هيَ الدّارُ موقوفٌ عليكَ بكاها
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
هيَ الدّارُ موقوفٌ عليكَ بكاها | فلا تعُدها يوماً تؤمُّ سِواها |
وخلِّ اعتذاراً بالرِّكاب فإنَّما | بكفّ الذى يعدو الرّكابَ خطاها |
هَوِيتُ ثَراها قاصداً مَن مشَى بها | ولولا هواها ما هويتُ ثراها |
ولمّا عرفنا دارها بمحجّرٍ | وحلّتْ عيونٌ بالدّموعِ حباها |
نظرتُ إليها يومَ سارتْ حُدوجُها | فلم يكُ للأجفانِ غيرُ قَذاها |
وقفنا عليها طاعة ً لقلوبنا | رِكاباً حَداها الشَّوقُ حينَ حَداها |
فكانَ حنينَ المُهْجَساتِ رُعودُها | وصوبَ دموعِ النّاشجين حياها |
فيا منزلاً بانتْ وفيه ضياؤها | وليستْ به وهناً وفيه نشاها |
سقاكَ من الأنواءِ ما شئتَ من ندًى | ولازلتَ ريّانَ الثَّرى وسَقاها |
أُحبُّكَ والبيتِ الّذي طوّفَتْ به | قريشٌ ومسّتْ تربهُ بلحاها |
ومَنْ حَطَّهُ بيتاً عتيقاً محرَّماً | وجابَ له الأحجارَ ثمَّ بناها |
وقومٍ نَضَوْا بالمَوْقِفَيْنِ ذنوبَهُمْ | ومن حلَّ فى وادى منًى وأتاها |
وبالحصياتِ اللاّتى ينبذن حسبة ً | ومنْ قلّها منْ صخرها ورماها |
لَئِنْ كنتِ من دارِ الغرامِ صحيحة ً | فلي مُهْجَة ٌ لم يبقَ غيرُ ذَماها |
وزارتْ وسادى فى الظّلامِ خريدة ٌ | أرها الكرى عيني ولستُ أراها |
تَمانَعُ صُبحاً أنْ أراها بناظري | وتبذلُ جنحاً أنْ أقبّلَ فاها |
ولمّا سرتْ لم تخشَ وهناً ضلالة ً | ولا عرف العذّالُ كيف سراها |
فما ذا الذى من غير وعدٍ أتى بها | وماذا على بعدِ المزارِ هداها ؟ |
ويا ليتني لمّا نزلتُ بِشِعْبها | تكونُ قِرايَ أوْ أكونُ قِراها |
وقالوا : عساها بعد زورة ٍ باطلٍ | تزورُ بلا ريبٍ فقلتُ: عساها |
ألاّ نكّب الأنواءُ دارَ مهانة ٍ | فما عندنا للنّفسِ غيرُ ضناها |
مقيمٌ بلا زادٍ سوى الصّبر والحجى | على شجراتٍ لا أذوق جناها |
لغيري اخضرارٌ من فروعِ غُصونِها | وليس عليه بلْ على َّ ذواها |
أشيمُ بروقاً لا أرى الغيثَ بعدها | وأرقبُ سُحْباً لا يَطُلُّ نَداها |
ولو كنتُ أرجوها قنعتُ فإنّنى | حُرِمْتُ بها فيما حُرِمتُ مُناها |
وإنّى لمغرورٌ بقومٍ أذلّة ٍ | يحلّون من أرضِ الهوانِ ذراها |
وإنْ جئتهمْ تشكو مضيضَ ملمّة ٍ | تَقَوْا بك مغلولَ اليدين شَباها |
وكلِّ مَليءٍ بالمَلامِ مذمَّم | عرته المخازى مرّة ً وعراها |
يهشُّ إلى العوراءِ وهى َ قصيّة ٌ | ويعمى عن العلياءِ وهو يراها |
صحبتكمُ أجلو بكمْ عنّى َ القذا | فأعشَى عيوني قربُكمْ وغَطاها |
وكنتُ أُرَجِّي صبحَكمْ بحنادِسٍ | فكنتمْ نهاراً للعيونِ دُجاها |
فليت الذى ما كان للعين قرّة ً | وقد أبصرته لا يكون عماها |
ودارُكمُ دارٌ إذا ما مضَى بها | كريمٌ عداها معرضاً وطواها |
إذا قرّبتْ شيئاً لديه انتوى لها | وإنْ عُرضتْ يوماً عليه أباها |
وماهانَ إلاّ خائفٌ يستجيرها | ولاخاب إلاّ مَنْ مَنا فَرَجاها |
وما المُسْلَمُ المخدوعُ إلاّ نَزولُها | ولا المُهْمَلُ المبذولُ غيرُ حِماها |
فلا بارك الرّحمان فيمنْ أحبّها | وبارك فيمن ملّها فقلاها |
ولا بَلَغَتْها النّاجياتُ طَلَبْنَها | وعقّلنَ عن إدراكها بوجاها |
فأَيُّ انتفاعٍ بالبلادِ عريضة ً؟ | وباتَ قصيراً في الرّجال جَداها |
فكلُّ بلادٍ لم يفدك اقترابها | فما قربها إلاّ كبعدِ مداها |
رمِ المطرحَ الأعلى من الفضل كلّهِ | ولا ترضَ فى أكرومة ٍ بسواها |
وخلِّ ضنيناً بالحياة ِ فإنّه | فداها ببذلِ العِرْضِ حين فَداها |
فلستَ لدى حكمِ العشيرة ِ شيخَها | إذا لم تكنْ يوم الطّعانِ فتاها |
وكيف ولم تحملْ بظهرك ثقلها | تدورُ على قطبٍ نَصَبْتَ رحاها؟ |
وما سدتها فى يوم سلمٍ ولم تكنْ | بسيّدها فى الضّربِ يوم وغاها |
فكن إنْ أردتَ العزَّ فيها مسالماً | شِفارَ مَواضيها وزُرْقَ قناها |
فلي في معاريضِ الكلامِ تَعِلَّة ٌ | ومن عللِ الأدواء منه شفاها |
فإن يمكن التّصريحُ صرّحتُ آنفاً | وروَّيتُ أحشاءً أطَلْتُ ظماها |
وإلاّ فجمجامٌ من القولِ سائرٌ | بأيدي عِناقِ النّاعجاتِ كفاها |