سلسلة الآداب الشرعية (آداب المزاح)
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
سلسلة الآداب الشرعيةآداب المزاح
• المُزاح - بضم الميم -: كلام يراد به المباسطة بحيث لا يُفضي إلى أذى، فإذا بلغ إلى الإيذاء، فهو السخرية.
والمِزاح بكسر الميم مصدر.
الحكمة من مشروعيته وإباحته:
المزاح أمر مشروع في الإسلام، يُعد صدقة من الصدقات يُؤجر عليها المسلم، ولكن لذلك شروط وضوابط، والحكمة من مشروعيته أن فيه إدخالًا للسرور على قلب المسلم، ويُستعان به على التخلص من السأم والملل، وطرد الوحشة، ودفع الهمِّ والخوف والقلق ونحوه عن قلب المسلم، وفيه تأليف القلوب، فتنشط النفوس وتتهيَّأ الأجساد لأداء الأعمال الصالحة.
الهدي النبوي في المزاح:
ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ممازحة ومداعبة ومؤانسة زوجاته وأهل بيته وأصحابه.
• عن عبدالله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (ما رأيت أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ رواه الترمذي (3641) وصححه الألباني.
• عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا ذا الأذنين)؛ رواه الترمذي (3828) والبغوي في شرح السنة (3606) وصححه الألباني.
• عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: (نعم غير أني لا أقول إلا حقًّا)؛ رواه الترمذي (1990) والبغوي (3602) وحسنه الألباني.
• عن عائشة قالت: (أتيتُ النَّبيَّ -صلَّى اللَّه علَيهِ وسلَّمَ- بِخَزيرةٍ قد طَبختُها لَهُ، فقُلتُ لِسَودةَ -والنَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آله وسلَّمَ بَيني وبينَها-: كُلي، فأبَتْ، فقُلتُ: لتأكلِنَّ أو لألطِّخَنَّ وجهَكِ، فأبَتْ، فوضَعتُ يدي في الخَزيرةِ، فَطليتُ وجهَها، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ، فوَضعَ بيدِهِ لَها، وقالَ لَها: أَلطِخي وجهَها، فضحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ لَها، فمرَّ عمرُ، فقالَ: يا عبدَ اللَّهِ، يا عبدَ اللَّهِ، فظنَّ أنَّهُ سيَدخلُ، فقالَ: قوما فاغسِلا وجوهَكُما، فقالَت عائشةُ: فما زلتُ أَهابُ عُمرَ لِهَيبةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ)؛ رواه أبو يعلى (4476) وصحَّحه الألباني.
• عن أسيد من حُضير قال: (بينما رجل من الأنصار يُحدِّث القوم وكان فيه مزاح بَيْنا يُضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود، فقال: أصبرني! فقال: "اصطبر"، قال: إن عليك قميصًا وليس عليَّ قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبِّل كشحه، قال: إنما أردتُ هذا يا رسول الله)؛ رواه أبو داود (5224)، وصححه الألباني.
• عن ثابت بن عبيد، قال: (كان زيد بن ثابت من أفْكَه الناس إذا خلا مع أهله، وأرصنهم إذا جلس مع القوم)؛ رواه البخاري في الأدب المفرد.
آداب المزاح:
1- ألا يقترن بمعصية أو يؤدي إلى مخالفة شرعية، كالكذب، فقد يلجأ بعض المازحين إلى المبالغات والكذب، فيُدخِل على النكتة أو النادرة زيادات من عنده وصياغات خاصة كأنه يعيد إخراجها، كل ذلك ليعطي لمزاحه نكهة ومذاقًا خاصًّا، فيشتد الناس في الضحك ويتعجبون لمزاحه· وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الصنف من الناس فقال: "ويل للذي يُحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له"؛ أخرجه أبو داود (4990)، والترمذي (2315) والنسائي (11123) وأحمد (20046) وصححه الألباني.
وقال كذلك: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليُضحك بها جلساءه، يهوي بها في النار أبعد من الثريا"؛ رواه أحمد، وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (1451).
2- أن يخلو من الغيبة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
3- ألا يكون فيه استهزاء بالآخرين أو سخرية منهم، فإن ذلك حرام؛ لقوله سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يَحْقِره، بحسب امرئ من الشر أن يَحْقِر أخاه"؛ رواه البخاري (6064) ومسلم (2564).
4- الاقتصاد فيه وعدم التوسُّع والإكثار منه:
قال سعد بن أبي وقَّاص لابنه ناصحًا: "اقتصد في مزاحك؛ فإن الإفراط فيه يُذهِب البهاء، ويُجرِّئ عليك السفهاء".
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "اتقوا المزاح؛ فإنه حمقة تورث الضغينة".
قال الإمام النووي رحمه الله: "المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأمَّا من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله".
5- ألا يكون في المزاح ترويع لأحد من المسلمين؛ لما رواه أبو داود عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لمسلم أن يُروِّع مسلمًا"؛ صححه الألباني.
6- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح، كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزَّم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها.