تفسير سورة طه [113-116]


الحلقة مفرغة

معنى قوله تعالى: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً)

قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113]:

أنزل القرآن بلغة العرب وبأساليبهم وبقواعدهم وبمفرداتهم، ومن هنا لم تبق اللغة العربية لقوم من الناس خاصة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من تعلم العربية فهو عربي، ليست العربية لكم بأب ولا أم، وإنما هي لسان).

ومن هنا اعتبرت بلاد المغرب التي تتكلم العربية عربية، ومصر عربية، والعراق عربية، بل وكل شخص نطق العربية فهو عربي، والأصل آدم أباً وحواء أماً، وما اللغات واللهجات إلا أداة للتعبير عما يجول في النفس.

قوله: وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ [طه:113].

أي: بينا وأوضحنا وفصلنا، وهو الإيعاد والنذارة والتهديد لمن لم يؤمن بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وما كانت البشارة إلا بالقرآن العربي، وما كانت النذارة إلا بالقرآن العربي، بل وفي العصور الأولى الثلاثة الفاضلة نجد معارف الإسلام كان أكثر من قام بها وتخصص فيها من غير العرب، فنجد الكتب الستة التي أثبتت السنة مغربلة مصححة، بعيدة عن الكذبة والكاذبين، أعني: صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة وسنن النسائي؛ إنما صنفها رجال من غير العرب.

بل اللغة العربية اهتم بقواعدها وأحكامها سيبويه وألف كتابه (الكتاب)، وهو غير عربي، وتفسير محمد بن جرير الطبري يعتبر أعظم تفسير للقرآن، ومؤلفه ليس من العرب.

وهكذا في علوم القرآن، وعلوم السنة، ونجد في المذاهب الأربعة مذهباً وسع الدنيا وحكمها قروناً بعد قرون، -أعني مذهب أبي حنيفة - وما كان في الأصل إلا فارسياً.

ولم كل ذلك؟

لأنهم آمنوا بالله رباً وبكتابه وحياً؛ وقد نزل بالعربية، وأن الإسلام ينبغي أن يكون كذلك؛ لأنه لا يتم فهمه ولا تعلمه ولا دراسته إلا باللغة التي أنزله الله بها، فتعلموها منذ الصغر، وأصبحوا عرباً كبقية العرب؛ لأنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العربية ليست لكم بأب ولا أم وإنما هي لسان).

بل إن إسماعيل الجد الأعلى لنبينا عليه الصلاة والسلام أتى به إبراهيم من العراق -أرض بابل- طفلاً صغيراً، وفي الأصل لم يكن عربياً، فجاء إلى مكة ونشأ بين جرهم من قبائل العرب، فاستعرب وأصبح من سادة العرب وفصحائهم، وبعد قرون أصبحت العربية لغة منتشرة واسعة، وصارت أوسع اللغات على الإطلاق، وما كتب فيها يعد بآلاف المجلدات، ولا يزال إلى الآن كتابٌ جامع في لغتها يسمى (السماء والعالم) لـأحمد بن أبان في مائة مجلد، ولا يزال موجوداً في المكاتب وخاصة في مكاتب المغرب، وكله في لغة العرب ودقائقها وتعابيرها.

وما لسان العرب المطبوع لـابن منظور الإفريقي الذي طبع في عشرين مجلداً ضخماً إلا دليل على أن هذه اللغة أوسع اللغات، ولا يضرها تنكر من تنكر لها من قومها أو غيرهم، فعندما يحارب شيئاً فإنما يحارب ما يتعلق به، فحرب العربية حرب للإسلام، ومجابهة العربية مجابهة للنبي العربي صلى الله عليه وسلم.

معنى قوله تعالى: (وصرفنا فيه من الوعيد)

وقوله: وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113].

بين الله هذا الكتاب العربي وفصله وأوضحه مجملاً ومفصلاً، وأوعد به من لم يؤمن به من جميع الناس، عربهم وعجمهم، وأنذرهم بالنار خالدين فيها، وأنذرهم باللعنة والطرد من الرحمة إن لم يؤمنوا بهذا الكتاب أنه وحي من الله، ويؤمنوا بهذا النبي العربي الهاشمي رسولاً.

فقوله: وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [طه:113].

أي: صرف الله في القرآن للناس وبين وأوضح لعلهم يتقون الذنوب والمعاصي والفواحش فلا يرتكبونها ولا يقربونها بحال، ويجعلون بينهم وبين المعاصي وقاية وحاجزاً، ويقومون بما أمر الله به من توحيده وطاعته وطاعة نبيه، وما أمر به من عبادات، وحسن معاملة، ومن صلة أرحام، وإحسان للمسلمين، والوقوف يداً واحدة في وجوه أعداء الله وأعداء رسوله والإسلام.

قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113].

المعنى: لعلهم يرعوون ويعودون إلى الله تائبين منيبين، ويحدث لهم ذكر، والذكر الشرف، أي: يحدث لهم شرف الطاعة والإيمان، وشرف اليقين، وشرف العبودية لله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:44] أي: شرف لك أن الله جل جلاله اختارك للرسالة العامة، ولقومك أنهم كانوا جندك وأنصارك والمهاجرين معك، والذين بذلوا أنفسهم لأجل الإسلام.

مات صلى الله عليه وسلم والإسلام لم يخرج بعد من جزيرة العرب، وما خرج وفتحت الدنيا إلا على يد أصحابه من المهاجرين والأنصار، فكان محمد رسول الله إلى العرب والناس كافة، وكان أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه رسل رسول الله إلى غير العرب.

وما مات صلى الله عليه وسلم وذهب للرفيق الأعلى حتى كان العرب جميعاً قد أسلموا، ولم يبق منهم كافر، ومن جاء بعد وزعم أنه نصراني أو يهودي فقد كذب، لأن هؤلاء قوم كانوا من أجناس أخرى فتعلموا العربية وأصبحوا يقولون إنهم عرب بلا دين بلا إسلام، وهم كذابون.

أما عمر فقد فتح الشام وفتح العراق وفتح مصر وفتح المغرب وفتح بلاد فارس، حيث بشر النبي صلى الله عليه وسلم في حياته عندما مزق كسرى رسالة النبي عليه الصلاة والسلام: (مزق الله ملكه كما مزقها، لا فارس بعد فارس، ولا كسرى بعد كسرى).

وهكذا ما كادت تمضي سنوات على الوفاة النبوية ويأتي عبقري الخلفاء الفاروق عمر حتى خضعت فارس للإسلام، فلم يبق فيها إلا مسلم أو ذمي، وبقيت هكذا وإلى عصرنا، فهي ولاية من ولايات المسلمين، وجزء من العالم الإسلامي.

قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113]:

أنزل القرآن بلغة العرب وبأساليبهم وبقواعدهم وبمفرداتهم، ومن هنا لم تبق اللغة العربية لقوم من الناس خاصة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من تعلم العربية فهو عربي، ليست العربية لكم بأب ولا أم، وإنما هي لسان).

ومن هنا اعتبرت بلاد المغرب التي تتكلم العربية عربية، ومصر عربية، والعراق عربية، بل وكل شخص نطق العربية فهو عربي، والأصل آدم أباً وحواء أماً، وما اللغات واللهجات إلا أداة للتعبير عما يجول في النفس.

قوله: وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ [طه:113].

أي: بينا وأوضحنا وفصلنا، وهو الإيعاد والنذارة والتهديد لمن لم يؤمن بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وما كانت البشارة إلا بالقرآن العربي، وما كانت النذارة إلا بالقرآن العربي، بل وفي العصور الأولى الثلاثة الفاضلة نجد معارف الإسلام كان أكثر من قام بها وتخصص فيها من غير العرب، فنجد الكتب الستة التي أثبتت السنة مغربلة مصححة، بعيدة عن الكذبة والكاذبين، أعني: صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة وسنن النسائي؛ إنما صنفها رجال من غير العرب.

بل اللغة العربية اهتم بقواعدها وأحكامها سيبويه وألف كتابه (الكتاب)، وهو غير عربي، وتفسير محمد بن جرير الطبري يعتبر أعظم تفسير للقرآن، ومؤلفه ليس من العرب.

وهكذا في علوم القرآن، وعلوم السنة، ونجد في المذاهب الأربعة مذهباً وسع الدنيا وحكمها قروناً بعد قرون، -أعني مذهب أبي حنيفة - وما كان في الأصل إلا فارسياً.

ولم كل ذلك؟

لأنهم آمنوا بالله رباً وبكتابه وحياً؛ وقد نزل بالعربية، وأن الإسلام ينبغي أن يكون كذلك؛ لأنه لا يتم فهمه ولا تعلمه ولا دراسته إلا باللغة التي أنزله الله بها، فتعلموها منذ الصغر، وأصبحوا عرباً كبقية العرب؛ لأنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العربية ليست لكم بأب ولا أم وإنما هي لسان).

بل إن إسماعيل الجد الأعلى لنبينا عليه الصلاة والسلام أتى به إبراهيم من العراق -أرض بابل- طفلاً صغيراً، وفي الأصل لم يكن عربياً، فجاء إلى مكة ونشأ بين جرهم من قبائل العرب، فاستعرب وأصبح من سادة العرب وفصحائهم، وبعد قرون أصبحت العربية لغة منتشرة واسعة، وصارت أوسع اللغات على الإطلاق، وما كتب فيها يعد بآلاف المجلدات، ولا يزال إلى الآن كتابٌ جامع في لغتها يسمى (السماء والعالم) لـأحمد بن أبان في مائة مجلد، ولا يزال موجوداً في المكاتب وخاصة في مكاتب المغرب، وكله في لغة العرب ودقائقها وتعابيرها.

وما لسان العرب المطبوع لـابن منظور الإفريقي الذي طبع في عشرين مجلداً ضخماً إلا دليل على أن هذه اللغة أوسع اللغات، ولا يضرها تنكر من تنكر لها من قومها أو غيرهم، فعندما يحارب شيئاً فإنما يحارب ما يتعلق به، فحرب العربية حرب للإسلام، ومجابهة العربية مجابهة للنبي العربي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113].

بين الله هذا الكتاب العربي وفصله وأوضحه مجملاً ومفصلاً، وأوعد به من لم يؤمن به من جميع الناس، عربهم وعجمهم، وأنذرهم بالنار خالدين فيها، وأنذرهم باللعنة والطرد من الرحمة إن لم يؤمنوا بهذا الكتاب أنه وحي من الله، ويؤمنوا بهذا النبي العربي الهاشمي رسولاً.

فقوله: وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [طه:113].

أي: صرف الله في القرآن للناس وبين وأوضح لعلهم يتقون الذنوب والمعاصي والفواحش فلا يرتكبونها ولا يقربونها بحال، ويجعلون بينهم وبين المعاصي وقاية وحاجزاً، ويقومون بما أمر الله به من توحيده وطاعته وطاعة نبيه، وما أمر به من عبادات، وحسن معاملة، ومن صلة أرحام، وإحسان للمسلمين، والوقوف يداً واحدة في وجوه أعداء الله وأعداء رسوله والإسلام.

قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه:113].

المعنى: لعلهم يرعوون ويعودون إلى الله تائبين منيبين، ويحدث لهم ذكر، والذكر الشرف، أي: يحدث لهم شرف الطاعة والإيمان، وشرف اليقين، وشرف العبودية لله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف:44] أي: شرف لك أن الله جل جلاله اختارك للرسالة العامة، ولقومك أنهم كانوا جندك وأنصارك والمهاجرين معك، والذين بذلوا أنفسهم لأجل الإسلام.

مات صلى الله عليه وسلم والإسلام لم يخرج بعد من جزيرة العرب، وما خرج وفتحت الدنيا إلا على يد أصحابه من المهاجرين والأنصار، فكان محمد رسول الله إلى العرب والناس كافة، وكان أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه رسل رسول الله إلى غير العرب.

وما مات صلى الله عليه وسلم وذهب للرفيق الأعلى حتى كان العرب جميعاً قد أسلموا، ولم يبق منهم كافر، ومن جاء بعد وزعم أنه نصراني أو يهودي فقد كذب، لأن هؤلاء قوم كانوا من أجناس أخرى فتعلموا العربية وأصبحوا يقولون إنهم عرب بلا دين بلا إسلام، وهم كذابون.

أما عمر فقد فتح الشام وفتح العراق وفتح مصر وفتح المغرب وفتح بلاد فارس، حيث بشر النبي صلى الله عليه وسلم في حياته عندما مزق كسرى رسالة النبي عليه الصلاة والسلام: (مزق الله ملكه كما مزقها، لا فارس بعد فارس، ولا كسرى بعد كسرى).

وهكذا ما كادت تمضي سنوات على الوفاة النبوية ويأتي عبقري الخلفاء الفاروق عمر حتى خضعت فارس للإسلام، فلم يبق فيها إلا مسلم أو ذمي، وبقيت هكذا وإلى عصرنا، فهي ولاية من ولايات المسلمين، وجزء من العالم الإسلامي.

قال تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].

الله جل جلاله ينزه نفسه، ويعلمنا أن نقدسه ونعظمه، ونعرف مقامه وجلاله، بعد أن ذكر كفر الكافرين ممن أشرك مع الله وعبد العجل، وعبد الحيوان، وعبد الملك، وعبد الجن، وعبد الإنس، وجعل الآلهة ثلاثة، أو اثنين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وقال الله بعد قصه لذلك: فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [طه:114].

أي: تعالى عن شركهم، وتقدس عن كفرهم وجحودهم، فهو الملك الحق الذي لا ملك معه، وما الملك في الأرض إلا عارية تزول عما قريب، فالملوك جاءوا من التراب ويذهبون إلى التراب وكأنهم لم يكونوا، ولكن الله ملك الملوك الدائم الحق القيوم هو ملك الدنيا وملك الآخرة، ولذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم: (أخنع الأسماء رجل تسمى ملك الملوك) أي: أذل الأسماء وأحقرها هذا العبد الذي يحاول أن يسمي نفسه باسم الله، فيكون ذليلاً في الدنيا، حقيراً في الآخرة معذباً.

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [طه:114]:

هو جل جلاله الحق في ذاته، والحق في صفاته، والحق في أفعاله، والحق جل جلاله في أسمائه الحسنى، وما أتى به الحق، وما تكلم به الحق، فالنار حق، والجنة حق، وعذاب القبر حق، والعرض على الله حق، ولذلك كان من أسماء الله الحسنى الحق، فيتسمى العبد باسم: عبد الحق.

قوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه:114]:

فقد كان عليه الصلاة والسلام عندما ينزل عليه جبريل بآية أو آيات يسابق جبريل فيتلو تلك الآية معه، كما قال الله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16].

فكان يعجل عليه الصلاة والسلام حرصاً منه على عدم نسيان آية من الآيات، وحرصاً منه على حفظها منذ نزول الوحي عليه من جبريل عن الله، فقول الله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ [طه:114]، معناه: لا تعجل بتلاوته حال نزول الوحي عليك.

فالله جل جلاله نهاه عن ذلك، وتكفل وتعهد بأن ما يريد جمعه عليه الصلاة والسلام من القرآن وعدم نسيانه وتفلته وحفظه ووعيه أن مهمة ذلك على الله، أي: دع الأذن تسمع، ودع الحواس مع الوحي وقت نزوله، ولا تعد ذلك ولا تكرره إلا بعد أن ينتهي جبريل من بلاغك ما أمر بتبليغه، وفي هذه الحالة تعهد الله لك بجمعه في صدرك، وبقراءته من لسانك ليجمعه غيرك من أتباعك من المهاجرين والأنصار ومن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة، وليحفظوه وليقرءوه، وقد قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه:114].

أي: الوحي الذي أوحى الله إليك بواسطة جبريل عليه وعلى نبينا السلام.

قوله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].

ومعنى ذلك: أن العبد لا يستغني عن طلب العلم مدة حياته، فقد كان نبينا أعلم الخلق على الإطلاق ملائكة ونبيين، إنساً وجناً، ومع ذلك لا يزال في حاجة إلى التعلم فيطلب ربه أن يقول له: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].

وهكذا كان، فلقد روي في الأحاديث المستفيضة المتواترة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينزل عليه الوحي متتابعاً إلى وفاته، وهو يعي ويحفظ ويزداد علماً، وفي سنن الترمذي وابن ماجة ومسند البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو الله ويقول: (اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما لم أعلم، وزدني علماً، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار)، فكان يقول هذا امتثالاً لأمر ربه عندما قال له: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].

وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام محتاجاً إلى أن يطلب المزيد من العلم إلى ساعة وفاته فكيف بنا نحن، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم من المهد إلى اللحد)، أي: لا نهاية لطلب العلم، بل الإنسان وهو عالم، وهو مؤلف، وهو كاتب، وهو خطيب يزداد بذلك علماً لم يطلبه ولم يتعلمه ساعة الطلب، فهو في كل يوم في جديد من المطالعة والفهم والاستنباط، وجديد من المذاكرة، وهكذا إلى لقاء الله، وليس للعلم حدود، فالنبي عليه الصلاة والسلام يعلمه ربه، وقد أمره بأن لا يعجل في قراءة القرآن قبل أن يقضى إليه وحيه؛ علمه أن يقول: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114].

وهكذا كان عليه الصلاة والسلام كل يوم في مزيد، بل كل ساعة في مزيد من العلم، ولذلك نحن نجد السنة النبوية في المدينة المنورة كانت أوسع وأشمل وأعم؛ لأن الوحي تتابع إلى المدينة وكثر وقوي فضم إلى علم مكة.