خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/1210"> الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/1210?sub=60933"> تفسير سورة طه
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة طه [56-63]
الحلقة مفرغة
قال تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى [طه:56].
يقول الله عن عناد فرعون: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ [طه:56] أي: فرعون.
(آيَاتِنَا كُلَّهَا) الآيات: المعجزات والعلامات على وحدانية الله وقدرته، وقد أتى بها موسى، والتي منها العصا تنقلب حية، واليد تدخل إلى الجيب فتخرج وكأنها الكوكب الدري، والدم والضفادع.. إلى آخر الآيات التسع.
فكل ذلك لم يزد فرعون إلا كفراً وعناداً واستكباراً في الأرض ومكر السيئ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ [طه:56] رآها رأي العين وعاش في واقعها من أول آية، إلى آخر آية وهي شق البحر فرقين وجبلين عظيمين.
فَكَذَّبَ وَأَبَى [طه:56] كذب كل ذلك، وأبى إلا تكذيب موسى في رسالته وفي نبوءته وفي وحيه.
قال: فَكَذَّبَ وَأَبَى [طه:56] ولم يذكر المكذَّب، وأخذ من عموم اللفظ، أي: كذب الآيات التسع وكذب موسى وهارون في كل ما أتيا به من دعوة إلى الله، والأمر بطاعته، واتباع وحيه، والإيمان بالله الخالق، وبالبعث والنشور وبالجنة والنار.
وتلك قضية جميع الرسل منذ آدم إلى خاتمهم نبينا عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فقد أتوا بها مبشرين المؤمن بالجنة، ومنذرين الجاحد بالنار.
فَكَذَّبَ وَأَبَى [طه:56] أبى الإيمان والتصديق وامتنع عنه.
قال تعالى: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا [طه:57].
وهذه عادة الكفرة عندما يعجزون عن البرهان والدليل، فموسى يجادل فرعون ويعلمه ويرشده بالمنطق ورؤيا العين وسماع الأذن وواقع الحال، وإذا بفرعون عندما يعجز عن الأخذ والعطاء والاستدلال بقضايا العقول، إذا به يبهت ويقول له: ما جئت إلا وأنت ساحر تريد الملك والسلطان وإخراجنا من أرضنا والتسلط عليها، واعتبار نفسك ملكاً ورئيساً وعظيماً.
قال فرعون: أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى [طه:57].
يتساءل سؤال المستنكر الجاحد الكافر: يا موسى! هل مجيئك إلينا تريد منه إخراجنا من أرض مصر؟ وكان قد اتخذ نفسه فيها إلهاً من دون الله، وهو قد استغفل قومه، واستخف عقولهم، وما أشبه اليوم بالأمس.
فعندما قال لهم: لا أعلم لكم إلهاً غيري كانت حجته أن قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] وكأن مصر هي العالم كله، فلكونه جعل عليها سلطاناً وحاكماً فترة من الزمن تبعاً لمن سبقه من أب وجد اتخذ ذلك دليلاً على ربوبيته وعلى ألوهيته، وكان سخيف العقل، سخيف الفهم، معرقاً في الكفر والضلال.
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى [طه:57].
أي: نحن علمنا وأدركنا ذلك، فما جئتنا إلا لتخرجنا من الأرض بالسحر، واعتبر كل ما جاء به موسى من عصاً وغيرها سحراً، ولم ذلك؟ لأن مصر اشتهرت منذ القدم بالسحرة، وخاصة في عصر الفراعنة، فقد كانوا يعدون بالآلاف، ولضلاله وذهاب عقله، ولإصراره على الكفر، والجحود عد المعجزات والنبوءات والرسالات الإلهية ضرباً من ضروب السحر والشعوذة.
قوله: فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ [طه:58].
اللام هنا لام القسم، ثم أكد القسم بنون التوكيد الثقيلة، فيحلف فرعون بما يحلف به، ولعله يحلف بنفسه.
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ [طه:58] أي: سنأتي نحن كذلك بسحرنا ونرى من الغالب ومن المغلوب، وهل كل هؤلاء السحرة رسل وأنبياء؟!
فما أنت إلا ساحر منهم، ولعلك كنت كبيرهم وشيخهم!
أي: فالسحر مثل ما أتيت به من معجزات ورسالات ونبوءات، فشبه النور بالظلمة، والهداية بالضلالة، والكفر بالإيمان، وهذا شأن الكافرين قديماً وحديثاً.
ثم عاد فطلب منه: فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى [طه:58].
أي: نحن نعلم أنك ساحر ماهر، وبالسحر تريد أن تخرجنا من أرضنا وتمتلكها، وها نحن سنأتيك بسحر كسحرك، فاضرب معنا موعداً لذلك لتراه بعينك.
وذاك ليخزيه الله ويكسفه على رءوس الخلائق، وليميز قبل غيره بين السحر والوحي، وبين المعجزات والخزعبلات.
والموعد مصدر واسم مكان الوعد والاجتماع الذي يتواعد فيه، وبكل ذلك يصح التفسير.
لا نُخْلِفُهُ [طه:58] أي: لا نتجاوزه، ولا نخرج عنه.
مَكَانًا سُوًى [طه:58] أي: حال كون الموعد مكاناً سواء، بيناً مستوياً لا تلال فيه ولا كدى، مبسوطاً مسطحاً قريباً منا ومنك بحيث إذا حضرته الخلائق يرون جميعاً ما سيحصل من فعلك وفعل السحرة، ليحكموا عن رؤية لا يحجبهم عنها جبل ولا شجر ولا حائط.
يقال: سُوى وسِوى وسواء، والمعنى واحد، مثل: طُوى وطِوى بكسر السين وضمها مقصوراً، فإذا فتحت السين فلا بد من المد، يقال: سواء، أي: المكان الذي للموعد يكون أرضاً مستوية قريبة منا ومنك لا تبعد عنا ولا تبعد عنك، وتكون ظاهرة وواضحة يستطيع أن يرى فيها الرائي والحاضر كل ما يحدث فيها من سحرك وسحرنا.
هكذا يريد فرعون، وإذا بموسى يجيبه لذلك، وقد طلب مهلة أربعين يوماً ليجمع مكره وحيله وسحرته، فوافقه موسى على الموعد والزمن.
قال تعالى: قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه:59].
أراد موسى أن يكون اليوم يوم السحر في نظرهم، ويوم المعجزات في نظر نبي الله موسى ونبي الله هارون.
ويوم الزينة هو يوم عيدهم الذي يتزينون فيه ويكونون عاطلين عن العمل ليحضر جميعهم، ولا يتأخر أحد عن حضور ذلك اليوم ليرى من سيفلح غالباً ومن سيخزى مغلوباً.
وقد قال ابن عباس : كان اليوم يوم عاشوراء، أي: اليوم العاشر من محرم.
وقد ثبت في الصحيح: أن يوم الغلبة كان هذا اليوم، وثبت في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام عندما ذهب للمدينة مهاجراً وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم: لم ذلك؟ قالوا: ذاك يوم نصر الله فيه موسى على فرعون. قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (أنا أحق منكم بموسى)، فصامه وندب الناس إلى صيامه.
وفي السنة التي سيموت فيها عليه الصلاة والسلام أراد مخالفة اليهود الذين يصومون اليوم العاشر فقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر) فأصبحت السنة صيام يوم عاشوراء مع صوم اليوم التاسع قبله مخالفة بذلك لليهود في ذلك العصر، وأما بعد ذلك فلا يعرف لليهود صوم في يوم عاشوراء.
وانفرد المسلمون بصيام هذا اليوم، إذ هو يوم أعز الله فيه الحق وهزم الباطل وخذله، فكان صيامه رمزاً لنصرة الحق ورمزاً لهزيمة الباطل.
قوله: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه:59].
أي: وأن يحشر الناس ويجمعوا، بأن يجمعهم فرعون ويحشدهم ويكتلهم ضحىً، أي: عند طلوع النهار وبعد إشراق الشمس بزمن لتصح الرؤية، ولا يكون ليلاً، ولا تكون عتمة ولا ظلمة فتضيع على الناس الرؤية ويتيهون فلا يدرون هل انتصر نبيا الله الأكرمان موسى وهارون أم السحرة المشعوذون مع ساحرهم الأكبر المشعوذ فرعون؟
قال تعالى: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى [طه:60].
ذهب فرعون فشرع في جمع كيده، فجمع سحرته وجمع ضلاله، وجمع الأفاكين، وجمع المشعوذين والضالين ليحضروا في اليوم الذي عينه موسى، وليكون نصره -كما توهم- على رءوس الخلائق ليعلموا أنه هو الصادق، هكذا توهم وهكذا أوحى له شيطانه.
فتولى فرعون فجمع كيده الذي ظن أنه سيكيد به موسى وهارون وأتباعهما.
قوله: ثُمَّ أَتَى [طه:60].
أي: أتى الموعد، فأتى فرعون ليحضر يوم الموعد، ونُصب له كرسي عال وجاءه سحرته يتمنون عليه الأماني إذا هم انتصروا ماذا سيكون جزاؤهم ومكافأتهم، ووعدهم بأنهم سيكونون من المقربين مع ما سيأخذونه من مال وجاه ومناصب.
فتولى: ذهب، والفاء للتفريع وللعطف المتقارب نسبياً، كان قد تم له جمع كيده وسحره وشعوذته، قيل: جمع اثنين وسبعين ساحراً مع كل ساحر عصي وحبال.
وقيل: بل أربعمائة.
وقال كعب الأحبار : اثنا عشر ألفاً.
وقيل: آلاف لا تكاد تعد ولا تحصى.
جاء كل واحد ومعه عصي وليست عصا واحدة، وحبال وليس حبلاً واحداً؛ ليقذفوها أمام موسى ليرهبوه وليرعبوه وليوهموه أن ما أتى به من آيات ومعجزات هم أيضاً يفعلون مثل ذلك.
أتى فرعون يرأس حفله ومواكب شعوذته وسحره، ونصب له كرسي بحيث يرى الناس كلهم ويرونه، فعندما جاء وإذا بموسى نبي الله قد حضر فلم يخلف الموعد، وحضرت خلائق مصر إذ ذاك كلها بحيث ضاقت بهم الأرض، فلا يكاد يرى الناس على مد البصر إلا خلقاً، وبينهم السحرة المشعوذون، واصطفوا صفاً واحداً.
وفي الجانب المقابل رسول الله موسى وأخوه هارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإذا بموسى وهو نبي الله، وهو الداعية إلى الله، ولا يليق بنبي أن يحضر محضراً كهذا كله ظلمة وضلال وكفر إلا ويبتدئه بكلمة يدعو فيها إلى الله، ويحذر هؤلاء من الكذب والضلال ويحضهم على الصدق والإيمان.
سكت موسى أولاً وقد تم الجمع، فلا تسمع بينهم إلا همساً، فكل كلمة تقال تسمعها الآذان وتسجلها القلوب والأفئدة، وترى الحواس كلها مشرئبة لترى من المنتصر ومن المنهزم.
وإذا بموسى في مثل هذا الوقت يقول لهم: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [طه:61] دعا عليهم بالويل، والويل هو النهر من قيح وصديد في جهنم.
أي: يا ويلكم يا هؤلاء السحرة ويا مصيبتكم إذا بقيتم على الكذب على أنفسكم وعلى الناس، فالويل في جهنم ينتظركم. والخطاب للسحرة ولمن جاء، وهو فرعون وهامان .
قال تعالى: قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه:61].
لا تَفْتَرُوا [طه:61] لا تكذبوا، ولا تخترعوا القول عن غير وجود ثابت.
لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [طه:61] لا تسحروا الناس وتوهموهم باطلاً حقيقة، وتزعموا الحق باطلاً والباطل حقاً.
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ [طه:61] فيسحقكم بعذابه ويستأصلكم، فيذهب فرعون وقومه في الأمم البائدة المنتهية كما حدث من بعد.
وقيل: فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ [طه:61] أي: يمكن منكم أعداءكم فيقتلون ويشردون ويصادرون ويستعبدون، ثم يمحقكم في النار كلما نضجت جلودكم بدلناها جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه:61] ليس للمفتري وللكاذب إلا الخيبة والرجوع بخفي حنين، أي: بالهزيمة الساحقة، وبالذل والهوان على رءوس الملأ ورءوس الخلائق.
فموسى نبي الله ما أراد أن يبدأ عمله ويلقي عصاه إلا بعد أن ينصحهم ويدعوهم إلى الله، فإن أبوا فيكون ذلك عن علم، فيسحتون ويسحقون بالعذاب.
وقرئ في السبع: (يسحتكم) ثلاثي ورباعي، والمعنى واحد، والسحت السحق والاستئصال. أي: يأتي عليهم من أصولهم بحيث لا يبقى أصل ولا فرع، فإذا ذهب من الشجرة أصلها واجتث ماتت فروعها وذبلت، وهكذا إذا قتل الرجال وقتل النساء واستعبد الأولاد فالنهاية الاستئصال والإبادة الكاملة، فهذا الذي حدث لهم بعد ذلك.
قال تعالى: فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى [طه:62].
بعد أن قال لهم موسى هذا الكلام تنازعوا فيها بينهم وتشاجروا وتخاصموا، وأسروا النجوى لكيلا يسمعها فرعون خوفاً منه، ولكيلا يسمعها الناس فيفرون، فقالوا في ما قالوه في النزاع: ليس هذا الذي قاله موسى بكلام ساحر، وما السحر إلا الكذب والشعوذة، فما باله يتكلم عن الكذب والافتراء على الله، ما هذه إلا نبرة نبي ودعوة نبي وليس ذلك بكلام مشعوذ ولا ساحر.
والنجوى اسم للمنجاة أو مصدر، والمعنى واحد، أي: تناجوا فيما بينهم سراً بحيث لا يسمعهم الناس وهم يتشاجرون ويتنازعون ويتخاصمون، يقول البعض: إن انتصر موسى كنا أتباعه وآمنا بدعوته.
وبعضهم يقول: لن ينتصر، ما هو إلا ساحر مثلنا، وكيف يمكن ذلك؟
فيقول آخرون: ليس الأمر كما تقولون، فليس من شأن الساحر أن يدعو إلى الله وينفر من الكذب عليه ويخوفكم من عذاب الله وسوء العاقبة.
وقد قيل: إن المناجاة التي كانت بينهم هي ما يقول الله في هذه الآية: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ [طه:63] وكأن الله قد كشف نجواهم.
فقولهم: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [طه:63].
قالوا: وليس هذان -أي: موسى وهارون- إلا ساحران، أي: هما مثلنا في الشعوذة يرون الناس ما لم يروه ويسترهبونهم بما يأتون.
فقولهم: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [طه:63] تأكيد لما قال فرعون، والناس على دين ملوكهم.
مِنْ أَرْضِكُمْ [طه:63] أي: من مصر، أي: أن يطردا من كان على دين فرعون وعبادة فرعون وتأليه فرعون.
وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى [طه:63].
أي: ويذهبا بدينكم الأمثل، وأنث (المثلى) مراعاة للطريق، وهي مؤنثة من حيث اللفظ والمعنى، يقال: عمل أمثل، وطريقة مثلى، أي: أن يذهبوا بدينكم الأفضل من دينهم، وطريقتكم الأمثل والأفضل من طريقتهم.
هكذا أوحى لهم شيطانهم، وهكذا أكدت لهم وثنيتهم، فهؤلاء تناجوا بذلك ليأخذوا به قوة وليردعوا من تردد وضعف.
وقد قرئ في السبع، بل وهو المشهور في القراءة: (إنَّ هذان لساحران)، فإن: تنصب الاسم وترفع الخبر، ولكن هنا في الآية الكريمة لم تنصب المثنى, ولو نصبته لقيل فيه: إن هذين لساحران.
وقد خرج بعضهم الآية على أن (إنّ) هنا ليست (إنّ) المؤكدة، بل معناها هنا: نعم. ومن عادة العرب في جاهليتها وإسلامها، وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا ابتدأ في الكلام يقول: نعم. ثم يتحدث.
وفي زوائد عبد الله بن أحمد على مسند أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الكثيرين من الصحابة كان يخطب ويقول: إن الحمدُ لله) أي: نعم، الحمد لله.
وجاء رجل إلى عبد الله بن الزبير وهو خليفة على الحجاز وأرض الإسلام كلها إلا الشام، فطلبه شيئاً فمنعه منه، فقال له هذا الشاعر: لعن الله راحلة نقلتني إليك، فأجابه ابن الزبير : إنّ وصاحبها. أي: نعم وصاحبها؛ لأنك جئت تطلب ما ليس لك وليس لي، حيث جئت تطلب مال غيرك من بيت مال المسلمين.
وقد روي في الشعر العربي الفصيح:
بكر العواذل في الصبا ح يلمنني وألومهنّهْ
ويقلن شيئاً قد علا ك وقد كبرت فقلت إنّهْ
والعواذل: من يتغزل بهن، فأخذ يلومهن ويلمنه، فهو يقول: لا زالت في بقية، وهن يقلن له: لا، لقد كبرت وأصبحت ذا شيب ولا يطلب مثل ذلك الغواني.
قوله: (فقلت إنه) أي: نعم، ولم ينكر ذلك. فهذه رواية، ويصح المعنى بها.
فتكلم هؤلاء السحرة وهم يتناجون ويقولون عن موسى: ما به إلا أن يخرجنا من أرضنا ويذهب بديننا، فنعم هذان لساحران، أي: كما يقول فرعون سيدهم ومربوبهم المزيف الباطل.
وقيل: (إنَّ) إذا دخلت على المثنى تعطل عن العمل ويبقى المثنى مرفوعاً حالة النصب وحالة الرفع وحالة الجر، وهي لغة فصيحة عند الكثير من قبائل العرب، ورووا في ذلك قولهم:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
وكان ينبغي أن يقال: إن أباها وأبا أبيها.