ما في السُّلوّ لنا نصيبٌ يُطلبُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ما في السُّلوّ لنا نصيبٌ يُطلبُ | الحزنُ أقهرُ والمصيبة ُ أغلبُ |
لكِ يا رزيّة ُ في فؤادِيَ زفرة ٌ | لا تُستطاعُ ومن جفونيَ صَيِّبُ |
قد كان عيباً أن جرى ليَ مدمعٌ | فاليوم إن لم يجرِ دمعٌ اعيبُ |
ولطالما كان الحزينُ مُؤَنِّبًا | فالآن مُدرِّعُ العَزاءِ مؤنَّبُ |
طرقتْ أميرَ المؤمنين رزيَّة ٌ | والرُّزْءُ فينا طارقٌ لا يُحْجَبُ |
لم ينجُ منها شامخٌ مترفِّعٌ | أو مَدخلٌ مُتَمَنَّعٌ مُتَصَعَّبُ |
لو كان يُدفع مثلُها ببسالة ٍ | لحمى عواليها الكماة ُ الغُلَّبُ |
الضّاربون الهامَ في رَهَج الوغى | والسُّمْرُ تُلطخ بالنّجيع وتُخضَبُ |
والهاجمون على المنيّة دارَها | وقلوبُهم كالصَّخر لا تتهيَّبُ |
قومٌ إذا حملوها القنا وتنمّروا | ركبوا منَ العَزّاء ما لا يُركبُ |
أو أقدموا في معركٍ لم ينكُصوا | أو غالبوا في مَبْرَكٍ لم يُغلبوا |
رُزءٌ بمُفتَقَدٍ أرانا فقدُه | أنَّ العُلا والمجدَ قَفْرٌ سَبْسَبُ |
والأرضُ بعدَ نضارة ٍ ما إنْ لها | إلاّ الأديمُ المقشعرُّ المُجدِبُ |
والنّاس إمّا واجمٌ متخشِّعٌ | أو ذاهلٌ خلع الحِجى مُتَسَلَّبُ |
إن يمض مقتبلَ الشّباب فإنّهُ | نالَ الفضائلَ لم ينلْها الأَشيبُ |
ورَعٌ نَبا عنه الرِّجالُ وعفّة ٌ | لم يَستطعها النّاسك المتجنِّبُ |
قلنا وقد عالوه فوق سريرهِ | يَطفو على قُلل الرِّجال ويرسُبُ |
ووراءَه الشُّمُّ الكرامُ فناشِجٌ | يُذري مدامعَهُ وآخَرُ يندُبُ |
من ذا لوى هذا الهمامُ إلى الرّدى | فأطاعه، أم كيف قيد المُصْعَبُ |
صبرًا أميرَ المؤمنين، فلم نزلْ | بالصَّبر مِن آدابِكم نَتأدَّبُ |
أنتمْ أمرتُم بالسُّلوّ عنِ الرَّدى | وأَريتُم في الخطبِ أينَ المذهبُ |
وركبتمُ أَثباجَ كلِّ عظيمة ٍ | إذ قلّ ركّابٌ وعزّ المركبُ |
ووردتُمُ الغَمراتِ في ظلِّ القَنا | والطّعن في حافاتها يتلهّبُ |
حوشيتمُ أن تُنقصوا أنوارَكم | أو تُبخِسوا من حظِّكم أو تُنْكَبوا |
وإذا بقيتُمْ سالمين منَ الأذى | فدعوا الأذى في غيركم يتَقّلَّبُ |
شاطرتَ دهرك واحدًا عن واحدٍ | فغلبته والدّهرُ غيرَك يغلبُ |
ما ضرَّنا وسيوفُنا مَشْحوذة ٌ | مصقولة ٌ إن فُلّ منها المِضربُ |
والشمس أنتَ مقيمة ً في أفقها | وهُدًى لنا من كلِّ شمسٍ كوكبُ |
وإذا البحور بقين فينا منكُمُ | مملوءة ً فدعِ المذانبَ تنضُبُ |
ولئن وهى بالرُّزءِ منا منكبٌ | فلقد نجا من ذاك فينا منكِبُ |
نجمانِ هذا طالعُ أيماضه | ملأَ العيونَ، وذاك عنّا يغرُبُ |
أو نعمتان؛ فهذه متروكة ٌ | مذخورة ٌ أبدًا وأُخرى تُسلبُ |
أصلٌ له غصنانِ هذا ذابلٌ | ذاوٍ وهذا ناضرٌ متشعّبُ |
أو صَعْدة ٌ فُجِعَتْ ببعضِ كعوبها | ولها كعوبٌ بعد ذاك وأكعُبُ |
أو أجدَلٌ ماسُلَّ منه مِخْلَبٌ | فاجتُثّ إلاّ نابَ عنه مِخلَبُ |
ماذا التنافسُ في البقاء وإنما | هو عارضٌ ماضٍ وبرقٌ خُلَّبُ |
ذاقَ الحِمامَ مبذّرٌ ومُقتّرٌ | وأتى إليهِ مبغَضٌ ومُحبَّبُ |
فمعجِّلٌ لحمامه ومؤجَّلٌ | ومشرِّقٌ بطلوعه ومغرِّبُ |
ونُعاتب الأيّامَ في فُرُطاتِها | لكن نُعاتب سادراً لا يُعتبُ |
لا نافعٌ إلاّ ومنه ضائرٌ | أو مرغَبٌ إلاّ وفيه مُرهِبُ |
ومتى صَفا خللَ الحوادثِ مَشْربٌ | عذبٌ تكدّر عن قليلٍ مشربُ |
فخراً بني عمّ الرّسول فأنتمُ | أَزكى المغارِس في الأنام وأطيبُ |
إرثُ النبيِّ لكُمْ ودارُ مُقامِهِ | والوحْيُ يُتلى بينكُم أو يُكْتبُ |
والبُرْدُ فيكم والقضيب وأنتم الـ | ـأَدنَوْن من أغصانه والأقربُ |
وأبوكمُ سقّى الأنامَ بسَجْلِهِ | وأحلَّه والعامُ عامٌ مُجدبُ |
خُتمتْ خلافتُه بكمْ وعليكُمُ | إشرافُها أبدَ الزَّمان مُطنَّبُ |
هي هَضْبة ٌ لولاكم لا تُرتَقى | أو صعبة ٌ بسواكمُ لا تُركبُ |
حكمَ الإلهُ بأنَّها خِلَعٌ لكمْ | لا تُنْتضَى وبَنيَّة لا تُخربُ |
كم طامعٍ من غيركمْ في نيلها | فَرَقتْ مفارِقَه السّيوف الوثَّبُ |
ومؤمِّلين وُلوجَ بعضِ شِعابِها | لم يبلغوا ذاكَ الرّجاءَ وخُيبوا |
جئناكَ نمتاح العزاء فهب لنا | منك العزاءَ فمثلُ ذلك يوهبُ |
وارفقْ بقلبٍ حاملٍ ثِقْلَ الورَى | والكَلْمُ يؤْسى والمضايقُ تَرحبُ |
واسلكْ بنا سُبُلَ السُّلُوّ؛ فإِنَّنا | بك نَقْتدي وإلى طريقك نذهبُ |