حديث رقم: -1

مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ فَهَذِهِ الْوَصَايَا الْمَوْرُوثَةُ الْمَتْبُوعَةُ , وَالْآثَارُ الْمَحْفُوظَةُ الْمَنْقُولَةُ , وَطَرَائِقُ الْحَقِّ الْمَسْلُوكَةُ , وَالدَّلَايِلُ اللَّايِحَةُ الْمَشْهُورَةُ , وَالْحُجَجُ الْبَاهِرَةُ الْمَنْصُورَةُ الَّتِي عَمِلَتْ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ خَاصَّةِ النَّاسِ وَعَامَّتِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَاعْتَقَدُوهَا حُجَّةً فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , ثُمَّ مَنِ اقْتَدَى بِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ , وَاقْتَفَى آثَارَهُمْ مِنَ الْمُتَّبِعِينَ , وَاجْتَهَدَ فِي سُلُوكِ سَبِيلِ الْمُتَّقِينَ , وَكَانَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ

حديث رقم: -1

نَجَاةُ الْمُتَّبِعِينَ وَهَلَاكُ الْمُعْرِضِينَ فَمَنْ أَخَذَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَحَجَّةِ , وَدَاوَمَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ عَلَى مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ ؛ أَمِنَ فِي دِينِهِ التَّبِعَةَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ , وَتَمَسَّكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا انْفِصَامَ لَهَا , وَاتَّقَى بِالْجَنَّةِ الَّتِي يُتَّقَى بِمِثْلِهَا ؛ لِيَتَحَصَّنَ بِحِمَايَتِهِا , وَيَسْتَعْجِلَ بَرَكَتَهَا , وَيَحْمَدَ عَاقِبَتَهَا فِي الْمَعَادِ وَالْمَآلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَابْتَغَى فِي غَيْرِهَا مِمَّا يَهْوَاهُ , أَوْ يَرُومُ سِوَاهَا مِمَّا تَعَدَّاهُ ؛ أَخْطَأَ فِي اخْتِيَارِ بُغْيَتِهِ وَأَغْوَاهُ , وَسَلَكَهُ سَبِيلَ الضَّلَالَةِ , وَأَرَدْاهُ فِي مَهَاوِي الْهَلَكَةِ فِيمَا يَعْتَرِضُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَدَفْعِهِمَا بِأَنْوَاعِ الْمِحَالِ وَالْحَيْدَةِ عَنْهُمَا بِالْقِيلِ وَالْقَالِ مِمَّا لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ , وَلَا عَرَفَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَاللِّسَانِ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ عَاقِلٍ بِمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ بُرْهَانٍ , وَلَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُ مُوَحِّدٍ عَنْ فِكْرٍ أَوْ عِيَانٍ , فَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ , وَأَحَاطَ بِهِ الْخِذْلَانُ , وَأَغْوَاهُ بِعِصْيَانِ الرَّحْمَنِ , حَتَّى كَابَرَ نَفْسَهُ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ

حديث رقم: -1

نَتَائِجُ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ فِي أُمُورِ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ دَائِبُ الْفِكْرِ فِي تَدْبِيرِ مَمْلَكَةِ اللَّهِ بِعَقْلِهِ الْمَغْلُوبِ , وَفَهْمِهِ الْمَقْلُوبِ , بِتَقْبِيحِ الْقَبِيحِ مِنْ حَيْثُ وَهِمَهُ , أَوْ بِتَحْسِينِ الْحَسَنِ بِظَنِّهِ , أَوْ بِانْتِسَابِ الظُّلْمِ وَالسَّفَهِ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ إِلَيْهِ , أَوْ بِتَعْدِيلِهِ تَارَةً كَمَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ , أَوْ بِتَجْوِيرِهِ أُخْرَى كَمَا يُوَسْوِسُهُ شَيْطَانُهُ , أَوْ بِتَعْجِيزِهِ عَنْ خَلْقِ أَفْعَالِ عِبَادِهِ , أَوْ بِأَنْ يُوجِبَ حُقُوقًا لِعَبِيدِهِ عَلَيْهِ قَدْ أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ بِحُكْمِهِ لِجَهْلِهِ بِعَظِيمِ قَدْرِهِ , وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا تُلْزِمُهُ الْحُقُوقُ , بَلْ لَهُ الْحُقُوقُ اللَّازِمَةُ وَالْفُرُوضُ الْوَاجِبَةُ عَلَى عَبِيدِهِ , وَأَنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِمْ بِكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ , وَلَوْ رَدَّ الْأُمُورَ إِلَيْهِ وَرَأَى تَقْدِيرَهَا مِنْهُ وَجَعَلَ لَهُ الْمَشِيئَةَ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ , وَلَمْ يَجْعَلْ خَالِقًا غَيْرَهُ مَعَهُ , وَأَذْعَنَ لَهُ ؛ كَانَ قَدْ سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ وَالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ , فَهُوَ رَاكِضٌ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَالطَّعْنِ عَلَيْهِمَا , أَوْ مُخَاصِمًا بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ فِيهِمَا , أَوْ مُسَلِّطًا رَأْيَهُ عَلَى مَا لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْمُخْتَرَعَةِ الرَّكِيكَةِ , حَتَّى يَتَّفِقَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى مَذْهَبِهِ , وَهَيْهَاتَ أَنْ يَتَّفِقَ . وَلَوْ أَخَذَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ , وَسَلَكَ مَسْلَكَ الْمُتَّبِعِينَ , لَبَنَى مَذْهَبَهُ عَلَيْهِمَا وَاقْتَدَى بِهِمَا , وَلَكِنَّهُ مَصْدُودٌ عَنِ الْخَيْرِ مَصْرُوفٌ . فَهَذِهِ حَالَتُهُ إِذَا نَشِطَ لِلْمُحَاوَرَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , فَأَمَّا إِذَا رَجَعَ إِلَى أَصْلِهِ وَمَا بَنَى بِدْعَتَهُ عَلَيْهِ , اعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا بِالْجُحُودِ وَالْإِنْكِارِ , وَضَرَبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْصَارٍ , وَاسْتَقْبَلَ أَصْلَهُمَا بِبُهْتِ الْجَدَلِ وَالنَّظَرِ مِنْ غَيْرِ افْتِكَارٍ , وَأَخَذَ فِي الْهَزْوِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ , اسْتِهْزَاءً بِآيَاتِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ , وَاجْتِرَاءً عَلَى دِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ , وَقَابَلَهَا بِرَأْيِ النَّظَّامِ وَالْعَلَّافِ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ الَّذِينَ هُمْ قَلَدَةُ دِينِهِ

حديث رقم: -1

جَهْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَوْمٌ لَمْ يَتَدَيَّنُوا بِمَعْرِفَةِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي تِلَاوَةٍ أَوْ دِرَايَةٍ , وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي مَعْنَى آيَةٍ فَفَسَّرُوهَا أَوْ تَأَوَّلُوهَا عَلَى مَعْنَى اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ مِنْ صَالِحِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ إِلَّا عَلَى مَا أَحْدَثُوا مِنْ آرَائِهِمُ الْحَدِيثَةِ , وَلَا اغْبَرَّتْ أَقْدَامُهُمْ فِي طَلَبِ سُنَّةٍ , أَوْ عَرَفُوا مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَسْأَلَةً , فَيُعَدُّ رَأْيُ هَؤُلَاءِ حِكْمَةً وَعِلْمًا وَحُجَجًا وَبَرَاهِينَ , وَيُعَدُّ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ حَشْوًا وَتَقْلِيدًا , وَحَمَلَتُهَا جُهَّالًا وَبُلْهًا ؟ ذَلِكَ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ وَتَحَكُّمٌ وَطُغْيَانٌ . ثُمَّ تَكْفِيرُهُ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ , إِذْ لَا حُجَّةَ عِنْدَهُمْ بِتَكْفِيرِ الْأُمَّةِ إِلَّا مُخَالَفَتُهُمْ قَوْلَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ , وَإِنَّمَا وَجْهُ خَطَئِهِمْ عِنْدَهُمْ إِعْرَاضُهُمْ عَمَّا نَصَبُوا مِنْ آرَائِهِمْ لِنُصْرَةِ جَدَلِهِمْ , وَتَرْكِ أَتْبَاعِهِمْ لِمَقَالَتِهِمْ , وَاسْتِحْسَانِهِمْ لِمَذَاهِبِهِمْ , فَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ }}

حديث رقم: -1

مَوْقِفُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ثُمَّ مَا قَذَفُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّقْلِيدِ وَالْحَشْوِ , وَلَوْ كُشِفَ لَهُمْ عَنْ حَقِيقَةِ مَذَاهِبِهِمْ كَانَتْ أُصُولُهُمُ الْمُظْلِمَةُ , وَآرَاؤُهُمُ الْمُحْدَثَةُ , وَأَقَاوِيلُهُمُ الْمُنْكَرَةُ , كَانَتْ بِالتَّقْلِيدِ أَلْيَقَ , وَبِمَا انْتَحَلُوهَا مِنَ الْحَشْوِ أَخْلَقَ , إِذْ لَا إِسْنَادَ لَهُ فِي تَمَذْهُبِهِ إِلَى شَرْعٍ سَابِقٍ , وَلَا اسْتِنَادَ لِمَا يَزْعُمُهُ إِلَى قَوْلِ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِاتِّفَاقِ مُخَالِفٍ أَوْ مُوَافِقٍ , إِذْ فَخْرُهُ عَلَى مُخَالِفِيهِ يَحْذِقُهُ , وَاسْتِخْرَاجُ مَذَاهِبِهِ بِعَقْلِهِ وَفِكْرِهِ مِنَ الدَّقَائِقِ وَأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى بِدْعَتِهِ إِلَّا مُنَافِقٌ مَارِقٌ أَوْ مُعَانِدٌ لِلشَّرِيعَةِ مُشَاقِقٌ , فَلَيْسَ بِحَقِيقٍ مَنْ هَذِهِ أُصُولُهُ أَنْ يَعِيبَ عَلَى مَنْ تَقَلَّدَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ , وَاقْتَدَى بِهِمَا , وَأَذْعَنَ لَهُمَا , وَاسْتَسْلَمَ لِأَحْكَامِهِمَا , وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِمَا بِظَنٍّ أَوْ تَخَرُّصٍ , وَاسْتِحَالَةِ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ أَقْوَمُ , وَإِلَى سُبُلِ الرَّشَادِ أَهْدَى وَأَعْلَمُ , وَبِنُورِ الِاتِّبَاعِ أَسْعَدُ , وَمِنْ ظُلْمَةِ الِابْتِدَاعِ وَتَكَلُّفِ الِاخْتِرَاعِ أَبْعَدُ وَأَسْلَمُ , مِنَ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ إِلَّا مُتَأَوِّلًا , وَلَا الِاعْتِصَامُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَّا مُنْكِرًا أَوْ مُتَعَجِّبًا , وَلَا الِانْتِسَابُ إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ إِلَّا مُتَمَسْخِرًا مُسْتَهْزِئًا , لَا شَيْءَ عِنْدَهُ إِلَّا مَضْغُ الْبَاطِلِ وَالتَّكَذُّبُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ , وَإِنَّمَا دِينُهُ الضَّجَاجُ وَالنِّفَاقُ وَالصِّيَاحُ وَاللَّقْلَاقُ , قَدْ نَبَذَ قِنَاعَ الْحَيَاءِ وَرَاءَهُ , وَأَدْرَعَ سِرْبَالَ السَّفَهِ فَاجْتَابَهُ , وَكَشَفَ بِالْخَلَاعَةِ رَأْسَهُ , وَتَحَمَّلَ أَوْزَارَهُ وَأَوْزَارَ مَنْ أَضَلَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ {{ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ }} , فَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ , وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ }} . فَهُوَ فِي كَيْدِ الْإِسْلَامِ وَصَدِّ أَهْلِهِ عَنْ سَبِيلِهِ , وَنَبْزِ أَهْلِ الْحَقِّ بِالْأَلْقَابِ أَنَّهُمْ مُجَبِّرَةٌ , وَرَمْيِ أُولِي الْفَضْلِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِقِلَّةِ بَصِيرَةٍ , وَالتَّشْنِيعِ عِنْدَ الْجُهَّالِ بِالْبَاطِلِ , وَالتَّعَدِّي عَلَى الْقُوَّامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَالذَّابِّينَ عَنْ سُنَّتِهِ وَدِينِهِ , فَهُمْ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِحَرْبِ أَوْلِيَائِهِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ , وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا , وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

حديث رقم: -1

فَشَلُ الْعَقَائِدِ الْمُبْتَدَعَةِ أَمَامَ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ثُمَّ إِنَّهُ مِنْ حِينِ حَدَثَتْ هَذِهِ الْآرَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الْإِسْلَامِ , وَظَهَرَتْ هَذِهِ الْبِدَعُ مِنْ قَدِيمِ الْأَيَّامِ , وَفَشَتْ فِي خَاصَّةِ النَّاسِ وَالْعَوَامِّ , وَأُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمْ حُبَّهَا , حَتَّى خَاصَمُوا فِيهَا بِزَعْمِهِمْ تَدَيُّنًا أَوْ تَحَرُّجًا مِنَ الْآثَامِ , لَمْ تَرَ دَعْوَتَهُمُ انْتَشَرَتْ فِي عَشَرَةٍ مِنْ مَنَابِرِ الْإِسْلَامِ مُتَوَالِيَةٍ , وَلَا أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَتُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَالِيَةً , أَوْ مَقَالَتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةً , بَلْ كَانَتْ دَاحِضَةً وَضِيعَةً مَهْجُورَةً , وَكَلِمَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ ظَاهِرَةٌ , وَمَذَاهِبُهُمْ كَالشَّمْسِ نَايِرَةٌ , وَنُصُبُ الْحَقِّ زَاهِرَةٌ , وَأَعْلَامُهَا بِالنَّصْرِ مَشْهُورَةٌ , وَأَعْدَاؤُهَا بِالْقَمْعِ مَقْهُورَةٌ , يُنْطَقُ بِمَفَاخِرِهَا عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَابِرِ , وَتُدَوَّنُ مَنَاقِبُهَا فِي الْكُتُبِ وَالدَّفَاتِرِ , وَتُسْتَفْتَحُ بِهَا الْخُطَبُ وَتُخْتَمُ , وَيُفْصَلُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيُحْكَمُ , وَتُعْقَدُ عَلَيْهَا الْمَجَالِسُ وَتُبْرَمُ , وَتُظْهَرُ عَلَى الْكَرَاسِيِّ وَتُدَرَّسُ وَتُعَلَّمُ . وَمَقَالَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ لَمْ تَظْهَرْ إِلَّا بِسُلْطَانٍ قَاهِرٍ , أَوْ بِشَيْطَانٍ مُعَانِدٍ فَاجِرٍ , يُضِلُّ النَّاسَ خَفِيًّا بِبِدْعَتِهِ , أَوْ يَقْهَرُ ذَاكَ بِسَيْفِهِ وَسَوْطِهِ , أَوْ يَسْتَمِيلُ قَلْبَهُ بِمَالِهِ لِيُضِلَّهُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ؛ حَمِيَّةً لِبِدْعَتِهِ , وَذَبًّا عَنْ ضَلَالَتِهِ ؛ لِيَرُدَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ , وَيَفْتِنَهُمْ عَنْ أَدْيَانِهِمْ بَعْدَ أَنِ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ طَوْعًا وَكَرْهًا , وَدَخَلُوا فِي دِينِهِمَا رَغْبَةً أَوْ قَهْرًا , حَتَّى كَمُلَتِ الدَّعْوَةُ , وَاسْتَقَرَّتِ الشَّرِيعَةُ

حديث رقم: -1

بِدَايَةُ ظُهُورِ الْبِدَعِ فَلَمْ تَزَلِ الْكَلِمَةُ مُجْتَمِعَةً وَالْجَمَاعَةُ مُتَوَافِرَةً عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ الْأُوَلِ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ , حَتَّى نَبَغَتْ نَابِغَةٌ بِصَوْتٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ , وَكَلَامٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ فِي أَوَّلِ إِمَارَةِ الْمَرْوَانِيَّةِ , تُنَازِعُ فِي الْقَدَرِ وَتَتَكَلَّمُ فِيهِ , حَتَّى سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , فَرَوَى لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْخَبَرَ بِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالْإِيمَانِ بِهِ , وَحَذَّرَ مِنْ خِلَافِهِ , وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا أَوِ اعْتَقَدَهُ بَرِيءٌ مِنْهُ وَهُمْ بَرَاءٌ مِنْهُ , وَكَذَلِكَ عُرِضَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا , فَقَالَا لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ , وَسَنَذْكُرُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلَ بِأَسَانِيدِهَا وَأَلْفَاظِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقْتَضِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

حديث رقم: -1

مَا تَعَرَّضَتْ لَهُ الْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَّامِ ثُمَّ انْطَمَرَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ , وَانْجَحَرَ مَنْ أَظْهَرَهَا فِي جُحْرِهِ , وَصَارَ مَنِ اعْتَقَدَهَا جَلِيسَ مَنْزِلِهِ , وَخَبَّأَ نَفْسَهُ فِي السِّرْدَابِ كَالْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ ؛ خَوْفًا مِنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَالنَّكَالِ وَالسَّلْبِ مِنْ طَلَبِ الْأَئِمَّةِ لَهُمْ ؛ لِإِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ , وَقَدْ أَقَامُوا فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ , وَنَذْكُرُ فِي مَوَاضِعِهِ أَسَامِيَهُمْ , وَحَثَّ الْعُلَمَاءِ عَلَى طَلَبِهِمْ , وَأَمَرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمُجَانَبَتِهِمْ , وَنَهَوْهُمْ عَنْ مُكَالَمَتِهِمْ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِمْ وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ ؛ لِسَلَامَةِ أَدْيَانِهِمْ , وَشَهَرُوهُمْ عِنْدَهُمْ بِمَا انْتَحَلُوا مِنْ آرَائِهِمُ الْحَدِيثَةِ , وَمَذَاهِبِهِمُ الْخَبِيثَةِ ؛ خَوْفًا مِنْ مَكْرِهِمْ أَنْ يُضِلُّوا مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ بِشُبْهَةٍ وَامْتِحَانٍ , أَوْ بَرِيقِ قَوْلٍ مِنْ لِسَانٍ , وَكَانَتْ حَيَاتُهُمْ كَوَفَاةٍ , وَأَحْيَاؤُهُمْ عِنْدَ النَّاسِ كَالْأَمْوَاتِ , الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فِي رَاحَةٍ , وَأَدْيَانُهُمْ فِي سَلَامَةٍ , وَقُلُوبُهُمْ سَاكِنَةٌ , وَجَوَارِحُهُمْ هَادِيَةٌ , وَهَذَا حِينَ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي نَضَارَةٍ , وَأُمُورُ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيَادَةٍ

حديث رقم: -1

ظُهُورُ الِاتِّجَاهِ الْعَقْلِيِّ فَمَضَتْ عَلَى هَذِهِ الْقُرُونِ مَاضُونَ , الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ , حَتَّى ضَرَبَ الدَّهْرُ ضَرَبَاتِهِ , وَأَبْدَى مِنْ نَفْسِهِ حَدَثَانَهُ , وَظَهَرَ قَوْمٌ أَجْلَافٌ زَعَمُوا أَنَّهُمْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ أَخْلَافٌ , وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَكْبَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَحْصُولِ , وَفِي حَقَائِقِ الْمَعْقُولِ , وَأَهْدَى إِلَى التَّحْقِيقِ , وَأَحْسَنُ نَظَرًا مِنْهُمْ فِي التَّدْقِيقِ , وَأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ تَفَادَوْا مِنَ النَّظَرِ لِعَجْزِهِمْ , وَرَغِبُوا عَنْ مُكَالَمَتِهِمْ لِقِلَّةِ فَهْمِهِمْ , وَأَنَّ نُصْرَةَ مَذْهَبِهِمْ فِي الْجِدَالِ مَعَهُمْ , حَتَّى أَبْدَلُوا مِنَ الطَّيِّبِ خَبِيثًا , وَمِنَ الْقَدِيمِ حَدِيثًا , وَعَدَلُوا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ , وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ دَعْوَةَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ , وَامْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ إِتْمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى سَبِيلِهِ , فَقَالَ تَعَالَى : {{ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ }} فَوَعَظَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ بِكِتَابِهِ , وَحَثَّهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِهِ , وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : {{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }} لَا بِالْجِدَالِ وَالْخُصُومَةِ , فَرَغِبُوا عَنْهُمَا وَعَوَّلُوا عَلَى غَيْرِهِمَا , وَسَلَكُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَسْلَكَ الْمُضِلِّينَ , وَخَاضُوا مَعَ الْخَايِضِينَ , وَدَخَلُوا فِي مَيْدَانِ الْمُتَحَيِّرِينَ , وَابْتَدَعُوا مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا هُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ رَغْبَةً لِلْغَلَبَةِ وَقَهْرِ الْمُخَالِفِينَ لِلْمَقَالَةِ , ثُمَّ اتَّخَذُوهَا دِينًا وَاعْتِقَادًا بَعْدَمَا كَانَتْ دَلَايِلَ الْخُصُومَاتِ وَالْمُعَارَضَاتِ , وَضَلَّلُوا مَنْ لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَتَسَمَّوْا بِالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , وَمَنْ خَالَفَهُمْ وَسَمُوهُ بِالْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ , فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدَمٌ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَّةِ , وَلَمْ يَسْعَ فِي طَلَبِهَا ؛ لِمَا يَلْحَقُهُ فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ , وَطَلَبَ لِنَفْسِهِ الدَّعَةَ وَالرَّاحَةَ , وَاقْتَصَرَ عَلَى اسْمِهِ دُونَ رَسْمِهِ لِاسْتِعْجَالِ الرِّيَاسَةِ , وَمَحَبَّةِ اشْتِهَارِ الذِّكْرِ عِنْدَ الْعَامَّةِ , وَالتَّلَقُّبِ بِإِمَامَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَجَعَلَ دَأْبَهُ الِاسْتِخْفَافَ بِنَقَلَةِ الْأَخْبَارِ , وَتَزْهِيدَ النَّاسِ أَنْ يَتَدَيَّنُوا بِالْآثَارِ ؛ لِجَهْلِهِ بِطُرُقِهَا , وَصُعُوبَةِ الْمَرَامِ بِمَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا , وَقُصُورِ فَهْمِهِ عَنْ مَوَاقِعِ الشَّرِيعَةِ مِنْهَا , وَرُسُومِ التَّدَيُّنِ بِهَا , حَتَّى عَفَتْ رُسُومُ الشَّرَايِعِ الشَّرِيفَةِ , وَمَعَانِي الْإِسْلَامِ الْقَدِيمَةُ , وَفُتِحَتْ دَوَاوِينُ الْأَمْثَالِ وَالشُّبَهِ , وَطُوِيَتْ دَلَايِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَانْقَرَضَ مَنْ كَانَ يَتَدَيَّنُ بِحُجَجِهَا ؛ لِلْأَخْذِ بِالثِّقَةِ , وَالتَّمَسُّكِ بِهِمَا لِلضِّنَّةِ , وَيَصُونَ سَمْعَهُ عَنْ هَذِهِ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ , وَصَارَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ صَاحِبَ مَقَالَةٍ وَجَدَ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْحَابَ وَالْأَتْبَاعَ , وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ ذَاقَ حَلَاوَةَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِنِفَاقِ بِدْعَتِهِ , وَكَلَّا أَنَّهُ كَمَا ظَنَّهُ أَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ , إِذْ أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَرْغَبُونَ عَنْ طَرَايِقِهِمْ مِنَ الِاتِّبَاعِ وَلَوْ نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ , وَلَا يَسْتَوْحِشُونَ لِمُخَالَفَةِ أَحَدٍ بِزُخْرُفِ قَوْلٍ مِنْ غُرُورٍ , أَوْ بِضَرْبِ أَمْثَالٍ زُورٍ

حديث رقم: -1

نَتَائِجُ مُنَاظَرَةِ الْمُبْتَدِعَةِ فَمَا جُنِيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِنَايَةٌ أَعْظَمُ مِنْ مُنَاظَرَةِ الْمُبْتَدِعَةِ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَهْرٌ وَلَا ذُلٌّ أَعْظَمَ مِمَّا تَرَكَهُمُ السَّلَفُ عَلَى تِلْكَ الْجُمْلَةِ يَمُوتُونَ مِنَ الْغَيْظِ كَمَدًا وَدَرَدًا , وَلَا يَجِدُونَ إِلَى إِظْهَارِ بِدْعَتِهِمْ سَبِيلًا , حَتَّى جَاءَ الْمَغْرُورُونَ فَفَتَحُوا لَهُمْ إِلَيْهَا طَرِيقًا , وَصَارُوا لَهُمْ إِلَى هَلَاكِ الْإِسْلَامِ دَلِيلًا , حَتَّى كَثُرَتْ بَيْنَهُمُ الْمُشَاجَرَةُ , وَظَهَرَتْ دَعْوَتُهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ , وَطَرَقَتْ أَسْمَاعَ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَرَفَهَا مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ , حَتَّى تَقَابَلَتِ الشُّبَهُ فِي الْحُجَجِ , وَبَلَغُوا مِنَ التَّدْقِيقِ فِي اللُّجَجِ , فَصَارُوا أَقْرَانًا وَأَخْدَانًا , وَعَلَى الْمُدَاهَنَةِ خِلَّانًا وَإِخْوَانًا , بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي اللَّهِ أَعْدَاءً وَأَضْدَادًا , وَفِي الْهِجْرَةِ فِي اللَّهِ أَعْوَانًا , يُكَفِّرُونَهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ عِيَانًا , وَيَلْعَنُونَهُمْ جِهَارًا , وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ , وَهَيْهَاتَ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ . نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَنَا مِنَ الْفِتْنَةِ فِي أَدْيَانِنَا , وَأَنْ يُمَسِّكَنَا بِالْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ , وَيَعْصِمَنَا بِهِمَا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ

حديث رقم: -1

مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ فَهَلُمَّ الْآنَ إِلَى تَدَيُّنِ الْمُتَّبِعِينَ , وَسِيرَةِ الْمُتَمَسِّكِينَ , وَسَبِيلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّتِهِ , وَالْمُنَادِينَ بِشَرَايِعِهِ وَحِكْمَتِهِ , الَّذِينَ قَالُوا : {{ آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }} , وَتَنَكَّبُوا سَبِيلَ الْمُكَذِّبِينَ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , فَاتَّخَذُوا كِتَابَ اللَّهِ إِمَامًا , وَآيَاتِهِ فُرْقَانًا , وَنَصَبُوا الْحَقَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ عِيَانًا , وَسُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جُنَّةً وَسِلَاحًا , وَاتَّخَذُوا طُرُقَهَا مِنْهَاجًا , وَجَعَلُوهَا بُرْهَانًا , فَلَقُوا الْحِكْمَةَ , وَوُقُوا مِنْ شَرِّ الْهَوَى وَالْبِدْعَةِ ؛ لِامْتِثَالِهِمْ أَمْرَ اللَّهِ فِي اتِّبَاعِ الرَّسُولِ , وَتَرْكِهِمُ الْجِدَالَ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ

حديث رقم: -1

الْحَثُّ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَالِاقْتِدَاءِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يَحُثُّ عَلَى اتِّبَاعِ دِينِهِ , وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ , وَالِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : {{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }} , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {{ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }} , وَقَالَ : {{ فَبَشِّرْ عِبَادِ , الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }} . ثُمَّ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ , فَقَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }} , وَقَالَ : {{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }} , قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا : إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . ثُمَّ حَذَّرَ مِنْ خِلَافِهِ وَالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ , فَقَالَ : {{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }} , وَقَالَ تَعَالَى : {{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا }} , وَقَالَ : {{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }} . وَرَوَى الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَوْعِظَةً دَمَعَتْ مِنْهَا الْأَعْيُنُ , وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ , فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ , فَبِمَ تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فَقَالَ : قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ , لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا , لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ , وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ , فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ ضَلَالَةٌ . وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَطًّا , ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا يَمِينًا وَشِمَالًا , ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ , عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ . ثُمَّ يَقْرَأُ : {{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }} . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا ؛ فَقَدْ كُفِيتُمْ

حديث رقم: -1

أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَوْلَى النَّاسِ بِالِاتِّبَاعِ فَلَمْ نَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَآثَارِ صَحَابَتِهِ إِلَّا الْحَثَّ عَلَى الِاتِّبَاعِ , وَذَمَّ التَّكَلُّفِ وَالِاخْتِرَاعِ , فَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ كَانَ مِنَ الْمُتَّبِعِينَ , وَكَانَ أَوْلَاهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ , وَأَحَقَّهُمْ بِهَذَا الْوَسْمِ , وَأَخَصَّهُمْ بِهَذَا الرَّسْمِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ؛ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَاتِّبَاعِهِمْ لِقَوْلِهِ , وَطُولِ مُلَازَمَتِهِمْ لَهُ , وَتَحَمُّلِهِمْ عِلْمَهُ , وَحِفْظِهِمْ أَنْفَاسَهُ وَأَفْعَالَهُ , فَأَخَذُوا الْإِسْلَامَ عَنْهُ مُبَاشَرَةً , وَشَرَايِعَهُ مُشَاهَدَةً , وَأَحْكَامَهُ مُعَايَنَةً , مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَلَا سَفِيرٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَاصِلَةٌ . فَجَاوَلُوهَا عِيَانًا , وَحَفِظُوا عَنْهُ شِفَاهًا , وَتَلَقَّفُوهُ مِنْ فِيهِ رَطْبًا , وَتَلَقَّنُوهُ مِنْ لِسَانِهِ عَذْبًا , وَاعْتَقَدُوا جَمِيعَ ذَلِكَ حَقًّا , وَأَخْلَصُوا بِذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ يَقِينًا , فَهَذَا دِينٌ أُخِذَ أَوَّلُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُشَافَهَةً , لَمْ يُشْبِهُ لَبْسٌ وَلَا شُبْهَةٌ , ثُمَّ نَقَلَهَا الْعُدُولُ عَنِ الْعُدُولِ مِنْ غَيْرِ تَحَامُلٍ وَلَا مَيْلٍ , ثُمَّ الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ , وَالصَّافَّةُ عَنِ الصَّافَّةِ , وَالْجَمَاعَةُ عَنِ الْجَمَاعَةِ , أَخْذَ كَفٍّ بِكَفٍّ , وَتَمَسُّكَ خَلَفٍ بِسَلَفٍ , كَالْحُرُوفِ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا , وَيَتَّسِقُ أُخْرَاهَا عَلَى أُولَاهَا رَصْفًا وَنَظْمًا

حديث رقم: -1

فَضْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى الْأُمَّةِ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُعُهِّدَتْ بِنَقْلِهِمُ الشَّرِيعَةُ , وَانْحَفَظَتْ بِهِمْ أُصُولُ السُّنَّةِ , فَوَجَبَتْ لَهُمْ بِذَلِكَ الْمِنَّةُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ , وَالدَّعْوَةُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ بِالْمَغْفِرَةِ ؛ فَهُمْ حَمَلَةُ عِلْمِهِ , وَنَقَلَةُ دِينِهِ , وَسَفَرَتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمَّتِهِ , وَأُمَنَاؤُهُ فِي تَبْلِيغِ الْوَحْيِ عَنْهُ , فَحَرِيٌّ أَنْ يَكُونُوا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَوَفَاتِهِ , وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْأُمَمِ مَرْجِعُهَا إِلَيْهِمْ فِي صِحَّةِ حَدِيثِهِ وَسَقِيمِهِ , وَمُعَوَّلُهَا عَلَيْهِمْ فِيمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ أُمُورِهِ . انْتِسَابُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ كُلُّ مَنِ اعْتَقَدَ مَذْهَبًا فَإِلَى صَاحِبِ مَقَالَتِهِ الَّتِي أَحْدَثَهَا يَنْتَسِبُ , وَإِلَى رَأْيِهِ يَسْتَنِدُ , إِلَّا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَإِنَّ صَاحِبَ مَقَالَتِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَهُمْ إِلَيْهِ يَنْتَسِبُونَ , وَإِلَى عِلْمِهِ يَسْتَنِدُونَ , وَبِهِ يَسْتَدِلُّونَ , وَإِلَيْهِ يَفْزَعُونَ , وَبِرَأْيِهِ يَقْتَدُونَ , وَبِذَلِكَ يَفْتَخِرُونَ , وَعَلَى أَعْدَاءِ سُنَّتِهِ بِقُرْبِهِمْ مِنْهُ يَصُولُونَ , فَمَنْ يُوَازِيهِمْ فِي شَرَفِ الذِّكْرِ , وَيُبَاهِيهِمْ فِي سَاحَةِ الْفَخْرِ وَعُلُّوِ الِاسْمِ ؟

حديث رقم: -1

وَجْهُ تَسْمِيَتِهِمْ بِأَهْلِ الْحَدِيثِ إِذِ اسْمُهُمْ مَأْخُودٌ مِنْ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا ؛ لِتَحَقُّقِهِمْ بِهِمَا أَوْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِأَخْذِهِمَا , فَهُمْ مُتَرَدِّدُونَ فِي انْتِسَابِهِمْ إِلَى الْحَدِيثِ بَيْنَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : {{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ }} فَهُوَ الْقُرْآنُ , فَهُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَأَهْلُهُ وَقُرَّاؤُهُ وَحَفَظَتُهُ , وَبَيِّنٌ أَنْ يَنْتَمُوا إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَهُمْ نَقَلَتُهُ وَحَمَلَتُهُ , فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُونَ هَذَا الِاسْمَ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِمْ لِمُشَاهَدَتِنَا , إِنَّ اقْتِبَاسَ النَّاسِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مِنْهُمْ , وَاعْتِمَادَ الْبَرِيَّةِ فِي تَصْحِيحِهِمَا عَلَيْهِمْ , لِأَنَّا مَا سَمِعْنَا عَنِ الْقُرُونِ الَّتِي قَبْلَنَا , وَلَا رَأَيْنَا نَحْنُ فِي زَمَانِنَا مُبْتَدِعًا رَأْسًا فِي إِقْرَاءِ الْقُرْآنِ , وَأَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ , وَلَا ارْتَفَعَتْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ رَايَةٌ فِي رِوَايَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا خَلَتْ مِنَ الْأَيَّامِ , وَلَا اقْتَدَى بِهِمْ أَحَدٌ فِي دِينٍ وَلَا شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَايِعِ الْإِسْلَامِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَمَّلَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ سِهَامَ الْإِسْلَامِ , وَشَرَّفَهُمْ بِجَوَامِعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ , وَمَيَّزَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَنَامِ , حَيْثُ أَعَزَّهُمُ اللَّهُ بِدِينِهِ , وَرَفَعَهُمْ بِكِتَابِهِ , وَأَعْلَى ذِكْرَهُمْ بِسُنَّتِهِ , وَهَدَاهُمْ إِلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ رَسُولِهِ , فَهِيَ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ , وَالْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ , وَالْعُصْبَةُ الْهَادِيَةُ , وَالْجَمَاعَةُ الْعَادِلَةُ الْمُتَمَسِّكَةُ بِالسُّنَّةِ , الَّتِي لَا تُرِيدُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَدِيلًا , وَلَا عَنْ قَوْلِهِ تَبْدِيلًا , وَلَا عَنْ سُنَّتِهِ تَحْوِيلًا , وَلَا يُثْنِيهِمْ عَنْهَا تَقَلُّبُ الْأَعْصَارِ وَالزَّمَانِ , وَلَا يَلْوِيهِمْ عَنْ سَمْتِهَا تَغَيُّرُ الْحَدَثَانِ , وَلَا يَصْرِفُهُمْ عَنْ سَمْتِهَا ابْتِدَاعُ مَنْ كَادَ الْإِسْلَامَ لِيَصُدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغِيَهَا عِوَجًا , وَيَصْرِفَ عَنْ طُرُقِهَا جَدَلًا وَلَجَاجًا , ظَنًّا مِنْهُ كَاذِبًا , وَتَخْمِينًا بَاطِلًا أَنَّهُ يُطْفِئُ نُورَ اللَّهِ , {{ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }}

حديث رقم: -1

مَكَانَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَصِفَاتُهُمْ وَاغْتَاظَ بِهِمُ الْجَاحِدُونَ , فَإِنَّهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ , وَالْجُمْهُورُ الْأَضْخَمُ , فِيهِمُ الْعِلْمُ وَالْحُكْمُ , وَالْعَقْلُ وَالْحِلْمُ , وَالْخِلَافَةُ وَالسِّيَادَةُ , وَالْمُلْكُ وَالسِّيَاسَةُ , وَهُمْ أَصْحَابُ الْجُمُعَاتِ وَالْمَشَاهِدِ , وَالْجَمَاعَاتِ وَالْمَسَاجِدِ , وَالْمَنَاسِكِ وَالْأَعْيَادِ , وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ , وَبَاذِلُو الْمَعْرُوفِ لِلصَّادِرِ وَالْوَارِدِ , وَحُمَاةُ الثُّغُورِ وَالْقَنَاطِرِ , الَّذِينَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ , وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ عَلَى مِنْهَاجِهِ , الَّذِينَ أَذْكَارُهُمْ فِي الزُّهْدِ مَشْهُورَةٌ , وَأَنْفَاسُهُمْ عَلَى الْأَوْقَاتِ مَحْفُوظَةٌ , وَآثَارُهُمْ عَلَى الزَّمَانِ مَتْبُوعَةٌ , وَمَوَاعِظُهُمْ لِلْخَلْقِ زَاجِرَةٌ , وَإِلَى طُرُقِ الْآخِرَةِ دَاعِيَةٌ , فَحَيَاتُهُمْ لِلْخَلْقِ مَنْبَهَةٌ , وَمَسِيرُهُمْ إِلَى مَصِيرِهِمْ لِمَنْ بَعْدِهِمْ عِبْرَةٌ , وَقُبُورُهُمْ مُزَارَةٌ , وَرُسُومُهُمْ عَلَى الدَّهْرِ غَيْرُ دَارِسَةٍ , وَعَلَى تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ غَيْرُ نَاسِيَةٍ , يُعَرِّفُ اللَّهُ إِلَى الْقُلُوبِ مَحَبَّتَهُمْ , وَيَبْعَثُهُمْ عَلَى حِفْظِ مَوَدَّتِهِمْ , يُزَارُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي بُيُوتِهِمْ , لِيَنْشُرَ اللَّهُ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمُ الْأَعْلَامَ حَتَّى لَا تَنْدَرِسَ أَذْكَارُهُمْ عَلَى الْأَعْوَامِ , وَلَا تَبْلَى أَسَامِيهِمْ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ . فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَرِضْوَانُهُ , وَجَمَعَنَا وَإِيَّاهُمْ فِي دَارِ السَّلَامِ

حديث رقم: -1

حِفْظُ عَقِيدَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ إِمَامٌ مِنْ سَلَفٍ , أَوْ عَالِمٌ مِنْ خَلَفٍ , قَايِمٌ لِلَّهِ بِحَقِّهِ , وَنَاصِحٌ لِدِينِهِ فِيهَا , يَصْرِفُ هِمَّتَهُ إِلَى جَمْعِ اعْتِقَادِ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى سُنَنِ كِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَآثَارِ صَحَابَتِهِ , وَيَجْتَهِدُ فِي تَصْنِيفِهِ , وَيُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي تَهْذِيبِهِ ؛ رَغْبَةً مِنْهُ فِي إِحْيَاءِ سُنَّتِهِ , وَتَجْدِيدِ شَرِيعَتِهِ , وَتَطْرِيَةِ ذِكْرِهِمَا عَلَى أَسْمَاعِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهِمَا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ , أَوْ لِزَجْرِ غَالٍ فِي بِدْعَتِهِ , أَوْ مُسْتَغْرِقٍ يَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهِ , أَوْ مُفْتَتِنٍ بِجَهَالَتِهِ لِقِلَّةِ بَصِيرَتِهِ . بَذْلُ الْمُؤَلِّفِ جَهْدَهُ لِلتَّصْنِيفِ فَأَفْرَغْتُ فِي ذَلِكَ جَهْدِي , وَأَتْعَبْتُ فِيهِ نَفْسِي ؛ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَاسْتِنْجَازِ مَوْعُودِهِ فِي اسْتِبْصَارِ جَاهِلٍ , وَاسْتِنْقَاذِ ضَالٍّ , وَتَقْوِيمِ عَادِلٍ , وَهِدَايَةِ حَائِرٍ , وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ فِيمَا أَرْوِيهِ , وَالْإِقَالَةَ مِنَ الْخَطَإِ فِيمَا أَنْحُوهُ وَأَقْصِدُهُ . سَبَبُ التَّأْلِيفِوَقَدْ كَانَ تَكَرَّرَتْ مَسْأَلَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِيَّايَ عَوْدًا وَبَدْءًا فِي شَرْحِ اعْتِقَادِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَدَّسَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ , وَجَعَلَ ذِكْرَنَا لَهُمْ رَحْمَةً وَمَغْفِرَةً , فَأَجَبْتُهُمْ إِلَى مَسْأَلَتِهِمْ لِمَا رَأَيْتُ فِيهِ مِنَ الْفَايِدَةِ الْحَاصِلَةِ , وَالْمَنْفَعَةِ السُّنِّيَّةِ التَّامَّةِ , وَخَاصَّةً فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي تَنَاسَى عُلَمَاؤُهَا رُسُومَ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَاشْتَغَلُوا عَنْهَا بِمَا أَحْدَثُوا مِنَ الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ , حَتَّى ضَاعَتِ الْأُصُولُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي أُسِّسَتْ عَلَيْهَا الشَّرِيعَةُ , وَكَانَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ إِلَيْهَا يَدْعُونَ , وَعَلَى طَرِيقِهَا يَهْدُونَ , وَعَلَيْهَا يُعَوِّلُونَ , فَجَدَّدْتُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لِتُعْرَفَ مَعَانِيهَا وَحُجَجُهَا , وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى سَمَاعِ اسْمِهَا دُونَ رَسْمِهَا . مَنْهَجُ الْمُؤَلِّفِ وَشَرْطُهُفَابْتَدَأْتُ بِشَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ تَصَفَّحْتُ عَامَّةَ كُتُبِ الْأَئِمَّةِ الْمَاضِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ , وَعَرَفْتُ مَذَاهِبَهُمْ وَمَا سَلَكُوا مِنَ الطُّرُقِ فِي تَصَانِيفِهِمْ لِيُعَرِّفُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ , وَمَا نَقَلُوا مِنَ الْحُجَجِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي حَدَثَ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبَيْنَ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ , فَفَصَّلْتُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ , وَبَيَّنْتُ فِي تَرَاجِمِهَا أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ مَتَى حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ الِاخْتِلَافُ فِيهَا , وَمَنِ الَّذِي أَحْدَثَهَا وَتَقَوَّلَهَا ؛ لِيُعْرَفَ حُدُوثُهُا , وَأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِتِلْكَ الْمَقَالَةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ , ثُمَّ أَسْتَدِلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا , وَبِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإِنْ , وَجَدْتُ فِيهِمَا جَمِيعًا ذَكَرْتُهُمَا , وَإِنْ وَجَدْتُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ذَكَرْتُهُ , وَإِنْ لَمْ أَجِدْ فِيهِمَا إِلَّا عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ , وَيُهْتَدَى بِأَقْوَالِهِمْ , وَيُسْتَضَاءَ بِأَنْوَارِهِمْ ؛ لِمُشَاهَدَتِهِمُ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ , وَمَعْرِفَتِهِمْ مَعَانِيَ التَّأْوِيلِ , احْتَجَجْتُ بِهَا , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَثَرٌ عَنْ صَحَابِيٍّ فَعَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ , الَّذِينَ فِي قَوْلِهِمُ الشِّفَاءُ وَالْهُدَى , وَالتَّدَيُّنِ بِقَوْلِهِمُ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ وَالزُّلْفَى , فَإِذَا رَأَيْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ , وَمَنْ أَنْكَرُوا قَوْلَهُ أَوْ رَدُّوا عَلَيْهِ بِدْعَتَهُ أَوْ كَفَّرُوهُ حَكَمْنَا بِهِ وَاعْتَقَدْنَاهُ . وَلَمْ يَزَلْ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا قَوْمٌ يَحْفَظُونَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيَتَدَيَّنُونَ بِهَا , وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ حَادَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لِجَهْلِهِ طُرُقَ الِاتِّبَاعِ . وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ يُؤْخَذُ عَنْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ قَوْمٌ مَعْدُودُونَ , أَذْكُرُ أَسَامِيَهُمْ فِي ابْتِدَاءِ هَذَا الْكِتَابِ لِتُعْرَفَ أَسَامِيهِمْ , وَيُكْثَرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءُ لَهُمْ ؛ لِمَا حَفِظُوا عَلَيْنَا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ , وَأَرْشَدُونَا إِلَى سُنَنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ , وَلَمْ آلُ جَهْدًا فِي تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَنَظْمِهِ عَلَى سَبِيلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , وَلَمْ أَسْلُكْ فِيهِ طَرِيقَ التَّعَصُّبِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْأَخْيَارِ فَمِنَ الْمِيلِ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَتَدَيَّنُ بِهِ شَرْعٌ مَقْبُولٌ , وَأَثَرٌ مَنْقُولٌ , أَوْ حِكَايَةٌ عَنْ إِمَامٍ مَقْبُولٍ , وَإِنَّمَا الْحَيْفُ يَقَعُ فِي كَلَامِ مَنْ تَكَلَّفَ الِاخْتِرَاعَ وَنَصَرَ الِابْتِدَاعَ , وَأَمَّا مَنْ سَلَكَ بِنَفْسِهِ مَسْلَكَ الِاتِّبَاعِ فَالْهَوَى وَالْإِحَادَةُ عَنْهُ بَعِيدَةٌ , وَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ سَلِيمٌ , وَعَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ مُسْتَقِيمٌ . وَنَسْأَلُ اللَّهَ دَوَامَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَإِتْمَامِهَا عَلَيْنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ , إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ , وَبِعِبَادِهِ لَطِيفٌ خَبِيرٌ .