عنوان الفتوى : الخلوة بالأجنبية من غير ثالث
علمت عن مواقف تحدث في عصرنا هذا فأحببت أن أعلم بالتحديد هل ينطبق معنى الخلوة المحرمة عليها أم لا؟ أرجو الإجابة عن كل موقف بالتحديد. 1-وجود الطبيب في غرفته مع إحدى طالبات الجامعة لمناقشة بحث علمي تقوم بإجرائه الطالبة كمشروع للتخرجها علما بأن الباب مغلق عليهما ولكن يستطيع أي أحد أن يدق الباب فيدخل عليهما. 2- العمل في المختبرات في بعض البلدان يقتضي الاختلاط بين الرجال والنساء وفي بعض الأحيان يكون موعد الدوام جامعا بين رجل وامرأة فقط في المختبر فهل هذا يعتبر من الخلوة المحرمة علما بأن المختبر قد يكون بعيدا نوعا ما عن بقية المختبرات كأن يكون في الطابق العلوي ولا يكون في هذا الطابق غير هذا المختبر وعلما بأن المجال متاح لأي أحد من عمال أوموظفن الدخول عليهما في أي وقت ولكن يكون هناك أوقات يكونان بمفردهما في المختبر فهل هذه خلوة محرمة، أرجو الإجابة عن كل حالة على حدة.. كما أرجو التوضيح. وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الخلوة تدل على الانفراد، يقال: خلا الرجل بصاحبه وإليه ومعه خلواً وخلاء وخلوة: انفرد به واجتمع معه في خلوة، وكذلك خلا بزوجته خلوة.
والخلوة المحرمة هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه لا يكون معهما ثالث بحيث يحتجبان عن الأنظار، وقد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة، بالتحذير من ذلك، من ذلك ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. وقال صلى الله عليه وسلم: ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه أحمد والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينها وبينه محرم.
وقد ذكر أهل العلم أنه يحرم خلوة الأجنبيين ولو في صلاة أو عمل، وقد حرم أهل العلم المعاصرون انفراد المرأة بالأجنبي في السيارة والمصعد الكهربائي، والخلوة بالطبيب والمدرس، وجعلوا هذا من الخلوة المحرمة. وقال النووي في شرح حديث مسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، قال: هذا استثناء منقطع لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة، فتقدير الحديث: لا يقعدن رجل مع امرأة إلا ومعها محرم، ثم فصل القول في حكم الخلوة فقال: وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم، وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام.
ولا فرق في تحريم الخلوة حيث حرمناها بين الخلوة في صلاة أو غيرها، ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق أو نحو ذلك فيباح له استصحابها؛ بل يلزمه ذلك إذا خاف عليها لو تركها وهذا لا اختلاف فيه، ويدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك.
وقال المقدسي في الآداب الشرعية: قال القاضي في الأحكام السلطانية فيما يتعلق بالمحتسب: وإذا رأى وقوف رجل مع امرأة في طريق سالك لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرض عليهما بزجر ولا إنكار، وإن كان الوقوف في طريق خال فخلو المكان ريبة فينكرها، ولا يعجل في التأديب عليهما حذرا من أن تكون ذات محرم، وليقل: إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب وإن كانت أجنبية فاحذر من خلوة تؤديك إلى معصية الله عز وجل.
وفي الموسوعة الفقهية عند الكلام على الخلوة وبيان ما يحرم منها وما يجوز: ولا تجوز خلوة المرأة بالأجنبي ولو في عمل، والمراد بالخلوة المنهي عنها أن تكون المرأة مع الرجل في مكان يأمنان فيه من دخول ثالث، قال أبو حنيفة: أكره أن يستأجر الرجل امرأة حرة يستخدمها ويخلو بها، لأن الخلوة بالمرأة الأجنبية معصية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. ومن المباح أيضا الخلوة بمعنى انفراد رجل بامرأة في وجود الناس، بحيث لا تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما. فقد جاء في صحيح البخاري: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها. وعنوان ابن حجر لهذا الحديث بباب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس، وعقب بقوله: لا يخلو بها حديث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس. وقد تكون الخلوة بالأجنبية واجبة في حال الضرورة، كمن وجد امرأة أجنبية منقطعة في برية، ويخاف عليها الهلاك لو تركت. انتهى. وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 50916 ، 1248 ، 23240 ، 6812 ، 4091 ، 54972 ، 50354 ، 4154.
والله أعلم.