من فضائل الحمد
مدة
قراءة المادة :
15 دقائق
.
من فضائل الحمدالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فقال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 2 - 7]، آمين.
قوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، وهو الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل بجميع الوجوه[1].
قال الجرجاني رحمه الله: الحمد هو الثناء على الجميل من جهة التعظيم من نعمة وغيرها[2]، وقال ابن القيم: الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه[3].
والحمد نقيض الذم، يقول: حمدت الرجل أحمده حمدة ومحمدة، فهو حميد ومحمود.
والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعم من الشكر.
والمحمد الذي كثُرت خصاله المحمودة، والحمد والشكر متقاربان والحمد أعمهما؛ لأنك تحمد الإنسان على صفاته الذاتية وعلى عطائه، ولا تشكره على صفاته، والتحميد حمدك الله مرة بعد مرة[4].
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: «وإن سألت عن حمده فهو الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها وأحسنها.
والمستحق لكل حمد ومحبة وثناء لكمال أوصافه وجميل معروفه وهباته وعدله، ولما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفة الجمال والجلال، لما أنعم به على خلقه من النعم الجزال التي لا يمكن للعباد إحصاؤها، ويتعذر عليهم استقصاؤها»[5].
«ولهذا حمد نفسه على ربوبيته الشاملة لذلك كله، فقال سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، وحمد نفسه على إنزال كتابه فقال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، وحمد نفسه على خلق السماوات والأرض، فقال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [الأنعام: 1]، وحمد نفسه على كمال ملكه، فقال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [سبأ: 1].
وقال: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 17، 18].
وكيف لا يحمد على خلقه كله وهو: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7]، وعلى صنعه وقد أتقَنه: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88].
وعلى أمره وكله حكمة ورحمة وعدل ومصلحة، وعلى نهيه وكل ما نهى عنه شر وفساد، وعلى ثوابه وكله رحمة وإحسان، وعلى عقابه وكله عدل وحق»[6].
والله تعالى افتتح الخلق بالحمد، وختم أمر هذا العالم بالحمد، فقال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]، وقال: ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75].
فحمده ملأ الزمان والمكان والأعيان، وعم الأحوال كلها، فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، وله الحمد في الآخرة؛ لأن في الآخرة يظهر من حمده، والثناء عليه، ما لا يكون في الدنيا، فأهل الجنة، يرون من توالي نعم الله، وإدرار خيره، وكثرة بركاته، وسعة عطاياه، التي لا يبقى في قلوب أهل الجنة أمنيةٌ، ولا إرادة، إلا وقد أعطى منها كُل واحدٍ منهم فوق ما تمنى وأراد، بل يُعطون من الخير ما لم تتعلق به أمانيهم، ولا يخطر بقلوبهم.
فما ظنُّك بحمدهم لربهم في هذه الحال، مع أن في الجنة تضمحل العوارض والقواطع التي تقطع عن معرفة الله، ومحبته، والثناء عليه، ويكون ذلك أحب إلى أهلها من كل نعيمٍ، وألذ عليهم من كل لذةٍ.
هذا إذا أضفت إلى ذلك أنه يظهر لأهل الجنة في الجنة كلَّ وقتٍ، من عظمة ربهم، وجلاله، وجماله، وسعة كماله، ما يوجب لهم كمال الحمد والثناء عليه[7].
وتفاصيل حمده وما يُحمد عليه لا تحيط بها الأفكار، ولا تحُصيها أقلام الدنيا «وأوراقها، ولا قوى العباد، وتقصر بلاغات الواصفين عن بلوغ كُنهها، وتعجز الأوهام عن الإحاطة بالواحد منها، وإنما هو التنبيه والإشارة»[8].
وفضائل الحمد كثيرة في السنة أذكر بعضًا منها:
1- روى البخاري في الأدب المفرد من حديث الأسود بن سريع رضي الله عنه قال: كنت شاعرًا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني مدحت ربي بمحامد، قال: «أَمَا إِنَّ رَبَّكَ عَز وَجَل يُحِبُّ الْحَمْدَ»[9]، فهو سبحانه وتعالى حميد يحب الحمد، ويحب من يحمده، وحمده لنفسه أعظم من حمد العباد له، ويحب من يثني عليه وثناؤه على نفسه أعظم من ثناء العباد عليه.
2– روى أبو يعلى في مسنده من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْحَمْدِ»[10]، وحمده يتضمن أصلين: الإخبار بمحامده وصفات كماله والمحبة له عليها.
وهو تعالى كما يجب أن يعبد، يحب أن يحمد ويُثنى عليه، ويُذكر بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى[11].
3- روى الترمذي في سننه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ»[12].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فسمى الحمد للَّه دعاءً، وهو ثناء مَحض؛ لأن الحمد متضمن الحب والثناء، والحب أعلى أنواع الطلب، فالحامد طالب للمحبوب، فهو أحق أن يسمى داعيًا من السائل الطالب، فنفس الحمد والثناء متضمن لأعظم الطلب، فهو دعاء حقيقة، بل أحق أن يسمى دعاء من غيره من أنواع الطلب الذي هو دونه»[13].
4– روى ابن ماجه في سننه من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ، إِلا كَانَ الذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِما أَخَذَ»[14]، فالعبد أعطى الحمد، والحمد نفسه نعمة من الله عليه ولولا توفيق الله وأعانته، لما قام بحمده، فنعمة الله على عبده بتوفيقه للحمد أفضل من نعمة الله عليه بالصحة والعافية والمال ونحو ذلك، والكل نعمة الله.
قال ابن القيم رحمه الله: «فنعمة الشكر أجل من نعمة المال والجاه والولد والزوجة[15]، ونحوها».
5- روى الإمام أحمد في مسنده من حديث مطرف قال: «قال عمران بن حصين رضي الله عنه: إني لأحدثك بالحديث اليوم لينفعك الله به بعد اليوم، اعلَم أن خير عباد الله يوم القيامة الحمادون»[16].
قال السندي رحمه الله: «الحمادون: أي الذين يكثرون الحمد لله تعالى في كل حال، فإن من فضيلة الحمد الرضا عنه تعالى في كل حال»[17].
6– روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»[18].
7– روى الترمذي في سننه من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ[19]، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»[20].
8– روى النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ، وَمَنْ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَمَنْ قَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ) مِائَةِ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ مِائَةَ رَقَبْةَ، وَمَنْ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيِرٌ) مِائَةَ مَرَّةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، لَمْ يَجِئْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدٌ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِهِ إِلَّا مَنْ قَالَ قَوْلَهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ»[21].
ومما يدل على فضل الحمد وأنه من تمام نعيم أهل الجنة قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 9، 10].
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ أَهْلَ الجَنةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا، ويَشْرَبُونَ، وَلَا يَتفُلُونَ، وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، ولَا يَمْتَخِطُونَ»، قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ، وَرَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ، وَالْتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ»[22].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص2300).
[2] التعريفات (93).
[3] بدائع الفوائد (2/ 536).
[4] النهج الأسمى في شرح أسماء اللَّه الحسنى للنجدي (2/ 55).
[5] فتح الرحيم الملك العلام (ص30) بتصرف.
[6] شفاء العليل لابن القيم رحمه الله (1 /221).
[7] تيسير الكريم الرحمن (ص942).
[8] طريق الهجرتين (ص250) بتصرف.
[9] برقم (859) وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد برقم (660).
[10] برقم (4256)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (4 /404) برقم (1795).
[11] فوائد الفوائد (ص31) بتصرف.
[12] برقم (3383)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي برقم (2694).
[13] مجموع الفتاوى (15/ 19).
[14] برقم (3805)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (3067).
[15] عدة الصابرين (ص169).
[16] (33/125) برقم (19895)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[17] حاشية المسند (33/ 127).
[18] برقم (223).
[19] القيعان: الأرض السهلة المطمئنة المستوية.
[20] برقم (3462)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم (105).
[21] برقم (821)، وخرجه الترمذي برقم (3471)، وحسنه الشيخ عبداللَّه السعد في كتابه الدعوات والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة (ص50).
[22] برقم (2835).
انظر: الأسماء الحسنى والصفات العلى لأخينا الشيخ عبدالهادي وهبي (ص87 – 95)، فقد أجاد وأفاد،
وانظر: فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبدالرزاق البدر (ص215 – 218)، ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمجموعة من المختصين (5 /1753 – 1781).