• 1010
  • قَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ "

    حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ ، يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ ؟ فَقَالَ قوْمٌ : نَحْنُ سَمِعْنَاهُ ، فَقَالَ : لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ ؟ قَالُوا : أَجَلْ ، قَالَ : تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَذْكُرُ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ : فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ ، فَقُلْتُ : أَنَا ، قَالَ : أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ قَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ، قَالَ حُذَيْفَةُ : وَحَدَّثْتُهُ ، أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ ، قَالَ عُمَرُ : أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ ؟ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ ، قُلْتُ : لَا بَلْ يُكْسَرُ ، وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ قَالَ أَبُو خَالِدٍ : فَقُلْتُ لِسَعْدٍ : يَا أَبَا مَالِكٍ ، مَا أَسْوَدُ مُرْبَادٌّ ؟ قَالَ : شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا ؟ قَالَ : مَنْكُوسًا ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، قالَ : لَمَّا قَدِمَ حُذَيْفَةُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ جَلَسَ ، فَحَدَّثَنَا ، فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْسِ لَمَّا جَلَسْتُ إِلَيْهِ سَأَلَ أَصْحَابَهُ ، أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْفِتَنِ ؟ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ أَبِي مَالِكٍ لِقَوْلِهِ : مُرْبَادًّا مُجَخِّيًا ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، أَنَّ عُمَرَ ، قَالَ : مَنْ يُحَدِّثُنَا أَوْ قَالَ : أَيُّكُمْ يُحَدِّثُنَا - وَفِيهِمْ حُذَيْفَةُ - مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ : أَنَا ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ كَنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ : قَالَ حُذَيْفَةُ : حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ ، وَقَالَ : يَعْنِي أَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ

    تكفرها: تكفر : تمحو
    نكت: نُكت : نُقط ، وأصله من النكت في الأرض وهو التأثير فيها بعصا أو بغيره
    نكتة: النُكتة : النُقطة والعلامة والأثر، وأصله من النكت في الأرض وهو التأثير فيها بعصا أو بغيره
    مربادا: المرباد : ما اختلط سواده بكدرة
    مجخيا: المجخي : المقلوب والمراد القلب المائل عن طريق الحق والاستقامة
    بالأغاليط: الأغاليط : جمع الأغلوطة ، وهي : ما يغالط به من المسائل ، والكلام الذي يغلط فيه ويغالط به
    منكوسا: المنكوس : المقلوب عن أصل حالته
    تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ
    حديث رقم: 511 في صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب: الصلاة كفارة
    حديث رقم: 1379 في صحيح البخاري كتاب الزكاة باب الصدقة تكفر الخطيئة
    حديث رقم: 1811 في صحيح البخاري كتاب الصوم باب: الصوم كفارة
    حديث رقم: 6718 في صحيح البخاري كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر
    حديث رقم: 5259 في صحيح مسلم كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ بَابٌ فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ
    حديث رقم: 2282 في جامع الترمذي أبواب الفتن باب
    حديث رقم: 3952 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الْفِتَنِ بَابُ مَا يَكُونُ مِنَ الْفِتَنِ
    حديث رقم: 22850 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 22698 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 22828 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 6066 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كِتَابُ الرَّهْنِ
    حديث رقم: 8576 في المستدرك على الصحيحين كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
    حديث رقم: 8579 في المستدرك على الصحيحين كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
    حديث رقم: 36665 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْفِتَنِ مَنْ كَرِهَ الْخُرُوجَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَعَوَّذَ عَنْهَا
    حديث رقم: 36454 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْفِتَنِ مَنْ كَرِهَ الْخُرُوجَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَعَوَّذَ عَنْهَا
    حديث رقم: 1797 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْأَلِفِ مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ
    حديث رقم: 4937 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْعَيْنِ مَنِ اسْمُهُ : عَبْدُ الْمَلِكِ
    حديث رقم: 2954 في المعجم الكبير للطبراني بَابُ مَنِ اسْمُهُ حَمْزَةُ وَمِنْ مُسْنَدِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 434 في مسند الحميدي مسند الحميدي أَحَادِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 403 في مسند الطيالسي أَحَادِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ
    حديث رقم: 100 في مشيخة ابن طهمان مشيخة ابن طهمان
    حديث رقم: 112 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْإِيمَانِ بَيَانُ انْتِزَاعِ الْأَمَانَةِ مِنَ الْقُلُوبِ وَرَفْعِهَا ، وَأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا أَشْرَبَهُ
    حديث رقم: 6226 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء رِبْعِيُّ بْنُ خِرَاشٍ
    حديث رقم: 1746 في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الأسمَاء وَمِمَّا أَسْنَدَ حُذَيْفَةُ
    حديث رقم: 271 في الزهد لأبي داود الزهد لأبي داود مِنْ زُهْدِ حُذَيْفَةَ
    حديث رقم: 939 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ
    حديث رقم: 1074 في معجم ابن الأعرابي بَابُ الْأَلِفِ بَابُ الْأَلِفِ
    حديث رقم: 1352 في الشريعة للآجري كِتَابُ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُفْلُ الْإِسْلَامِ ؛ وَأَنَّ الْفِتَنَ تَكُونُ بَعْدَهُ
    حديث رقم: 32 في معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي حَرْفُ الْأَلِفِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ بَصْرِيٌّ بِهَا
    حديث رقم: 406 في معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي حَرْفُ الْمِيمِ حَرْفُ الْمِيمِ
    حديث رقم: 934 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ
    حديث رقم: 938 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ
    حديث رقم: 184 في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الأسمَاء مَعْرِفَةُ صِفَاتِ الْفَارُوقِ وَأَسْمَائِهِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ أَحْوَالِهِ الْفَارُوقُ وَالْعَبْقَرِيُّ وَالْأَحْوَذِيُّ وَالْقَرْنُ الْحَدِيدُ وَالْأَمِيرُ الشَّدِيدُ ، صَاحِبُ رَحَى دَارَةِ الْعَرَبِ ، الْقَوِيُّ فِي جِسْمِهِ الْجَادُّ فِي دِينِهِ الْمُحَدِّثُ الْمُسَدِّدُ الْمُتَثَبِّتُ الْمُتَيَقِّظُ الْحِصْنُ الْحَصِينُ ، الْبَابُ الْوَثِيقُ ، قُفْلُ الْفِتْنَةِ وَسَادُّ الثُّلْمَةَ ، مُقَوِّمُ الْأَوَدِ ، مُبْرِئ الْعَمَدِ ، لَابِسُ الْمَرْقُوعِ ، تَارِكُ الْمَدْفُوعِ ، إِسْلَامُهُ فَتْحٌ ، وَهِجْرَتُهُ نَصْرٌ ، غَضَبُهُ عِزٌّ ، وَرِضَاهُ عَدْلٌ ، نَوَّرَ بِإِسْلَامِهِ الْإِسْلَامَ ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَوْتِهِ كَاسِفَةً بِالظَّلَامِ
    حديث رقم: 990 في الضعفاء للعقيلي بَابُ الْعَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ الْمَرْوَزِيُّ

    [144] وَقَوْلُهُ (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْفِتْنَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُقَالَ الْقَاضِي ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْكَلَامِ لِكُلِّ أَمْرٍ كَشَفَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ سُوءٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فُتِنَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ وَفِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِنْ فَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَشُحِّهِ عَلَيْهِمْ وَشُغْلِهِ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَةَ وَمِنْهَا ذُنُوبٌ يُرْجَى تَكْفِيرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الحسنات يذهبن السيئات وَقَوْلُهُ (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرِ) أَيْ تضطرب وَيَدْفَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْرِ لِشِدَّةِ عِظَمِهَا وَكَثْرَةِ شُيُوعِهَا وَقَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَكَتَ صَمَتَ وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ أَبُوكَ) كَلِمَةُ مَدْحٍ تَعْتَادُ الْعَرَبُ الثَّنَاءَ بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْعَظِيمِ تَشْرِيفٌ وَلِهَذَا يُقَالُ بيت الله وناقة اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِذَا وُجِدَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يُحْمَدُ قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوكَ حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا) هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أَيْضًا قَالَ وَاخْتَارَ شيخنا أبوالحسين بْنُ سَرَّاجٍ فَتْحَ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَى تُعْرَضُ أَنَّهَا تُلْصَقُ بِعَرْضِ الْقُلُوبِ أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَقُ الْحَصِيرُ بِجَنْبِ النَّائِمِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ شِدَّةُ الْتِصَاقهَا بِهِ قَالَ وَمَعْنَى عَوْدًا عَوْدًا أَيْ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قال بن سَرَّاجٍ وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ سُؤَالُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ غُفْرًا غُفْرًا وَغُفْرَانَكَ أَيْ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنْذَلِكَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ تَظْهَرُ عَلَى الْقُلُوبِ أَيْ تَظْهَرُ لَهَا فِتْنَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُ كَالْحَصِيرِ أَيْ كَمَا يُنْسَجُ الْحَصِيرُ عُودًا عُودًا وَشَظِيَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ ضَمِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرْضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ وَصِحَّةُ تَشْبِيهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ) مَعْنَى أُشْرِبَهَا دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَةً نُقِطَ نُقْطَةً وَهِيَ بالتاء المثناة فى آخره قال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ نُقْطَةٍ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ لَوْنِهِ فَهُوَ نَكْتٌ وَمَعْنَى أَنْكَرَهَا رَدَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرْبَادًّا فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَأُصُولِ بِلَادِنَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا فِي ضَبْطِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضبطه كماذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْبَئِدٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُهْمَزَ وَيَكُونُ مُرْبَدٌّ مِثْلُ مُسَوَّدٌ وَمُحْمَرٌّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سَرَّاجٍ لِأَنَّهُ مِنَ ارْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ احْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَالُ ارْبَأَدَّ وَمُرْبَئِدٌّ وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُجَخِّيًا فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَائِلِ قَالَ القاضي عياض قال لى بن سَرَّاجٍ لَيْسَ قَوْلُهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَادِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ آخَرُ مِنْ أَوْصَافِهِ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَقَ بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَمَثَّلَهُ بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (قُلْتُ لِسَعْدٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا فَقَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ إِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ قَالَ أَرَى أَنَّ صَوَابَهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ لَا يُسَمَّى رُبْدَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا بَلَقٌ إِذَا كَانَ فِي الْجِسْمِ وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ وَالرُّبْدَةُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ بَيَاضٍ يَسِيرٍ يُخَالِطُ السَّوَادَ كَلَوْنِ أَكْثَرِ النَّعَامِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ رَبْدَاءُ فَصَوَابُهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ لَا شِدَّةُ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغَبَرَةِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ أَنْ يَخْتَلِطَ السَّوَادُ بِكُدْرَةٍ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَوْنُ النَّعَامِ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَادٌ وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ الْمُرْبَدُ الْمُلَمَّعُ بِسَوَادٍوَبَيَاضٍ وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ أَيْ تَلَوَّنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَنَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي حياتك وأما قوله يوشك فبضم الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ وَقَوْلُهُ أَكَسْرًا أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُورَ لَا يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ وَلِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاهٍ وَغَلَبَةٍ وَخِلَافِ عَادَةٍ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَذْكُرهَا الْعَرَبُ لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَحَزَبَهُ أَمْرٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مِنَ الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الِانْفِرَادُ وَعَدَمُ الْأَبِ الْمُعَاوِنِ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ والله اعلم قوله وحدثته أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقْتَلُ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ الْقَاضِي ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْكَلَامِ لِكُلِّ أَمْرٍ كَشَفَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ سُوءٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فُتِنَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ وَفِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِنْ فَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَشُحِّهِ عَلَيْهِمْ وَشُغْلِهِ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَةَ وَمِنْهَا ذُنُوبٌ يُرْجَى تَكْفِيرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الحسنات يذهبن السيئات وَقَوْلُهُ (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرِ) أَيْ تضطرب وَيَدْفَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْرِ لِشِدَّةِ عِظَمِهَا وَكَثْرَةِ شُيُوعِهَا وَقَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَكَتَ صَمَتَ وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ أَبُوكَ) كَلِمَةُ مَدْحٍ تَعْتَادُ الْعَرَبُ الثَّنَاءَ بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْعَظِيمِ تَشْرِيفٌ وَلِهَذَا يُقَالُ بيت الله وناقة اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِذَا وُجِدَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يُحْمَدُ قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوكَ حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا) هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أَيْضًا قَالَ وَاخْتَارَ شيخنا أبوالحسين بْنُ سَرَّاجٍ فَتْحَ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَى تُعْرَضُ أَنَّهَا تُلْصَقُ بِعَرْضِ الْقُلُوبِ أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَقُ الْحَصِيرُ بِجَنْبِ النَّائِمِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ شِدَّةُ الْتِصَاقهَا بِهِ قَالَ وَمَعْنَى عَوْدًا عَوْدًا أَيْ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قال بن سَرَّاجٍ وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ سُؤَالُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ غُفْرًا غُفْرًا وَغُفْرَانَكَ أَيْ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنْذَلِكَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ تَظْهَرُ عَلَى الْقُلُوبِ أَيْ تَظْهَرُ لَهَا فِتْنَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُ كَالْحَصِيرِ أَيْ كَمَا يُنْسَجُ الْحَصِيرُ عُودًا عُودًا وَشَظِيَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ ضَمِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرْضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ وَصِحَّةُ تَشْبِيهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ) مَعْنَى أُشْرِبَهَا دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَةً نُقِطَ نُقْطَةً وَهِيَ بالتاء المثناة فى آخره قال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ نُقْطَةٍ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ لَوْنِهِ فَهُوَ نَكْتٌ وَمَعْنَى أَنْكَرَهَا رَدَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرْبَادًّا فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَأُصُولِ بِلَادِنَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا فِي ضَبْطِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضبطه كماذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْبَئِدٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُهْمَزَ وَيَكُونُ مُرْبَدٌّ مِثْلُ مُسَوَّدٌ وَمُحْمَرٌّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سَرَّاجٍ لِأَنَّهُ مِنَ ارْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ احْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَالُ ارْبَأَدَّ وَمُرْبَئِدٌّ وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُجَخِّيًا فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَائِلِ قَالَ القاضي عياض قال لى بن سَرَّاجٍ لَيْسَ قَوْلُهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَادِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ آخَرُ مِنْ أَوْصَافِهِ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَقَ بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَمَثَّلَهُ بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (قُلْتُ لِسَعْدٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا فَقَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ إِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ قَالَ أَرَى أَنَّ صَوَابَهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ لَا يُسَمَّى رُبْدَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا بَلَقٌ إِذَا كَانَ فِي الْجِسْمِ وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ وَالرُّبْدَةُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ بَيَاضٍ يَسِيرٍ يُخَالِطُ السَّوَادَ كَلَوْنِ أَكْثَرِ النَّعَامِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ رَبْدَاءُ فَصَوَابُهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ لَا شِدَّةُ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغَبَرَةِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ أَنْ يَخْتَلِطَ السَّوَادُ بِكُدْرَةٍ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَوْنُ النَّعَامِ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَادٌ وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ الْمُرْبَدُ الْمُلَمَّعُ بِسَوَادٍوَبَيَاضٍ وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ أَيْ تَلَوَّنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَنَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي حياتك وأما قوله يوشك فبضم الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ وَقَوْلُهُ أَكَسْرًا أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُورَ لَا يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ وَلِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاهٍ وَغَلَبَةٍ وَخِلَافِ عَادَةٍ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَذْكُرهَا الْعَرَبُ لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَحَزَبَهُ أَمْرٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مِنَ الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الِانْفِرَادُ وَعَدَمُ الْأَبِ الْمُعَاوِنِ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ والله اعلم قوله وحدثته أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقْتَلُ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ الْقَاضِي ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْكَلَامِ لِكُلِّ أَمْرٍ كَشَفَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ سُوءٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فُتِنَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ وَفِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِنْ فَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَشُحِّهِ عَلَيْهِمْ وَشُغْلِهِ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَةَ وَمِنْهَا ذُنُوبٌ يُرْجَى تَكْفِيرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الحسنات يذهبن السيئات وَقَوْلُهُ (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرِ) أَيْ تضطرب وَيَدْفَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْرِ لِشِدَّةِ عِظَمِهَا وَكَثْرَةِ شُيُوعِهَا وَقَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَكَتَ صَمَتَ وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ أَبُوكَ) كَلِمَةُ مَدْحٍ تَعْتَادُ الْعَرَبُ الثَّنَاءَ بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْعَظِيمِ تَشْرِيفٌ وَلِهَذَا يُقَالُ بيت الله وناقة اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِذَا وُجِدَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يُحْمَدُ قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوكَ حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا) هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أَيْضًا قَالَ وَاخْتَارَ شيخنا أبوالحسين بْنُ سَرَّاجٍ فَتْحَ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَى تُعْرَضُ أَنَّهَا تُلْصَقُ بِعَرْضِ الْقُلُوبِ أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَقُ الْحَصِيرُ بِجَنْبِ النَّائِمِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ شِدَّةُ الْتِصَاقهَا بِهِ قَالَ وَمَعْنَى عَوْدًا عَوْدًا أَيْ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قال بن سَرَّاجٍ وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ سُؤَالُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ غُفْرًا غُفْرًا وَغُفْرَانَكَ أَيْ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنْذَلِكَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ تَظْهَرُ عَلَى الْقُلُوبِ أَيْ تَظْهَرُ لَهَا فِتْنَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُ كَالْحَصِيرِ أَيْ كَمَا يُنْسَجُ الْحَصِيرُ عُودًا عُودًا وَشَظِيَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ ضَمِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرْضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ وَصِحَّةُ تَشْبِيهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ) مَعْنَى أُشْرِبَهَا دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَةً نُقِطَ نُقْطَةً وَهِيَ بالتاء المثناة فى آخره قال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ نُقْطَةٍ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ لَوْنِهِ فَهُوَ نَكْتٌ وَمَعْنَى أَنْكَرَهَا رَدَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرْبَادًّا فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَأُصُولِ بِلَادِنَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا فِي ضَبْطِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضبطه كماذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْبَئِدٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُهْمَزَ وَيَكُونُ مُرْبَدٌّ مِثْلُ مُسَوَّدٌ وَمُحْمَرٌّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سَرَّاجٍ لِأَنَّهُ مِنَ ارْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ احْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَالُ ارْبَأَدَّ وَمُرْبَئِدٌّ وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُجَخِّيًا فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَائِلِ قَالَ القاضي عياض قال لى بن سَرَّاجٍ لَيْسَ قَوْلُهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَادِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ آخَرُ مِنْ أَوْصَافِهِ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَقَ بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَمَثَّلَهُ بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (قُلْتُ لِسَعْدٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا فَقَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ إِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ قَالَ أَرَى أَنَّ صَوَابَهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ لَا يُسَمَّى رُبْدَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا بَلَقٌ إِذَا كَانَ فِي الْجِسْمِ وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ وَالرُّبْدَةُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ بَيَاضٍ يَسِيرٍ يُخَالِطُ السَّوَادَ كَلَوْنِ أَكْثَرِ النَّعَامِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ رَبْدَاءُ فَصَوَابُهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ لَا شِدَّةُ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغَبَرَةِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ أَنْ يَخْتَلِطَ السَّوَادُ بِكُدْرَةٍ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَوْنُ النَّعَامِ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَادٌ وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ الْمُرْبَدُ الْمُلَمَّعُ بِسَوَادٍوَبَيَاضٍ وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ أَيْ تَلَوَّنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَنَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي حياتك وأما قوله يوشك فبضم الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ وَقَوْلُهُ أَكَسْرًا أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُورَ لَا يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ وَلِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاهٍ وَغَلَبَةٍ وَخِلَافِ عَادَةٍ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَذْكُرهَا الْعَرَبُ لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَحَزَبَهُ أَمْرٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مِنَ الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الِانْفِرَادُ وَعَدَمُ الْأَبِ الْمُعَاوِنِ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ والله اعلم قوله وحدثته أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقْتَلُ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ الْقَاضِي ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْكَلَامِ لِكُلِّ أَمْرٍ كَشَفَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ سُوءٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فُتِنَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ وَفِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِنْ فَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَشُحِّهِ عَلَيْهِمْ وَشُغْلِهِ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَةَ وَمِنْهَا ذُنُوبٌ يُرْجَى تَكْفِيرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الحسنات يذهبن السيئات وَقَوْلُهُ (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرِ) أَيْ تضطرب وَيَدْفَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْرِ لِشِدَّةِ عِظَمِهَا وَكَثْرَةِ شُيُوعِهَا وَقَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَكَتَ صَمَتَ وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ أَبُوكَ) كَلِمَةُ مَدْحٍ تَعْتَادُ الْعَرَبُ الثَّنَاءَ بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْعَظِيمِ تَشْرِيفٌ وَلِهَذَا يُقَالُ بيت الله وناقة اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِذَا وُجِدَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يُحْمَدُ قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوكَ حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا) هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أَيْضًا قَالَ وَاخْتَارَ شيخنا أبوالحسين بْنُ سَرَّاجٍ فَتْحَ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَى تُعْرَضُ أَنَّهَا تُلْصَقُ بِعَرْضِ الْقُلُوبِ أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَقُ الْحَصِيرُ بِجَنْبِ النَّائِمِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ شِدَّةُ الْتِصَاقهَا بِهِ قَالَ وَمَعْنَى عَوْدًا عَوْدًا أَيْ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قال بن سَرَّاجٍ وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ سُؤَالُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ غُفْرًا غُفْرًا وَغُفْرَانَكَ أَيْ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنْذَلِكَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ تَظْهَرُ عَلَى الْقُلُوبِ أَيْ تَظْهَرُ لَهَا فِتْنَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُ كَالْحَصِيرِ أَيْ كَمَا يُنْسَجُ الْحَصِيرُ عُودًا عُودًا وَشَظِيَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ ضَمِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرْضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ وَصِحَّةُ تَشْبِيهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ) مَعْنَى أُشْرِبَهَا دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَةً نُقِطَ نُقْطَةً وَهِيَ بالتاء المثناة فى آخره قال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ نُقْطَةٍ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ لَوْنِهِ فَهُوَ نَكْتٌ وَمَعْنَى أَنْكَرَهَا رَدَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرْبَادًّا فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَأُصُولِ بِلَادِنَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا فِي ضَبْطِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضبطه كماذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْبَئِدٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُهْمَزَ وَيَكُونُ مُرْبَدٌّ مِثْلُ مُسَوَّدٌ وَمُحْمَرٌّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سَرَّاجٍ لِأَنَّهُ مِنَ ارْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ احْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَالُ ارْبَأَدَّ وَمُرْبَئِدٌّ وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُجَخِّيًا فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَائِلِ قَالَ القاضي عياض قال لى بن سَرَّاجٍ لَيْسَ قَوْلُهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَادِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ آخَرُ مِنْ أَوْصَافِهِ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَقَ بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَمَثَّلَهُ بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (قُلْتُ لِسَعْدٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا فَقَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ إِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ قَالَ أَرَى أَنَّ صَوَابَهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ لَا يُسَمَّى رُبْدَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا بَلَقٌ إِذَا كَانَ فِي الْجِسْمِ وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ وَالرُّبْدَةُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ بَيَاضٍ يَسِيرٍ يُخَالِطُ السَّوَادَ كَلَوْنِ أَكْثَرِ النَّعَامِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ رَبْدَاءُ فَصَوَابُهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ لَا شِدَّةُ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغَبَرَةِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ أَنْ يَخْتَلِطَ السَّوَادُ بِكُدْرَةٍ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَوْنُ النَّعَامِ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَادٌ وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ الْمُرْبَدُ الْمُلَمَّعُ بِسَوَادٍوَبَيَاضٍ وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ أَيْ تَلَوَّنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَنَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي حياتك وأما قوله يوشك فبضم الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ وَقَوْلُهُ أَكَسْرًا أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُورَ لَا يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ وَلِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاهٍ وَغَلَبَةٍ وَخِلَافِ عَادَةٍ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَذْكُرهَا الْعَرَبُ لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَحَزَبَهُ أَمْرٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مِنَ الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الِانْفِرَادُ وَعَدَمُ الْأَبِ الْمُعَاوِنِ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ والله اعلم قوله وحدثته أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقْتَلُ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ الْقَاضِي ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْكَلَامِ لِكُلِّ أَمْرٍ كَشَفَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ سُوءٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فُتِنَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ وَفِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِنْ فَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَشُحِّهِ عَلَيْهِمْ وَشُغْلِهِ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَةَ وَمِنْهَا ذُنُوبٌ يُرْجَى تَكْفِيرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الحسنات يذهبن السيئات وَقَوْلُهُ (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرِ) أَيْ تضطرب وَيَدْفَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْرِ لِشِدَّةِ عِظَمِهَا وَكَثْرَةِ شُيُوعِهَا وَقَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَكَتَ صَمَتَ وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ أَبُوكَ) كَلِمَةُ مَدْحٍ تَعْتَادُ الْعَرَبُ الثَّنَاءَ بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْعَظِيمِ تَشْرِيفٌ وَلِهَذَا يُقَالُ بيت الله وناقة اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِذَا وُجِدَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يُحْمَدُ قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوكَ حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا) هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أَيْضًا قَالَ وَاخْتَارَ شيخنا أبوالحسين بْنُ سَرَّاجٍ فَتْحَ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَى تُعْرَضُ أَنَّهَا تُلْصَقُ بِعَرْضِ الْقُلُوبِ أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَقُ الْحَصِيرُ بِجَنْبِ النَّائِمِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ شِدَّةُ الْتِصَاقهَا بِهِ قَالَ وَمَعْنَى عَوْدًا عَوْدًا أَيْ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قال بن سَرَّاجٍ وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ سُؤَالُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ غُفْرًا غُفْرًا وَغُفْرَانَكَ أَيْ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنْذَلِكَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ تَظْهَرُ عَلَى الْقُلُوبِ أَيْ تَظْهَرُ لَهَا فِتْنَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُ كَالْحَصِيرِ أَيْ كَمَا يُنْسَجُ الْحَصِيرُ عُودًا عُودًا وَشَظِيَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ ضَمِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرْضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ وَصِحَّةُ تَشْبِيهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ) مَعْنَى أُشْرِبَهَا دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَةً نُقِطَ نُقْطَةً وَهِيَ بالتاء المثناة فى آخره قال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ نُقْطَةٍ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ لَوْنِهِ فَهُوَ نَكْتٌ وَمَعْنَى أَنْكَرَهَا رَدَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرْبَادًّا فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَأُصُولِ بِلَادِنَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا فِي ضَبْطِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضبطه كماذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْبَئِدٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُهْمَزَ وَيَكُونُ مُرْبَدٌّ مِثْلُ مُسَوَّدٌ وَمُحْمَرٌّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سَرَّاجٍ لِأَنَّهُ مِنَ ارْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ احْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَالُ ارْبَأَدَّ وَمُرْبَئِدٌّ وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُجَخِّيًا فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَائِلِ قَالَ القاضي عياض قال لى بن سَرَّاجٍ لَيْسَ قَوْلُهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَادِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ آخَرُ مِنْ أَوْصَافِهِ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَقَ بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَمَثَّلَهُ بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (قُلْتُ لِسَعْدٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا فَقَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ إِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ قَالَ أَرَى أَنَّ صَوَابَهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ لَا يُسَمَّى رُبْدَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا بَلَقٌ إِذَا كَانَ فِي الْجِسْمِ وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ وَالرُّبْدَةُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ بَيَاضٍ يَسِيرٍ يُخَالِطُ السَّوَادَ كَلَوْنِ أَكْثَرِ النَّعَامِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ رَبْدَاءُ فَصَوَابُهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ لَا شِدَّةُ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغَبَرَةِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ أَنْ يَخْتَلِطَ السَّوَادُ بِكُدْرَةٍ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَوْنُ النَّعَامِ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَادٌ وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ الْمُرْبَدُ الْمُلَمَّعُ بِسَوَادٍوَبَيَاضٍ وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ أَيْ تَلَوَّنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَنَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي حياتك وأما قوله يوشك فبضم الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ وَقَوْلُهُ أَكَسْرًا أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُورَ لَا يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ وَلِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاهٍ وَغَلَبَةٍ وَخِلَافِ عَادَةٍ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَذْكُرهَا الْعَرَبُ لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَحَزَبَهُ أَمْرٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مِنَ الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الِانْفِرَادُ وَعَدَمُ الْأَبِ الْمُعَاوِنِ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ والله اعلم قوله وحدثته أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقْتَلُ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ الْقَاضِي ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْكَلَامِ لِكُلِّ أَمْرٍ كَشَفَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ سُوءٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فُتِنَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ وَفِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ضُرُوبٌ مِنْ فَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَشُحِّهِ عَلَيْهِمْ وَشُغْلِهِ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلُّهَا فِتَنٌ تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَةَ وَمِنْهَا ذُنُوبٌ يُرْجَى تَكْفِيرُهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ان الحسنات يذهبن السيئات وَقَوْلُهُ (الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرِ) أَيْ تضطرب وَيَدْفَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْرِ لِشِدَّةِ عِظَمِهَا وَكَثْرَةِ شُيُوعِهَا وَقَوْلُهُ (فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ) هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَكَتَ صَمَتَ وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ أَبُوكَ) كَلِمَةُ مَدْحٍ تَعْتَادُ الْعَرَبُ الثَّنَاءَ بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْعَظِيمِ تَشْرِيفٌ وَلِهَذَا يُقَالُ بيت الله وناقة اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَإِذَا وُجِدَ مِنَ الْوَلَدِ مَا يُحْمَدُ قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوكَ حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا) هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا وَأَشْهَرُهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَاخْتَارَ الْأَوَّلُ أَيْضًا قَالَ وَاخْتَارَ شيخنا أبوالحسين بْنُ سَرَّاجٍ فَتْحَ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَى تُعْرَضُ أَنَّهَا تُلْصَقُ بِعَرْضِ الْقُلُوبِ أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَقُ الْحَصِيرُ بِجَنْبِ النَّائِمِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ شِدَّةُ الْتِصَاقهَا بِهِ قَالَ وَمَعْنَى عَوْدًا عَوْدًا أَيْ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ قال بن سَرَّاجٍ وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ سُؤَالُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ غُفْرًا غُفْرًا وَغُفْرَانَكَ أَيْ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنَا مِنْذَلِكَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ تَظْهَرُ عَلَى الْقُلُوبِ أَيْ تَظْهَرُ لَهَا فِتْنَةٌ بَعْدَ أُخْرَى وَقَوْلُهُ كَالْحَصِيرِ أَيْ كَمَا يُنْسَجُ الْحَصِيرُ عُودًا عُودًا وَشَظِيَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ ضَمِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرْضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ وَصِحَّةُ تَشْبِيهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ) مَعْنَى أُشْرِبَهَا دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلَّ الشَّرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُشْرِبُوا فِي قلوبهم العجل أَيْ حُبَّ الْعِجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ثَوْبٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَةُ مُخَالَطَةً لَا انْفِكَاكَ لَهَا وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَةً نُقِطَ نُقْطَةً وَهِيَ بالتاء المثناة فى آخره قال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ نُقْطَةٍ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ لَوْنِهِ فَهُوَ نَكْتٌ وَمَعْنَى أَنْكَرَهَا رَدَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهُهُ بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَةً أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِيمَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْخَلَلِ وَأَنَّ الْفِتَنَ لَمْ تَلْصَقْ بِهِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرْبَادًّا فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَأُصُولِ بِلَادِنَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا فِي ضَبْطِهِ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضبطه كماذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ مُرْبَئِدٌ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْبَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُهْمَزَ وَيَكُونُ مُرْبَدٌّ مِثْلُ مُسَوَّدٌ وَمُحْمَرٌّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْهَرَوِيُّ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سَرَّاجٍ لِأَنَّهُ مِنَ ارْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ احْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَالُ ارْبَأَدَّ وَمُرْبَئِدٌّ وَالدَّالُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُجَخِّيًا فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَائِلِ قَالَ القاضي عياض قال لى بن سَرَّاجٍ لَيْسَ قَوْلُهُ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَادِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ آخَرُ مِنْ أَوْصَافِهِ بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَقَ بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ وَمَثَّلَهُ بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ شَبَّهَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِفِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ دَخَلَ قَلْبَهُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَةٌ وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ افْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْكُوزِ فَإِذَا انْكَبَّ انْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (قُلْتُ لِسَعْدٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا فَقَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَقُولُ إِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيِّ قَالَ أَرَى أَنَّ صَوَابَهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّةَ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ لَا يُسَمَّى رُبْدَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا بَلَقٌ إِذَا كَانَ فِي الْجِسْمِ وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْنِ وَالرُّبْدَةُ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ بَيَاضٍ يَسِيرٍ يُخَالِطُ السَّوَادَ كَلَوْنِ أَكْثَرِ النَّعَامِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ رَبْدَاءُ فَصَوَابُهُ شِبْهُ الْبَيَاضِ لَا شِدَّةُ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِهِ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْغَبَرَةِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ الرُّبْدَةُ لَوْنٌ أَكْدَرٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ أَنْ يَخْتَلِطَ السَّوَادُ بِكُدْرَةٍ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ لَوْنُ النَّعَامِ بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَمِنْهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَادٌ وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ الْمُرْبَدُ الْمُلَمَّعُ بِسَوَادٍوَبَيَاضٍ وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ أَيْ تَلَوَّنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَنَ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي حياتك وأما قوله يوشك فبضم الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ وَقَوْلُهُ أَكَسْرًا أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُورَ لَا يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ بِخِلَافِ الْمَفْتُوحِ وَلِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاهٍ وَغَلَبَةٍ وَخِلَافِ عَادَةٍ وَقَوْلُهُ لَا أَبَا لَكَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَذْكُرهَا الْعَرَبُ لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ لَهُ أَبٌ وَحَزَبَهُ أَمْرٌ وَوَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مِنَ الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الِانْفِرَادُ وَعَدَمُ الْأَبِ الْمُعَاوِنِ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ والله اعلم قوله وحدثته أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقْتَلُ فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهَكَذَا عَلَى الشَّكِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبْهَامُ عَلَى حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخَاطِبَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقَتْلِ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الْبَابُ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ قَبْلَ غَدٍ اللَّيْلَةَ فَأَتَى حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكَلَامٍ يَحْصُلُ مِنْهُ الْغَرَضُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ إِخْبَارًا لِعُمَرَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَأَمَّا قَوْلُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ فَهِيَ جَمْعُ أُغْلُوطَةٍ وَهِيَ الَّتِي يُغَالَطُ بِهَا فَمَعْنَاهُ حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا صِدْقًا مُحَقَّقًا لَيْسَ هُوَ مِنْ صُحُفِ الْكِتَابِيِّينَ وَلَا مِنَ اجْتِهَادِ ذِي رَأْيٍ بَلْ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَائِلَ بَيْنَ الْفِتَنِ وَالْإِسْلَامِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْبَابُ فَمَا دَامَ حَيًّا لَا تَدْخُلُ الْفِتَنُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَتِ الْفِتَنُ وَكَذَا كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ لَمَّا قَدِمَ حُذَيْفَةُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَلَسَ فَحَدَّثَنَا فَقَالَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْسِ لَمَّا جَلَسْتُ إِلَيْهِ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفتن إلى آخره فالمراد بقوله أمس الزمان الْمَاضِي لَا أَمْسِ يَوْمِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ تَحْدِيثِهِ لِأَنَّ مُرَادَهُ لَمَّا قَدِمَ حُذَيْفَةُ الْكُوفَةَ فِي انْصِرَافِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِي أَمْسِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَمْسٌ اسْمٌ حُرِّكَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْعَرَبُ فِيهِ فَأَكْثَرُهُمْ يَبْنِيهِ عَلَى الْكَسْرِ مَعْرِفَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْرِبهُ مَعْرِفَةً وَكُلُّهُمْ يُعْرِبهُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوْ صَيَّرَهُ نَكِرَةً أَوْ أَضَافَهُ تَقُولُ مَضَى الْأَمْسُ الْمُبَارَكُ وَمَضَى أَمْسُنَا وَكُلُّ غَدٍ صَائِرٌ أَمْسًا وَقَالَ سِيبَوَيْهِ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مُذْ أَمْسَ بِالْفَتْحِ هَذَا كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْفَرَّاءُ وَمِنِ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ الْأَمْسَ وَإِنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَاللَّهُ أعلم (باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا (وَأَنَّهُ يَأْرَزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ)

    [144] فتْنَة الرجل فِي أَهله وَمَاله هِيَ فرط محبته لَهُم وشحه عَلَيْهِم وشغله بهم عَن كثير من الْخَيْر وتفريطه فِيمَا يلْزمه من الْقيام بحقوقهم وتأديبهم وتعليمهم تموج تضطرب وتدفع بَعْضهَا بَعْضًا وَشبههَا بموج الْبَحْر لشدَّة عظمها وَكَثْرَة شيوعها فأسكت الْقَوْم بِقطع الْهمزَة الْمَفْتُوحَة يُقَال سكت وأسكت لُغَتَانِ بِمَعْنى صمت قَالَه أَكثر أهل اللُّغَة وَقَالَ الْأَصْمَعِي سكت صمت وأسكت أطرق لله أَبوك كلمة مدح تعتاد الْعَرَب الثَّنَاء بهَا فَإِن الْإِضَافَة إِلَى الْعَظِيم تشريف وَلِهَذَا يُقَال بَيت الله وناقة الله فَإِذا وجد من الرجل مَا يحمد قيل لله أَبوك حَيْثُ أَتَى بمثلك تعرض الْفِتَن على الْقُلُوب كالحصير عودا عودا فِي ضَبطه أوجه أظهرها وأشهرها ضم الْعين وإهمال الدَّال وَالثَّانِي فتح الْعين مَعَ الإهمال وَالثَّالِث الْفَتْح والإعجام وَاخْتَارَ القَاضِي الأول وَبِه جزم صَاحب التَّحْرِير وَاخْتَارَ بن السراج الثَّانِي وَقَالَ وَمعنى تعرض تلصق بِعرْض الْقُلُوب أَي جَانبهَا كَمَا يلصق الْحَصِير بِجنب النَّائِم ويؤثر فِيهِ شدَّة التصاقها بِهِ قَالَ وَمعنى عودا عودا أَي تُعَاد وتكرر شَيْئا بعد شَيْء قَالَ وَمن رَوَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاه سُؤال الِاسْتِعَاذَة مِنْهَا كَمَا يُقَال غفرا غفرا أَي نَسْأَلك أَن تعيذنا من ذَلِك وَقَالَ غَيره مَعْنَاهُ تظهر على الْقُلُوب أَي تظهر لَهَا فتْنَة بعد أُخْرَى وَقَوله كالحصير أَي كَمَا ينسج الْحَصِير عودا عودا وشظية بعد أُخْرَى قَالَ القَاضِي وعَلى هَذَا يتَرَجَّح رِوَايَة ضم الْعين وَذَلِكَ أَن ناسج الْحَصِير عِنْد الْعَرَب كلما صنع عودا أَخذ آخر ونسجه فَشبه عرض الْفِتَن على الْقُلُوب وَاحِدَة بعد أُخْرَى بِعرْض قضبان الْحَصِير على صانعها وَاحِدًا بعد وَاحِد قَالَ القَاضِي وَهَذَا معنى الحَدِيث عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهِ سِيَاق لَفظه وَصِحَّة تشبيهه أشربها أَي دخلت فِيهِ دُخُولا تَاما وألزمها وحلت مِنْهُ مَحل الشَّرَاب وَمِنْه وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل أَي حبه وثوب مشرب بحمرة أَي خالطته مُخَالطَة لَا انفكاك لَهَا نكت بِالْمُثَنَّاةِ آخِره نقط نُكْتَة نقطة قَالَ بن دُرَيْد كل نقط فِي شَيْء بِخِلَاف لَونه فَهُوَ نكت أنكرها ردهَا أَبيض مثل الصَّفَا إِلَى آخِره قَالَ القَاضِي لَيْسَ تشبيهه بالصفا بَيَانا لبياضه وَلَكِن صفة أُخْرَى على شدته على عقد الْإِيمَان وسلامته من الْخلَل وَأَن الْفِتَن لم تلصق بِهِ وَلم تُؤثر فِيهِ كالصفا وَهُوَ الْحجر الأملس الَّذِي لَا يعلق بِهِ شَيْء مربادا بِالنّصب على الْحَال وَفِي بعض الْأُصُول مربئدا بِهَمْزَة مَكْسُورَة بعد الْيَاء وَالدَّال الْمُشَدّدَة من اربأد ك احمأر لُغَة فحين اربد كاحمر وَالْمَفْعُول من هَذِه مربد بِلَا همز كمحمر مجخيا بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي مائلا قَالَ بن السراج لَيْسَ قَوْله كالكوز مجخيا تَشْبِيها لما تقدم من سوَاده بل هُوَ وصف آخر من أَوْصَافه بِأَنَّهُ قلب ونكس حَتَّى لَا يعلق بِهِ خير وَلَا حِكْمَة وَقَالَ القَاضِي شبه الْقلب الَّذِي لَا يعي خيرا بالكوز المجوف الَّذِي لَا يثبت المَاء فِيهِ إِن بَيْنك وَبَينهَا بَابا مغلقا مَعْنَاهُ أَن تِلْكَ الْفِتَن لَا يخرج شَيْء مِنْهَا فِي حياتك يُوشك بِكَسْر الشين أَي يقرب أكسرا أَي أيكسر كسرا لَا أَبَا لَك قَالَ صَاحب التَّحْرِير هَذِه كلمة تَقُولهَا الْعَرَب للحث على فعل الشَّيْء وَمَعْنَاهُ أَن الْإِنْسَان إِذا كَانَ لَهُ أَب وَوَقع فِي شدَّة عاونه أَبوهُ وَرفع عَنهُ بعض الْكل فَلَا يحْتَاج من الْجد والاهتمام إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَالَة الِانْفِرَاد وَعدم الْأَب المعاون فَإِذا قيل لَا أَبَا لَك فَمَعْنَاه جد فِي هَذَا الْأَمر وشمر وتأهب تأهب من لَيْسَ لَهُ معاون فَلَو أَنه فتح لَعَلَّه يُعَاد أَي بِخِلَاف المكسور فَإِنَّهُ لَا يُمكن إِعَادَته وَلِأَن الْكسر لَا يكون غَالِبا إِلَّا عَن إِكْرَاه وَغَلَبَة رجل يقتل أَو يَمُوت هُوَ عمر كَمَا بَين فِي صَحِيح البُخَارِيّ ثمَّ يحْتَمل أَن يكون حُذَيْفَة سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا على الشَّك وَالْمرَاد بِهِ الْإِبْهَام على حُذَيْفَة وَغَيره وَيحْتَمل أَن يكون حُذَيْفَة علم أَنه يقتل وَلكنه كره أَن يُخَاطب عمر بِالْقَتْلِ فَإِن عمر كَانَ يعلم أَنه هُوَ الْبَاب كَمَا فِي البُخَارِيّ حَدِيثا لَيْسَ بالأغاليط جمع أغلوطة وَهِي الَّتِي يغالط بهَا أَي حَدِيثا صدقا محققا لَيْسَ هُوَ من صحف الْكَاتِبين وَلَا من اجْتِهَاد ورأي بل من حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أسود مربادا قَالَ شدَّة بَيَاض فِي سَواد قَالَ بَعضهم هُوَ تَصْحِيف وَصَوَابه شبه الْبيَاض فِي سَواد لِأَن شدَّة الْبيَاض فِي السوَاد لَا تسمى ربدة وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ بلق والربدة إِنَّمَا هِيَ شَيْء من بَيَاض يسير يخالط السوَاد كلون أَكثر النعام وَمِنْه قيل للنعامة ربدا قَالَ أَبُو عَمْرو الربدة لون بَين السوَاد والغبرة وَقَالَ بن دُرَيْد لون أكدر

    عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند عمر، فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم. فقلت: أنا. قال: أنت لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا. فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء. وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء. حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا. فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض. والآخر أسود مربادا، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا. إلا ما أشرب من هواه. قال حذيفة: وحدثته، أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرا، لا أبا لك! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا بل يكسر. وحدثته، أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط. قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك! ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض في سواد، قال قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا.
    المعنى العام:
    صورة رائعة لمجالس الحكام والأمراء، صورة خالية من الغيبة والنميمة والوشاية والإيقاع بالناس، صورة يجتمع فيها الملك والدين والوعظ وملائكة الرحمة، صورة يفتتحها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسؤال رعيته عما يحفظون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن، وصورة يجيب الصحابة فيها بما يعلمون، يجيبون بفتنة الرجل وامتحانه في زوجه وولده وماله وجاره، فيقول عمر: لست عن هذه أسأل، ليس هذا أريد، لم أسأل عن فتنة الخاصة، ولكن عن التي تموج كموج البحر، فسكت الحاضرون، حيث لم يكونوا يحفظون. قال حذيفة: أنا يا أمير المؤمنين، أحفظها كما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر: أنت تحفظها يا حذيفة؟ حسنا. لله أبوك، هات إنك على ذكرها لجريء. قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب فتنة فتنة، كما يعرض ناسج الحصير على الخيط عودا عودا، فكل قلب يقبلها ينقط فيه نقطة سوداء، حتى يتحول نوره إلى ظلام، وحتى يطبع عليه الران، وحتى يغلق عن سماع الخير والمعروف، وحتى ينصرف إلى الشر والهوى، وحتى يندفع في تيار الإيذاء وسفك الدماء. وكل قلب ينكرها يزداد نورا على نور، وإيمانا فوق إيمان، حتى يصبح الناس أمام الفتنة أحد رجلين، رجل قلبه بياض ناصع، لا يقبل الدخن، كالحجر الأملس الذي لا يقبل الشر، ورجل قلبه أسود لا يبصر ولا يعقل، فرفع عمر يديه، وقال: اللهم لا تدركني، فقال حذيفة: لا تخف لا بأس عليك منها يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا، يوشك أن يكسر، قال عمر: لا أب لك يا حذيفة، يكسر أو يفتح؟ قال: لا يفتح، بل يكسر. قال: أكسرا؟ قال: نعم. قال: إذا كسر لم يغلق، لو أنه فتح لعله كان يعاد. قال: يكسر ولا يغلق إلى يوم القيامة. ثم قال حذيفة: يا أمير المؤمنين، إن هذا الباب الذي بينك وبينها رجل يقتل أو يموت وكان عمر رضي الله عنه يعلم أنه هو الباب علما مؤكدا، كما يعلم أن بعد النهار ليلا فاستعاذ من الفتنة. نعوذ بالله منها، ونسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة رب العالمين. المباحث العربية (يذكر الفتن) قال أهل اللغة: أصل الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار، قال الراغب: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب، كقوله: {ذوقوا فتنتكم} [الذاريات: 14]، وعلى الاختبار كقوله: {وفتناك فتونا} [طه: 40] وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنى، وأكثر استعمالا، قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35] ومنه قوله: {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73] أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحي إليك، وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه، أو آيل إليه، كالكفر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك. (لعلكم تعنون) بفتح التاء، أي تريدون وتقصدون. (فتنة الرجل في أهله وجاره) فتنة الرجل في أهله وماله وولده ضروب من فرط محبته لهم، وشحه عليهم، وانشغاله بهم عن كثير من الخير، كما قال تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [الأنفال: 28] أو لتفريطه في ما يلزم من القيام بحقوقهم وتأديبهم وتعليمهم، فإنه راع لهم ومسئول عن رعيته، وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا القبيل. وذكر الرجل لأنه الغالب، وصاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم. (قالوا: أجل) حرف جواب مثل نعم، وعن الأخفش: هي بعد الخبر أحسن من نعم. (التي تموج موج البحر) أي تضطرب، ويرفع بعضها بعضا، وشبهها بموج البحر لشدة عظمها، وكثرة شيوعها، قال الحافظ ابن حجر: كني بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة. (فأسكت القوم) أسكت بهمزة قطع، كذا هو في الأصول قال جمهور أهل اللغة: سكت وأسكت لغتان بمعنى صمت، وقال الأصمعي: سكت صمت وأسكت أطرق. وإنما سكت القوم لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة، بل حفظوا النوع الأول. (فقلت: أنا) في رواية البخاري: قلت: أنا كما قاله أي أحفظه كما قاله، وفي رواية أخرى للبخاري أنا أحفظه كما قال. (قال: أنت؟ لله أبوك) كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها، فإن الإضافة إلى العظيم تشريف كبيت الله وناقة الله. قال صاحب التحرير: إذا وجد من الولد ما يحمد قيل: لله أبوك حيث أتى بمثلك، وفي رواية البخاري هات إنك لجريء وفي رواية أخرى إنك عليه [أي على الرسول صلى الله عليه وسلم] أو عليها [على المقالة] لجريء، فكيف قال؟ . (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا) اختلف في ضبط عودا عودا على ثلاثة أوجه: بضم العين وبالدال، وهو أظهرها وأشهرها، وبفتح العين وسكون الواو مع دال في آخره، أي تعاد وتكرر شيئا بعد شيء، وبفتح العين وسكون الواو مع ذال معجمة بدل الدال، ومعناه سؤال الاستعاذة منها، كما يقال غفرانا غفرانا، أي نسألك أن تعيذنا من ذلك، ومعنى تعرض تلصق بعرض القلوب، أي جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم، ويؤثر شدة التصاقها به، وقال بعضهم: معناه: تظهر على القلوب، أي تظهر على القلوب فتنة بعد أخرى، كما ينسج الحصير عودا عودا، وشظية بعد أخرى، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودا أخذ آخر ونسجه. (فأي قلب أشربها) أي دخلت فيه دخولا تاما وألزمها، وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] أي حب العجل، ومنه قولهم ثوب مشرب بحمرة، أي خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها. (نكت فيه نكتة سوداء) أي نقط فيه نقطة، قال ابن دريد وغيره: كل نقطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت. (وأي قلب أنكرها) أي ردها ولم يقبلها. (حتى تصير على قلبين) أي حتى تكون الفتنة أمام نوعين من القلوب. (على أبيض مثل الصفا) الصفا الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء و(أبيض) صفة لموصوف محذوف ومثل الصفا صفة أخرى للموصوف المحذوف، وليس صفة لأبيض، والتقدير: على قلب أبيض على قلب مثل الصفا، فشبه شدة القلب على عقد الإيمان وسلامته من الخلل وأن الفتن لا تلصق به ولا تؤثر فيه بالحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء. (والآخر أسود مربادا) منصوب على الحال من الضمير في أسود وهو بتشديد الدال، وروي مربئد بتشديد الدال أيضا، مع الرفع على الوصف، والمربد الذي يجمع بين شبه البياض مع السواد، أي هو ما فيه شيء من بياض يسير يخالط السواد، وقيل: مربد لون بين السواد والغبرة، وقيل: أن يختلط السواد بكدرة. (كالكوز مجخيا) الكوز إناء له يد يغرف به الماء مجخيا بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الخاء المكسورة، أي مائلا منكوسا مقلوبا. فوصف القلب الآخر بوصفين، بالسواد مع الغبرة، وشبهه بالكوز المنكوس، فكما أن الكوز المنكوس لا يعلق به ماء كذلك هذا القلب لا يعلق به خير ولا حكمة، كما قال: (لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا) صفة ثالثة للقلب، أي لا ينصاع إلى معروف ولا يرفض منكرا. (إلا ما أشرب من هواه) استثناء منقطع، أي لكن يتبع هواه الذي تمكن منه. (قال حذيفة: وحدثته) أي وحدثت عمر رضي الله عنه. (أن بينك وبينها بابا مغلقا) أي بينك وبين الفتن المذكورة بابا مغلقا، وأنه لا يخرج منها شيء في حياتك، وفي رواية البخاري ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا وكأنه مثل الفتن بدار ومثل حياة عمر بباب مغلق لها، ومثل موته بفتح ذلك الباب، فما دامت حياة عمر موجودة فالباب مغلق، لا يخرج شيء مما هو داخل تلك الدار، فإذا مات انفتح ذلك فخرج ما في الدار. (يوشك أن يكسر) يوشك بضم الياء وكسر الشين، ومعناه يقرب. (أكسرا؟ لا أبا لك) كسرا مفعول مطلق لفعل محذوف، أي أيكسر كسرا؟ ولا أبا لك كلمة تذكرها العرب للحث على الشيء ومعناها أن الإنسان إذا كان له أب وحزبه أمر، ووقع في شدة عاونه أبوه، ودفع عنه بعض الشدة، فلا يحتاج من الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الانفراد وعدم الأب المعاون، فإذا قيل: لا أب لك. فمعناه جد في هذا الأمر وشمر وتأهب تأهب من ليس له معاون. (فلو أنه فتح لعله كان يعاد) فإن المكسور لا يمكن إعادته، بخلاف المفتوح، ولأن الكسر لا يكون غالبا إلا عن إكراه وغلبة وخلاف عادة، وفي رواية البخاري إذن لا يغلق أبدا وفي رواية أخرى له ذلك أحرى ألا يغلق وفي أخرى ذاك أجدر ألا يغلق إلى يوم القيامة. (قلت: لا، بل يكسر) أي قلت: لا يفتح، بل يكسر. (وحدثته أن ذلك الباب رجل) جاء هذا الرجل مبينا في رواية البخاري وأنه عمر رضي الله عنه، فإن قيل: كيف يفسر الباب بعمر مع أنه قال قبل: إن بينك وبينها بابا؟ قلنا إن المراد أن بين الفتنة وبين حياة عمر بابا هو موته، فالباب موت عمر، وهو بين حياة عمر وبين الفتنة، ففي الكلام مضاف محذوف، أي ذلك الباب قتل أو موت رجل. (يقتل أو يموت) على الشك من حذيفة، أو أن حذيفة سمعه كذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي مزيد بحث له في فقه الحديث. (حديثا ليس بالأغاليط) حديثا مفعول مطلق لحدثته، والأغاليط جمع أغلوطة، وهي التي يغالط بها، والمعنى: حدثته حديثا صدقا محققا، ليس هو من صحف الكتابيين، ولا عن اجتهاد ذي رأي، بل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. (لما قدم حذيفة من عند عمر) أي لما قدم حذيفة من المدينة إلى الكوفة. (إن أمير المؤمنين أمس) المراد بأمس - هنا - الزمان الماضي، لا أمس يومه، أي ليس اليوم الذي يليه يوم تحديثه، وأكثر العرب يبني (أمس) على الكسر معرفة، ومنهم من يعربه معرفة، وكلهم يعربه إذا دخلت عليه الألف واللام، أو صيره نكرة، أو أضافه. (أيكم يحدثنا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ما موصولة مفعول (يحدثنا) والعائد محذوف أي يحدثنا الذي قاله، ويصح أن تكون مصدرية، والتقدير يحدثنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقه الحديث قال الزين بن المنير: والفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن، أو عليهن، في القسمة والإيثار حتى في أولادهن، ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة، أو بحبسه عن إخراج حق الله تعالى، والفتنة بالأولاد: تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار: تقع بالحسد والمغامرة، والمزاحمة في الحقوق، وإهمال التعاهد، ثم قال: وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة. وقال الحافظ ابن حجر: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكون بالالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له، أو يخل بما يجب عليه. ثم حكى إشكال ابن أبي جمرة على هذا، وحاصله، أن تكفير المحرمات والإخلال بالواجبات بالصلاة والصدقة مشكل، لأن الطاعات لا تسقط ذلك، وإن أريد تكفير الوقوع في المكروه والإخلال بالمستحب فلا يتناسب مع إطلاق التكفير. ثم أجاب عن هذا الإشكال بالتزام الشق الأول، وأن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع والخلاف، وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء: 31] الآية. اهـ. وقال: واحتج المرجئة بظاهر الحديث على أن أفعال الخير مكفرة للكبائر والصغائر، وحمله جمهور أهل السنة على الصغائر، عملا بحمل المطلق على المقيد. اهـ. ونحن نميل إلى هذا الرأي، وإن كان الكلام في تحديد الصغائر من المحرمات والكبائر منها غير منضبط. وقال بعض الشراح: يحتمل أن تكون كل واحدة من الصلاة والصيام والصدقة مكفرة للمذكورات كلها، لا لكل واحدة منها، ويحتمل أن يكون من باب اللف والنشر، بأن تكون الصلاة مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد .... إلخ. والاحتمال الثاني ضعيف لا يعتد به، نعم قد تستقل الصلاة بتكفير ما ذكر، ويكون الصوم والصدقة ونحوها لرفع الدرجات وزيادة الحسنات إذا لم تجد من الصغائر ما تكفرها. ثم إن المكفرات لا تختص بما ذكر، بل تعم العبادات، وإنما خصها بالذكر إشارة إلى عظم قدرها، وتنبيها بها على غيرها، فذكر من عبادة الأعمال الصلاة والصيام، ومن عبادة المال الصدقة، ومن عبادة الأقوال [في رواية البخاري] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم إن التكفير لا يختص بفتنة الرجل في أهله وجاره وماله [الوارد في رواية البخاري] بل نبه بها أيضا على ما عداها، والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له. ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات، ويحتمل أن يقع بالموازنة. والله أعلم. والظاهر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعلم ما يعلمه حذيفة عن الفتنة، وإنما أراد أن يسمعه، وأن يسمعه الصحابة ليحذروه، يدل على ذلك ما رواه البخاري من أن حذيفة سئل: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد الليلة. أي أن ليلة غد أقرب إلى اليوم من غد. وقد روى الطبراني: أن أبا ذر لقي عمر، فأخذ عمر بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة وفيه أن أبا ذر قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر. وروى البزار عن عثمان بن مظعون أنه قال لعمر: يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك، فقال: مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش. وقال ابن بطال: إنما علم عمر أنه الباب لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء، وأبو بكر وعثمان، فرجف، فقال: اثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان أو فهم ذلك من قول حذيفة إنه يكسر. اهـ. والظاهر أن ابن بطال إنما أراد الاستدلال على أن عمر كان يعلم أنه سيموت شهيدا مقتولا، لأن ما ذكره ينتج ذلك ولا ينتج أنه الباب. ولهذا قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن عمر علم الباب بالنص كما تقدم عن أبي ذر وعن عثمان بن مظعون. فإن قيل: هل كان حذيفة يعلم أن عمر سيقتل؟ قلنا: الظاهر نعم فقد قال ابن المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر، ولم يصرح لعمر وإنما كنى كناية، وكأنه كان مأذونًا له في ذلك. وقال النووي: يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل، ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل، لأن عمر كان يعلم أنه الباب، فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل. اهـ. فإن قيل: إذا كان عمر قد علم ذلك، فهل شك فيه حتى سأل عنه؟ قلنا: يحتمل أنه شك فيه من شدة الخوف، أو خشي أن يكون نسي، فطلب التذكير أو لم يشك، وسأل ليعلم الحاضرين، وهذا هو الظاهر. فإن قيل: ألم يكن أحد من الصحابة يحفظ حديث الفتنة غير حذيفة؟ قلنا: لعل من سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة ماتوا قبله. ويؤخذ من الحديث 1 - جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص، إذ تبين أن عمر لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة. 2 - أن الأهل والأولاد والأموال والجار فتنة موقعة في الذنوب. 3 - أن هذه الفتنة ونحوها تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والعبادات. 4 - فيه علم من أعلام النبوة، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم بالفتنة الكبرى، ووقع ما أخبر به. 5 - أن هذه الفتنة الكبرى إذا وقعت ظل باب الشر مفتوحا بين المسلمين، ووقع بأسهم بينهم، ففي بعض الروايات (قال حذيفة: كسر ثم لا يغلق إلى يوم القيامة). 6 - تذاكر الولاة مع العلماء أمور دينهم للتبصير بالعواقب وأخذ الحذر والحيطة. والله أعلم

    وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، - يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ - عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ الْفِتَنَ فَقَالَ قَوْمٌ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ ‏.‏ فَقَالَ لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ قَالُوا أَجَلْ ‏.‏ قَالَ تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ أَنَا ‏.‏ قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ ‏.‏ قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ‏ "‏ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ حُذَيْفَةُ وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ ‏.‏ قَالَ عُمَرُ أَكَسْرًا لاَ أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ ‏.‏ قُلْتُ لاَ بَلْ يُكْسَرُ ‏.‏ وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ ‏.‏ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ ‏.‏ قَالَ أَبُو خَالِدٍ فَقُلْتُ لِسَعْدٍ يَا أَبَا مَالِكٍ مَا أَسْوَدُ مُرْبَادًّا قَالَ شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ ‏.‏ قَالَ قُلْتُ فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا قَالَ مَنْكُوسًا ‏.‏

    It is narrated on the authority of Hudhaifa:We were sitting in the company of Umar and he said: Who amongst you has heard the Messenger of Allah (ﷺ) talking about the turmoil? Some people said: It is we who heard it. Upon this be remarked: Perhaps by turmoil you presume the unrest of man in regard to his household or neighbour, they replied: Yes. He ('Umar) observed: Such (an unrest) would be done away with by prayer, fasting and charity. But who amongst you has heard from the Apostle (ﷺ) describing that turmoil which would come like the wave of the ocean. Hudhaifa said: The people hushed into silence, I replied: It is I. He ('Umar) said: Ye, well, your father was also very pious. Hudhaifa said: I heard the Messenger of Allah (may peace be, upon him ) observing: Temptations will be presented to men's hearts as reed mat is woven stick by stick and any heart which is impregnated by them will have a black mark put into it, but any heart which rejects them will have a white mark put in it. The result is that there will become two types of hearts: one white like a white stone which will not be harmed by any turmoil or temptation, so long as the heavens and the earth endure; and the other black and dust-coloured like a vessel which is upset, not recognizing what is good or rejecting what is abominable, but being impregnated with passion. Hudhaifa said: I narrated to him ('Umar): There is between you and that (turmoil) a closed door, but there is every likelihood of its being broken. 'Umar said: Would it be broken? You have, been rendered fatherless. Had it been opened, it would have been perhaps closed also. I said: No, it would be broken, and I narrated to him: Verily that door implies a person who would be killed or die. There is no mistake in this hadith. Abu Khalid narrated: I said to Sa'd, O Abu Malik, what do you mean by the term" Aswad Murbadda"? He replied: High degree of whiteness in blackness. I said: What is meant by" Alkoozu Mujakhiyyan"? He replied: A vessel turned upside down

    Houdhayfa (que Dieu l'agrée) a dit : Un jour que nous étions chez 'Omar (que Dieu l'agrée), il nous demanda : "Lequel parmi vous a entendu l'Envoyé de Dieu (paix et bénédiction de Dieu sur lui) parler des épreuves?". Quelques-uns répondirent : "Nous l'avons entendu".- "Il se peut, répliqua-t-il, que vous voulez dire l'épreuve de l'homme dans sa famille et son voisin". Ils répliquèrent par l'affirmatif. "Les péchés issus de ce type d'épreuves peuvent être expiées par la prière, le jeûne et l'aumône. Mais qui d'entre vous a entendu le Prophète (paix et bénédiction de Dieu sur lui) parler des épreuves (nombreuses et répandues) qui s'agitent telles les ondes de la mer?". Houdhayfa poursuivit : Les hommes gardèrent le silence, tandis que je lui répondis : "Moi (l'ai entendu)". - "Toi?; dit 'Omar, que Dieu garde ton père!". Houdhayfa dit alors : J'ai entendu l'Envoyé de Dieu (paix et bénédiction de Dieu sur lui) dire : "Les épreuves troublantes seront exposées aux cœurs (des Croyants) et les biens marqueront comme les traces que laissent les joncs de la natte sur le flanc du dormeur. Tout cœur qui en sera passionnément épris, sera marqué d'un point noir, et tout cœur qui les repoussera, sera marqué d'un point blanc. De sorte qu'à ces épreuves, deux cœurs feront face : le premier au point blanc sera comparable au rocher (inébranlable et lisse); aucune épreuve ne le nuira donc jamais aussi longtemps que dureront les cieux et la terre, tandis que l'autre au point noir deviendra presque grisâtre et sera comparable à une gargoulette renversée, incapable de distinguer le convenable du blâmable tant que ni l'un ni l'autre ne correspond à ses propres désirs

    Telah menceritakan kepada kami [Muhammad bin Abdullah bin Numair] telah menceritakan kepada kami [Abu Khalid] -yaitu Sulaiman bin Hayyan- dari [Sa'ad bin Thariq] dari [Rib'i] dari [Hudzaifah] dia berkata, "Umar pernah bertanya kepadaku ketika aku bersamanya, 'Siapakah di antara kamu yang pernah mendengar Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam. meriwayatkan tentang fitnah (ujian)? ' Para Sahabat menjawab, 'Kami pernah mendengarnya! ' Umar bertanya, 'Apakah kamu bermaksud fitnah seorang lelaki bersama keluarga dan tetangganya? ' Mereka menjawab, 'Ya, benar.' Umar lalu berkata, 'Fitnah tersebut bisa dihapuskan oleh shalat, puasa, dan zakat. Tetapi, siapakah di antara kamu yang pernah mendengar Nabi shallallahu 'alaihi wasallam bersabda tentang fitnah yang bergelombang sebagaimana gelombangnya lautan? ' Hudzaifah berkata, 'Para Sahabat terdiam.' Kemudian Hudzaifah berkata, 'Aku, wahai Umar! ' Umar berkata, 'Kamu! Ayahmu sebagai tebusan bagi Allah.' Hudzaifah berkata, "Aku mendengar Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: "Fitnah akan dipaparkan pada hati manusia bagai tikar yang dipaparkan perutas (secara tegak menyilang antara satu sama lain). Mana pun hati yang dihinggapi oleh fitnah, niscaya akan terlekat padanya bintik-bintik hitam. Begitu juga mana pun hati yang tidak dihinggapinya, maka akan terlekat padanya bintik-bintik putih sehingga hati tersebut terbagi dua: sebagian menjadi putih bagaikan batu licin yang tidak lagi terkena bahaya fitnah, selama langit dan bumi masih ada. Sedangkan sebagian yang lain menjadi hitam keabu-abuan seperti bekas tembaga berkarat, tidak menyuruh kebaikan dan tidak pula melarang kemungkaran kecuali sesuatu yang diserap oleh hawa nafsunya." Hudzaifah berkata, "Dan aku menceritakannya bahwa antara kamu dan fitnah tersebut ada pintu penghalang yang tertutup yang hampir pecah." Umar berkata, "Apakah telah dibelah dengan suatu belahan, kamu tidak memiliki bapak (maksudnya kamu perlu bekerja keras), sekiranya benar pasti akan dikembalikan lagi (tertutup)." Aku berkata, "Tidak, bahkan dibelah." Dan aku menceritakan bahwa pintu itu adalah seorang laki-laki yang dibunuh atau meninggal (maksudnya pintu fitnah dibuka setelah meninggalnya Umar, ed.), aku menceritakan sebuah hadits bukan dari (mengutip) kitab yang tebal (perjanjian baru dan lama)." Abu Khalid berkata, aku berkata kepada Sa'ad, "Wahai Abu Malik, "Apa maksud hitam keabu-abuan?" Sa'd menjawab, "Maksudnya sangat putih dalam hitam." Dia berkata, "Aku berkata, 'Maka maksud al-Kuz Mujakhkhiya'. Dia menjawab, 'Maksudnya bengkok'." Dan telah menceritakan kepadaku [Ibnu Abu Umar] telah menceritakan kepada kami [Marwan al-Fazari] telah menceritakan kepada kami [Abu Malik al-Asyja'i] dari [Rib'i] dia berkata, ketika [Hudzaifah] datang dari sisi Umar, ia kemudian duduk seraya menceritakan kepada kami, "Sungguh, saat aku duduk di sisinya, Amirul Mukminin bertanya kepada para sahabatnya, 'Siapakah di antara kalian yang menghafal sabda Rasulullah tentang fitnah? Lalu dia membawakan hadits dengan semisal hadits Abu Khalid, dan tidak menyebutkan tafsir Abu Malik tentang makna murbad mujakhkhiya." Dan telah menceritakan kepada kami [Muhammad bin al-Mutsanna] dan [Amru bin Ali] serta [Uqbah bin Mukram al-Ammi] mereka berkata, telah menceritakan kepada kami [Muhammad bin Abu Adi] dari [Sulaiman at-Taimi] dari [Nu'aim bin Abu Hind] dari [Rib'i bin Hirasy] dari [Hudzaifah] bahwa Umar berkata, "Siapa yang bisa menceritakan kepada kami, atau siapakah di antara kalian yang bisa menceritakan kepada kami -Sedangkan di antara mereka ada Hudzaifah- tentang yang disabdakan Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam dalam fitnah? ' Hudzaifah menjawab, 'Saya bisa.' Lalu dia membawakan hadits seperti hadits Abu Malik dari Rib'I." Perawi berkata, "Kemudian ia menyebutkan dalam haditnya, 'Hudzaifah berkata, 'Aku telah menceritakan sebuah hadits bukan dari nukilan kitab tebal, dan dia berkata, yaitu dari Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam

    Bize Muhammed b. Abdillâh b. Numeyr rivayet etti. (Dediki): Bize Ebu Hâlid yânı Süleyman b. Hayyân, Sa'd b. Târik'dan, o da Ribi' bin Hiraş'tan, o Huzeyfe'den şöyle dediğini nakletti: Ömer'in yanında idik. Hanginiz Resulullah (Sallallahu aleyhi ve Sellem)'i fitnelerden söz ederken dinledi, dedi. Birkaç kişi: Onu biz duyduk, dediler. Ömer: Muhtemelen siz kişinin ailesi ve komşusu hakkındaki fitnesini kastediyorsunuz, dedi. Onlar: Evet diye cevap verdi. Ömer: O fitneye namaz, oruç ve sadaka kefaret olur ama hanginiz Nebi {Sallallahu aleyhi ve Sellem)'i deniz dalgaları gibi dalgalanan fitneleri sözkonusu ederken dinledi, dedi. Huzeyfe: Meclistekiler sustular, dedi. Ben: Ben (işittim) dedim. Ömer: Seni doğuran babaya aşk olsun, dedi. Huzeyfe dedi ki: Resulullah (Sallallahu aleyhi ve Sellem)'i şöyle buyururken dinledim: "Fitneler kalplere hasır(ın dokunduğu gibi) çubuk çubuk arzedilir. Onlar hangi kalbe içirilirse o kalpte siyah bir leke oluşur. Hangi kalp onları reddederse o kalpte de beyaz bir leke oluşur. Nihayet iki kalbe yerleşirler. (Bu kalplerin) biri dümdüz bir taş gibi bembeyazdır, gökler ve yer devam ettiği sürece hiçbir fitnenin ona bir zararı olmaz, diğeri ise alacalı siyahtır, ters yüz olmuş bir testi gibidir. -Kendisine hevasından içirilen dışında- ne bir marufu bilir, ne de bir münkeri reddeder." Huzeyfe dedi ki: Ben ona seninle onun arasında neredeyse kırılmak üzere olan kapalı bir kapının bulunduğunu da söyledim. Bu sefer Ömer: Kırılacak mı dedin? Hay Allah iyiliğini versin eğer açılmış olsaydı belki o tekrar kapanabilirdi, dedi. Ben: Hayır, kırılacak, dedim sonra ona bu kapının öldürülecek yahut ölecek bir adam olduğunu anlattım. Ben bunu mugalata olarak değil, apaçık bir söz olarak söyledim. Ebu Halid dedi ki: Sa'd'a: Ey Ebu Malik alacalı siyah ne demektir dedim. O: Siyah içinde ileri derecede beyazlıktır, dedi. Ben: Peki baş aşağı dönmüş testi nedir, dedim. O: Başı aşağı eğilmiş demektir, dedi. Yalnız Müslim rivayet etmiştir; Tuhfetu'l-Eşraf

    ابو خالد سلیمان بن حیان نے سعد بن طارق سے حدیث سنائی ، انہوں نے ربعی سے اور انہوں نے حضرت حذیفہ ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ سے روایت کی ، انہوں نےکہا : ہم حضرت عمر ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ کےپاس تھے ، انہوں نے پوچھا : تم میں سے کس نے رسول اللہ ﷺ کو فتنوں کا ذکر کرتے ہوئے سنا؟ کچھ لوگوں نے جواب دیا : ہم نے یہ ذکر سنا ۔ حضرت عمر ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ نے فرمایا : شاید تم و ہ آزمائش مراد لے رہے ہو جو آدمی کو اس کے اہل ، مال اور پڑوسی ( کے بارے ) میں پیش آتی ہے ؟ انہوں نے کہا : جی ہاں ۔ حضرت عمر ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ نے کہا : اس فتنے ( اہل ، مال اور پڑوسی کے متعلق امور میں سرزد ہونے والی کوتاہیوں ) کا کفارہ نماز ، روزہ اور صدقہ بن جاتے ہیں ۔ لیکن تم میں سے کس نے رسول اللہ ﷺ سے اس فتنے کا ذکر سنا ے جو سمندر کی طرح موجزن ہو گا؟ حذیفہ ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ نے کہا : اس پر سب لوگ خاموش ہو گئے تو میں نے کہا : میں نے ( سنا ہے ۔ ) حضرت عمر ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ نے کہا : تو نے ، تیرا باپ اللہ ہی کا ( بندہ ) ہے ( کہ اسے تم سا بیٹا عطا ہوا ۔ ) حذیفہ ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ نے کہا : میں نے رسول اللہ ﷺ سےسنا ، آپ فرما رہے تھے : ’’فتنے دلوں پر ڈالیں جائیں گے ، چٹائی ( کی بنتی ) کی طرح تنکا تنکا ( ایک ایک ) کر کے اور جو دل ان سے سیراب کر دیا گیا ( اس نے ان کو قبول کر لیا اور اپنے اندر بسا لیا ) ، اس میں ایک سیاہ نقطہ پڑ جائے گا اور جس دل میں ان کو رد کر دیا اس میں سفید نقطہ پڑ جائے گا یہاں تک کہ دل دو طرح کے ہو جائیں گے : ( ایک دل ) سفید ، چکنے پتھر کے مانند ہو جائے گا ، جب تک آسمان و زمین قائم رہیں گے ، کوئی فتنہ اس کو نقصان نہیں پہنچائے گا ۔ دوسرا کالا مٹیالے رنگ کا اوندھے لوٹے کے مانند ( جس پر پانی کی بوند بھی نہیں ٹکتی ) جو نہ کسی نیکی کو پہچانے کا اور نہ کسی برائی سے انکار کرے گا ، سوائے اس بات کے جس کی خواہش سے وہ ( دل ) لبریز ہو گا ۔ ‘ ‘ حذیفہ ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ نے کہا : میں نےعمر ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ سے بیان کیا کہ آپ کے اور ان فتنوں کے درمیان بند دروازے ہے ، قریب ہے کہ اسے توڑ دیا جائے گا؟ اگر اسے کھول دیا گیا تو ممکن ہے کہ اسے دوبارہ بند کیا جاسکے ۔ میں نے کہا : نہیں ! بلکہ توڑ دیا جائے گا ۔ اور میں نے انہیں بتا دیا : وہ دروازہ آدمی ہے جسے قتل کر دیا جائے گا یا فوت ہو جائے گا ۔ ( حذیفہ نے کہا : میں نے انہیں ) حدیث ( سنائی کوئی ) ، مغالطے میں ڈالنے والی باتیں نہیں ۔ ابو خالدنے کہا : میں نے سعد سے پوچھا : ابو مالک !أسودمرباداً سے کیا مراد ہے ؟ انہوں نے کہا : کالے رنگ میں شدید سفیدی ( مٹیالے رنگ ۔ ) کہا : میں نے پوچھا : الکوز مجخیاسے کیا مراد ہے ؟ انہوں نے کہا : الٹا کیا ہوا کوزہ ۔

    মুহাম্মাদ ইবনু আবদুলাহ ইবনু নুমায়র (রহঃ) ..... হুযাইফাহ (রাযিঃ) থেকে বর্ণিত যে, তিনি বলেন, একদিন আমরা উমার (রাযিঃ) এর কাছে ছিলাম। তিনি বললেন, তোমাদের মধ্যে কে রাসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম কে ফিতনাহ সম্পর্কে আলোচনা করতে শুনেছ? উপস্থিত একদল বললেন, আমরা শুনেছি। উমর (রাযিঃ) বললেন, তোমরা হয়তো একজনের পরিবার ও প্রতিবেশীর ফিতনার কথা মনে করেছ। তারা বললেন, হ্যাঁ, অবশ্যই। তিনি বললেন, সালাত, সিয়াম ও সদাকার মাধ্যমে এগুলোর কাফফারাহ হয়ে যায়। কিন্তু তোমাদের মধ্যে কে রাসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম হতে বড় বড় ফিতনার কথা বর্ণনা করতে শুনেছ, যা সমুদ্র তরঙ্গের ন্যায় ধেয়ে আসবে। হুযাইফাহ (রাযিঃ) বলেন, প্রশ্ন শুনে সবাই চুপ হয়ে গেল। আমি বললাম, আমি (শুনেছি)। উমার (রাযিঃ) বললেন, তুমি শুনেছ, মাশাআল্লাহ। হুযাইফাহ (রাযিঃ) বললেন, আমি রাসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম-কে বলতে শুনেছি, চাটাই বুননের মত এক এক করে ফিতনা মানুষের অন্তরে আসতে থাকে। যে অন্তরে তা গেঁথে যায় তাতে একটি করে কালো দাগ পড়ে। আর যে অন্তর তা প্রত্যাখ্যান করবে তাতে একটি উজ্জ্বল দাগ পড়বে। এমনি করে দুটি অন্তর দু'ধরনের হয়ে যায়। এটি সাদা পাথরের ন্যায়; আসমান ও জমিন যতদিন থাকবে ততদিন কোন ফিতনা তার কোন ক্ষতি করতে পারে না। আর অপরটি হয়ে যায় উল্টানো সাদা মিশ্রিত কালো কলসির ন্যায়, তার প্রবৃত্তির মধ্যে যা গেছে তা ছাড়া ভাল-মন্দ বলতে সে কিছুই চিনে না। হুযাইফাহ (রাযিঃ) বললেন, "উমর (রাযিঃ) কে আমি আরো বললাম, আপনি এবং সে ফিতনার মধ্যে একটি বন্ধ দরজা রয়েছে। অচিরেই সেটি ভেঙ্গে ফেলা হবে। উমার (রাযিঃ) বললেন, সর্বনাশ! তা ভেঙ্গে ফেলা হবে? যদি ভেঙ্গে ফেলা না হত তাহলে হয়ত পুনরায় বন্ধ করা যেত। হুযাইফাহ (রাযিঃ) উত্তর করলেন, না ভেঙ্গে ফেলাই হবে। হুযাইফাহ্ (রাযিঃ) বললেন, আমি 'উমার (রাযিঃ) কে এ কথাও শুনিয়েছি, সে দরজাটি হল একজন মানুষ; সে নিহত হবে কিংবা স্বাভাবিক মৃত্যুবরণ করবে। এটি কোন গল্প নয় বরং রাসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম এর হাদীস। বর্ণনাকারী আবূ খালিদ বলেনঃ আমি সাদকে জিজ্ঞেস করলাম,أَسْوَدُ مُرْبَادًّا এর অর্থ কি? উত্তরে তিনি বললেন, কালো-সাদায় মিশ্রিত রং। আমি বললাম,الْكُوزُ مُجَخِّيًا এর অর্থ কি? তিনি বললেন, উল্টানো কলসি'। (ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ ২৬৭, ইসলামিক সেন্টারঃ)

    ஹுதைஃபா பின் அல்யமான் (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: நாங்கள் (கலீஃபா) உமர் (ரலி) அவர்களிடம் அமர்ந்திருந்தோம். அப்போது அவர்கள், "உங்களில் யார் சோதனை (ஃபித்னா) தொடர்பாக அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்களிடமிருந்து செவியுற்றுள்ளார்?" என்று கேட்டார்கள். அப்போது சிலர், "நாங்கள் செவியுற்றுள்ளோம்" என்று கூறினர். உமர் (ரலி) அவர்கள், "ஒரு மனிதன் தன் குடும்பத்தார் மற்றும் அண்டை வீட்டார் விஷயத்தில் சோதனைக்கு உள்ளாக்கப்படுவதையே நீங்கள் நினைக்கிறீர்கள் போலும்" என்று கூறினார்கள். அதற்கு மக்கள், "ஆம்" என்றனர். "இத்தகைய சோதனையில் ஆழ்த்தப்படும் போது தொழுகை, நோன்பு, தானதர்மம் ஆகியவை அதற்கான பரிகாரமாக அமைந்து விடும். (நான் அந்த அர்த்தத்திலுள்ள ஃபித்னா பற்றி உங்களிடம் கேட்கவில்லை.) மாறாக, கடல் அலையைப் போன்று அடுக்கடுக்காகத் தோன்றும் என நபியவர்கள் (முன்னறிவிப்பாகக்) கூறிய (அரசியல் குழப்பம் எனும் பொருள் கொண்ட) ஃபித்னாவைப் பற்றிச் செவியுற்றவர் உங்களில் யார்?" என்று கேட்டார்கள். அப்போது மக்கள் (பதிலளிக்காமல்) அமைதியாக இருந்தனர். ஆகவே, நான், "நான் (செவியுற்றுள்ளேன்)" என்று கூறினேன். "உம் தந்தை அல்லாஹ்வுக்கு அர்ப்பணம்! (உம்மைப் போன்றே அவரும் நல்ல மனிதர்.) நீரா (செவியுற்றீர்)?" என்று கேட்க, நான் அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்களிடமிருந்து செவியுற்றதை(ப் பின்வருமாறு) கூறினேன்: கோரை கோரையாக வைத்துப் பாய் பின்னப்படுவதைப் போன்று மக்கள் உள்ளங்களில் சோதனைகள் பின்னப்படும். எந்த உள்ளம் அந்தச் சோதனைகளில் அமிழ்ந்துவிடுகிறதோ அந்த உள்ளத்தில் ஒரு கரும்புள்ளி இடப்படும். எந்த உள்ளம் அவற்றை நிராகரித்து விடுகிறதோ அந்த உள்ளத்தில் ஒரு வெண்புள்ளி இடப்படும். இவ்வாறு சோதனைகள் இரு விதமான உள்ளங்களில் ஏற்படுகின்றன. ஒன்று, வெண்பாறை போன்று தூய்மையானது; வானங்களும் பூமியும் நிலைத்திருக்கும்வரை எந்தச் சோதனையும் அதற்கு இடரளிக்காது. மற்றொன்று, சிறிதளவு வெண்மை கலந்த கருமையான உள்ளம். அது தலைகீழாகக் கவிழ்க்கப்பட்ட கூஜாவைப் போன்று நல்லதை அறியவும் செய்யாது; தீமையை நிராகரிக்கவும் செய்யாது. மனஇச்சையில் அமிழ்ந்து கிடப்பது ஒன்றுதான் அதற்குத் தெரிந்ததெல்லாம். (அறிவிப்பாளர் ஹுதைஃபா (ரலி) அவர்கள் கூறுகின்றார்கள்:) (மேற்கண்ட ஹதீஸை நான் உமர் (ரலி) அவர்களிடம் அறிவித்துவிட்டு, "இறை நம்பிக்கையாளர்களின் தலைவரே!) உங்களுக்கும் அந்தக் குழப்பங்களுக்கும் இடையே மூடிய கதவு ஒன்று உண்டு; அக்கதவு (விரைவில்) உடைக்கப்படக் கூடும்" என்று கூறினேன். உடனே உமர் (ரலி) அவர்கள், "நீர் தந்தையற்றுப் போவீர்! அது உடைக்கப்படுமா? அது (உடைக்கப் படாமல்) திறக்கப்பட்டாலாவது மீண்டும் அது மூடப்பட இடமுண்டே!" என்று கூறினார்கள். நான், "இல்லை. (அது திறக்கப்படாது.) உடைக்கத்தான் படும்" என்று சொன்னேன். மேலும், நான் அவர்களிடம் "அந்தக் கதவு "கொல்லப்படவிருக்கும்" அல்லது "இறந்துபோகவிருக்கும்" ஒரு மனிதர் தாம். இது கட்டுக்கதை அன்று. (உண்மையான செய்திதான்)" என்றும் கூறினேன். (இதன் அறிவிப்பாளர்களில் ஒருவரான) அபூகாலித் (ரஹ்) அவர்கள் கூறுகிறார்கள்: நான் (அறிவிப்பாளர்) சஅத் பின் தாரிக் (ரஹ்) அவர்களிடம், "அபூமாலிக்கே! (இந்த ஹதீஸின் மூலத்திலுள்ள) "அஸ்வது முர்பாத்தன்" என்பதன் பொருள் என்ன?" என்று கேட்டேன். அதற்கு அவர்கள், "கறுப்பில் தூய வெள்ளை" என்று கூறினார்கள். நான் "அல்கூஸு முஜக்கியன்" என்பதன் பொருள் யாது?" என்று கேட்டேன். அதற்கு, "தலைகீழாகக் கவிழ்க்கப்பட்ட கூஜா" என்று பதிலளித்தார்கள். - மேற்கண்ட ஹதீஸ் மற்றோர் அறிவிப்பாளர்தொடர் வழியாகவும் வந்துள்ளது. அதில், (கலீஃபா) உமர் (ரலி) அவர்களிடமிருந்து (விடைபெற்று மதீனாவிலிருந்து) ஹுதைஃபா (ரலி) அவர்கள் புறப்பட்டு (கூஃபா) வந்து எங்களுடன் அமர்ந்துகொண்டு (பின்வருமாறு) கூறினார்கள் என்று காணப்படுகிறது: நான் நேற்று இறைநம்பிக்கையாளர்களின் தலைவரிடம் அமர்ந்திருந்தபோது அவர்கள் தம் தோழர்களிடம், "உங்களில் யார் (இனி தலைதூக்கவிருக்கும் அரசியல்) குழப்பங்கள் குறித்து அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் சொன்னதை நினைவில் வைத்திருக்கிறார்?" என்று கேட்டார்கள். அபூமாலிக் (ரஹ்) அவர்கள் அளித்த அருஞ் சொற்பொருள்கள் அதில் குறிப்பிடப்படவில்லை. - மேற்கண்ட ஹதீஸ் மேலும் மூன்று அறிவிப்பாளர்தொடர்கள் வழியாகவும் வந்துள்ளது. அவற்றில் பின்வருமாறு காணப்படுகிறது: உமர் (ரலி) அவர்கள் மக்களிடம் "(அரசியல்) குழப்பங்கள் குறித்து அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் கூறியதை எமக்கு அறிவிப்பவர் உங்களில் யார்?" என்று கேட்டார்கள். அங்கு ஹுதைஃபா (ரலி) அவர்களும் இருந்தார்கள். அவர்கள் "நான் (கேட்டிருக்கிறேன்)" என்று கூறினார்கள். ஹதீஸின் இறுதியில் "இது கட்டுக்கதை அன்று; அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் கூறியதுதான்" என ஹுதைஃபா (ரலி) அவர்கள் தெரிவித்துள்ளார்கள். அத்தியாயம் :