خطورة إطلاق النظر إلى ما حرم الله
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
خطورة إطلاق النظر إلى ما حرم اللهألم تر إلى ذلك الداء العُضَال الذي ركن إليه وعكف عليه، وطاف من حوله فئام من شباب الأمة الخاتمة، الشاهدة على الناس، خير الأمم، أمة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى شَبَّ عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، فسقطوا في وادي التيه والعماية، ووقعوا أسرى في حبالة عدو الله إبليس يُصَرفُهُمْ كَيْفَ يَشَاءُ من حيث يشعرون أو لا يشعرون، أَلَا وَإِن لِكُلِّ عَصْرٍ دَاءً وَدَاءُ هَذَا الْعَصْرِ هُوَ الإِبَاحِيَّةُ، وما تربع إبليس على عرش في زمانٍ ما تربع في هذا الزمان على عرش الإباحية، وما جر الناس إلى جهنم بمقادةٍ ما جرهم إليها بمقادة الإباحية!
لَحْظَةً وَاحِدَةً:
فيَا مَنْ أدمنتْ نَفْسُكَ مُشَاهَدَةَ تِلْكَ المَادَةِ الخَبِيْثَةِ التِي شَارَكَتْ فِيْ صُنْعِهَا شَيَاطِيْنُ الِإنسِ وَالِجنِّ، لَحْظَةً قَبْلَ أَنْ تَضْغَطَ عَلَىْ زرِّ الْهَوَانِ والخذلان، والشقاء والبوار، والطرد والحرمان، فلو كنت تدري إلى أيِّ وادٍ من أودية الهَلَكَةِ ترمي بنفسك ما أقبلتَ على ما أنت مقبلٌ عليه، ولو كنت تعقل العاقبة التي أُعِدَّت لك ما فكرت فيما تفكر فيه، فدونك تجربة من جربوا، ومرارة من ذاقوا فتجرعوا، فإن كانت لك أذنان سامعتان فلتسمع، وإن كانت لك عينان مبصرتان فلتبصر، فأنصت إليَّ فإني لك ناصح؛ فالدين النصيحة، والمؤمنون نَصَحَةٌ، والمنافقون غَشَشَةٌ.
وَحْشَةٌ لا تعوضها كنوز الأرض:
هل تعلم يا أخي أنك بعكوفك على هذه المادة الخبيثة قد هبطتَ إلى وادي التيه..
واستغضبت الجبار، وسقطت من عينه، واستنزلت سخطه وبادأته بالعداوة، فطردك من جنة أنسه، ووصله، وذكره، وقطع عنك حبله، فاتصل حبلك بحبل عدوك وعدوه، وقذف في قلبك وحشة لا تعوضها كنوز الأرض، ونزع عنك ثوب الستر - وما أكرمه من ثوب - وأسبل عليك أسمال الفضيحة - وما أذلها من أسمال - فأبغضتك الملائكة، والصالحون، وجميع خلق الله، ولسوف تستفحل فيك الأوبئة والأمراض المعدية والتي يحار الطبيب النِّطَاسِيُّ في علاجها، ولسوف تتحول حياتك إلى كابوس مزعج تتمنى أن تفيق منه ولو على ناصية ملك الموت، وهو يستل منك وديعة الله عندك.
لكن على رغم الواقع المؤسف، والثمار المرة، والنتائج السُّوْأَى التي تشير إليها إحصائيات المواقع من كثرة الأعداد، وتهالكها على تلك المادة الخبيثة؛ إلا أن صفة الخيرية لا تزال فيك كامنة: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، فهذه أعداد غفيرة من أولئك الذين تجرعوا مرارة الأفلام الإباحية، يسأل سائلهم: أنا مدمن أفلام إباحية، نعم، وقد تجرعت كل ألوان الذل والهوان التي ذكرت من بُعْدٍ عن الله وقُرْبٍ من الشيطان، وترك للصلاة، وهجر للمساجد، وتضييع فرائض، وعكوف على كبائر، ونزع للحياء، وتبلد في الحس والمشاعر، وأمراض لا علاج لها، فأصبحت كبهيمة في مسلاخ بشر، نعم فعلت كل هذا وأكثر، ولكن رغم كل ما فعلت لا زال عرق التوبة ينبض في قلبي، لا زالت فطرتي تناديني، لا زالت أطمع في لحظة مبرورة أصطلح فيها مع مولاي، لا زلت أطمح إلى أن أعود إلى نفسي، وتعود إليَّ نفسي، فأنا تائه شارد حيران، فهل لي من توبة؟ وإن كانت لي توبة فكيف أتوب؟
أقول أيها الأخ: أما التوبة فمن يحول بينك وبينها؟ ومن يغلق في وجهك بابها؟ فعلى رغم ما اجترحتَ من آثام، وأتيتَ من منكرات، فلستَ أسوأ حالًا من المشرك، أو قاتل النفس، أو الزاني، وقد قال الله في حقهم: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 70، 71]، وقد ناداكَ ربُّكَ فقال: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح"؛ [مسلم: 2747].
وأما قولك: كيف أتوب؟ فدونك (10) خطوات ستقودك - إن شاء الله - إلى التوبة النصوح إن صحَّ منك العزم عليها، فعُضَّ عليها بناجذيك، واحفَظها بين جلدك ولحمك:
(1) الفرار الفرار إلى الله، فهو كهفك وحصنك، وملاذك وسندك، فلن ينقذك من ورطتك إلا هو: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]، فما لي أراك غافلًا عنه وحياتك بيده، وحل مشكلتك عنده! وأين أنت من سجدة عند السحر الأعلى تشكو فيها لمولاك همَّك، ولتكن يعقوبي النزعة: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86]، فما كان غير قليل حتى فرَّج الله همه، ورد عليه يوسف.
(2) لا ترم سهمًا يُعجزك ردُّه، ولا تفتح بابًا يعييك سده: والمعنى لا تحم حول مواطن الشهوات والمواقع المشبوهة هنا وهناك تتقمم منها؛ حتى تملأ سمعك وبصرك من أوضارها، ثم تريد أن تفلت سالِمًا من شراكها ومصايدها! فأنت - إن فعلت - كمن يَلْقَى عدوَّه بغير سلاح، وعدوه في أُهْبَةٍ كاملة، فليت شِعْري كيف تنجو يا مسكين، والحَلُّ تلخصه لك سورة النور: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].
(3) ضَمِّر الخيل، وقلل العلف، وواصل الرياضة: اعلم أن النفس كالدابة إن شبعت من العلف استمرأت الكسل والبطالة، وساعتها لا يُرْجى منها خير، ولا يؤمن منها شر، وإن جاعت ظَفِرْتَ منها بما تريد، وحَمَلْتَهَا على ركوب الجادة من الطريق، فأَوْفَتْ بك على بُغْيَتِكَ، وعليك بالرياضة فإن لها لشأنا.
(4) الخلوة الخلوة: لا يظفر بك شيطانُكَ غالبًا إلا وأنت في خلوة، فاحفظ نفسك فيها، وراقب ربك، وإلا فلا خير فيها، والجليس الصالح خير منها.
(5) أين أنت من دواء النبوة: أعني الزواج؛ فإنه لا عِدْل له، وهو حل نهائي لمشكلتك، فإن لم تستطع الآن، فعليك بالصوم فإنه لك وجاء ووقاية، ولا تكن عجولا فتتعجل الحصاد قبل البذر، فإنه لا تنكشف لك أسرار الصوم، ولا تظهر دفائنه، ولا تلوح بشائره إلا بعد فترة من الملازمة، وَصَدِّقْ نبيك؛ فإنه لن يُضَيِّعَكَ، فاصبر على البذرة حتى تنبت، وعلى النبتة حتى تورق، وعلى الورقة حتى تُزْهِر، وعلى الزهرة حتى تثمر.
(6) الرحى تطحن إما دقيقًا أو ترابًا: النفس كالرحى لا بد أن تدور فتطحن، والخارج على حسب الداخل، فإن قذفتَ إليها قمحًا فلسوف تقذفُ إليك دقيقًا، وإن قذفتَ إليها ترابًا فلسوف تملأ كفيك من التراب، والنفس كذلك إن ألقيتَ إليها خواطر صالحة ألهمتْك أعمالًا جليلة، وإن ملأتَ إهابها بوساوس الشيطان، ملأتْ صحائف أعمالك بالسوء والبوار.
(7) حاملُ المسك ونافخُ الكير: الصاحبُ ساحبٌ كما يقولون، ولا خير في صحبة عاقبتها النار، فإياك وإياهم، فمن يتركك فريسة للشيطان - أحوج ما تكون إلى نصرته ومعونته - فهو عون له عليك، واصحب الصالحين فلا يشقى بصحبتهم أحد: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
(8) سَرابٌ بِقِيْعَةٍ: إن ما تراه عيناك في تلك الأفلام المعروضة خيالٌ ليست له من حقيقة، وهو كسراب بقيعة لا تمسك منه على شيء، ولا تقبض كفاك منه إلا على الريح، وإن كنت تظن أن تلك المناظر حقيقة، فأنت كمن يصدق أن المسك يستخرج من بطن الخنزير، وهيهات! فكن واقعيًّا لا خياليًّا، وعمليًّا لا تقاعديًّا، وواجه الحقائق والأرقام والإحصائيات؛ فإنها لا تكذب.
(9) تجربة مرة ونتيجة مخزية: وبعد ما ذكرتُ لك أزيدك من الشعر بيتًا، فأقول: دونك الحالات الكثيرة ممن تورطوا في (تمثيل) هذه الأفلام، ثم ندموا عليها وأقلعوا عنها ولكن بعد فوات الأوان، ولات ساعة مندم، فانظر إليهم الآن وقد داهمتهم الأمراض الفتاكة، وزحفت إليهم العلل النفسية والخلقية، حتى أقدم عدد غير قليل منهم على الانتحار، رغم أنهم كانوا في أضواء الشهرة، ومن بذر الحنظل هل ينتظر أن يجنى سكرًا؟!
يا بن الإسلام، إنما أنت كنز لم تُفتح أغلاق خزائنه، ولم تظهر أسرار دفائنه، فانظر لنفسك هل تشبه سيرتك - وأنت أسير معصية - سيرة جدك الفاروق الذي كان يَفْرَقُ الشيطان من ظله؟!
يا بن الفاتحين العادلين، كن عَصيًّا على الهوى، واقهر في الله شيطانك، ولا تَسُرَّهُ بمعصيتك، وأعلنها حربًا لا هوادة فيها، فالأسير قد تحرر، والغافل قد تَنبَّه، والمريض قد عوفِي، والشارد قد آبَ، والمستضعف البارحة بمعصيته أعلن اليوم قراره وقال كلمته: لا رجوع للحُر إلى أرض العدو، أعنى لا رجوع إلى تلك المعصية.
مالي أراك ضعيف الهمة، خائر القوى؟! ألا فاشدُد وثاقك، وانصب قامتك، وارفع راحتيك إلى قبلة الدعاء، وردد معي هذا النداء: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].
وثق بأنك سوف تظفر بمرادك، ولا عجب فقد تصبح يومًا من الأيام داعية إلى الإسلام، أو دليلًا للأنام، وما ذلك على الله بعزيز.