خطبة عيد الأضحى [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، جعل هذا البيت مثابة للناس وأمناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خير من صام وصلى، وطاف وسعى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه النجباء، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الجزاء.

أما بعــد:

يقول الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً [آل عمران:96-97].

أيها المسلمون: بيت الله المعظم هو ملتقى جموع المسلمين، وقبلة أهل الإسلام، تتوجه إليه القلوب والأبدان، ويفد إليه الحجاج والعمار رجالاً ونساءً: وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج:27-28] مجيبين ملبين: لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك!

وما برح هذا البيت المُشرف بحفظ الله وكنفه يطاول الزمان؛ شامخ البنيان، في مناعة من الله وأمان، يتطلع إليه المسلمون، ويتنافس في بلوغ رحابه المتنافسون، يعيشون في أمنه وأمانه، وتوافر أرزاقه، وتكاثر خيراته، قال تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:57] وقال عز من قائل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67] لقد جمع الله لهذا البيت وأهله مزيتين بهما تحصل السعادة بتمامها، والطمأنينة بكمالها: ضمان الأرزاق، والأمان من الخوف: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4] إنها إجابة دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة:126].

أيها المؤمنون: وإن من التحدث بنعم الله الإشارة إلى جلائها بين المزيتين، وظهورهما واقعاً معاشاً، وأثراً ملموساً، فلله الحمد والمنة، رغدٌ في العيش، واستتبابٌ في الأمن، وتوفرٌ في المطاعم والمشارب، ورخصٌ في الأسعار، ويسرٌ في الحصول عليها، مما يشهده الحاضر والباد.

ولقد أعان الله القائمين على أمر هذه البلاد، وهيأ لهم خدمة الحرمين الشريفين على وجه يستبشر به أهل الإيمان، وقبل ذلك وبعده حكَّموا الكتاب والسنة، وأظهروا أمر الشريعة، فراية الدين مرفوعة، وأهل الحق ظاهرون، فزادهم الله صلاحاً وإصلاحاً وإعانة وسداداً.

وإن هذا الخير المشهود مع ما يرجى من أملٍ في المزيد المنشود، عائدٌ إلى الاستقامة على الحق، والقيام بواجب الشكر، ومعرفة نعم الله وقدرها حق قدرها: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].. رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37].

إنهم يأكلون ويطعمون ويشربون ويستمتعون؛ ولكن: لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37] فهدف السكنى بجوار البيت الحرام هو: إقامة الصلاة على أصولها، وأداؤها على وجهها، والشكر على نعم الله المتوافرة ورزقه الكريم.

أيها الإخوة في الله .. ضيوف بيت الله! هذه بعض خصائص هذا البيت المعظم، وتلك بعض مزاياه، فلا يسع مؤمناً قصد هذه البقاع الطاهرة يرجو الرحمة ويأمل في المغفرة ويتطلع إلى حجٍ مبرور؛ لا يسعه إلا البعد عن كل ما يشوش على الآمنين أمنهم، والمتنسكين نسكهم، من صخبٍ ومجادلات ورفع أصواتٍ بما لا يليق، فلا تحلّوا شعائر الله ولا الشهر الحرام.

وإن من أسرار هذه الشعائر والمشاعر: وقوعها بعد شهر رمضان وفي الأشهر الحرم؛ أما شهر رمضان فالشأن أن يخرج منه الصائم القائم، وقد تطَّهر من الأرجاس والأنجاس، ولا سيما رجس الشحناء ودغل القلوب، أما الأشهر الحرم فقد قال الله فيها: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36] مما يشعر بالكف عن كافة وسائل الظلم، والمجاوزات، والتزام الاستقامة والأدب مع هذا البيت وأهله وضيوفه، يؤيد هذه الأسرار الدقيقة والأهداف السامية النبيلة الآية الكريمة: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197].

أمة الإسلام .. ضيوف الرحمن في بيت الله المطهر في جوار الكعبة المعظمة! يجب أن تتأكد الصلات بين المسلمين، وتتوثق الوشائج، وتتجلى الوحدة الإسلامية في أظهر معانيها، إذ ينضوي المسلمون تحت -شعار الإسلام- شعار التوحيد، تكبيرٌ وتهليل، وذكرٌ وتلبية، فلا مكان لأي لونٍ من ألوان العصبية، ولا مجال لأي مبدأ أو شعار.

إن أمة الإسلام تعيش في هذه الأعصار ليالٍ حالكة، وسراديب مظلمة، يسودها تفرقٌ واختلاف، وتناحرٌ وتطاحن، فمتحتمٌ عليها أن تفوق إلى نفسها، وتجمع صفوفها، وتأخذ من هذه المناسبة، وهذا التجمع الإسلامي العظيم فرصة التصحيح لروح الإخاء، واليقين لحقيقة الرابطة، والتجسيد لمنابع الحج، التي أهمها وأعظمها الوئام والتكاتف ضد أعداء الأمة المتربصين بها الدوائر.

نداء لأولياء أمور المسلمين

يا زعماء الإسلام: ويا قادة المسلمين! يجب استشعار هذه الوحدة والبعد عن التنكر لها أو استبعادها، مهما كان على الديار الإسلامية من سحائب الشقاق، وغيوم التفرق، فكتاب ربنا محفوظ، وسنة نبينا بينة، وهما المرجع في كل خصام، والحكم في جميع ما اختلف فيه.

لماذا لا يكون ذلك ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم قد وضعنا على المحجة وقال في مثل هذا الموسم : {تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله }.

فالإيمان بهذه الحقيقة، واطمئنان القلب إليها، يُوقظ في أعماق النفس النداء النبوي الكريم في مثل هذه المناسبة أيضاً حيث قال عليه الصلاة والسلام: {ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض } فبمثل هذا التوجه، وعلى هذا النحو، تقتحم الصعاب، وتتحقق الآمال، وتكون للمسلمين عزة وقوة، قوة لا للتخريب والاستلاب، ولكن لدفع شر المعتدي، واسترداد الحق من المغتصب في أفغانستان وفلسطين ، وسائر المغتصبات من ديار المسلمين.

دعوة للاعتصام بحبل الله وجمع الكلمة

فاتقوا الله أيها المسلمون ... واتقوا الله يا ولاة أمور المسلمين! فإن الأمة الآن في أشد حاجة من أي وقتٍ مضى إلى جمع الكلمة، والتمسك بالدين، وتوحيد خط المسيرة في الأساليب والمناهج ووسائل التوجيه الاجتماعي، وشتّى مسارات الحياة، من أجل أن تتوثق الروابط، وتحمل أمةٌ من العبث والفوضى، والفساد والإلحاد، قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وجمع كلمة المسلمين على الحق.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

يا زعماء الإسلام: ويا قادة المسلمين! يجب استشعار هذه الوحدة والبعد عن التنكر لها أو استبعادها، مهما كان على الديار الإسلامية من سحائب الشقاق، وغيوم التفرق، فكتاب ربنا محفوظ، وسنة نبينا بينة، وهما المرجع في كل خصام، والحكم في جميع ما اختلف فيه.

لماذا لا يكون ذلك ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم قد وضعنا على المحجة وقال في مثل هذا الموسم : {تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله }.

فالإيمان بهذه الحقيقة، واطمئنان القلب إليها، يُوقظ في أعماق النفس النداء النبوي الكريم في مثل هذه المناسبة أيضاً حيث قال عليه الصلاة والسلام: {ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض } فبمثل هذا التوجه، وعلى هذا النحو، تقتحم الصعاب، وتتحقق الآمال، وتكون للمسلمين عزة وقوة، قوة لا للتخريب والاستلاب، ولكن لدفع شر المعتدي، واسترداد الحق من المغتصب في أفغانستان وفلسطين ، وسائر المغتصبات من ديار المسلمين.




استمع المزيد من الشيخ صالح بن حميد - عنوان الحلقة اسٌتمع
حق الطريق وآداب المرور 3698 استماع
وسائل الإعلام والاتصال بين النقد الهادف والنقد الهادم 3089 استماع
اللغة .. عنوان سيادة الأمة 3073 استماع
الطلاق وآثاره 3015 استماع
لعلكم تتقون 3000 استماع
الماء سر الحياة 2957 استماع
من أسس العمل الصالح 2934 استماع
الزموا سفينة النجاة 2883 استماع
قضية البوسنة والهرسك.. المشكلة والحل 2873 استماع
بين السلام وإباء الضيم 2852 استماع