ وَشَطْرَ مَالِهِ , عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي سَارِقِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُحْرَزْ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ جَلَدَاتٍ , وَيَغْرَمُ مِثْلَيْهَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي بَابِ وَطْءِ الرَّجُلِ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ ، فَأَغْنَانَا ذَلِكَ عَنْ إِعَادَةِ ذِكْرِهَا هَاهُنَا . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَ اللَّهُ الرِّبَا أُفْرِدَتِ الْأَشْيَاءُ الْمَأْخُوذَةُ إِلَى أَمْثَالِهَا , إِنْ كَانَتْ لَهَا أَمْثَالٌ , وَإِلَى قِيمَتِهَا , إِنْ كَانَتْ لَا أَمْثَالَ لَهَا , وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنِ التَّصْرِيَةِ , وَرُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ