قيام الليل


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى خلق الزمان وجعله مسخراً للعبادة مهيأً لها، وسخر للإنسان كل ما فيه ليستعين به على طاعة الله عز وجل، فجعل الليل والنهار خلفة، يعقب الليل النهار ويعقب النهار الليل، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ[الزمر:5]، جعل ذلك لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، فكل يجد الظرف المناسب لأداء عبادته، وقد فضل بعض الأزمنة فخصها ببعض العبادات المخصوصة، وجعلها أعظم وزناً في كفة الحسنات يوم القيامة، فوفق لها من شاء من خلقه، اختياراً منه سبحانه وتعالى: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهمْ الْخِيَرَةُ[القصص:68]

وجعل من الظروف التي تزداد فيها الحسنات ثقلاً في كفتها جوف الليل وناشئته، وشرع فيها القيام، وجعل هذا القيام ينقسم إلى قسمين: إلى قيام خاص، وقيام عام. أما القيام الخاص: فهو مثل قيام ليلة القدر، وقيام رمضان، اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

والقيام العام: هو قيام الليل في سائر السنة، وهو لا شك مطلوب من الناس، لكنه لم يفرض عليهم فرضاً، بل ترك مجالاً للتنافس وللازدياد من الخير والتقرب من الله سبحانه وتعالى، والعناية بترجيح كفة الحسنات، فمن وفقه الله سبحانه وتعالى لذلك كان من المقربين الذين يؤذن لهم حين يصرف من سواهم، فالديان سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء في طرق الباب، ليخر بين يديه متذللاً لوجهه العظيم، فيرفع إليه حوائجه ويناجيه كفاحاً دون ترجمان، ويعلن له ولاءه، ويعلن براءه ممن سواه، وبتذلـله لله سبحانه وتعالى يرفعه الله عز وجل عن المذلة عمن سواه.

وبذلك يجعل الله له عهداً يوفيه إياه يوم القيامة، وهذا العهد مختص بالمحافظين على الصلوات، وهو قسمان: عهد للمحافظين على الفرائض، يختص بدخول الجنة، وعهد للمحافظين على النوافل بالشفاعة يوم القيامة.

العهد الذي يناله من حافظ على الفرائض

أما العهد الأول: فهو المذكور في ما أخرجه البخاري في الصحيح، و مالك في الموطأ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات فرضهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حفظهن وحافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن ضيعهن لم يكن له عهد عند الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له )، فهذا العهد المتعلق بالفرائض.

العهد الذي يناله من حافظ على قيام الليل (الشفاعة)

أما العهد المتعلق بالنوافل: فهو المخصوص بالشفاعة، فإن الله سبحانه وتعالى لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ[البقرة:255]، وقال في ملائكته الكرام المقربين: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ[الأنبياء:28]، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[الأنبياء:29]، ولكنه جعل عهداً عنده بالشفاعة للمحسنين المتقين، وقد جاء في تفسير ذلك أنهم القوامون بالليل الصوامون بالهواجر، فهؤلاء هم ذوو العهد بالشفاعة يوم القيامة، فإذا شفعوا قيل لهم: ما العهد بينكم وبين ربكم؟ فقالوا: العهد الذي بيننا وبينه قيام الشتاء وصيام الصيف، فأولئك الذين يشفعون لمن ارتضاه الله سبحانه وتعالى.

أقسام الشفاعة يوم القيامة

والشفاعة يوم القيامة ثمانية أقسام:

القسم الأول: الشفاعة الكبرى، وهي من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الشفاعة في أهل الموقف إما إلى جنة وإما إلى نار. ثم الشفاعة الصغرى: وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وهي الشفاعة في الكافر الذي قد أوجب النار ومات على الكفر، في تخفيف العذاب عنه. ثم الشفاعة الوسطى: وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وهي الشفاعة لأهل الجنة في أن يدخلوا الجنة، فهو أول من يحرك الحلقة فيستأذن فيؤذن له. ثم بعدها: شفاعة المحسنين في من أوجب النار من أهل الإيمان أن يُخرجون منها ( فيُخرجون منها قد اسودوا وامتحشوا، فيلقون في نهر الحياة فتنبت أجسامهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يؤمر بهم إلى الجنة ).

ثم الشفاعة الأخرى: شفاعة المحسنين من أهل الجنة كذلك في ترفيع درجات أوليائهم وأقاربهم، وإن الرجل ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر، فيجمعون في أرحامهم ومعارفهم وذويهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ[الطور:21]، فالذرية تطلق على الآباء والأبناء، ومن إطلاقها على الآباء قول الله تعالى: وَآيَةٌ لَهمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ المَشْحُونِ[يس:41]، فالذرية التي حُملت في سفينة نوح هي الآباء لا الذريات بمعنى الأولاد، وكذلك هنا فإن قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ[الطور:21]، يشمل الآباء والأبناء إذا كانوا من أهل الإيمان.

ثم بعد هذا: الشفاعة في أصحاب الحقوق، فمن جاء بالحسنات ولكنه قد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا، فإنه يُشفع عند ذوي الحقوق، حتى لا يؤاخذوه بحقوقهم، فذلك المقام مقام العدل، الذي لا يخرج منه أحد وبينه وبين أحد مظلمة، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء.

ثم بعدها: شفاعة أرحم الراحمين، فإذا انتهت شفاعات الشافعين يقول الله لملائكته: ( انتهت شفاعات الشافعين وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، ثم يمكث ما شاء، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، ثم يمكث ما شاء، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه حبة من خردل من خير )، فهذه شفاعة الله سبحانه وتعالى وهي أعظم الشفاعات.

إن هذه الشفاعة يحتاج إليها الناس، وإنما يصل الإنسان إلى مقامها ومستواها بكسبه وعمله الدنيوي، فمن جاء يوم القيامة فلا يمكن أن تزداد حسناته ولا أن ينتقص من سيئاته أي شيء، فإن الأعمال يختم عليها في هذه الحياة الدنيا بنهايتها، وإذا جاء الإنسان إنما يأتي يحمل طائره في عنقه قد ختم عليه بسائر أعماله، ثم تنشر السجلات، عندما توضع الموازين بالقسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً.

أما العهد الأول: فهو المذكور في ما أخرجه البخاري في الصحيح، و مالك في الموطأ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات فرضهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حفظهن وحافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن ضيعهن لم يكن له عهد عند الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له )، فهذا العهد المتعلق بالفرائض.

أما العهد المتعلق بالنوافل: فهو المخصوص بالشفاعة، فإن الله سبحانه وتعالى لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ[البقرة:255]، وقال في ملائكته الكرام المقربين: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ[الأنبياء:28]، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[الأنبياء:29]، ولكنه جعل عهداً عنده بالشفاعة للمحسنين المتقين، وقد جاء في تفسير ذلك أنهم القوامون بالليل الصوامون بالهواجر، فهؤلاء هم ذوو العهد بالشفاعة يوم القيامة، فإذا شفعوا قيل لهم: ما العهد بينكم وبين ربكم؟ فقالوا: العهد الذي بيننا وبينه قيام الشتاء وصيام الصيف، فأولئك الذين يشفعون لمن ارتضاه الله سبحانه وتعالى.

والشفاعة يوم القيامة ثمانية أقسام:

القسم الأول: الشفاعة الكبرى، وهي من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الشفاعة في أهل الموقف إما إلى جنة وإما إلى نار. ثم الشفاعة الصغرى: وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وهي الشفاعة في الكافر الذي قد أوجب النار ومات على الكفر، في تخفيف العذاب عنه. ثم الشفاعة الوسطى: وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وهي الشفاعة لأهل الجنة في أن يدخلوا الجنة، فهو أول من يحرك الحلقة فيستأذن فيؤذن له. ثم بعدها: شفاعة المحسنين في من أوجب النار من أهل الإيمان أن يُخرجون منها ( فيُخرجون منها قد اسودوا وامتحشوا، فيلقون في نهر الحياة فتنبت أجسامهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يؤمر بهم إلى الجنة ).

ثم الشفاعة الأخرى: شفاعة المحسنين من أهل الجنة كذلك في ترفيع درجات أوليائهم وأقاربهم، وإن الرجل ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر، فيجمعون في أرحامهم ومعارفهم وذويهم، وفي ذلك يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ[الطور:21]، فالذرية تطلق على الآباء والأبناء، ومن إطلاقها على الآباء قول الله تعالى: وَآيَةٌ لَهمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ المَشْحُونِ[يس:41]، فالذرية التي حُملت في سفينة نوح هي الآباء لا الذريات بمعنى الأولاد، وكذلك هنا فإن قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ[الطور:21]، يشمل الآباء والأبناء إذا كانوا من أهل الإيمان.

ثم بعد هذا: الشفاعة في أصحاب الحقوق، فمن جاء بالحسنات ولكنه قد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا، فإنه يُشفع عند ذوي الحقوق، حتى لا يؤاخذوه بحقوقهم، فذلك المقام مقام العدل، الذي لا يخرج منه أحد وبينه وبين أحد مظلمة، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء.

ثم بعدها: شفاعة أرحم الراحمين، فإذا انتهت شفاعات الشافعين يقول الله لملائكته: ( انتهت شفاعات الشافعين وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، ثم يمكث ما شاء، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، ثم يمكث ما شاء، ثم يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه حبة من خردل من خير )، فهذه شفاعة الله سبحانه وتعالى وهي أعظم الشفاعات.

إن هذه الشفاعة يحتاج إليها الناس، وإنما يصل الإنسان إلى مقامها ومستواها بكسبه وعمله الدنيوي، فمن جاء يوم القيامة فلا يمكن أن تزداد حسناته ولا أن ينتقص من سيئاته أي شيء، فإن الأعمال يختم عليها في هذه الحياة الدنيا بنهايتها، وإذا جاء الإنسان إنما يأتي يحمل طائره في عنقه قد ختم عليه بسائر أعماله، ثم تنشر السجلات، عندما توضع الموازين بالقسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4810 استماع
بشائر النصر 4287 استماع
أسئلة عامة [2] 4131 استماع
المسؤولية في الإسلام 4057 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3997 استماع
نواقض الإيمان [2] 3946 استماع
عداوة الشيطان 3932 استماع
اللغة العربية 3930 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3906 استماع
القضاء في الإسلام 3896 استماع