القوة الضالعة في الأحداث الراهنة


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على أفضل قائدٍ عرفته البشرية، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

أيها الأحبة المؤمنون: لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نعيش حياتنا بعرضها وطولها، وبين سبحانه وتعالى أن الطريق إلى الجنة هو من هذه الحياة، وأن من أراد الآخرة فليتخذ الحياة لها مزرعة، وبين سبحانه وتعالى أن من أعظم ما ينبغي أن نعلمه في الحياة سبيل المجرمين ووسائلهم وأساليبهم وأهدافهم يقول سبحانه وتعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55] .

ويتحدث أئمة الإسلام وعلماؤه عن هذه الآية فيقولون: إن الناس على أربعة أقسام:

قسمٌ قد عرفوا سبيل المؤمنين فدعوا إليه عن علمٍ وبينة، وعرفوا سبيل المجرمين فنابذوه وجاهدوه عن علمٍ وبينة.

وقسمٌ تنازل عن هذه المرتبة أو نزل عن هذه المرتبة فعرف سبيل المؤمنين وجهل سبيل المجرمين، فهو وإن كان مؤهلاً للعمل مع المؤمنين لكنه غير مؤهلٍ لمجاهدة المجرمين.

وقسمٌ لا يعرف سبيل المؤمنين ولا يعرف سبيل المجرمين، فهم أتباع كل ناعق، كلما هبت الرياح إلى جهةٍ ركضوا إلى تلك الجهة، أعاذنا الله وإياكم.

وقسمٌ عرفوا سبيل المجرمين والتبس عليهم سبيل المؤمنين فهم يدعون إلى الفساد، وهم في الأرض من المفسدين.

النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب أروع الأمثلة في معرفته للواقع الذي يعيشه في الحياة، فكان صلى الله عليه وسلم وهو في مكة يعلم كل شيءٍ عن الشخصيات المهمة في الجزيرة العربية، فكلما أرسل إلى رجل رسولاً، أو التقى بوفدٍ من وفود قبيلةٍ من القبائل، خاطب ذلك الرجل أو ذلك الزعيم، أو ذلك الوفد بخطابٍ خاص يتميز عن خطابه ومخاطبته مع الزعيم الآخر، ومع القبيلة الأخرى.

وكان صلى الله عليه وسلم، وهو يرسل إلى ملوك الدول المحيطة العربية يخاطب كلاً منهم بخصوصية قد اختص بها في زمنٍ لم تتوفر فيه وسائل الإعلام، ولا وسائل الاتصال، ولا وسائل الصحافة والنشر، بل بلغ من اطلاعه صلى الله عليه وسلم على أحوال البشرية في ذلك الزمان أن يدرك حالةً خاصة تعيشها الحبشة ، وهو أن لديهم ملكاً يملكهم لا يظلم عنده أحد، فيسعى صلى الله عليه وسلم لاستغلال هذه الخاصية لمصلحة دعوة الإسلام ويقول لأصحابه: (إن في الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد).

وكان صلى الله عليه وسلم في يوم الحديبية كلما بعثت قريش برجلٍ من رجالاتها أو من رجالات العرب -فقد بعثوا أيضاً بعض رجالات ثقيف- سأل: من هذا الرجل الذي أتى؟ قالوا: فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلان أو تحدث عن وصفٍ من أوصاف هذا الرجل، فقال عن أحدهم: (سهل عليكم أمركم) وقال عن الآخر: (رجلٌ يحب التأله -أي: العبادة- فابعثوا الهدي في وجهه) وقال عن الثالث: (هذا رجلٌ فاجر) .

إذاً أيها الأحبة: نحن في أشد الحاجة إلى أن نعرف القوة التي تحيط بنا، وأن نعرف القوة المؤثرة في الأحداث التي تجري في واقعنا وفي حياتنا.

من أهم الأحداث التي تعرضت لها أمتنا في هذا الزمن هذا الحدث الذي نعيشه في هذه الأيام، حدث الخليج وما يجري في الخليج.

تعرضت أمة الإسلام في هذا القرن وفي هذا العصر لرزايا وبلايا، لكننا كان إحساسنا بها قليلاً، فلما وصل البلاء إلى قربنا ووصلت النار إلى أطرافنا أخذنا نحس بذلك، وكم تألم إخواننا المسلمون من هذا البلاء، أو من هذه البلايا في أطرافٍ شتى من الأرض، أو في أماكن شتى من الأرض، وقليلٌ منا من كان يحس بذلك، ولعل في هذا عبرة وعظة لنا ونحن نعيش في موضع القلب من العالم الإسلامي، وفي موقع القيادة والريادة وفي مهبط الوحي ومبعث الرسالة، ونحن نعيش في هذا المكان، لعلنا نقوم بما ينبغي علينا نحو أمة الإسلام.

أقسام الناس في تحليل حرب الخليج

أيها الأحبة: لن أطيل في هذه المقدمة أو في هذا المدخل، وسأدخل إلى تصنيف هذه القوى مباشرةً، وأهداف كل قوة وقد أحضرت معي عدداً من الوثائق وعدداً مما نشر في الصحافة العالمية، وفي بعض الكتب والأبحاث، وفي بعض الإذاعات الذي نستدل به على ما نقول في هذه الليلة؛ لأننا نحتاج ونحن نتحدث أن نوثق حديثنا، وألا نلقي القول على عواهنه.

وهذه القضية -أيها الأحبة- انقسم الناس في تحليلها إلى ثلاثة أقسام، أو في كيفية وقوعها أو كيف بدأت:

القسم الأول: يقولون: إن هذه الأحداث كانت نتيجةً لتوجهٍ خاص من صدام حسين في العراق، ونتيجةً لنفسيته وغروره، وأنه اندفع لتحقيق بعض أطماعه وبعض رغباته، وأن العالم كله فوجئ بهذا الأمر، ونهض العالم كله لمواجهة هذا الأمر فهذا هو التحليل الأول.

والتحليل الآخر يقول: إن صدام حسين قد رتب أموره مع النصارى واليهود وأنه جزءٌ من المؤامرة، وأن كل الذي نراه غير الحقيقة التي تجري، والتي يتم تنفيذها في أرض الإسلام.

والتحليل الثالث يقول: إن صدام حسين قد قدر أن الغربيين لا يمانعون من هذه الخطوة التي خطاها فجس نبضهم فأعطوه بشكلٍ غير مباشر ضوءاً أخضر ليقوم بهذه العملية تحقيقاً لأهدافٍ يسعون هم إليها، ثم بعد ذلك أوقفوه عند حدٍ محدود وانطلقوا لتحقيق أهدافهم هم.

وفي إمكاننا نستعرض بعض هذه الأمور السريعة:

يقول أحد محللي السياسة الأمريكية -وهو مورثي الذي كان وكيل وزارة الخارجية الأمريكية وخبيراً في شئون الشرق الأوسط- ضمن مقالٍ له نشر في إحدى المجلات، يقول: عمدت صحافة الإثارة بدورها إلى وصف صدام بأنه سفاح يعتدي على الأطفال، وأنه هتلر العصر، وهذه النعوت، إنما أدت بالدرجة الأولى نسيان تحليل حقيقته أنه حاكم داهية، وماكر في منتهى القسوة، ارتكب خطأً فادحاً في تقدير رد الفعل العالمي السلبي الجارف حيال غزوه للكويت ، لكنه سوف يحاول التعنت حتى النهاية.

هذا الرجل يرى أن صدام حسين ليس رجلاً لا يحسب العواقب ولا يقدرها، بل حسبها حساباً دقيقاً، ويقول الشيخ أحمد القطان في مقابلةٍ أخرى معه، يقول: إن منطقة الخليج هي منطقة متآمر عليها عالمياً، ولعل الصهيونية العالمية يزعجها وجود الصحوة الإسلامية، ووجود المال المستفاد منه والأمن المستتب، قال: فتقوم الحكومة اليهودية الخفية بتحريك أحجار الشطرنج لكي تثير مثل هذه الحروب، فتزعزع الأمن وتقضي على الصحوة الإسلامية في المنطقة، وهذه والله أعلم الأسباب الخفية.

أما الأسباب الظاهرة فهي أطماع نظام العراق لنهب المنطقة والسيطرة على الساحل النفطي الذي يحتوي على (65%) من إنتاج العالم، وإيجاد إمبراطورية علمانية مرسومة في أفكار صاحبها، إنه إلى عام (1992م) كما أخبر ستكون دولته أقوى دولة في المنطقة، هذا كلام الشيخ أحمد القطان.

ويقول الدكتور طارق السويدان، وهو من المطلعين على ما ينشر في الصحافة العالمية وفي وسائل الإعلام العالمية، يقول: أعتقد أن هناك ثلاثة اتجاهات في تحليل أسباب ما يجري في الكويت : الاتجاه الأول: هو أن المسألة مؤامرة مرتبة من قبل الدول الغربية ولا سيما أمريكا لتهيئ الظروف المناسبة لتحقيق مصالحها، والنظام البعثي جزءٌ من المؤامرة وينفذ الدور الذي رسم له.

الاتجاه الثاني: أن الدول الغربية استدرجت النظام العراقي للإقدام على فعلته هذه لتحقيق مجموعة من المصالح أيضاً.

والاتجاه الثالث في التحليل هو الذي يقول: إن الذي جرى في الكويت جرى بقرارٍ فردي حين استشعر النظام البعثي الحاجة إلى المال، ووجد الكويت لقمة سائغة وظن أنه يستطيع أن يبتلع الكويت ، ولا يتدخل أحدٌ إلا بالشجب والاستنكار، فيحقق أكثر من مصلحة اقتصادية وسياسية وعسكرية ويصنع لنفسه زعامةً وبطولةً في العالم العربي، ويقول:-طبعاً هذا استعراض للتحليلات لبداية الأحداث- وأنا أرجح التحليل الثاني، وهو أنه ليس هناك اتفاق مبرمٌ واضح بين الغربيين وصدام حسين ، وليس تصرفاً خاصاً من صدام حسين، بل صدام حسين في نفسه تطلعات وأطماع سنعرفها عندما نتحدث عن أهدافه، فجس نبض الغرب وتوجهاتهم حول هذه الأطماع، فأوهموه وأشعروه بأنه لا مانع لديهم من هذه الخطوة التي يخطوها، والأدلة على ذلك كثيرة:

الأدلة على استدراج الغرب للنظام العراقي لاحتلال الكويت

من هذه الأدلة استمعوا إلى ما يقوله مايلز تبلنز خبير المخابرات الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط في مقابلةٍ مع مجلة المجلة في العدد رقم (556) يقول: لوكالة الاستخبارات الأمريكية ما لا يقل عن ثلاثين من رجالها الذين يحملون الجنسية الأمريكية في بغداد وغيرها من المدن الرئيسية في العراق ، وكان معظم هؤلاء يعملون بصفة تقنيين في القطاعات العراقية المختلفة العسكرية والصناعية والنفطية وغيرها، ويقدمون للعراق المشورة في المسائل التقنية وفي استخدام الأجهزة الإلكترونية المتطورة، صواريخ صدام حسين وكيماوياته ومصانعه، الاستخبارات الأمريكية كانت تقدم له المشورة الفنية فيها، وكانوا جميعاً في مواقع تسمح لهم بالاطلاع على الإجراءات العراقية، وقد غادر هؤلاء بعد غزو الكويت ولا يزالون في العراق إلى الآن عملاء المخابرات من الذين يحملون الجنسية العراقية، وهم الذين تعتمد عليهم الوكالة في المرحلة الحاضرة لمعرفة ما يجري على مستوى القرار السياسي سواءً داخل مجلس قيادة الثورة أو داخل قيادة حزب البعث ، ولجهاز المخابرات الأمريكية علاقات جيدة مع المسئولين في المخابرات العراقية، ومن غير المؤكد أن يكون رجال المخابرات العراقية على معرفة بحقيقة نشاط عملاء الـ c.i.a أي: المخابرات الأمريكية العراقية.

وبناءً على ذلك، أؤكد أن المسئولين عن المخابرات الأمريكية في واشنطن كانوا على اطلاعٍ بأن القيادة العراقية تضع خطةً لغزو الكويت، وذلك قبل شهر من الغزو، أي في شهر يوليو تموز الماضي، وفي تلك الفترة نقل عملاء المخابرات في بغداد هذه المعلومات إلى واشنطن وتم إبلاغها إلى الرئيس بوش، وكانت خلاصتها أن هناك إمكانية أن يقوم العراق بغزو الكويت، والإمكانية بلغة المخابرات، كما شرح كوبلانت تعني: أن فرصة هذا الغزو هي أقل من (50%)، ولكن بعد ذلك وقبل أسبوعين من الغزو أرسلت المخابرات إلى البيت الأبيض تقريراً آخر يشير إلى أن حصول الغزو أصبح أكثر احتمالاً، وهذا يعني أن المخابرات كانت قد أصبحت على ثقة أن الغزو سيحصل، ثم أكد وليم وبستر هذه المعلومات شخصياً في اجتماعٍ مع الرئيس بوش ، ولكن الرئيس الأمريكي لم يكن قادراً على تحريك قواته أو اتخاذ أي مبادرةٍ عسكرية قبل حصول الغزو بالفعل.

إذاً الأمريكان كانوا يعلمون أن صدام حسين سيغزو الكويت قبل غزوها بشهر، وكانوا قد جهزوا القوات لذلك، ولكنهم كانوا ينتظرون فقط أن يتم الغزو حتى تتحرك هذه القوات.

أدلة أخرى من هذه الوثائق، يقول أيضاً كوبلانت وهو يتحدث عن نص جرى بين السفيرة الأمريكية وصدام حسين قبل الغزو بيومين أو بثلاثة، يقول: إنها قالت له: إن حكومتها على علمٍ بخطته لغزو الكويت ، ورد صدام حسين أنه لو حصل مثل ذلك فنحن مهيئون تماماً لردود الفعل الدولية التي لن تتجاوز الصراخ، وحملات الغضب في الدول الغربية وسيصوت مجلس الأمن على قرار بفرض حظرٍ على العراق ، ونحن قادرون على تجاهل ذلك مثلما تتجاهله إسرائيل، وستصوتون على عقوبات اقتصادية وما شابه ذلك، ومع الوقت سيهدأ كل هذا الضجيج ويبقى العراقيون في الكويت إلى الأبد.

إذاً كانت تقول له: نحن نعلم إنك ستغزو الكويت وهو يقول: نعم إذا غزوت الكويت فأنا مستعد لتحمل نتائج هذا الغزو.

إذاً ليس هناك اتفاق، لكن هناك ضوءٌ أخضر أو إشعارٌ بغض الطرف ليتقدم، وهو ما تحدث -كما سنرى في الوثائق وكما هو مذكور في مواطن أخرى من هذه الوثيقة- معهم لكي يأخذ موافقةً نهائية منهم، لكن ليتأكد من عدم اعتراضهم على الغزو أصلاً، ليتأكد أنه ليس هناك مانع، ومن الأدلة على ذلك ما قاله صدام حسين نفسه في مقابلة مع التليفزيون الأمريكي، وأذاع مقطعاً منها التليفزيون السعودي يقول: لقد كانت كل توقعاتنا تشير إلى أن الغرب إن لم يحبذ غزونا للكويت فعلى الأقل سيسكت عن هذا الغزو، نعم. الوثيقة التي سربتها وزارة الخارجية العراقية عن محادثات بين صدام حسين والسفيرة الأمريكية نشرت في مجلة المجلة العدد (560) أو نشر عنها دراسة مما ورد فيها.

يقول الكاتب فهمي هويدي : لقد أثارت الوثيقتان تعليقاتٍ عديدة انصب أكثرها على ما لاحت من إشارات أمريكية خضراء قيل: إنها شجعت العراق على اجتياح الكويت ، ويقول: قال صدام حسين : أنا اطلعت على التصريحات الأمريكية التي تتحدث عن الأصدقاء في المنطقة وأقول: من حق كل جهة في العالم أن تختار أصدقائها في المنطقة، نحن لا نعترض على ذلك -ولكن انظروا كيف يغازل أمريكا هذا الذي بجهاد الآن- ولكن أنتم تعرفون أنكم لستم أنتم الذين حميتم أصدقاءكم خلال الحرب مع إيران ، وأنا أجزم لو أن الإيرانيين اندفعوا في المنطقة لما استطاعت الجيوش الأمريكية أن تصدهم وتوقفهم إلا باستخدام القنابل النووية، هذه ليست نظرة استصغار لكم -هذا كلام صدام حسين للسفيرة- وإنما هي مرتبطة بطبيعة جغرافية، وبطبيعة المجتمع الأمريكي التي تجعله لا يستطيع أن يتحمل في معركة واحدة عشرة آلاف قتيل، وبعد ذلك تساءل الرئيس العراقي معاتباً؟! هل هذه مكافأة العراق على دوره في استقرار المنطقة وحمايتها من الطوفان الإيراني؟

وقال: يجب على الولايات المتحدة أن تظهر بوضوح أنها تريد الصداقة مع الجميع، إذا ما رغب الجميع بصداقتها وتعادي من يعاديها، وقال: لا نضع أمريكا كعدو؛ لكننا نضعها حيث نرغب أن نكون أصدقاء وحاولنا أن نكون أصدقاء، نعم ويقول أيضاً: نحن لا نطلب منكم أن تحلوا مشاكلنا، أنا قلت: أن مشاكلنا العربية نحلها فيما بيننا، ولكن لا تشجعوا بعض الناس على أن يتصرفوا بأكبر من حجمهم وعلى الباطل -يقصد دول الخليج- ثم قال: قالت السفيرة: لا أريد أن أقول إن الرئيس بوش يريد علاقةً أفضل وأكثر عمقاً مع العراق فحسب، بل يريد أن يكون للعراق إسهامٌ تاريخي في سلام وازدهار الشرق الأوسط، إن الرئيس بوش ذكي ولن يعلن أي حرب اقتصادية على العراق، هذا كلام السفيرة الأمريكية.

أليس هذا ضوءاً أخضر له بأن يتحرك، وهو يفاوضها في غزو الكويت، وهو يقول: سأغزو الكويت؟

ثم قال بعد ذلك صدام حسين: نحن لا نريد أسعاراً عالية جداً للنفط، وسأذكر لكِ أنه عام (1974م) أمليت أفكار مقالٍ كتبه السيد طارق عزيز ومضمونه انتقادي الشديد لارتفاع أسعار النفط، وكان أول مقالٍ يظهر من عربي في هذا الاتجاه -سبحان الله! الحقائق شيء وما تقوله الإذاعات ووسائل الإعلام في الغرب وفي العراق شيءٌ آخر تماماً، واستمعوا أيضاً في نفس هذا الباب- يقول صدام حسين : -السؤال هنا إلى الرئيس الأمريكي والمسئولين الأمريكان- أين الخطر على المصالح الأمريكية إن كان في الكويت أو خارجها؟ ثم استطرد قائلاً: أنتم تعرفون أن نفط العراق يباع لكم منذ أن أتينا إلى الحكم، رغم أن العلاقات كانت مقطوعة -في الظاهر لخداع الشعوب المسلمة- وازداد حجم التعامل بعد إعادة العلاقات عام (1984م) ثم يقول: وفيما نرى أنكم قادرون -أي: الأمريكان- على تدبير مصالحكم مع العناصر القومية القوية الواقعية -أرأيتم الأوصاف التي يطلقها على نفسه؟!- ثم يقول: نريد أن نفهم تماماً أين المصالح المشروعة لـأمريكا وكيف نستطيع أن نطمئنها على مصالحها؟

تقول السفيرة ضمن كلامها: لقد أعلن في الكونجرس آنذاك في فترة سابقة أن الإدارة الأمريكية اعتبرت صدام حسين صديقاً يؤدي دوراً مهماً في استقرار المنطقة، واستمرار ذلك الدور مطلوب، وبالتالي فقوة العراق مطلوبة لحفظ التوازن في مواجهة إيران التي لا تريد لها واشنطن أن تنفرد بالقوة في الخليج .

ثم يقول فهمي هويدي : لقد قلت هذا الكلام لأحد الدبلوماسيين المخضرمين، فأطرق لحظة ثم قال: المخابرات المركزية هي التي نصبت نوريجا رئيساً على بنما ، ثم حاربته أمريكا واعتقلته ونقلته إلى فلوريدا لمحاكمته، وأضاف صاحبنا قد تصدمك المقارنة مع نوريجا ، ولست أنفي أن ثمة فرقاً بين الاثنين، لكنه فرقٌ في الدرجة وليس في النوع، الاثنين من نوع واحد، وينفذون مخططاً واحداً.

أحمد الربعي أحد رجال اليسار في الكويت كان معه مقابلة في إحدى المجلات، وهو رجلٌ من أصحاب الاطلاع حتى وإن اختلفنا معه، وقد سألوه: هل هناك مؤامرة دولية في القضية؟ قال: أنا ضد نظرية المؤامرة، وضد القول بأن هناك مؤامرة في أي شيء، لكن المؤامرة موجودة وهي تطبق على الضعفاء والسذج والأغبياء، أما الأقوياء والواثقون من أنفسهم فلا يمكن التآمر عليهم، وقد يكون هناك جانبٌ يتعلق بمصالح أخرى لقوى دولية أخرى في المنطقة دخلت على الخط في النزاع الذي كان دائراً بين العراق والكويت .

وهناك -أيها الأحبة- كثيرٌ من الأمثلة أو من الوثائق التي تتحدث عن هذه القضية -أي: من الوثيقة التي نشرت- تقول السفيرة الأمريكية في حديثها مع صدام حسين: أنا خدمت -وهو يناقشها في قضية هل لديكم اتفاقيات ضمنية مع الكويت تجعلكم تقفون بجانبه، فقالت: وطبعاً ليس كلاماً مباشراً، لكن كما قلت هو ضوء أخضر- تقول: أنا خدمت في أواخر الستينات في سفارة أمريكا في الكويت، وكانت التوجيهات لنا في تلك الفترة -أي: أيام تهديد عبد الكريم قاسم باحتلال الكويت - أنه لا علاقة لكم بهذه القضية، ولا علاقة لـأمريكا بهذه القضية. وقد وجه جيمس بيكر متحدثنا الرسمي لأن يعيد التأكيد على هذا التوجه. فهي لم تقل: إننا لن نقف ضدك، لكنها قالت: قد حصلت هذه القضية مرة سابقة في العراق والكويت وكانت التوجيهات لدينا، أنه لا علاقة لنا بهذه القضية.

ويقول تشيني وزير الدفاع الأمريكي، في ندوة في معهد الدراسات الاستراتيجي في فرجينيا، وهو من أهم المعاهد التي تناقش القرارات المهمة في أمريكا ، يقول بعد إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج : كنا نعرف أن أشياء مقلقة لنا في هذه المنطقة من العالم ستحدث، لذلك أعدت إدارة الرئيس بوش خطةً لمواجهة وقوع أزمة في الخليج ، خلال هذا العام، فقد تدارس القادة العسكريون في البنتاجون وسائل مواجهة مثل هذه المخاطر الإقليمية التي تحتويها التطورات العالمية لمجرى الأحداث.

وأنا أزعم -أيها الأحبة- وقد يختلف معي بعضٌ منكم، وهناك وثائق كثيرة جداً بعضها تجاوزتها، اسمعوا منها كتابة كتبها أحد (الدكاترة) في مجلة اليمامة في تحليلٍ عميق، وهو من كلية العلوم الإدارية في ثلاث حلقات مما قال: هناك من يرى بأن العراق لو أدرك مسبقاً حجم رد الفعل الدولي تجاه غزوه للكويت لصرف النظر عن عمليته العسكرية أو لاكتفى على الأكثر باحتلاله بعض مناطق الحدود ذات الأهمية، ويقول: وبخصوص فشل العراق في توقع موقف الرفض الدولي لتصرفه فإن هناك من يعتقد بأن القيادة السياسية في العراق ليست غبية، ولكنها خدعت من قبل الولايات المتحدة وفق نظرية المؤامرة التي أوهمت العراق بأن دخوله للكويت سيكون مقبولاً من الولايات المتحدة ، وقال: وليس هناك ما يؤكد هذه الفرضية أو ينفيها.

إذاً أيها الأحبة! أنا أقول: أرجح بأن الغرب والعراق لم يكن بينهم اتفاق محدد واضح، لكنه كانت لديه أطماع وتطلعات وجس نبضه فوجد الناس أو فهم منهم أنه لا مانع لديهم من غزوه للكويت.

على ضوء هذا المدخل أو هذا التحليل سنبدأ بعد ذلك في معرفة القوة الضالعة في هذه القضية، ونحاول التعرف على كل قوةٍ منها في هذه القضية، ونحاول أن نورد بعض الوثائق لهذه القوى، ونحاول بعد ذلك أن نتعرف الطريق أو المخرج من هذا البلاء الذي حل بالأمة المسلمة، وسنرتب القوى ترتيباً تصاعدياً، نبدأ بالأدنى فالأدنى، أو الأقل فالأقل.

أيها الأحبة: لن أطيل في هذه المقدمة أو في هذا المدخل، وسأدخل إلى تصنيف هذه القوى مباشرةً، وأهداف كل قوة وقد أحضرت معي عدداً من الوثائق وعدداً مما نشر في الصحافة العالمية، وفي بعض الكتب والأبحاث، وفي بعض الإذاعات الذي نستدل به على ما نقول في هذه الليلة؛ لأننا نحتاج ونحن نتحدث أن نوثق حديثنا، وألا نلقي القول على عواهنه.

وهذه القضية -أيها الأحبة- انقسم الناس في تحليلها إلى ثلاثة أقسام، أو في كيفية وقوعها أو كيف بدأت:

القسم الأول: يقولون: إن هذه الأحداث كانت نتيجةً لتوجهٍ خاص من صدام حسين في العراق، ونتيجةً لنفسيته وغروره، وأنه اندفع لتحقيق بعض أطماعه وبعض رغباته، وأن العالم كله فوجئ بهذا الأمر، ونهض العالم كله لمواجهة هذا الأمر فهذا هو التحليل الأول.

والتحليل الآخر يقول: إن صدام حسين قد رتب أموره مع النصارى واليهود وأنه جزءٌ من المؤامرة، وأن كل الذي نراه غير الحقيقة التي تجري، والتي يتم تنفيذها في أرض الإسلام.

والتحليل الثالث يقول: إن صدام حسين قد قدر أن الغربيين لا يمانعون من هذه الخطوة التي خطاها فجس نبضهم فأعطوه بشكلٍ غير مباشر ضوءاً أخضر ليقوم بهذه العملية تحقيقاً لأهدافٍ يسعون هم إليها، ثم بعد ذلك أوقفوه عند حدٍ محدود وانطلقوا لتحقيق أهدافهم هم.

وفي إمكاننا نستعرض بعض هذه الأمور السريعة:

يقول أحد محللي السياسة الأمريكية -وهو مورثي الذي كان وكيل وزارة الخارجية الأمريكية وخبيراً في شئون الشرق الأوسط- ضمن مقالٍ له نشر في إحدى المجلات، يقول: عمدت صحافة الإثارة بدورها إلى وصف صدام بأنه سفاح يعتدي على الأطفال، وأنه هتلر العصر، وهذه النعوت، إنما أدت بالدرجة الأولى نسيان تحليل حقيقته أنه حاكم داهية، وماكر في منتهى القسوة، ارتكب خطأً فادحاً في تقدير رد الفعل العالمي السلبي الجارف حيال غزوه للكويت ، لكنه سوف يحاول التعنت حتى النهاية.

هذا الرجل يرى أن صدام حسين ليس رجلاً لا يحسب العواقب ولا يقدرها، بل حسبها حساباً دقيقاً، ويقول الشيخ أحمد القطان في مقابلةٍ أخرى معه، يقول: إن منطقة الخليج هي منطقة متآمر عليها عالمياً، ولعل الصهيونية العالمية يزعجها وجود الصحوة الإسلامية، ووجود المال المستفاد منه والأمن المستتب، قال: فتقوم الحكومة اليهودية الخفية بتحريك أحجار الشطرنج لكي تثير مثل هذه الحروب، فتزعزع الأمن وتقضي على الصحوة الإسلامية في المنطقة، وهذه والله أعلم الأسباب الخفية.

أما الأسباب الظاهرة فهي أطماع نظام العراق لنهب المنطقة والسيطرة على الساحل النفطي الذي يحتوي على (65%) من إنتاج العالم، وإيجاد إمبراطورية علمانية مرسومة في أفكار صاحبها، إنه إلى عام (1992م) كما أخبر ستكون دولته أقوى دولة في المنطقة، هذا كلام الشيخ أحمد القطان.

ويقول الدكتور طارق السويدان، وهو من المطلعين على ما ينشر في الصحافة العالمية وفي وسائل الإعلام العالمية، يقول: أعتقد أن هناك ثلاثة اتجاهات في تحليل أسباب ما يجري في الكويت : الاتجاه الأول: هو أن المسألة مؤامرة مرتبة من قبل الدول الغربية ولا سيما أمريكا لتهيئ الظروف المناسبة لتحقيق مصالحها، والنظام البعثي جزءٌ من المؤامرة وينفذ الدور الذي رسم له.

الاتجاه الثاني: أن الدول الغربية استدرجت النظام العراقي للإقدام على فعلته هذه لتحقيق مجموعة من المصالح أيضاً.

والاتجاه الثالث في التحليل هو الذي يقول: إن الذي جرى في الكويت جرى بقرارٍ فردي حين استشعر النظام البعثي الحاجة إلى المال، ووجد الكويت لقمة سائغة وظن أنه يستطيع أن يبتلع الكويت ، ولا يتدخل أحدٌ إلا بالشجب والاستنكار، فيحقق أكثر من مصلحة اقتصادية وسياسية وعسكرية ويصنع لنفسه زعامةً وبطولةً في العالم العربي، ويقول:-طبعاً هذا استعراض للتحليلات لبداية الأحداث- وأنا أرجح التحليل الثاني، وهو أنه ليس هناك اتفاق مبرمٌ واضح بين الغربيين وصدام حسين ، وليس تصرفاً خاصاً من صدام حسين، بل صدام حسين في نفسه تطلعات وأطماع سنعرفها عندما نتحدث عن أهدافه، فجس نبض الغرب وتوجهاتهم حول هذه الأطماع، فأوهموه وأشعروه بأنه لا مانع لديهم من هذه الخطوة التي يخطوها، والأدلة على ذلك كثيرة:

من هذه الأدلة استمعوا إلى ما يقوله مايلز تبلنز خبير المخابرات الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط في مقابلةٍ مع مجلة المجلة في العدد رقم (556) يقول: لوكالة الاستخبارات الأمريكية ما لا يقل عن ثلاثين من رجالها الذين يحملون الجنسية الأمريكية في بغداد وغيرها من المدن الرئيسية في العراق ، وكان معظم هؤلاء يعملون بصفة تقنيين في القطاعات العراقية المختلفة العسكرية والصناعية والنفطية وغيرها، ويقدمون للعراق المشورة في المسائل التقنية وفي استخدام الأجهزة الإلكترونية المتطورة، صواريخ صدام حسين وكيماوياته ومصانعه، الاستخبارات الأمريكية كانت تقدم له المشورة الفنية فيها، وكانوا جميعاً في مواقع تسمح لهم بالاطلاع على الإجراءات العراقية، وقد غادر هؤلاء بعد غزو الكويت ولا يزالون في العراق إلى الآن عملاء المخابرات من الذين يحملون الجنسية العراقية، وهم الذين تعتمد عليهم الوكالة في المرحلة الحاضرة لمعرفة ما يجري على مستوى القرار السياسي سواءً داخل مجلس قيادة الثورة أو داخل قيادة حزب البعث ، ولجهاز المخابرات الأمريكية علاقات جيدة مع المسئولين في المخابرات العراقية، ومن غير المؤكد أن يكون رجال المخابرات العراقية على معرفة بحقيقة نشاط عملاء الـ c.i.a أي: المخابرات الأمريكية العراقية.

وبناءً على ذلك، أؤكد أن المسئولين عن المخابرات الأمريكية في واشنطن كانوا على اطلاعٍ بأن القيادة العراقية تضع خطةً لغزو الكويت، وذلك قبل شهر من الغزو، أي في شهر يوليو تموز الماضي، وفي تلك الفترة نقل عملاء المخابرات في بغداد هذه المعلومات إلى واشنطن وتم إبلاغها إلى الرئيس بوش، وكانت خلاصتها أن هناك إمكانية أن يقوم العراق بغزو الكويت، والإمكانية بلغة المخابرات، كما شرح كوبلانت تعني: أن فرصة هذا الغزو هي أقل من (50%)، ولكن بعد ذلك وقبل أسبوعين من الغزو أرسلت المخابرات إلى البيت الأبيض تقريراً آخر يشير إلى أن حصول الغزو أصبح أكثر احتمالاً، وهذا يعني أن المخابرات كانت قد أصبحت على ثقة أن الغزو سيحصل، ثم أكد وليم وبستر هذه المعلومات شخصياً في اجتماعٍ مع الرئيس بوش ، ولكن الرئيس الأمريكي لم يكن قادراً على تحريك قواته أو اتخاذ أي مبادرةٍ عسكرية قبل حصول الغزو بالفعل.

إذاً الأمريكان كانوا يعلمون أن صدام حسين سيغزو الكويت قبل غزوها بشهر، وكانوا قد جهزوا القوات لذلك، ولكنهم كانوا ينتظرون فقط أن يتم الغزو حتى تتحرك هذه القوات.

أدلة أخرى من هذه الوثائق، يقول أيضاً كوبلانت وهو يتحدث عن نص جرى بين السفيرة الأمريكية وصدام حسين قبل الغزو بيومين أو بثلاثة، يقول: إنها قالت له: إن حكومتها على علمٍ بخطته لغزو الكويت ، ورد صدام حسين أنه لو حصل مثل ذلك فنحن مهيئون تماماً لردود الفعل الدولية التي لن تتجاوز الصراخ، وحملات الغضب في الدول الغربية وسيصوت مجلس الأمن على قرار بفرض حظرٍ على العراق ، ونحن قادرون على تجاهل ذلك مثلما تتجاهله إسرائيل، وستصوتون على عقوبات اقتصادية وما شابه ذلك، ومع الوقت سيهدأ كل هذا الضجيج ويبقى العراقيون في الكويت إلى الأبد.

إذاً كانت تقول له: نحن نعلم إنك ستغزو الكويت وهو يقول: نعم إذا غزوت الكويت فأنا مستعد لتحمل نتائج هذا الغزو.

إذاً ليس هناك اتفاق، لكن هناك ضوءٌ أخضر أو إشعارٌ بغض الطرف ليتقدم، وهو ما تحدث -كما سنرى في الوثائق وكما هو مذكور في مواطن أخرى من هذه الوثيقة- معهم لكي يأخذ موافقةً نهائية منهم، لكن ليتأكد من عدم اعتراضهم على الغزو أصلاً، ليتأكد أنه ليس هناك مانع، ومن الأدلة على ذلك ما قاله صدام حسين نفسه في مقابلة مع التليفزيون الأمريكي، وأذاع مقطعاً منها التليفزيون السعودي يقول: لقد كانت كل توقعاتنا تشير إلى أن الغرب إن لم يحبذ غزونا للكويت فعلى الأقل سيسكت عن هذا الغزو، نعم. الوثيقة التي سربتها وزارة الخارجية العراقية عن محادثات بين صدام حسين والسفيرة الأمريكية نشرت في مجلة المجلة العدد (560) أو نشر عنها دراسة مما ورد فيها.

يقول الكاتب فهمي هويدي : لقد أثارت الوثيقتان تعليقاتٍ عديدة انصب أكثرها على ما لاحت من إشارات أمريكية خضراء قيل: إنها شجعت العراق على اجتياح الكويت ، ويقول: قال صدام حسين : أنا اطلعت على التصريحات الأمريكية التي تتحدث عن الأصدقاء في المنطقة وأقول: من حق كل جهة في العالم أن تختار أصدقائها في المنطقة، نحن لا نعترض على ذلك -ولكن انظروا كيف يغازل أمريكا هذا الذي بجهاد الآن- ولكن أنتم تعرفون أنكم لستم أنتم الذين حميتم أصدقاءكم خلال الحرب مع إيران ، وأنا أجزم لو أن الإيرانيين اندفعوا في المنطقة لما استطاعت الجيوش الأمريكية أن تصدهم وتوقفهم إلا باستخدام القنابل النووية، هذه ليست نظرة استصغار لكم -هذا كلام صدام حسين للسفيرة- وإنما هي مرتبطة بطبيعة جغرافية، وبطبيعة المجتمع الأمريكي التي تجعله لا يستطيع أن يتحمل في معركة واحدة عشرة آلاف قتيل، وبعد ذلك تساءل الرئيس العراقي معاتباً؟! هل هذه مكافأة العراق على دوره في استقرار المنطقة وحمايتها من الطوفان الإيراني؟

وقال: يجب على الولايات المتحدة أن تظهر بوضوح أنها تريد الصداقة مع الجميع، إذا ما رغب الجميع بصداقتها وتعادي من يعاديها، وقال: لا نضع أمريكا كعدو؛ لكننا نضعها حيث نرغب أن نكون أصدقاء وحاولنا أن نكون أصدقاء، نعم ويقول أيضاً: نحن لا نطلب منكم أن تحلوا مشاكلنا، أنا قلت: أن مشاكلنا العربية نحلها فيما بيننا، ولكن لا تشجعوا بعض الناس على أن يتصرفوا بأكبر من حجمهم وعلى الباطل -يقصد دول الخليج- ثم قال: قالت السفيرة: لا أريد أن أقول إن الرئيس بوش يريد علاقةً أفضل وأكثر عمقاً مع العراق فحسب، بل يريد أن يكون للعراق إسهامٌ تاريخي في سلام وازدهار الشرق الأوسط، إن الرئيس بوش ذكي ولن يعلن أي حرب اقتصادية على العراق، هذا كلام السفيرة الأمريكية.

أليس هذا ضوءاً أخضر له بأن يتحرك، وهو يفاوضها في غزو الكويت، وهو يقول: سأغزو الكويت؟

ثم قال بعد ذلك صدام حسين: نحن لا نريد أسعاراً عالية جداً للنفط، وسأذكر لكِ أنه عام (1974م) أمليت أفكار مقالٍ كتبه السيد طارق عزيز ومضمونه انتقادي الشديد لارتفاع أسعار النفط، وكان أول مقالٍ يظهر من عربي في هذا الاتجاه -سبحان الله! الحقائق شيء وما تقوله الإذاعات ووسائل الإعلام في الغرب وفي العراق شيءٌ آخر تماماً، واستمعوا أيضاً في نفس هذا الباب- يقول صدام حسين : -السؤال هنا إلى الرئيس الأمريكي والمسئولين الأمريكان- أين الخطر على المصالح الأمريكية إن كان في الكويت أو خارجها؟ ثم استطرد قائلاً: أنتم تعرفون أن نفط العراق يباع لكم منذ أن أتينا إلى الحكم، رغم أن العلاقات كانت مقطوعة -في الظاهر لخداع الشعوب المسلمة- وازداد حجم التعامل بعد إعادة العلاقات عام (1984م) ثم يقول: وفيما نرى أنكم قادرون -أي: الأمريكان- على تدبير مصالحكم مع العناصر القومية القوية الواقعية -أرأيتم الأوصاف التي يطلقها على نفسه؟!- ثم يقول: نريد أن نفهم تماماً أين المصالح المشروعة لـأمريكا وكيف نستطيع أن نطمئنها على مصالحها؟

تقول السفيرة ضمن كلامها: لقد أعلن في الكونجرس آنذاك في فترة سابقة أن الإدارة الأمريكية اعتبرت صدام حسين صديقاً يؤدي دوراً مهماً في استقرار المنطقة، واستمرار ذلك الدور مطلوب، وبالتالي فقوة العراق مطلوبة لحفظ التوازن في مواجهة إيران التي لا تريد لها واشنطن أن تنفرد بالقوة في الخليج .

ثم يقول فهمي هويدي : لقد قلت هذا الكلام لأحد الدبلوماسيين المخضرمين، فأطرق لحظة ثم قال: المخابرات المركزية هي التي نصبت نوريجا رئيساً على بنما ، ثم حاربته أمريكا واعتقلته ونقلته إلى فلوريدا لمحاكمته، وأضاف صاحبنا قد تصدمك المقارنة مع نوريجا ، ولست أنفي أن ثمة فرقاً بين الاثنين، لكنه فرقٌ في الدرجة وليس في النوع، الاثنين من نوع واحد، وينفذون مخططاً واحداً.

أحمد الربعي أحد رجال اليسار في الكويت كان معه مقابلة في إحدى المجلات، وهو رجلٌ من أصحاب الاطلاع حتى وإن اختلفنا معه، وقد سألوه: هل هناك مؤامرة دولية في القضية؟ قال: أنا ضد نظرية المؤامرة، وضد القول بأن هناك مؤامرة في أي شيء، لكن المؤامرة موجودة وهي تطبق على الضعفاء والسذج والأغبياء، أما الأقوياء والواثقون من أنفسهم فلا يمكن التآمر عليهم، وقد يكون هناك جانبٌ يتعلق بمصالح أخرى لقوى دولية أخرى في المنطقة دخلت على الخط في النزاع الذي كان دائراً بين العراق والكويت .

وهناك -أيها الأحبة- كثيرٌ من الأمثلة أو من الوثائق التي تتحدث عن هذه القضية -أي: من الوثيقة التي نشرت- تقول السفيرة الأمريكية في حديثها مع صدام حسين: أنا خدمت -وهو يناقشها في قضية هل لديكم اتفاقيات ضمنية مع الكويت تجعلكم تقفون بجانبه، فقالت: وطبعاً ليس كلاماً مباشراً، لكن كما قلت هو ضوء أخضر- تقول: أنا خدمت في أواخر الستينات في سفارة أمريكا في الكويت، وكانت التوجيهات لنا في تلك الفترة -أي: أيام تهديد عبد الكريم قاسم باحتلال الكويت - أنه لا علاقة لكم بهذه القضية، ولا علاقة لـأمريكا بهذه القضية. وقد وجه جيمس بيكر متحدثنا الرسمي لأن يعيد التأكيد على هذا التوجه. فهي لم تقل: إننا لن نقف ضدك، لكنها قالت: قد حصلت هذه القضية مرة سابقة في العراق والكويت وكانت التوجيهات لدينا، أنه لا علاقة لنا بهذه القضية.

ويقول تشيني وزير الدفاع الأمريكي، في ندوة في معهد الدراسات الاستراتيجي في فرجينيا، وهو من أهم المعاهد التي تناقش القرارات المهمة في أمريكا ، يقول بعد إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج : كنا نعرف أن أشياء مقلقة لنا في هذه المنطقة من العالم ستحدث، لذلك أعدت إدارة الرئيس بوش خطةً لمواجهة وقوع أزمة في الخليج ، خلال هذا العام، فقد تدارس القادة العسكريون في البنتاجون وسائل مواجهة مثل هذه المخاطر الإقليمية التي تحتويها التطورات العالمية لمجرى الأحداث.

وأنا أزعم -أيها الأحبة- وقد يختلف معي بعضٌ منكم، وهناك وثائق كثيرة جداً بعضها تجاوزتها، اسمعوا منها كتابة كتبها أحد (الدكاترة) في مجلة اليمامة في تحليلٍ عميق، وهو من كلية العلوم الإدارية في ثلاث حلقات مما قال: هناك من يرى بأن العراق لو أدرك مسبقاً حجم رد الفعل الدولي تجاه غزوه للكويت لصرف النظر عن عمليته العسكرية أو لاكتفى على الأكثر باحتلاله بعض مناطق الحدود ذات الأهمية، ويقول: وبخصوص فشل العراق في توقع موقف الرفض الدولي لتصرفه فإن هناك من يعتقد بأن القيادة السياسية في العراق ليست غبية، ولكنها خدعت من قبل الولايات المتحدة وفق نظرية المؤامرة التي أوهمت العراق بأن دخوله للكويت سيكون مقبولاً من الولايات المتحدة ، وقال: وليس هناك ما يؤكد هذه الفرضية أو ينفيها.

إذاً أيها الأحبة! أنا أقول: أرجح بأن الغرب والعراق لم يكن بينهم اتفاق محدد واضح، لكنه كانت لديه أطماع وتطلعات وجس نبضه فوجد الناس أو فهم منهم أنه لا مانع لديهم من غزوه للكويت.

على ضوء هذا المدخل أو هذا التحليل سنبدأ بعد ذلك في معرفة القوة الضالعة في هذه القضية، ونحاول التعرف على كل قوةٍ منها في هذه القضية، ونحاول أن نورد بعض الوثائق لهذه القوى، ونحاول بعد ذلك أن نتعرف الطريق أو المخرج من هذا البلاء الذي حل بالأمة المسلمة، وسنرتب القوى ترتيباً تصاعدياً، نبدأ بالأدنى فالأدنى، أو الأقل فالأقل.

أول هذه القوى في نظري، والذي كان يظن أنه سيد الموقف وكان يرى أنه سيحقق أهدافه كاملة وتبين بعد ذلك أنه مجرد طعمٌ لمن هم أكبر منه وأعظم، وأنه أداة تحقق بها أهداف أعداء أمة الإسلام هو حزب البعث .

توحيد البلاد العربية تحت راية البعث

البعثيون كما تعلمون من صميم عقيدتهم وجوب توحيد بلاد العرب تحت راية البعث .

إذاً توحيد البلاد العربية تحت حكم حزب البعث هدفٌ يسعى له كل بعثي، وإلا فهو كاذبٌ في بعثيته، وغير صادق مع هذا المبدأ الذي اعتنقه، استمعوا إلى كلام لـمنيف الرزاز، وهو الرجل الثاني في حزب البعث على مدار تاريخه يقول: الهدف الأساسي للبعث هو تحريك قوى التاريخ التقدمي في الوطن العربي تحريكاً ثورياً، أي: يحقق من خلال النضال ضد الاستعمار والتجزئة والتخلف خلق أمة عربية واحدة تضمها دولة عربية واحدة، في مجتمع اشتراكي متقدم، تستعمل فيه الجماهير كل طاقاتها وتتمتع بحرياتها، ومنيف الرزاز هو الرجل الثاني بعد ميشيل عفلق.

وقال: ومن هنا كان شعار البعث (وحدة .. حرية .. اشتراكية) ومن هنا كان إيمانه بترابط هذا الهدف ترابطاً موضوعياً، فلا تقوم وحدةٌ مع بقايا الاستعباد والاستغلال في المجتمع العربي الموحد الحر الاشتراكي، ذلك هو هدف البعث.

ويقول ميشيل عفلق وهو يتحدث عن بعض التجارب الوحدوية التي شاركوا فيها وفشلت -مثل الوحدة مع مصر عام (1958م) وغيرها- ويقول: لئن وقعت أخطاء فالوحدة هي أعمق من كل شيء، وهي قادرة على أن تصحح الأخطاء، وما هذا الإصرار والاستعجال في تحقيق خطوة عملية نحو الوحدة إلا دليلٌ على حاجة الأمة إلى أن تشق طريق الوحدة؛ لأنه طريق القوة، والوحدة ما زالت تحتاج إلى جيلٍ يؤمن بها، ويناضل من أجلها، ويتابع رسالته على الأسس الصحيحة على المبادئ الاشتراكية، لكي يجد فيها الشعب ما يطمح إليه، وما زالت تحتاج إلى جيلٍ مؤمن مناضل يخلق وعيها، وينمي نضالها، ويكافح عقلية التجزئة ورواسبها والمصالح الآنية للتجزئة.

إن السبيل إلى جعل الوحدة وحدةً شعبية اشتراكية ديمقراطية هو: الإيمان بها وتبنيها والعمل لها، لا الخوف منها وتركها للصدف والظروف ولا يتم لنا بعثٌ عربيٌ حقيقي إذا لم تتوحد جميع أقطارنا.

فهذا كلام ميشيل عفلق .

فهل تريدون دليلاً على أن كل بعثي تجري في دمائه قضية توحيد الأمة العربية بأي وسيلة أخرى؟ نعم. يقول أيضاً ميشيل عفلق : فكرة الوحدة العربية هي الفكرة الانقلابية بالمعنى الصحيح لا يداهيها في انقلابيتها التحرر من الاستعمار على ما فيه من جدية وقسوة، ولا التحرر الاجتماعي الاشتراكي الذي يصدم في المجتمع أضخم المصالح وأقوى العادات والنظم، ويقول: إذا أردنا أن نجيب على سؤال: ما هي الخطوات العملية نحو الوحدة العربية؟ فجوابنا هو في الدرجة الأولى والأهم هذا الذي ذكرت: النضال الموحد. فالوحدة العربية قبل أن تصل إلى طور التحقيق السياسي والإنشائي يجب أن تبنى في جو النضال، وفي صميم النضال، ولا يجوز لنا أن نغفل في هذه الناحية، وهذا ما يريد السياسيون أن يغفلوه؛ لأنهم لا يريدون الوحدة؛ لأنها تقضي على زعاماتهم، فنحن واضحون جداً في هذه النقطة، الوحدة العربية هي قبل كل شيء، نضال ووحدة في النضال، والنضال: هو المعبر الصحيح عن الأمة، فإننا في النضال نبني أسس حياتنا المقبلة وتزول عوامل الانحطاط والفرقة.

ويقول أيضاً الرزاز : أول ما تتطلب هذه المعركة وهي أولاً وآخراً معركة الوحدة العربية أن نطبق فعلاً وبكل إخلاص وجدية مبدأ الوحدة، وحدة النضال وأن نعتبر العراق اليوم ساحة نضال لجميع العرب.

ويقول: إن استكمال صورة البناء السياسي الاشتراكي للمجتمع لا يمكن أن يتم إلا في إطار الوطن العربي الكبير، ولكن كل خطوةٍ يسيرها القطر نحو البناء الاشتراكي هي خطوةٌ نحو الوحدة العربية.

ولا زال هناك أدلة، لكنني أكتفي بهذه، وإلا فالأدلة كثيرة.

إذاً الهدف الأول من أهداف البعثيين في غزوهم للكويت، هي خطوةٌ في طريق طويل يسعون من خلاله للسيطرة على جميع البلاد العربية.

البحث عن مخرج من الأزمة الاقتصادية في العراق

الهدف الثاني -أيها الأحباب- هو: البحث عن مخرجٍ من الأزمة الاقتصادية الطاحنة في العراق، فـالعراق قد خرج من الحرب مع إيران باقتصادٍ مهلهل، وبلدٍ مدمر وشعبٍ ناقم وجيشٍ متذمر، وكان في أشد الحاجة إلى موارد بعد أن توقف الدعم العربي الذي كان يلقاه من دول الخليج ومن غيرها؛ بسبب توقف الحرب وكان بحاجةٍ إلى مدخلٍ يدخلُ من خلاله أو طريقٍ يحصل من خلاله دعماً اقتصادياً، ورأى بعد أن ظن أن الغرب سيسكت عنه ورتب أموره في ظنه مع العرب بإقامة مجلس التعاون العربي، ورتب أموره أيضاً مع الشارع الإسلامي من خلال بعض المظاهر الإسلامية الكاذبة مثل الجامعة الإسلامية، ومثل المؤتمر الشعبي الإسلامي -ومثل بعض الإعلانات في الوقت المتأخر بعودته إلى الإسلام وقضايا الإسلام- نعم. كل هذا ظناً منه أنه قد رتب أموره دولياً وإسلامياً وعربياً وما عليه إلا أن يخطو هذه الخطوة، خاصةً وقد ضمن للغربيين مصالحهم، وقال: أريد أن أعرف أين هي هذه المصالح؟ وما الذي يريدونه حتى نضمنها لهم؟ فهو أيضاً يبحث عن مخرجٍ اقتصادي، وهنا بعض الوثائق لكنني أخشى أن أطيل الحديث في بحثي عنها.

إيجاد متنفس للقوة العسكرية لدى العراق

الهدف الثالث: محاولة إيجاد متنفسٍ للقوة العسكرية الضاربة، صدام حسين قد أوجد هذه القوة بأموال العرب، وأصبح لديه مئات الآلاف، ولديه أسلحة كيماوية ولديه أسلحة جرثومية، ولديه صواريخ، ولديه محاولة إيجاد أسلحة نووية وبواسطة التقنية الغربية والفنيين الغربيين وتحت سمع الغرب وبصره.

وتعلمون -أيها الأحبة- عندما نريد مثلاً هنا في هذا البلد أن نشتري من أمريكا طائرتين أو ثلاثاً تقوم قيامة الكونجرس الأمريكي والإعلام الأمريكي واللوبي اليهودي، والعالم كله وضجة إعلامية، ومثل ما حصل في بريطانيا، وما حصل في ألمانيا، والعراق بنى هذه القوة الهائلة وما سمعنا ضجيجاً وما سمعنا اعتراضاً طوال السنوات الماضية.

إذاً أما كان يراد له أن يبني هذه القوة ليحقق بها أهداف الغرب؟ ويحقق بها أهداف أعداء الإسلام؟ ويستنزف بها أموال المسلمين؟ ويدمر بها العراق والمنطقة كلها، سابقاً ولاحقاً؟ نعم. فهذه القوة العسكرية الضاربة التي كان يهدد بها صدام حسين بأنه سيدمر إسرائيل وعقد مؤتمر القمة في العراق وأعلنت المؤازرة والتأييد لـصدام حسين من جميع حكام العرب، وبعد ذلك بأسبوع أو أسبوعين توجهت قواته لغزو الكويت ، وكانت تريد التقدم إلى أبعد من ذلك، فقال له أسياده: حجمك أصغر من ذلك.

السعي لتحقيق الطموح الشخصي لدى صدام حسين

أقول أيها الأحباب: من أهداف البعثيين أو من أهداف الغزو البعثي السعي لتحقيق الطموح الشخصي لدى صدام حسين بالزعامة والسيطرة، خاصةً بعد أن نفخته جميع وسائل الإعلام العربية والدولية وجعلته زعيماً عالمياً وبطلاً قومياً وبطلاً تاريخياً، ونحن ساهمنا في عظمة صدام حسين وفي تغرير الشعوب المسلمة بـصدام حسين على جميع المستويات ولا أستثني أحداً، على جميع المستويات ساهمنا في هذا.

صدام حسين كان -كما تعلمون- طالباً فاشلاً في الثانوية ثم زور الشهادة والتحق بالجامعة ففشل فيها، ثم كان فاشلاً في حياته الاجتماعية، ثم كان زعيم عصابة للقتل والخطف، ثم نجح بعد ذلك في التسلط من خلال عصابات حزب البعث على الشعب العراقي، ونحن الذي جعلنا صدام حسين من خلال شعرائنا وأدبائنا ومفكرينا -في المربد وغير المربد- رجل الثقافة والفكر، وألقيت الملاحم والمطولات في مدحه، وإعلامنا كذلك، حتى لدي هنا كاستشهاد نقيب أو رئيس رابطة الأطباء في جامعة الكويت، نعم هذا الرجل يتحدث في مقابلة معه هنا أنه ممن كانوا انبهروا بـصدام حسين وأخذ عائلته وزار صدام حسين في بيته، وسمى ولده صدام حسين ، ويقول: إن الأمير الكويتي الذي قتل اسمه فهد الأحمد يقول: إنه كان معجباً بـصدام حسين إعجاباً كبيراً جداً. وكان من المتعصبين كثيراً لـصدام حسين .

فـصدام حسين نفخ فيه الغرور، حتى ظن أنه تجاوز أن يكون عميلاً وسيصبح نداً، ومن هنا أمامه كما قال: إسرائيل وغيرها من العرب أضعف حلقة هي جهة الكويت ، وتكون خطوة في سبيل خطوات أخرى، وتحقق معها الثراء والنفط والمال وكذا، وكذا، ويظن أن الغرب سيسكت عنها.

ضرب الدعوة الإسلامية في الكويت ودول الجزيرة

كذلك من أهداف الغزو العراقي للكويت ضرب الدعوة الإسلامية في الكويت وفي دول الجزيرة ، وهذا سأتعرض إليه؛ لأنه مشترك بين الغربيين وبين البعثيين، وسأتعرض لوثائقه في مكانٍ آخر.

هذه باختصار وكل نقطة من هذه النقاط عليها وثائق لكنني آثرت حقيقةً الإيجاز حتى نستكمل الموضوع وننتهي منه.

البعثيون كما تعلمون من صميم عقيدتهم وجوب توحيد بلاد العرب تحت راية البعث .

إذاً توحيد البلاد العربية تحت حكم حزب البعث هدفٌ يسعى له كل بعثي، وإلا فهو كاذبٌ في بعثيته، وغير صادق مع هذا المبدأ الذي اعتنقه، استمعوا إلى كلام لـمنيف الرزاز، وهو الرجل الثاني في حزب البعث على مدار تاريخه يقول: الهدف الأساسي للبعث هو تحريك قوى التاريخ التقدمي في الوطن العربي تحريكاً ثورياً، أي: يحقق من خلال النضال ضد الاستعمار والتجزئة والتخلف خلق أمة عربية واحدة تضمها دولة عربية واحدة، في مجتمع اشتراكي متقدم، تستعمل فيه الجماهير كل طاقاتها وتتمتع بحرياتها، ومنيف الرزاز هو الرجل الثاني بعد ميشيل عفلق.

وقال: ومن هنا كان شعار البعث (وحدة .. حرية .. اشتراكية) ومن هنا كان إيمانه بترابط هذا الهدف ترابطاً موضوعياً، فلا تقوم وحدةٌ مع بقايا الاستعباد والاستغلال في المجتمع العربي الموحد الحر الاشتراكي، ذلك هو هدف البعث.

ويقول ميشيل عفلق وهو يتحدث عن بعض التجارب الوحدوية التي شاركوا فيها وفشلت -مثل الوحدة مع مصر عام (1958م) وغيرها- ويقول: لئن وقعت أخطاء فالوحدة هي أعمق من كل شيء، وهي قادرة على أن تصحح الأخطاء، وما هذا الإصرار والاستعجال في تحقيق خطوة عملية نحو الوحدة إلا دليلٌ على حاجة الأمة إلى أن تشق طريق الوحدة؛ لأنه طريق القوة، والوحدة ما زالت تحتاج إلى جيلٍ يؤمن بها، ويناضل من أجلها، ويتابع رسالته على الأسس الصحيحة على المبادئ الاشتراكية، لكي يجد فيها الشعب ما يطمح إليه، وما زالت تحتاج إلى جيلٍ مؤمن مناضل يخلق وعيها، وينمي نضالها، ويكافح عقلية التجزئة ورواسبها والمصالح الآنية للتجزئة.

إن السبيل إلى جعل الوحدة وحدةً شعبية اشتراكية ديمقراطية هو: الإيمان بها وتبنيها والعمل لها، لا الخوف منها وتركها للصدف والظروف ولا يتم لنا بعثٌ عربيٌ حقيقي إذا لم تتوحد جميع أقطارنا.

فهذا كلام ميشيل عفلق .

فهل تريدون دليلاً على أن كل بعثي تجري في دمائه قضية توحيد الأمة العربية بأي وسيلة أخرى؟ نعم. يقول أيضاً ميشيل عفلق : فكرة الوحدة العربية هي الفكرة الانقلابية بالمعنى الصحيح لا يداهيها في انقلابيتها التحرر من الاستعمار على ما فيه من جدية وقسوة، ولا التحرر الاجتماعي الاشتراكي الذي يصدم في المجتمع أضخم المصالح وأقوى العادات والنظم، ويقول: إذا أردنا أن نجيب على سؤال: ما هي الخطوات العملية نحو الوحدة العربية؟ فجوابنا هو في الدرجة الأولى والأهم هذا الذي ذكرت: النضال الموحد. فالوحدة العربية قبل أن تصل إلى طور التحقيق السياسي والإنشائي يجب أن تبنى في جو النضال، وفي صميم النضال، ولا يجوز لنا أن نغفل في هذه الناحية، وهذا ما يريد السياسيون أن يغفلوه؛ لأنهم لا يريدون الوحدة؛ لأنها تقضي على زعاماتهم، فنحن واضحون جداً في هذه النقطة، الوحدة العربية هي قبل كل شيء، نضال ووحدة في النضال، والنضال: هو المعبر الصحيح عن الأمة، فإننا في النضال نبني أسس حياتنا المقبلة وتزول عوامل الانحطاط والفرقة.

ويقول أيضاً الرزاز : أول ما تتطلب هذه المعركة وهي أولاً وآخراً معركة الوحدة العربية أن نطبق فعلاً وبكل إخلاص وجدية مبدأ الوحدة، وحدة النضال وأن نعتبر العراق اليوم ساحة نضال لجميع العرب.

ويقول: إن استكمال صورة البناء السياسي الاشتراكي للمجتمع لا يمكن أن يتم إلا في إطار الوطن العربي الكبير، ولكن كل خطوةٍ يسيرها القطر نحو البناء الاشتراكي هي خطوةٌ نحو الوحدة العربية.

ولا زال هناك أدلة، لكنني أكتفي بهذه، وإلا فالأدلة كثيرة.

إذاً الهدف الأول من أهداف البعثيين في غزوهم للكويت، هي خطوةٌ في طريق طويل يسعون من خلاله للسيطرة على جميع البلاد العربية.

الهدف الثاني -أيها الأحباب- هو: البحث عن مخرجٍ من الأزمة الاقتصادية الطاحنة في العراق، فـالعراق قد خرج من الحرب مع إيران باقتصادٍ مهلهل، وبلدٍ مدمر وشعبٍ ناقم وجيشٍ متذمر، وكان في أشد الحاجة إلى موارد بعد أن توقف الدعم العربي الذي كان يلقاه من دول الخليج ومن غيرها؛ بسبب توقف الحرب وكان بحاجةٍ إلى مدخلٍ يدخلُ من خلاله أو طريقٍ يحصل من خلاله دعماً اقتصادياً، ورأى بعد أن ظن أن الغرب سيسكت عنه ورتب أموره في ظنه مع العرب بإقامة مجلس التعاون العربي، ورتب أموره أيضاً مع الشارع الإسلامي من خلال بعض المظاهر الإسلامية الكاذبة مثل الجامعة الإسلامية، ومثل المؤتمر الشعبي الإسلامي -ومثل بعض الإعلانات في الوقت المتأخر بعودته إلى الإسلام وقضايا الإسلام- نعم. كل هذا ظناً منه أنه قد رتب أموره دولياً وإسلامياً وعربياً وما عليه إلا أن يخطو هذه الخطوة، خاصةً وقد ضمن للغربيين مصالحهم، وقال: أريد أن أعرف أين هي هذه المصالح؟ وما الذي يريدونه حتى نضمنها لهم؟ فهو أيضاً يبحث عن مخرجٍ اقتصادي، وهنا بعض الوثائق لكنني أخشى أن أطيل الحديث في بحثي عنها.

الهدف الثالث: محاولة إيجاد متنفسٍ للقوة العسكرية الضاربة، صدام حسين قد أوجد هذه القوة بأموال العرب، وأصبح لديه مئات الآلاف، ولديه أسلحة كيماوية ولديه أسلحة جرثومية، ولديه صواريخ، ولديه محاولة إيجاد أسلحة نووية وبواسطة التقنية الغربية والفنيين الغربيين وتحت سمع الغرب وبصره.

وتعلمون -أيها الأحبة- عندما نريد مثلاً هنا في هذا البلد أن نشتري من أمريكا طائرتين أو ثلاثاً تقوم قيامة الكونجرس الأمريكي والإعلام الأمريكي واللوبي اليهودي، والعالم كله وضجة إعلامية، ومثل ما حصل في بريطانيا، وما حصل في ألمانيا، والعراق بنى هذه القوة الهائلة وما سمعنا ضجيجاً وما سمعنا اعتراضاً طوال السنوات الماضية.

إذاً أما كان يراد له أن يبني هذه القوة ليحقق بها أهداف الغرب؟ ويحقق بها أهداف أعداء الإسلام؟ ويستنزف بها أموال المسلمين؟ ويدمر بها العراق والمنطقة كلها، سابقاً ولاحقاً؟ نعم. فهذه القوة العسكرية الضاربة التي كان يهدد بها صدام حسين بأنه سيدمر إسرائيل وعقد مؤتمر القمة في العراق وأعلنت المؤازرة والتأييد لـصدام حسين من جميع حكام العرب، وبعد ذلك بأسبوع أو أسبوعين توجهت قواته لغزو الكويت ، وكانت تريد التقدم إلى أبعد من ذلك، فقال له أسياده: حجمك أصغر من ذلك.


استمع المزيد من الدكتور عوض القرني - عنوان الحلقة اسٌتمع
الإقبال على الله وضوابطه[1-2] 2530 استماع
الإيمان وأثره في الحياه 2019 استماع
العبودية لله 1948 استماع
عقيدة أهل السنة والجماعة في توحيد العبادة (1، 2) 1779 استماع
العبودية لله 1476 استماع
صور من حياة الصحابة 1262 استماع
الاعتدال في المنهج 1126 استماع
سماحة الإسلام 1107 استماع
أسباب التساقط في طريق الهداية 669 استماع
نظرة عقائدية للنظام العالمي الجديد (1، 2) 269 استماع