لا توجد بيانات
حِفْظُ عَقِيدَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ إِمَامٌ مِنْ سَلَفٍ , أَوْ عَالِمٌ مِنْ خَلَفٍ , قَايِمٌ لِلَّهِ بِحَقِّهِ , وَنَاصِحٌ لِدِينِهِ فِيهَا , يَصْرِفُ هِمَّتَهُ إِلَى جَمْعِ اعْتِقَادِ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى سُنَنِ كِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَآثَارِ صَحَابَتِهِ , وَيَجْتَهِدُ فِي تَصْنِيفِهِ , وَيُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي تَهْذِيبِهِ ؛ رَغْبَةً مِنْهُ فِي إِحْيَاءِ سُنَّتِهِ , وَتَجْدِيدِ شَرِيعَتِهِ , وَتَطْرِيَةِ ذِكْرِهِمَا عَلَى أَسْمَاعِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهِمَا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ , أَوْ لِزَجْرِ غَالٍ فِي بِدْعَتِهِ , أَوْ مُسْتَغْرِقٍ يَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهِ , أَوْ مُفْتَتِنٍ بِجَهَالَتِهِ لِقِلَّةِ بَصِيرَتِهِ . بَذْلُ الْمُؤَلِّفِ جَهْدَهُ لِلتَّصْنِيفِ فَأَفْرَغْتُ فِي ذَلِكَ جَهْدِي , وَأَتْعَبْتُ فِيهِ نَفْسِي ؛ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَاسْتِنْجَازِ مَوْعُودِهِ فِي اسْتِبْصَارِ جَاهِلٍ , وَاسْتِنْقَاذِ ضَالٍّ , وَتَقْوِيمِ عَادِلٍ , وَهِدَايَةِ حَائِرٍ , وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ فِيمَا أَرْوِيهِ , وَالْإِقَالَةَ مِنَ الْخَطَإِ فِيمَا أَنْحُوهُ وَأَقْصِدُهُ . سَبَبُ التَّأْلِيفِوَقَدْ كَانَ تَكَرَّرَتْ مَسْأَلَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِيَّايَ عَوْدًا وَبَدْءًا فِي شَرْحِ اعْتِقَادِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَدَّسَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ , وَجَعَلَ ذِكْرَنَا لَهُمْ رَحْمَةً وَمَغْفِرَةً , فَأَجَبْتُهُمْ إِلَى مَسْأَلَتِهِمْ لِمَا رَأَيْتُ فِيهِ مِنَ الْفَايِدَةِ الْحَاصِلَةِ , وَالْمَنْفَعَةِ السُّنِّيَّةِ التَّامَّةِ , وَخَاصَّةً فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي تَنَاسَى عُلَمَاؤُهَا رُسُومَ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَاشْتَغَلُوا عَنْهَا بِمَا أَحْدَثُوا مِنَ الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ , حَتَّى ضَاعَتِ الْأُصُولُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي أُسِّسَتْ عَلَيْهَا الشَّرِيعَةُ , وَكَانَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ إِلَيْهَا يَدْعُونَ , وَعَلَى طَرِيقِهَا يَهْدُونَ , وَعَلَيْهَا يُعَوِّلُونَ , فَجَدَّدْتُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لِتُعْرَفَ مَعَانِيهَا وَحُجَجُهَا , وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى سَمَاعِ اسْمِهَا دُونَ رَسْمِهَا . مَنْهَجُ الْمُؤَلِّفِ وَشَرْطُهُفَابْتَدَأْتُ بِشَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ تَصَفَّحْتُ عَامَّةَ كُتُبِ الْأَئِمَّةِ الْمَاضِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ , وَعَرَفْتُ مَذَاهِبَهُمْ وَمَا سَلَكُوا مِنَ الطُّرُقِ فِي تَصَانِيفِهِمْ لِيُعَرِّفُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ , وَمَا نَقَلُوا مِنَ الْحُجَجِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي حَدَثَ الْخِلَافُ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبَيْنَ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ , فَفَصَّلْتُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ , وَبَيَّنْتُ فِي تَرَاجِمِهَا أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ مَتَى حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ الِاخْتِلَافُ فِيهَا , وَمَنِ الَّذِي أَحْدَثَهَا وَتَقَوَّلَهَا ؛ لِيُعْرَفَ حُدُوثُهُا , وَأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِتِلْكَ الْمَقَالَةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ , ثُمَّ أَسْتَدِلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا , وَبِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإِنْ , وَجَدْتُ فِيهِمَا جَمِيعًا ذَكَرْتُهُمَا , وَإِنْ وَجَدْتُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ذَكَرْتُهُ , وَإِنْ لَمْ أَجِدْ فِيهِمَا إِلَّا عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ , وَيُهْتَدَى بِأَقْوَالِهِمْ , وَيُسْتَضَاءَ بِأَنْوَارِهِمْ ؛ لِمُشَاهَدَتِهِمُ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ , وَمَعْرِفَتِهِمْ مَعَانِيَ التَّأْوِيلِ , احْتَجَجْتُ بِهَا , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَثَرٌ عَنْ صَحَابِيٍّ فَعَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ , الَّذِينَ فِي قَوْلِهِمُ الشِّفَاءُ وَالْهُدَى , وَالتَّدَيُّنِ بِقَوْلِهِمُ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ وَالزُّلْفَى , فَإِذَا رَأَيْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ , وَمَنْ أَنْكَرُوا قَوْلَهُ أَوْ رَدُّوا عَلَيْهِ بِدْعَتَهُ أَوْ كَفَّرُوهُ حَكَمْنَا بِهِ وَاعْتَقَدْنَاهُ . وَلَمْ يَزَلْ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا قَوْمٌ يَحْفَظُونَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيَتَدَيَّنُونَ بِهَا , وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ حَادَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لِجَهْلِهِ طُرُقَ الِاتِّبَاعِ . وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ يُؤْخَذُ عَنْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ قَوْمٌ مَعْدُودُونَ , أَذْكُرُ أَسَامِيَهُمْ فِي ابْتِدَاءِ هَذَا الْكِتَابِ لِتُعْرَفَ أَسَامِيهِمْ , وَيُكْثَرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءُ لَهُمْ ؛ لِمَا حَفِظُوا عَلَيْنَا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ , وَأَرْشَدُونَا إِلَى سُنَنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ , وَلَمْ آلُ جَهْدًا فِي تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَنَظْمِهِ عَلَى سَبِيلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , وَلَمْ أَسْلُكْ فِيهِ طَرِيقَ التَّعَصُّبِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْأَخْيَارِ فَمِنَ الْمِيلِ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَتَدَيَّنُ بِهِ شَرْعٌ مَقْبُولٌ , وَأَثَرٌ مَنْقُولٌ , أَوْ حِكَايَةٌ عَنْ إِمَامٍ مَقْبُولٍ , وَإِنَّمَا الْحَيْفُ يَقَعُ فِي كَلَامِ مَنْ تَكَلَّفَ الِاخْتِرَاعَ وَنَصَرَ الِابْتِدَاعَ , وَأَمَّا مَنْ سَلَكَ بِنَفْسِهِ مَسْلَكَ الِاتِّبَاعِ فَالْهَوَى وَالْإِحَادَةُ عَنْهُ بَعِيدَةٌ , وَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ سَلِيمٌ , وَعَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ مُسْتَقِيمٌ . وَنَسْأَلُ اللَّهَ دَوَامَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَإِتْمَامِهَا عَلَيْنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ , إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ , وَبِعِبَادِهِ لَطِيفٌ خَبِيرٌ .