تفسير سورة طه [130-132]


الحلقة مفرغة

معنى قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون)

قال تعالى: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130].

هذه الآية من الآيات التي جمعت الأمر والحث على الصلوات الخمس في كتاب الله.

قوله: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه:130]:

الله جل جلاله يسلي نبيه عليه الصلاة والسلام ويدعوه للصبر على ما يسمع من قول الكافرين عنه إنه ساحر وكاذب وشاعر ومجنون؛ وحاشاه من كل ذلك، ولكنهم يرون وجوههم وأنفسهم في المرآة فيرون بذلك صورة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصفونه إلا بصفاتهم القائمة فيهم، فدعاه الله جل جلاله للصبر، وكان هذا قبل الإذن بالقتال.

ولا ننسى ونحن في خواتم السورة أن سورة طه مكية، وفي مكة لم يشرع القتال، فلم يكن إلا دعوته للصبر والتحمل إلى أن يبلغ دين الله ولو إلى جماعة، ولكن الواحد من هذه الجماعة كألف، والألف كمليون.

وهكذا ثبت الإسلام عقيدة ونظاماً وحكماً وحلالاً وحراماً، ثبت بأصوله وفروعه عند المهاجرين في مكة، وما كادوا يذهبون إلى المدينة حتى وجدوا الأنصار قد سبقوهم بنصرة رسول الله بالقوة والسيف قبل اللسان، وأعدوا له المقام لينصروه بما ينصرون به أنفسهم وأهلهم وأموالهم وأولادهم، وأن يبذلوا الحياة والأرواح رخيصة في سبيله.

وأما مكة فكان يدعوه الله إلى الصبر؛ ولذلك صبر على الأذى وعلى الشتائم وعلى الهجران، وكان بدوره عليه الصلاة والسلام يمر على أصحابه مثل عمار بن ياسر وأبيه ياسر وأمه سمية وهم يعذبون العذاب النكر، فلا يزيد على أن يقول لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).

وما أذن بالقتال إلا في المدينة إذ نزل قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، إلى آخر الآيات.

معنى قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)

قوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130]:

التسبيح هنا الصلاة؛ لأن الصلاة مشتملة على التسبيح عند السجود، وعند الجلوس، وعند القيام، وعند الوقوف، وعند الركوع، فنحن عندما نقول: الله أكبر فقد سبحنا الله وعظمناه، وجعلناه الأكبر من كل ما يخطر بالبال وتراه العين.

وعندما نقول: الحمد لله رب العالمين نسبحه ونجعل الحمد المطلق الكامل له وحده لا أحد يستحقه معه.

وعندما نركع نقول: سبحان ربي العظيم، فنسبح الله العظيم الأعظم.

وعندما نسجد نقول: سبحان ربي الأعلى، فنسبحه جل جلاله.

ومن هنا يقول تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130]، أي: صلاة الصبح، ووقتها قبل طلوع الشمس، والتسبيح قبل غروب الشمس صلاة العصر.

فاشتملت هذه الفقرة من الآية الكريمة على صلاة الصبح وصلاة العصر، وفي صلاة الصبح وصلاة العصر يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحاح عن جرير بن عبد الله : (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فمن استطاع أن يصلي صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل شروق الشمس فليفعل).

وعن عمارة بن رؤيبة في صحيح مسلم ومسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لازم الصلاة قبل غروب الشمس وقبل طلوع الشمس دخل الجنة).

ومن هنا قال المالكية: الصلاة الوسطى صلاة الصبح، وقال الشافعية: الصلاة الوسطى صلاة العصر، أخذاً من هذه الآية الكريمة، والصلاة الوسطى هي التي قال الله عنها مؤكداً مخصصاً بعد تعميم: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، فأمر بالصلوات كلها ومنها الوسطى، ثم زاد فخصصها وأكدها لمزيد فضلها ووقتها.

وقال البعض: إنها الظهر، ولكن ثبت في صحيح مسلم بما لا يدع مجالاً للشك والريب أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى.

معنى قوله تعالى: (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار)

قوله: وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ [طه:130].

آناء: جمع آن، أي: الساعات والأوقات، وساعات الليل هي صلاة المغرب وصلاة العشاء، فصلاة المغرب تكون بعد غروب الشمس ونهاية النهار فهي من صلوات الليل، وصلاة العشاء كذلك.

ومن هنا يقال عن المغرب والعشاء إنها صلاة الليل، ويدخل في ذلك التهجد وإن كان الأصل هو الصلوات الخمس.

قوله: وَأَطْرَافَ النَّهَارِ [طه:130].

أطراف النهار هي صلاة الظهر، لأن الأطراف: جمع طرف فوقت صلاة الظهر زوال، فتأخذ طرفاً من أول النهار وطرفاً من ثاني النهار.

ومن هنا كانت الأوقات كلها عند الشروق وقبل الشروق وقبل الغروب وعند الزوال وفي بداية الليل وعند غروب الشمس، فعلينا أن نستقبل الكعبة متوجهين إليه جل جلاله نناجيه ونخاطبه جل جلاله بكاف الخطاب المفرد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ونلتزم ذلك في كل ركعة ونحن نناجي الله، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

ولذلك قال أئمتنا وعلماؤنا: هذه الآية شملت الصلوات الخمس، والسنة النبوية هي شرح لكتاب الله وبيان وتفسير، فزادت هذه الآية بياناً عندما نزل جبريل من الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مبيناً له أوقات الصلوات الخمس: الوقت في أوله وفي وسطه وفي آخره، فصلى بالنبي عليه الصلاة والسلام يومين، ففي اليوم صلى به الأول الصلوات الخمس في أول وقتها، وفي اليوم الثاني صلى به الصلوات الخمس في آخر وقتها، ثم قال له عن الله: (هذه أوقات وما بينها أوقات لهذه الصلوات)، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أول الوقت رضوان من الله، ووسطه رحمة من الله، وآخره عفو الله).

وما كان رضاً فهو أكرم وأفضل من الرحمة، وما كان رحمة فهو أفضل وأكرم من العفو، والعفو فيه معنى المؤاخذة كقوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ [التوبة:43]، عفا الله عنك لم أخرت الصلاة إلى آخر الوقت؟ ومع ذلك يعتبر صلى الصلاة في الوقت.

ولكن العلماء والأئمة من سلفنا الصالح كرهوا للإنسان أن يلتزم الصلاة باستمرار في آخر الوقت، وسماها الرسول عليه الصلاة والسلام بالنسبة لصلاة العصر صلاة المنافقين؛ وهي أن الإنسان ينتظر الشمس حتى إذا تضيفت للغروب قام فنقرها نقراً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، أي: يسرع خوفاً من غروب الشمس.

معنى قوله تعالى: (لعلك ترضى)

قوله: لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130].

أي: سبح آناء الليل وساعاته في المغرب والعشاء، وسبح أطراف النهار أي: الظهر، لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130]، وهذه كقوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5].

والمعنى: لعلك تجد من الله ثواباً وأجراً بما يرضيك ويقر عينك، فالتزم هذا في نفسك، وأمر به غيرك من أمتك ابتداء من أهلك إلى آخر مسلم ممن تلقاه وتجتمع به، وأوص بذلك من عايشك واجتمع بك على أن يبلغ ذلك لأهله وأولاده ولمن يدركه بعدك، وهكذا..

قال تعالى: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130].

هذه الآية من الآيات التي جمعت الأمر والحث على الصلوات الخمس في كتاب الله.

قوله: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه:130]:

الله جل جلاله يسلي نبيه عليه الصلاة والسلام ويدعوه للصبر على ما يسمع من قول الكافرين عنه إنه ساحر وكاذب وشاعر ومجنون؛ وحاشاه من كل ذلك، ولكنهم يرون وجوههم وأنفسهم في المرآة فيرون بذلك صورة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يصفونه إلا بصفاتهم القائمة فيهم، فدعاه الله جل جلاله للصبر، وكان هذا قبل الإذن بالقتال.

ولا ننسى ونحن في خواتم السورة أن سورة طه مكية، وفي مكة لم يشرع القتال، فلم يكن إلا دعوته للصبر والتحمل إلى أن يبلغ دين الله ولو إلى جماعة، ولكن الواحد من هذه الجماعة كألف، والألف كمليون.

وهكذا ثبت الإسلام عقيدة ونظاماً وحكماً وحلالاً وحراماً، ثبت بأصوله وفروعه عند المهاجرين في مكة، وما كادوا يذهبون إلى المدينة حتى وجدوا الأنصار قد سبقوهم بنصرة رسول الله بالقوة والسيف قبل اللسان، وأعدوا له المقام لينصروه بما ينصرون به أنفسهم وأهلهم وأموالهم وأولادهم، وأن يبذلوا الحياة والأرواح رخيصة في سبيله.

وأما مكة فكان يدعوه الله إلى الصبر؛ ولذلك صبر على الأذى وعلى الشتائم وعلى الهجران، وكان بدوره عليه الصلاة والسلام يمر على أصحابه مثل عمار بن ياسر وأبيه ياسر وأمه سمية وهم يعذبون العذاب النكر، فلا يزيد على أن يقول لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).

وما أذن بالقتال إلا في المدينة إذ نزل قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، إلى آخر الآيات.

قوله: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130]:

التسبيح هنا الصلاة؛ لأن الصلاة مشتملة على التسبيح عند السجود، وعند الجلوس، وعند القيام، وعند الوقوف، وعند الركوع، فنحن عندما نقول: الله أكبر فقد سبحنا الله وعظمناه، وجعلناه الأكبر من كل ما يخطر بالبال وتراه العين.

وعندما نقول: الحمد لله رب العالمين نسبحه ونجعل الحمد المطلق الكامل له وحده لا أحد يستحقه معه.

وعندما نركع نقول: سبحان ربي العظيم، فنسبح الله العظيم الأعظم.

وعندما نسجد نقول: سبحان ربي الأعلى، فنسبحه جل جلاله.

ومن هنا يقول تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130]، أي: صلاة الصبح، ووقتها قبل طلوع الشمس، والتسبيح قبل غروب الشمس صلاة العصر.

فاشتملت هذه الفقرة من الآية الكريمة على صلاة الصبح وصلاة العصر، وفي صلاة الصبح وصلاة العصر يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحاح عن جرير بن عبد الله : (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فمن استطاع أن يصلي صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل شروق الشمس فليفعل).

وعن عمارة بن رؤيبة في صحيح مسلم ومسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لازم الصلاة قبل غروب الشمس وقبل طلوع الشمس دخل الجنة).

ومن هنا قال المالكية: الصلاة الوسطى صلاة الصبح، وقال الشافعية: الصلاة الوسطى صلاة العصر، أخذاً من هذه الآية الكريمة، والصلاة الوسطى هي التي قال الله عنها مؤكداً مخصصاً بعد تعميم: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، فأمر بالصلوات كلها ومنها الوسطى، ثم زاد فخصصها وأكدها لمزيد فضلها ووقتها.

وقال البعض: إنها الظهر، ولكن ثبت في صحيح مسلم بما لا يدع مجالاً للشك والريب أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى.


استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة طه [113-116] 2253 استماع
تفسير سورة طه [105-112] 2114 استماع
تفسير سورة طه [9-14] 1933 استماع
تفسير سورة طه [56-63] 1919 استماع
تفسير سورة طه [132-135] 1873 استماع
تفسير سورة طه [1-8] 1791 استماع
تفسير سورة طه [63-70] 1620 استماع
تفسير سورة طه [71-76] 1537 استماع
تفسير سورة طه [97-99] 1537 استماع
تفسير سورة طه [99-104] 1409 استماع