القنوات الجنائية


الحلقة مفرغة

الحمد لله الكبير المتعال، ذي العزة والجلال، الموصوف بصفات الكمال، المنزه عن كل نقص وإخلال، منه المبتدأ وإليه المرجع والمآل، أحمده سبحانه وتعالى جعل الإيمان والإسلام طهارة للقلوب، وزكاة للنفوس، وعفة للجوارح، واستقامة للمسالك، له الحمد -سبحانه وتعالى- كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، شمس الهداية الربانية، ومبعوث العناية الإلهية.

وأشهد أنه -عليه الصلاة والسلام- قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن موضوع حديثنا هو: (القنوات الجنائية) وليس في ذلك خطأ، فإنها معروفة عند الناس بأنها القنوات الغنائية المختصة بالغناء والأنغام، ولكنها في حقيقة الأمر ومآله جنائية لا غنائية، ففيها جناية على الدين وعلى الخلق، وجناية على الصحة والمال، وجناية على الفرد والأسرة والمجتمع، جناية بالكلمات الماجنة، وجناية بالرقصات المثيرة، وجناية بالرسائل الفاتنة، فجناياتها متنوعة بعضها فوق بعض.

قبل أن نسترسل في الحديث أنبه أن حديثي سيكون بغير اللغة المعتادة من ذكر للأدلة من الكتاب والسنة؛ لأننا في هذا العصر نجد أن قول الخطباء، وأحاديث الدعاة، بل وربما فتاوى العلماء عند كثير من المتصدرين في وسائل الإعلام ليست مقبولة، بل هي ضرب من التشنج والتوتر، ولون من التشدد والتطرف، وصورة من صور الكبت والانغلاق، وقول يشتمل على الأوهام والاختلاق، ولذلك أعتذر عن مواصلة حديثي؛ لأنه قد يجرم عند أولئك القوم الذين تدثروا اليوم بدثار، وتكلموا بلسان لم نعد نفرق بينه وبين ما يقوله أعداؤنا الذين نعرف عداوتهم صريحة جلية واضحة.

ولذلك أرجو أن أُعذَر، فإني سأنتقل إلى موجة إعلامية، وإلى لغة تخصصية، وإلى أرقام إحصائية، وإلى حوادث واقعية، وهذه المذكورات لن تنطق لنا بالآيات القرآنية، ولن تروي لنا الأحاديث النبوية، ولن تنقل لنا الأقوال والنصوص العلمية، مع أن مثل هذا يكون للمكابرين والمغالطين، بل ولمروجي الفسق والمفسدين قولاً تقوم به الحجة عندهم إذا لم تقم -عياذاً بالله- بآيات القرآن وأحاديث المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم، ولعلها تكون ذات مصداقية في ثبوتها وقوتها أبلغ وأكثر مما لا يعترفون به من مصداقيات ما ذكرته الآيات في دلالات الواقع والمستقبل، وما بينته أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم من أحوال وأخبار آخر الزمان.

سأترك حديثي ليتكلم الإعلاميون المتخصصون الأكاديميون، الذين هم أصحاب قول فصيح في مثل هذه المسألة، وليتحدث المتخصصون في مجالات العلوم الاجتماعية والنفسية، فإنهم بهذا أخبر منا معاشر المشايخ، أو الدعاة، أو طلبة العلم، وإن قولهم في مثل هذا لا يُرجس عليه بمثل ما يرجس على أقوال أمثالنا.

لقد عقد مؤتمر في عاصمة عربية كبرى، وفي جامعة إن لم تكن أعرق الجامعات العربية فهي من أعرقها، وفي كلية إعلامها على وجه الخصوص، تحت عنوان: (الإعلام المعاصر والهوية الوطنية)، وأصحاب هذا المؤتمر لا يتحدثون عن إسلام وإيمان حتى نتهمهم بالتطرف والإرهاب وغير ذلك كما هي التهمة الجاهزة على طرف الألسنة وأسنة الأقلام اليوم، إنهم قوم لم يذكروا لنا شيئاً مما نسمعه في الخطب والمواعظ، فسأنتقل إليهم لأستعرض شيئاً يسيراً من خلاصات هذه البحوث، وهي دراسة تطبيقية ميدانية قدمت في أحد هذه البحوث، وقد أجريت على مائة أغنية شبابية.

تقول هذه الإحصائية: إن مجموع اللقطات في هذه الأغنيات -وهي الأغنيات التي يحتشد فيها الراقصون والراقصات، والفتيات المغريات كما هو معلوم مما يشاهد، أو يقرأ عن هذه الأغاني- سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة وسبعون لقطة تصويرية، هكذا عددها عند علماء الإعلام والمحللين فيما هو مرصود إعلامياً، حتى لا يقال: إن الخطيب الذي يخطب يتكلم بما لا يعرف؛ لأنه لا يشاهد هذا فأنى له أن يصفه؟!

وتقول هذه الدراسة -أيضاً-: إن هناك من بين هذه اللقطات ستة وخمسين وألفي مشهد راقص، وألفاً وأربعمائة وتسع لقطات لمناطق مثيرة، واجعل تحت هذه الأرقام خطوطاً، وافهم منها ما شئت، ثم إن أربعمائة وألفي لقطة قريبة من مناطق مثيرة، وستاً وأربعين ومائة لقطة تلامس، وستاً وعشرين ومائة لقطة عناق، ولست أدري أين مكان الغناء في الإعراب من هذه الحشود المتكاثرة والآلاف المتتابعة من اللقطات؟!

وهناك دراسة أخرى لباحث إعلامي متخصص يقول: إنه قام بتحليل أربع وستين وثلاثمائة أغنية، أي أنه سمعها وشاهدها، وليس هو مثلنا في عدم سماع هذه الأمور ومشاهدتها، فبماذا خرج؟ قال: بلغت نسبة اللقطات المثيرة سبعاً وسبعين في المائة، ثم فصلها؛ لأنه باحث علمي، وليس داعية درويشاً كما يقول بعضهم، يقول في هذا التحليل: إن الرقص والحركات كانت نسبتها واحداً وخمسين في المائة، وإن الملابس -أي: جانب الإثارة فيها- كانت نسبتها اثنين وعشرين في المائة، والألفاظ عشرة في المائة، وفكرة الأغنية خمسة في المائة فقط، ليس هذا قولاً نرجم به نحن أو غيرنا ممن قد يتهمون في مقالاتهم.

وهناك عينة أخرى درسها الباحث ليرى عن أي بيئة تعبر، وأي سلوك تنقله إلينا، فأفادنا أن هذه الأغنيات تعكس البيئة الغربية بنسبة سبعين في المائة، والبيئة العربية بنسبة ثلاثين في المائة، والمراد بالعربية هنا غير الإسلامية، فهي عند بعض أولئك الباحثين لا تدخل في الاختلاط، ولا تدخل فيما هو معلوم أنه محرم ونصت عليه النصوص الشرعية.

أنتقل إلى موطن جناية أخرى، وهو الرسائل التي تمر عبر الأشرطة في هذه القنوات الغنائية، لقد كنا إذا جاءت بعض المعاكسات على هواتف المنازل فإن الشخص يتقدم إلى الجهة المختصة شاكياً، ويوضع هاتفه تحت المراقبة حتى يكتشف ذلك الذي يؤذيه، وكانت المسألة كبيرة وخطيرة، وأما اليوم فهذا كله على تلك الشاشات، مخاطبات، ومغازلات، ومعاكسات، وكلمات بذيئة، وأساليب نابية، تقول دراسة عن هذه الرسائل: إن ستا وسبعين في المائة منها رسائل متبادلة بين الجنسين، أي: بين الشباب والشابات، وعشرين في المائة هي الرسائل في التهنئات الأسرية، أنّ نسبتها قليلة في هذا الجانب.

وتنتقل دراسة أخرى إلى بحث القِيَم في هذه الأغاني من حيث كلماتها ومشاهدها هل تعلمنا الصدق والنزاهة؟! وهل تعلمنا العفة والحياء؟! وهل تشيع فينا روح الجدية والرجولة؟! وهل تُذكي فينا مشاعر الحماسة والفتوة؟! نسكت نحن ليتكلم الباحثون المختصون، فتقول هذه الدراسة: إن نسبة القِيَم السلبية ثمانية وخمسون في المائة، والإيجابية اثنان وعشرون في المائة، ولن ننازع فيها ولن نبحث في تفاصيلها.

وأما نسبة الثمانية والخمسين في المائة فتقسميها مخيف مرعب فثلاثة وثلاثون في المائة منها لقيم الخيانة، وخمسة وعشرون في المائة منها لتعليم قيم الغدر، واثنان وعشرون في المائة منها للتجاهل وعدم التقدير، وخمسة في المائة منها للكراهية.

ومن باب الإنصاف فإن القيم الإيجابية كان تقسيمها كالتالي: واحد وثلاثون في المائة للحب، وعشرون في المائة للوفاء، وثلاثة عشر في المائة لإخلاص المحب، وثلاثة عشر في المائة للانتماء.

قبل أن أغادر مقام أولئك القوم أقف وقفة لباحثة من بنات حواء اللائي يعرضن في هذه الأغنيات كما كانت تعرض الجواري في عصر الرقيق والنخاسة، ويقول مدعو تحرير المرأة اليوم: إنّها باحثة مختصة في مجال علم النفس التربوي، تقول: إن الفن الحقيقي هو الذي يخاطب العاطفة، ويرقى بالمشاعر، فيؤثر هذا الرقي على السلوك والتعاملات بين البشر، وينعكس على المجتمع، فتعمه حالة من الأمن والسكينة، والبعد عن الجرائم، هذه رسالة الفن، أما الذي يحدث الآن فما هو إلا إفلاس فني، فلم يعد هناك من يقدر على كتابة كلمة تحمل قيماً نبيلة، أو رسالة فنية، ثم أشارت إلى أن الفنانين يعدون قدوة للشباب، ولكن للأسف فقد أصبحوا ضيوفاً على صفحات الحوادث بتهم مختلفة من دعارة، أو آداب، أو تهرب ضريبي، أو غير ذلك.

ومرة أخرى أقول: لسنا نحن الذين نقول مثل هذا، وإنما هي إحصائيات المختصين في تلك الجوانب، فهل نعدّ بعد هذا متجنين إذا سمينا هذه القنوات الغنائية بأنها جنائية؟!

إن المسألة -معاشر الإخوة المؤمنين- في غاية الأهمية، خصوصاً إذا أدركنا أن مثل هذه القنوات ليست واحدة، ولا اثنتين، ولا ثلاثاً، بل قد أصبحت تعد بالعشرات، ثم تجد هذه القنوات تصدح بالغناء منذ انبثاق الفجر وإلى غسق الليل، وتمتلئ بالرقص، وتسمع منها الآهات، وترى فيها المعانقات، إلى غير ذلك من الأمور الفظيعة الخليعة المعلومة، والله عز وجل يقول: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، بينما إذا قدّر لأحدنا أن يفتح قناة عند قرآن الفجر فلن يسمع إلا ما نعلم، ولن يرى إلا ما نعلم، وكذلك في كل لحظة وفي كل ثانية، وكل هذه القيم السلبية وكل هذه البيئة الغربية وكل هذه الإثارة الجنسية وكل هذه الرسائل الغرامية تبث على مدى أربع وعشرين ساعة، وفي قنوات متكاثرة، فلو قدِّر أنْ جاءنا غزو أو حرب -لا قدرٌ الله- في أي بلد من بلاد الإسلام لوجدنا أن الأمر جد خطير وأن الشر محدق بنا، فما بال كل هذه السهام والدبابات والصواريخ التي تقصف معاقل الإيمان، وتدك حصون الأخلاق، وتهدم بنيان المجتمع، وتفتك بكل المعاني النبيلة والقيم الفاضلة ونحن لا نستشعر خطراً، ولا نلمس ضرراً، ولا نتوجس من أثر؟!

إن هذا الذي ذكرناه ما هو إلا غيض من فيض، وهذه دراسات على عينات، وهذه أرقام وتحليلات لإحصائيات، وهي من حيث كمها، ومن حيث عددها، ومن حيث تناميها، ومن حيث مكاسبها تستدعي وقفات، وهذه الوقفات ينبغي أن تكون من قبل جهات مختلفة كثيرة، فوزارات التربية والتعليم ينبغي أن يكون لها موقف، ووزارات الإعلام ينبغي أن يكون لها موقف، والغرف التجارية والروابط التجارية ينبغي أن يكون لها موقف، وكل أب وأم ينبغي أن يكون لهما موقف، فكيف بالمنبر الذي هو منبر الجمعة ومنبر القرآن والسنة ومنبر الإيمان والخلق ومنبر الفضيلة والقيم يسكت ولا يتكلم؟! وكيف يقال له إذا تكلم: إنه يدخل في غير اختصاصه أو يتكلم في غير فنه؟!

ولذا فإني استعرت في حديثي إليك حديث الآخرين.

جناية القنوات على الدين

أعود ثانية لأقف وقفة قصيرة مختصرة موجزة لأسرد بعض هذه الجنايات، وأسوقها في لقطات وومضات، جناية القنوات الغنائية على الدين، وكيف تجني هذه القنوات على الدين؟

إن هذه القنوات من أسباب ضعف الإيمان واليقين، وهي كذلك من أسباب اختلاط المفاهيم، والتباس الحلال بالحرام، فعندما تأتي بعض المسائل التي قد يكون فيها لبعض أهل العلم مقال فإنهم يتتبعون فيها الرخص، ولا يبحثون عن الحكم الشرعي، وهذا هو الحاصل في مسألتنا هذه، فيقال: إن هناك من المتقدمين أو المتأخرين من أباح الغناء، فإذن هذا مباح. ولعمر الله لا أعلم أحداً من المتقدمين ولا المتأخرين مطلقاً يقول بأن هذا الذي وصفناه حلال إلا إذا قلنا: إن الكفر بالله عز وجل هو الإيمان، وإلا إذا أصبحت التوراة المحرفة هي القرآن، وإلا إذا أصبحنا نمشي على السماء والأرض تظللنا من فوقنا، وإلا فأعيدوا إلينا عقولنا فقد أصبحنا بغير عقول، لكن هذا الإرجاف والتلبيس يؤثر في الناس، وفي الشباب خاصة؛ لأنهم ليس لديهم من العلم بالأحكام والنصوص ما ينجيهم من هذه الشبهات.

ومن جهة أخرى فهم أصحاب المشاعر الملتهبة، والغرائز المتقدة، وفي زمن أصبحت الغريزة تخاطب كل شيء، فقد كان الغناء يسمع فصار اليوم يرى ويسمع، ويلمس من خلال هذه القنوات وما فيها من المباشرة وغير ذلك؛ لأن بعض القنوات اليوم طورت الرسائل، فيمكن أن يرسل الشاب أو الشابة صورته مشفوعة برسالته إلى من يبعثها إليه، فأي شيء بعد ذلك؟! ونحن نعلم ونقرأ أن بعض الأغنيات العربية لا الغربية تعرض صور المغنيات وهن على أسرة النوم، بل قرأت نصاً صريحاً واضحاً تفصيلياً أن أغنية صورت فيها المغنية وهي في الحمام، أكرمني الله وإياك!

فهل هذه القنوات لا تجني على الدين والإيمان؟! ولا تسبب تعلق القلب بغير الله عز وجل؟! ولا تضعف أثر سماع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟! إن الله تعالى يقول: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]، فما بال هذه القلوب لا تخشع ولا تخشى مما تندك له الجبال من كلمات الرحمن سبحانه وتعالى؟! إنها قد فتنت وعميت وأصيبت في مقتل من مثل هذه الجنايات الغنائية الفضائية.

وأما جنايتها على الأخلاق فإنا نجني منها ميوعة الشباب، ونجني منها انشغالهم بالشهوات وانصرافهم عن الأمور العظيمة والمهمات الجسيمة، ونجني منها قلة حياء الفتيات، واندفاعهن مع الإغراءات والشهوات.

ألسنا اليوم نرى شباباً نكاد أحياناً لا نميزه هل هو من جنس الذكور أو الإناث؟!

ألسنا نرى اليوم في واقع مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ظهوراً لما عرف عند غيرنا بالجنس الشاذ أو الجنس الثالث؟! من أين جاءنا ذلك؟! هل نبت من الأرض أو سقط من السماء؟!

إنها أسباب تتعاظم وتتكاثر، وأبوابها العظمى ونوافذها الكبرى هذه القنوات، وإذا أصبنا في الأخلاق فالأمر كما قال الشاعر:

فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.

إنك لتعجب عندما يأتون إلينا بمثل هذه المرأة التي تتبرج، وتكشف المناطق المثيرة، وتتلوى في رقصاتها، ثم تأتينا في مقابلة لتحدث شبابنا وشاباتنا عن جهودها في خدمة الفن، وعن دورها في مسيرة الأمة، وعن إسهاماتها في تطور المجتمع وغير ذلك! وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فنقدم الفسق والفجور على أنه نموذج يحتذى، وأسوة تقتدى، ونقدم الخنا والانحراف على أنه سمة من سمات الأداء والعطاء والنماء وغير ذلك، فالأمر كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، إنها مسألة عجيبة!

جناية القنوات على العلم

هل لهذه القنوات جنايات على العلم؟

الجواب: نعم. وأولها الانصراف عن العلم بالنسبة للشباب والشابات؛ لأن المجد والشهرة والغنى والثروة طريقه طويل إذا أردنا أن نشقه عبر العلم، وقد يثمر وقد لا يثمر، أما من أرادها بطريقة مختصرة فما عليه إلا شيء من صوت وقلة حياء وإذا به على الشاشات، وعلى الصفحات، وفي العقود والتعاقدات، وكثير من الأسفار والرحلات وغيرها، حتى رأينا اليوم فنانين وهم دون العشرين من العمر، بل وجدنا أكثر من ذلك، وجدنا المسابقات والبرامج التي تقدم المواهب من سن السادسة والسابعة من العمر حتى ينشئوا نشأة غنائية جنائية مبكرة.

ولعل بعض الإخوة المسلمين يتساءل: لماذا تقول لنا هذا ونحن مصلون في المسجد؟! فأقول: لا يسلم أحد منا من مثل هذا، حتى الذي ليس في بيته قنوات، فإن الشر يعم ولا يخص، وإن البلاء إن سلمت منه فلا تدري هل سلم منه ابنك أو ابنتك، أم أنهم يشاهدون ما لا تعلم إما في أماكن أخرى، وإما عبر ما يتعاطوه الشباب والشابات من هذه المواد المسموعة والمرئية بكل الأحوال العجيبة والعظيمة، ومع ذلك فأنا أعلم أن من معاشر المصلين الخيرين من قد أصيبوا في مقاتل من هذه القنوات، فهم يدمنون مشاهدتها، ويتعلقون بها بعد أن سلبت قلوبهم وتعلقت بها شهواتهم، وهم مع ذلك يعودون إلى صلاتهم، ويشهدون بعض مجامع الخير، ولكن الأثر غير الأثر، واللغة غير اللغة، ويوشك من بعد أن ترى بعضهم وقد صار إلى ذلك القبيل، وانتهى إلى ذلك الفصيل، ولم يعد بعد أن كان من أهل المساجد من أهلها، ولم يعد بعد أن كان يتغنى بالقرآن يتغنى به، وذلك أمر معلوم، فالأوائل تؤدي إلى الأواخر، والمقدمات تقود إلى النتائج، نسأل الله عز وجل السلامة.

ومن جنايتها على العلم -أيضاً- سهر الطلاب على هذه القنوات، فيأتون إلى الدروس والمحاضرات وليس في عقولهم شيء من العلم ولا من الفهم، ولا في أبدانهم من القوة وحضور الأذهان ما يؤهلهم لأن يتلقوا العلم، لذا فإنا نرى انحدار المستويات العلمية.

جناية القنوات على الأسرة

الجناية على الأسرة أمره خطير جداً، ولن أتكلم عن الأبناء، ولا عن الأطفال، بل أتكلم عن الرجال والنساء، والأزواج والزوجات، والآباء والأمهات، بل ولا أبالغ إن قلت: وعن الأجداد والجدات.

إن هذه الصور الفاتنة خلبت أنظار بعض الرجال فزهدوا في أزواجهم، ورأوا أنهن نساء ليس لهن حظ من جمال ولا نظر في ذوق، فتعلقوا بالحرام وتركوا الحلال.

ونساء فتن بما يرين من صور أولئك الرجال، فزهدن في الأزواج، ووجدت المشكلة، وقد ثبت في بعض الدراسات أن هناك حالات من الطلاق نشأت من خلال هذه القنوات، وإذا كنا نعلم مشكلات أسرنا فكيف نزيد الطين بلةً؟!

جناية القنوات على المجتمع

أنتقل إلى جناياتها على المجتمع، فتلك جناية على الأفراد والأسر، وهذه جناية على المجتمع، هناك آثار كثيرة من جناية هذه القنوات على المجتمع نلمسها ونراها، ونحذر منها ونخشاها، فنرى التبرج والسفور والترخص في الاختلاط يتسع بعد كل هذه الموجات، ويصبح شبه مقبول أو معروف، بل المنكر له مستغرب فعله، والناظر إليه بتعجب ينظر إليه على أنه لا يعيش العصر، ولا يفقه الواقع، ثم رأينا صوراً أخرى أشد، وهي الجرأة في المعاكسات والمغازلات، والوقاحة فيها، بل والوصول إلى الاعتداء الفعلي، وقد مرت بنا -حتى في مجتمعنا- حوادث نشرتها الصحف، وتكلم عنها الناس، وهي ثمراتُ مثل هذه الإثارات.

جناية القنوات على المال

وأخيراً أقف أمام جناياتها على المال، وقد يعجب المرء من ذلك، لكنني أقول: إنّ ما يصرف على هذه القنوات، وما يبذله الذين يرسلون الرسائل يقدّر بأموال كثيرة، ولا عبرة بقول بعضهم: إنني لا أدفع إلا القليل خمسة أو عشرة ريالات لا تضرني شيئاً. فإنهم لا يعلمون أنها تتحول إلى الملايين وعشرات الملايين، بل قد قرأت في بعض الدراسات أن العائد على بعض القنوات من هذه الرسائل قد تجاوز مئات الملايين.

فأقول: إننا نحتاج إلى معالجة لأوضاعنا الاجتماعية، فكم يوجد من الأسر الفقيرة، وكم في البيوت من مرضى وعجزة، وينبغي أن تعلم أن ما يهدر في التدخين هو أضعاف أضعاف ما يصرف على التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد العربية والإسلامية، فأي إهدار هذا؟! وأي جناية أعظم من هذه في حق أمم تحتاج إلى تقدم علمي وإلى علاج اجتماعي، وإلى غير ذلك؟!

نسأل الله عز وجل أن يصرف عنا الشرور والفتن، وأن يبعد عنا الشبهات والمحرمات، وأن يحفظ قلوبنا ونفوسنا من آثارها وأضرارها؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أعود ثانية لأقف وقفة قصيرة مختصرة موجزة لأسرد بعض هذه الجنايات، وأسوقها في لقطات وومضات، جناية القنوات الغنائية على الدين، وكيف تجني هذه القنوات على الدين؟

إن هذه القنوات من أسباب ضعف الإيمان واليقين، وهي كذلك من أسباب اختلاط المفاهيم، والتباس الحلال بالحرام، فعندما تأتي بعض المسائل التي قد يكون فيها لبعض أهل العلم مقال فإنهم يتتبعون فيها الرخص، ولا يبحثون عن الحكم الشرعي، وهذا هو الحاصل في مسألتنا هذه، فيقال: إن هناك من المتقدمين أو المتأخرين من أباح الغناء، فإذن هذا مباح. ولعمر الله لا أعلم أحداً من المتقدمين ولا المتأخرين مطلقاً يقول بأن هذا الذي وصفناه حلال إلا إذا قلنا: إن الكفر بالله عز وجل هو الإيمان، وإلا إذا أصبحت التوراة المحرفة هي القرآن، وإلا إذا أصبحنا نمشي على السماء والأرض تظللنا من فوقنا، وإلا فأعيدوا إلينا عقولنا فقد أصبحنا بغير عقول، لكن هذا الإرجاف والتلبيس يؤثر في الناس، وفي الشباب خاصة؛ لأنهم ليس لديهم من العلم بالأحكام والنصوص ما ينجيهم من هذه الشبهات.

ومن جهة أخرى فهم أصحاب المشاعر الملتهبة، والغرائز المتقدة، وفي زمن أصبحت الغريزة تخاطب كل شيء، فقد كان الغناء يسمع فصار اليوم يرى ويسمع، ويلمس من خلال هذه القنوات وما فيها من المباشرة وغير ذلك؛ لأن بعض القنوات اليوم طورت الرسائل، فيمكن أن يرسل الشاب أو الشابة صورته مشفوعة برسالته إلى من يبعثها إليه، فأي شيء بعد ذلك؟! ونحن نعلم ونقرأ أن بعض الأغنيات العربية لا الغربية تعرض صور المغنيات وهن على أسرة النوم، بل قرأت نصاً صريحاً واضحاً تفصيلياً أن أغنية صورت فيها المغنية وهي في الحمام، أكرمني الله وإياك!

فهل هذه القنوات لا تجني على الدين والإيمان؟! ولا تسبب تعلق القلب بغير الله عز وجل؟! ولا تضعف أثر سماع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟! إن الله تعالى يقول: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]، فما بال هذه القلوب لا تخشع ولا تخشى مما تندك له الجبال من كلمات الرحمن سبحانه وتعالى؟! إنها قد فتنت وعميت وأصيبت في مقتل من مثل هذه الجنايات الغنائية الفضائية.

وأما جنايتها على الأخلاق فإنا نجني منها ميوعة الشباب، ونجني منها انشغالهم بالشهوات وانصرافهم عن الأمور العظيمة والمهمات الجسيمة، ونجني منها قلة حياء الفتيات، واندفاعهن مع الإغراءات والشهوات.

ألسنا اليوم نرى شباباً نكاد أحياناً لا نميزه هل هو من جنس الذكور أو الإناث؟!

ألسنا نرى اليوم في واقع مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ظهوراً لما عرف عند غيرنا بالجنس الشاذ أو الجنس الثالث؟! من أين جاءنا ذلك؟! هل نبت من الأرض أو سقط من السماء؟!

إنها أسباب تتعاظم وتتكاثر، وأبوابها العظمى ونوافذها الكبرى هذه القنوات، وإذا أصبنا في الأخلاق فالأمر كما قال الشاعر:

فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.

إنك لتعجب عندما يأتون إلينا بمثل هذه المرأة التي تتبرج، وتكشف المناطق المثيرة، وتتلوى في رقصاتها، ثم تأتينا في مقابلة لتحدث شبابنا وشاباتنا عن جهودها في خدمة الفن، وعن دورها في مسيرة الأمة، وعن إسهاماتها في تطور المجتمع وغير ذلك! وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فنقدم الفسق والفجور على أنه نموذج يحتذى، وأسوة تقتدى، ونقدم الخنا والانحراف على أنه سمة من سمات الأداء والعطاء والنماء وغير ذلك، فالأمر كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، إنها مسألة عجيبة!

هل لهذه القنوات جنايات على العلم؟

الجواب: نعم. وأولها الانصراف عن العلم بالنسبة للشباب والشابات؛ لأن المجد والشهرة والغنى والثروة طريقه طويل إذا أردنا أن نشقه عبر العلم، وقد يثمر وقد لا يثمر، أما من أرادها بطريقة مختصرة فما عليه إلا شيء من صوت وقلة حياء وإذا به على الشاشات، وعلى الصفحات، وفي العقود والتعاقدات، وكثير من الأسفار والرحلات وغيرها، حتى رأينا اليوم فنانين وهم دون العشرين من العمر، بل وجدنا أكثر من ذلك، وجدنا المسابقات والبرامج التي تقدم المواهب من سن السادسة والسابعة من العمر حتى ينشئوا نشأة غنائية جنائية مبكرة.

ولعل بعض الإخوة المسلمين يتساءل: لماذا تقول لنا هذا ونحن مصلون في المسجد؟! فأقول: لا يسلم أحد منا من مثل هذا، حتى الذي ليس في بيته قنوات، فإن الشر يعم ولا يخص، وإن البلاء إن سلمت منه فلا تدري هل سلم منه ابنك أو ابنتك، أم أنهم يشاهدون ما لا تعلم إما في أماكن أخرى، وإما عبر ما يتعاطوه الشباب والشابات من هذه المواد المسموعة والمرئية بكل الأحوال العجيبة والعظيمة، ومع ذلك فأنا أعلم أن من معاشر المصلين الخيرين من قد أصيبوا في مقاتل من هذه القنوات، فهم يدمنون مشاهدتها، ويتعلقون بها بعد أن سلبت قلوبهم وتعلقت بها شهواتهم، وهم مع ذلك يعودون إلى صلاتهم، ويشهدون بعض مجامع الخير، ولكن الأثر غير الأثر، واللغة غير اللغة، ويوشك من بعد أن ترى بعضهم وقد صار إلى ذلك القبيل، وانتهى إلى ذلك الفصيل، ولم يعد بعد أن كان من أهل المساجد من أهلها، ولم يعد بعد أن كان يتغنى بالقرآن يتغنى به، وذلك أمر معلوم، فالأوائل تؤدي إلى الأواخر، والمقدمات تقود إلى النتائج، نسأل الله عز وجل السلامة.

ومن جنايتها على العلم -أيضاً- سهر الطلاب على هذه القنوات، فيأتون إلى الدروس والمحاضرات وليس في عقولهم شيء من العلم ولا من الفهم، ولا في أبدانهم من القوة وحضور الأذهان ما يؤهلهم لأن يتلقوا العلم، لذا فإنا نرى انحدار المستويات العلمية.

الجناية على الأسرة أمره خطير جداً، ولن أتكلم عن الأبناء، ولا عن الأطفال، بل أتكلم عن الرجال والنساء، والأزواج والزوجات، والآباء والأمهات، بل ولا أبالغ إن قلت: وعن الأجداد والجدات.

إن هذه الصور الفاتنة خلبت أنظار بعض الرجال فزهدوا في أزواجهم، ورأوا أنهن نساء ليس لهن حظ من جمال ولا نظر في ذوق، فتعلقوا بالحرام وتركوا الحلال.

ونساء فتن بما يرين من صور أولئك الرجال، فزهدن في الأزواج، ووجدت المشكلة، وقد ثبت في بعض الدراسات أن هناك حالات من الطلاق نشأت من خلال هذه القنوات، وإذا كنا نعلم مشكلات أسرنا فكيف نزيد الطين بلةً؟!




استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2905 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2726 استماع
فاطمة الزهراء 2693 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2625 استماع
المرأة والدعوة [1] 2539 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2532 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2531 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2484 استماع
خطبة عيد الفطر 2465 استماع
التوبة آثار وآفاق 2447 استماع