عنوان الفتوى : من أحكام المسح على الخفين
ذكرتم في الفتوى رقم: 5345، أنه يشترط لجواز المسح على الخفين والجوربين هو "أن يسترا محل الفرض وهو كل القدمين إلى الكعبين"... حالياً يوجد أنواع من الجوارب التي تكشف الكعبين وبعض من ظاهر القدم، فهل: 1ـ يجب خلع هذه الأنواع قبل الوضوء؟ 2ـ لا يجوز المسح عليها مسحة واحدة؟! إذا كان لا يجوز المسح مرة واحدة: فلماذا لا يوجد بعض المعاصرين ـ كحضراتكم ـ الذين يجيزون هذا الامر؟! كما أجاز ابن تيمية وبعض المعاصرين المسح على الجوربين وإن كانت بشرة القدم ترى من ورائهما ـ على عكس إحدى الشروط وهو أن يكونا صفيقين، لا ترى بشرة القدم من تحتهما، ما دام يصدق عليهما مسمى الجوربين، ولأن الرخصة مبناها على التيسير، وهو الأشبه بمقاصد الشريعة. سؤال آخر: هل هذه الرخصة فقط إذا تم لبس الجوارب بعد الوضوء وقبل الصلاة؟ أم تجوز هذه الرخصة أيضا لمن توضأ ثم صلى ثم لبس الجوارب قبل أن ينقض وضوءه؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شروط جواز المسح على الخفين ـ عند الجمهور، أن يكونا ساترين للكعبين, خلافا لمن لم يشترط ذلك من أهل العلم, جاء في المغني لابن قدامة مع مختصر الخرقي:
قال: (ولا يمسح إلا على خفين، أو ما يقوم مقامهما؛ من مقطوع أو ما أشبهه، مما يجاوز الكعبين)، معناه والله أعلم يقوم مقام الخفين في ستر محل الفرض وإمكان المشي فيه، وثبوته بنفسه، والمقطوع هو الخف القصير الساق؛ وإنما يجوز المسح عليه إذا كان ساترا لمحل الفرض، لا يرى منه الكعبان؛ لكونه ضيقا أو مشدودا، وبهذا قال الشافعي، وأبو ثور، ولو كان مقطوعا من دون الكعبين، لم يجز المسح عليه، وهذا الصحيح عن مالك، وحكي عنه، وعن الأوزاعي، جواز المسح؛ لأنه خف يمكن متابعة المشي فيه، فأشبه الساتر، ولنا أنه لا يستر محل الفرض، فأشبه اللالكة والنعلين. انتهي
وفي كتاب المحلى لابن حزم: فإن كان الخفان مقطوعين تحت الكعبين فالمسح جائز عليهما، وهو قول الأوزاعي، روي عنه أنه قال: يمسح المحرم على الخفين المقطوعين تحت الكعبين، وقال غيره لا يمسح عليها إلا أن يكونا فوق الكعبين، قال علي: قد «صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمر بالمسح على الخفين، وأنه مسح على الجوربين»، ولو كان ههنا حد محدود لما أهمله ـ عليه السلام ـ ولا أغفله فوجب أن كل ما يقع عليه اسم خف أو جورب أو لبس على الرجلين فالمسح عليه جائز، وقد ذكرنا بطلان قول من قال: إن المسح لا يجوز إلا على ما يستر جميع الرجلين والكعبين. انتهى
فهذه النقول تفيد أن جمهور العلماء على عدم جواز المسح على الخفين إذا كانا غير ساترين للكعبينِ، وبالتالي فلا بد من نزعهما قبل الوضوء, وهذا هو ما نفتي به في هذه المسألة تقليدا لمذهب الجمهور الذى هو الراجح عندنا.
وبخصوص قولك: "فلماذا لا يوجد بعض المعاصرين - كحضراتكم - الذين يجيزون هذا الامر؟ فالجواب أنه قد وجد من المتقدمين من يجيز المسح على الخفين إذا كانا دون الكعبين كما رأيت في النقول السابقة, وهذا القول يجوز العمل به لمن ترجح عنده إذا كانت له أهلية الترجيح والنظر في الأدلة، أو أفتاه به من العلماء من يثق في علمه وورعه، ما لم يبلغ حد تتبع الرخص، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء:
أما إن كان المراد بالأخذ بالرخص في الدين هو الأخذ بالأسهل وما يوافق هوى الإنسان من فتاوى وأقوال العلماء - فإن ذلك غير جائز، والواجب على الإنسان أن يحتاط لدينه، وأن يحرص على إبراء ذمته، فلا يتبع إلا ما صح به الدليل من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإن كان جاهلا بالحكم فإنه يسأل أهل الذكر ممن يوثق بعلمه وفتواه، ولا يكثر من سؤال العلماء في المسألة الواحدة فيتبع الأسهل له وما يوافق هواه، فإن ذلك دليل على تفريطه وإهماله لأمور دينه، وقد أثر عن بعض السلف قوله: (من تتبع رخص العلماء فقد تزندق). انتهى
وراجع الفتوى رقم: 180003.
ويجوز للشخص المسح على الجوربين إذا لبسهما على طهارة, سواء كان اللبس بعد الوضوء وقبل الصلاة, أو كان اللبس بعد الصلاة بشرط عدم انتقاض الوضوء, فالمهم أن يلبسهما على طهارة, ولا يشترط أن يكون ذلك بعد الوضوء مباشرة, وراجع الفتوى رقم: 287443, والفتوى رقم: 105952.
والله أعلم.