الزلازل والكوارث ... اعتبار واصطبار


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيء خبراً، أحمده سبحانه وأشكره، نعمه علينا تترى، أسبل علينا من رحمته ستراً، وأفرغ علينا بفضله صبراً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خُص بالمعجزات الكبرى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واحفظوا الله ما استحفظكم، وكونوا أمناء على ما استودعكم، فإنكم عند ربكم موقوفون، وعلى أعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].

أيها المسلمون: لقد قضت سنة الله عز وجل أن تُبتلى النفوس في هذه الدنيا؛ بالخير والشر، والأمن والخوف، والمنح والمحن، والأقربين والأبعدين: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].. لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186] .

وإن هذه الابتلاءات بأنواعها تستجيش أصغر القوى، وتستثير كامن الطاقات، وتفتح في القلوب منافذ، وفي النفوس مسارب ما كان ليتبينها أهل الإيمان إلا تحت مطارق هذه التقلبات والابتلاءات.

وفي هذه الأيام الأخيرة المتسارعة فقدنا علماءً وملوكاً، وأمراءً وأعياناً، في مواقف من الجنائز تشيعونها كل يوم وساعة .. عزَّ فقدهم، وشقَّ فراقهم، ولكنهم ذهبوا بآجالهم وعاشوا من الأيام ما كُتِب لهم، هم السابقون ونحن اللاحقون .. رحمنا الله وإياهم وعفا عنا وعنهم، وغفر لنا ولهم.

وتلاحقت آياتٌ ونُذُر .. كسوفٌ وزلازل في أحداث مهيبة، وآياتٍ منذرة يخوف الله بها عباده، وما أصاب إخواننا المسلمين في تركيا من مصاب جلل هز القلوب أعظم مما هز الأرضين، وإن مشاهد الضحايا والمنكوبين لتتفطر لها الأفئدة .. نسأل الله أن يرحم موتانا وموتاهم، ويشفي مرضانا ومرضاهم، ويجنبنا وإياهم الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أيها المسلمون: آيات الله وابتلاءاته يرسلها على عباده نذراً وتخويفاً.. خسوفٌ وكسوفٌ؛ وزلازلُُ وفيضانات ورياحٌ وأعاصيرُ.. أوبئةٌ وأمراضٌ.. آيات لا تمنعها حدودٌ جغرافية، ولا تقوى عليها تحالفاتٌ دولية، ولا تقف دونها نظم التفتيش الأمنية، ولا تُفْرَض عليها مقاطعاتٌ عالمية، بل لا تفرق بين خصومٍ وحلفاء .. صورٌ من صور العولمة الحقيقية إذا كانوا جادين في تحييد المصطلح.. آثارها وكوارثها لا تبين بين المصابين والضحايا.

وإن من العقل والبصر الوقوف عند هذه الآيات لعل الله أن يوقظ القلوب من الغفلة ويرحم بالرجوع إليه.

عباد الله: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحانه وبحمده، لا يقع شيء في كونه إلا بإذنه: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] فيزدادوا إيماناً مع إيمانهم، كما يزدادوا خوفاً ومحاسبةً ورجوعاً وإنابةً واستغفاراً وتوبة، وأما الذين في قلوبهم مرض فحالهم كحال الماديين والملاحدة الذين لا يرون إلا الأسباب المادية البحتة، وأما النذر الإلهية والحكم الربانية فهم عنها غائبون، لا يرفعون بها رأساً، ولا يلقون لها اعتباراً.

الأسباب الحسية والحكم البالغة

عباد الله: إن الأسباب الحسية وظواهر العلل يدركها البشر بما أعطاهم الله من عقولٍ وعلوم وتجارب ومعارك؛ لكنهم لا يدركون ما أودع الله فيها من الآيات الباهرة والحكم البالغة إذا غلبت عليهم الغفلة وحقت عليهم الضلالة.

حينما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهِلَّة جاء الجواب متوجهاً لبيان الفوائد الشرعية العملية: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] أما تحولات القمر الهلالية والبدرية فشأنٌ فلكي ومدْرَكٌ بالحس والنظر لا يترتب عليه في ذاته نفعٌ بشري، فتوجه الجواب إلى ما ينبغي الاهتمام به من آثار هذه التغيرات وفوائد هذه التحولات؛ من معرفة السنين والحساب، وحساب المواعيد والأوقات مما ينفع في العاجل والآجل.

لقد منح الله الإنسان القدرات على إدراك ما وراء الحواس ليترقى في مدارك للكمال الإيماني والعقلي والعملي، وهذا الترقي يمثل أرفع جوانب الإنسانية في الإنسان وأخصها وأعلاها تميزاً في ميادين الاعتقادات والقيم.

أما الذين يريدون أن يحصروا الإنسان في محيط الماديات البحتة، والمُحَسَّات المجردة؛ فقد حطُّوا من قيمة الإنسان في عقله وقلبه، وردوه إلى رجعية في التفكير، وأسفلية في النظر.

عباد الله: إن الأسباب الحسية وظواهر العلل يدركها البشر بما أعطاهم الله من عقولٍ وعلوم وتجارب ومعارك؛ لكنهم لا يدركون ما أودع الله فيها من الآيات الباهرة والحكم البالغة إذا غلبت عليهم الغفلة وحقت عليهم الضلالة.

حينما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهِلَّة جاء الجواب متوجهاً لبيان الفوائد الشرعية العملية: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] أما تحولات القمر الهلالية والبدرية فشأنٌ فلكي ومدْرَكٌ بالحس والنظر لا يترتب عليه في ذاته نفعٌ بشري، فتوجه الجواب إلى ما ينبغي الاهتمام به من آثار هذه التغيرات وفوائد هذه التحولات؛ من معرفة السنين والحساب، وحساب المواعيد والأوقات مما ينفع في العاجل والآجل.

لقد منح الله الإنسان القدرات على إدراك ما وراء الحواس ليترقى في مدارك للكمال الإيماني والعقلي والعملي، وهذا الترقي يمثل أرفع جوانب الإنسانية في الإنسان وأخصها وأعلاها تميزاً في ميادين الاعتقادات والقيم.

أما الذين يريدون أن يحصروا الإنسان في محيط الماديات البحتة، والمُحَسَّات المجردة؛ فقد حطُّوا من قيمة الإنسان في عقله وقلبه، وردوه إلى رجعية في التفكير، وأسفلية في النظر.

إن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما وقع الكسوف خرج فزعاً يجر رداءه، يخشى أن تكون الساعة .. كيف وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يُقْبَض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان ) أخرجه البخاري وفي رواية عند أحمد والدارمي : (إن بين يدي الساعة مَوَتاناً شديداً وبعده سنوات الزلازل ).

الاهتمام بأسباب الكوارث العلمية فقط

معاشر المسلمين: زلزالٌ لم يستغرق خمساً وأربعين ثانية، ماذا كانت نتائجه وما هي آثاره؟ عشرات الآلاف من الموتى والمصابين، وخسارات مادية هائلة .. إنهم لا يزالون يُحْصُون ويعدون ويحسبون، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحم الموتى وأن يعوض المسلمين خسائرهم.

ولكن هلاَّ وقفوا أمام القضايا الإيمانية؟!

أهل العلم والإيمان يربطون بين هذه الآيات والنذر وبين أعمال بني آدم ابتلاءًَ من ربهم وتخويفاً وذكرى لعلهم يرجعون: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] .

وإن مما يستوقف النظر والتأمل -والموقف موقف اعتبارٍ واستبصار- اهتمامهم المجرد بالأسباب العلمية البحتة، فتراهم يقولون: هذه طبقة زحفت على طبقة، وهذا صدعٌ حصل على عمق كذا وكذا، وأشد من ذلك قول بعضهم: إن المنطقة الفلانية لم تتأثر بهذا الزلزال أو توابعه! والتاريخ يشهد والناس يشهدون أنها تضرب بإذن الله وأمره في أي مكان وفي أي زمان، من دون سابق إنذار، ولا يكاد في عصورنا المتأخرة يخلو عامٌ أو أقل من عام إلا ويشهد الناس هذه الآيات والنذر، بأعاصيرها وفيضاناتها وزلازلها ورياحها في شرق العالم وغربه، وشماله وجنوبه.. فهل من مُدَّكر؟!!

قولهم: ضحايا الكوارث

ومما يستوقف النظر والتأمل -والموقف موقف اعتبارٍ واستبصار- ما يعبر عنه بعضهم في ضحايا الكوارث بقولهم: إنهم ضحايا أبرياء سبحان الله! أبرياء؟! مَن الذي ظلمهم؟!

لقد كان الأولى والأجدر أن يعلموا أن هذه حوادث ونوازل وابتلاءات يقدرها الله سبحانه وتعالى ويسوقها، والموت ليس عقوبة، فربنا -جلَّ وتقدس- له الخَلْق كله، وله الملك كله، وبيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، تعالى وتبارك .. أمات وأحيا، وأضحك وأبكى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمى، كلٌ من عند ربنا، نرضى ونسلِّم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] .

هذه الآيات والأحداث يتلقاها المؤمن موقناً بقدرة الله الخالق العظيم وقدره، يخشى غضبه ويؤمِّل رحمته في عظيم ابتلاءاته.

أيها المسلمون: ومما ينبغي أن يُذْكَر فيُشْكَر -والموقف موقف اعتبارٍ واستبصار- أن كثيراً من الناس عندما حدث الكسوف ظهر فيهم رجوعٌ إلى ربهم، ففزع كثيرٌ منهم إلى الصلاة، وقصدوا بيوت الله يتوجهون لربهم بالدعاء والتضرع، ولقد كان لكثيرٍ من أجهزة الإعلام دورٌ مشكورٌ غير منكور.

فهل يا ترى نقف وقفة لنرى عِظَم أثر الإعلام بوسائله المتنوعة، إذا توجه إلى الناس بجدية في التوعية وإحسانٍ في التوجيه وأسلوبٍ ناصع في البيان والبلاغ؟!

معاشر المسلمين: زلزالٌ لم يستغرق خمساً وأربعين ثانية، ماذا كانت نتائجه وما هي آثاره؟ عشرات الآلاف من الموتى والمصابين، وخسارات مادية هائلة .. إنهم لا يزالون يُحْصُون ويعدون ويحسبون، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحم الموتى وأن يعوض المسلمين خسائرهم.

ولكن هلاَّ وقفوا أمام القضايا الإيمانية؟!

أهل العلم والإيمان يربطون بين هذه الآيات والنذر وبين أعمال بني آدم ابتلاءًَ من ربهم وتخويفاً وذكرى لعلهم يرجعون: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] .

وإن مما يستوقف النظر والتأمل -والموقف موقف اعتبارٍ واستبصار- اهتمامهم المجرد بالأسباب العلمية البحتة، فتراهم يقولون: هذه طبقة زحفت على طبقة، وهذا صدعٌ حصل على عمق كذا وكذا، وأشد من ذلك قول بعضهم: إن المنطقة الفلانية لم تتأثر بهذا الزلزال أو توابعه! والتاريخ يشهد والناس يشهدون أنها تضرب بإذن الله وأمره في أي مكان وفي أي زمان، من دون سابق إنذار، ولا يكاد في عصورنا المتأخرة يخلو عامٌ أو أقل من عام إلا ويشهد الناس هذه الآيات والنذر، بأعاصيرها وفيضاناتها وزلازلها ورياحها في شرق العالم وغربه، وشماله وجنوبه.. فهل من مُدَّكر؟!!