خطب ومحاضرات
صور من حياة الصحابة
الحلقة مفرغة
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تقدست أسماؤك، وتعالت صفاتك، ولا إله إلا أنت سبحانك، سبحانك اللهم وبحمدك عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، نشهد أن لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك، وصفيك من خلقك وخليلك، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
أيها الإخوة المؤمنون: نحن أمةٌ قد أشاد الله بذكرها في كتابه الكريم، وتفضل عليها حين جعل قائدها حبيبه من العالمين، وزاد في الفضل والنعمة حين أنزل لها وحيه نهجاً لها في هذه الحياة، ومنهاجاً وطريقاً وشرعاً، أمةٌ جعلها الله سبحانه وتعالى، شاهدةً على الأمم، وقائدةً ورائدةً للأمم.
أمةٌ هذا شأنها لا شك أن تاريخها سيكون مليئاً بالصور المضيئة في هذه الحياة، ونحن في أشد الحاجة في هذا الزمن إلى أن ننقب في تاريخ أمتنا، ونخرج لأجيالنا ما فيه من صور مضيئة، ونقول لدعاة التغريب ودعاة التجهيل والجاهلية لأجيال الأمة وشبابها، نقول: إن في أمتنا لأجيالنا وشبابنا ورجالنا أسوة وقدوة، وضياءٌ وضوء، ونورٌ وهدىً وتقى، وإن في أمتنا عظمةٌ ومجدٌ ونبلٌ، ونحن في أشد الحاجة إلى أن نحييها مرةً أخرى.
إننا في زمنٍ -أيها الإخوة- ضللت فيه أمة الإسلام، وأصبح أسوة وقدوة شبابها كل دعي ضائع، وكل جاهلي ٍلا يعرف إلى الحق طريقاً، ولا يعرف الحق إلى قلبه طريقاً.
كلما ترك لي الخيارُ كان من أكثر اختياراتي الحديث عن سير الغر الميامين؛ أسلافنا الذين رباهم محمد صلى الله عليه وسلم، والذين تربوا على يديه، والذين شعوا من أنواره، والذين نهلوا من منهله العذب، والذين أضاءوا جنبات الحياة، وجنبات تاريخ البشرية، والذين سعدت في ظل حضارتهم ومدنيتهم البشرية، والذين ما عرفت الأرض الحق إلا تحت ظل راياتهم.
أيها الإخوة المؤمنون: والصور المضيئة في تاريخنا، يتحدث الإنسان عنها مرات ومرات ولا ينقضي الحديث، ويتحدث عنها كراتٍ وكرات ولا يستوعبها حديثه، موقفٌ واحد من مواقف شخصيةٍ من شخصيات جيلٍ من أجيالنا تستدعي منا أن نتحدث فيها طويلاً، فكيف ونحن نريد أن نقول لرجال وشباب وأجيال الإسلام: هذه مواقف متعددة وصورٌ مضيئة.
ولنبدأ -أيها الإخوة المؤمنون- نتنقل من صورةٍ إلى صورة، ومن حديثٍ إلى حديث، ومن شخصيةٍ إلى شخصية، ومن جيلٍ إلى جيل، حتى نرى من أي أمةٍ من الأمم نحن، وأي تاريخٍ تاريخنا الذي نتحدث عنه.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد كان أستاذ هذه الأمة وقائدها ورائدها، وعظيمها محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي كان يلقب في مجتمعه بالأمين صلى الله عليه وسلم، وكان إذا اختصم قومه في أمر أو حزبهم أمر عادوا عن رأيه ومشورته، كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، ثم نزل عليه الوحي في وقتٍ ما كان يفكر فيه ولا يتوقعه، كانت غاية أمنيته أن ينعزل عن الحياة، وعمّا فيها من ظلم وظلمات، وأن يبتعد عن ظلمها وظلماتها.
وإذا بوحي رب العالمين ينـزل عليه صلى الله عليه وسلم، وينتشله من عزلته، ويخرجه من غاره: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:1-4] .
قم حتى تسمع صوتك إلى أقصى مدىً في الأرض، وإلى أقصى فردٍ من أفراد البشر، لقد مضت حياة الدعة والراحة، لقد مضت حياة السكون والسكينة، لقد مضت الحياة التي كنت فيها تعتزل الناس وتبتعد عن الناس، وحين يأتي صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل ، وكان ممن علموا علم الكتاب الأول، ويقص عليه خبره، فيقول: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى، ليتني فيها جذعٌ حين يخرجك قومك، فيتعجب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يشار إليه بالبنان في مجتمعه، وهو الذي يسمى بالأمين في مجتمعه، وهو الذي يحكم في كل معضلةٍ في مجتمعه .. ما الذي سيجعله يخرج من مجتمعه صلى الله عليه وسلم؟! فيقول متعجباً: (أومخرجي هم؟! فيقول
وتأتي الأيام بعد ذلك وتثبت ما قال ورقة حينما يودع محمدٌ صلى الله عليه وسلم الجاهلية بأعرافها وتقاليدها وعاداتها، ويقوم لا تأخذه في الحق لومة لائم، ويدعو إلى ربه سبحانه وتعالى، وتبدأ قريشٌ تساوم محمداً صلى الله عليه وسلم، وتبدأ المساومة والخطط والأحابيل على مراحل شتى، يبدءون أولاً فيعرضون عليه الدنيا؛ أو في البداية يتجاهلون دعوته ولا يلتفتون إليه، وحين يرون الحق يلج إلى القلوب بدون استئذان، ويكتسب كل يومٍ رجلاً جديداً، ويكتسب كل يومٍ طائفةً جديدة، يتجهون إليه وجهةً أخرى، فيساومونه ويقولون: (إن كنت دعوت إلى ما دعوت إليه رغبةً في المال جمعنا لك حتى تكون أغنى رجلٍ فينا، وإن كان مقصدك الملك ملكناك علينا، وإن كانت إربتك في النساء زوجناك أجمل نسائنا وبناتنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: كلمة واحدة تقولونها فتدين لكم بها العرب وتملكون بها العجم، فيقول قائلهم: ألف كلمة وأبيك!) كلمةٌ واحدة تدين لنا بها العرب ونملك بها العجم!! نقول ألف كلمة! فيقول صلى الله عليه وسلم: (تقولوا: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، فقالوا: أجعلت الآلهة إلهاً واحداً؟!) لقد حطم آلهة الهوى والشهوات، وآلهة الأعراف والعادات والتقاليد، وآلهة الحجر والشجر والكهانة والسحرة والجن .. وجعل الألوهية لله وحده سبحانه وتعالى! وأنَّى لسدنة هذه الآلهة المتعددة الكثيرة أن تستجيب لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وتهدر مصالحها، وتبيعها من أجل هذه الكلمة التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
وتشتد المساومة، ويضغطون عليه بعمه أبي طالب وكان ما زال على دين قومه ويقول: (يا ابن أخي! إن قومك قد نابذوا للعداوة، فأبقِ على نفسك وعلي، فيقول: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أقتل دون ذلك) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
حصار الشعب وعذاب آل ياسر
فحصروا المسلمين في شعب أبي طالب، ومنعوهم الطعام والشراب، ومنعوا أن يتزوج منهم أحد أو يزوجهم أحد، ومنعوا أن يبتاع منهم أحد أو يبيعهم أحد -حصارٌ اقتصادي- حتى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه يقول: خرجت في ليلة من الليالي أقضي حاجتي .. وحين وقع منه الماء، قال: وإذا بي أسمع -أحس- صوت الماء على شيء، قال: فبحثتُ فإذا أنا بجلد بعير، قال: فأخذته فأحرقته ثم فركته، ثم أكلته أنا وبعض المسلمين.
وأكلوا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقهم وهم ثابتون على الحق، لا يعودون ولا يتراجعون، ونزل العذاب بأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بادئ ذي بدء بالموالي والمستضعفين، وكان بلال رضي الله عنه وأرضاه إذا اشتد عليه العذاب وقالوا: اكفر بإله محمد قال: أحدٌ أحد، فيقولون: ألا تحسن غير هذه الكلمة؟ فيقول: والله لو كنتُ أعلم أن كلمة غيرها تغيظكم أكثر مما تغيظكم هذه الكلمة لقلتها، ثم يردد أحدٌ أحد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يمر بـعمار ويمر بـياسر ويمر بـسمية ، وهم يعذبون في بطحاء مكة ، حتى سقط ياسر وسمية مضرجين بدمائهم شهداء في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا أن يقول: (صبراً آل
بل وصل الإيذاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر أهل السير أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، كان يوماً في داره، وإذا ببعض المسلمين يقولون: يا أبا بكر لقد نال المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم وهم يكادون أن يقتلوه، فينطلق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ويصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بالقوم قد أخذوا بتلابيب ثوبه، وهم يجرجرونه، فيحول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، ويدفع هؤلاء مرة، ويدفع هؤلاء مرة، ويصيح بأعلى صوته، أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! وما يزال بالمشركين، حتى تركوا النبي صلى الله عليه وسلم ويلتفت المشركون إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فيضربونه على وجهه وعلى أنفه حتى يسقط مغشياً عليه رضي الله عنه وأرضاه.
وحين يُحمل إلى داره رضي الله عنه وأرضاه .. ويفيق من غشيته تكون أول كلمةٍ ترد على لسانه: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فتقول أمه: ألا يكفيك ما أنت فيه، فيقول: [والله لا يقر لي قرار حتى أعلم ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: لا نعلم أين هو! فيقول: ابعثوا إلى
دعوة قبائل العرب في مكة والخروج إلى الطائف
يقول: (من يمنعني حتى أبلغ دعوة ربي؟ فإن قريشاً منعتني من أن أبلغ دعوة ربي) من يحميني حتى أبلغ دعوة ربي؟ فإن قريشاً قد منعتني أن أبلغ دعوة ربي، ويعرض نفسه على القبائل قبيلةً قبيلة، ومرةً بعد مرة، حتى يأتي إلى أهل الطائف ويعرض عليهم دعوة الله التي جاء بها من عند الله سبحانه وتعالى، فيؤذونه أشد الإيذاء.
حتى إن عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل نالك من الأذى مثل ما نالك في يوم أحد؟) وأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد كسرت رباعيته، وشج وجهه، وسقط في حفرة، حتى كان صلى الله عليه وسلم، لا يستطيع أن يصلي بعد ذلك زمناً إلا وهو جالسٌ صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم. لقد نالني أشد من يوم أحد، وذلك حين ردني أهل الطائف ، حين جاء إليهم فدعا سادتهم إلى دعوة الحق، فأبوا أن يكلموه، قال: ما شأنكم لا تردون عليّ؟ قالوا: إن كنتَ نبياً -يستهزئون به- فأنت أعظم من أن نكلمك، وإن كنتَ كاذباً فأنت أقل من أن نكلمك، قال: أما وقد أبيتم أن تقبلوا دعوتي فاستروا عليَّ، فقاموا فأغروا به سفهاءهم، وأطفالهم ومواليهم، فصفوهم له على الطريق صفين، يرجمونه بالحجارة صلى الله عليه وسلم، حتى أدموا قدميه الشريفتين، وانتعل الدم صلى الله عليه وسلم -وكان معه زيد بن حارثة- وكان صلى الله عليه وسلم إذا أضرجوه بالحجارة جلس حتى يحتمي، فينزل اثنان منهم، فيأخذان بعضديه صلى الله عليه وسلم ويقيمانه ثم يعودون لرجمه مرةً أخرى صلى الله عليه وسلم، ثم كان أن الله سبحانه وتعالى جعل لدعوته قبولاً عند أهل المدينة (يثرب) لما قدر الله لهم من الخير في سابق علمه سبحانه وتعالى.
كانت هناك حرب شعواء ضروس بين الأوس والخزرج من أهل المدينة ، فأتى بعض الأوس لكي يحالف قريشاً على الخزرج، فلما وصلوا إلى مكة لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مكة وافد إلا عرض دعوته عليه صلى الله عليه وسلم، على الرغم مما فعلت قريش لمنع وصول الدعوة إلى الناس.
فقد جعلوا على كل طريقٍ من طرق مكة رجالاً يتناوبون في الليل والنهار، فلا يدخل إلى مكة داخل إلا وقد حذروه من النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: إن بين أظهرنا رجلاً قد فرق جماعتنا وسفه أحلامنا، وعاب آلهتنا، ونال من آبائنا وأجدادنا، فإياك أن تستمع إلى مقاله فيسحرك، فتعود إلى قومك بشر ما يعود به وافد إلى قومه.
هذه هي الحرب الإعلامية التي سلطوها على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكتفوا بأن يجعلوا على طرق مكة رجالاً يتناوبون، وكانوا يؤثرون في الناس حتى إن الطفيل بن عمرو رضي الله عنه وأرضاه، يحدث عن نفسه فيقول: لقد لقيني هؤلاء الرجال على إحدى طرق مكة فما زالوا بي، حتى وضعت القطن في أذني خشيةً أن أسمع النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا الشياطين في كل زمانٍ ومكان، ينالون من دعوة الحق، يشوهون صورتها، ويلمزون حملتها، ويستهزئون بهم، ويسخرون بهم، ويشوهون صورتهم في المجتمعات، حتى ينفروا الناس عنهم، إذ أن للشيطان جنوداً يبثهم في الأرض من الإنس والجن، فينفرون الناس عن الحق، ويمنعون وصول دعوة الحق إلى الناس.
وبالإضافة إلى هؤلاء الناس الذين يتناوبون على الطرق جعلوا معه عمه أبا لهب ، فإذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم وحدثهم، واستطاع أن ينفذ من هذه الخطوط الإعلامية الرهيبة، يكون معه عمه، بعد أن يقضي النبي صلى الله عليه وسلم حديثه، يقوم أبو لهب فيقول: يا معشر العرب! إن هذا ابن أخي وأنا عمه وأعلم الناس به، ولو كان فيما يقول خيرٌ وحق لكنت أولى الناس به، فإياكم إياكم!
فهي حرب اقتصادية .. حرب بدنية .. حرب إعلامية .. على شتى وعلى جميع الأصعدة تنال من محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذاك ليعظم أجرهم عند الله سبحانه وتعالى، وليصلب عودهم، ولتشتد شكيمتهم، وليعلموا أن السلعة التي من أجلها يناضلون ويجاهدون سلعة غالية لا تأتي بالثمن الرخيص: (ألا إن سلعة الله غالية.. ألا إن سلعة الله غالية.. ألا إن سلعة الله الجنة) كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الله سبحانه وتعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] فهكذا العقد بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده المؤمنين في كل زمانٍ ومكان.
وحين رأى المجرمون درساً في الثبات، وأن قائد القافلة قد مضى لا يلوي على شيء، يبذل الغالي والنفيس في سبيل إرضاء رب العالمين، اتجهوا وجهةً أخرى، فبدءوا بالعذاب، وبدءوا بالإيذاء الجسدي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه، بدءوا حرباً إعلامية واقتصادية وإيذاءً بدنياً جسدياً.
فحصروا المسلمين في شعب أبي طالب، ومنعوهم الطعام والشراب، ومنعوا أن يتزوج منهم أحد أو يزوجهم أحد، ومنعوا أن يبتاع منهم أحد أو يبيعهم أحد -حصارٌ اقتصادي- حتى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه يقول: خرجت في ليلة من الليالي أقضي حاجتي .. وحين وقع منه الماء، قال: وإذا بي أسمع -أحس- صوت الماء على شيء، قال: فبحثتُ فإذا أنا بجلد بعير، قال: فأخذته فأحرقته ثم فركته، ثم أكلته أنا وبعض المسلمين.
وأكلوا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقهم وهم ثابتون على الحق، لا يعودون ولا يتراجعون، ونزل العذاب بأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بادئ ذي بدء بالموالي والمستضعفين، وكان بلال رضي الله عنه وأرضاه إذا اشتد عليه العذاب وقالوا: اكفر بإله محمد قال: أحدٌ أحد، فيقولون: ألا تحسن غير هذه الكلمة؟ فيقول: والله لو كنتُ أعلم أن كلمة غيرها تغيظكم أكثر مما تغيظكم هذه الكلمة لقلتها، ثم يردد أحدٌ أحد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يمر بـعمار ويمر بـياسر ويمر بـسمية ، وهم يعذبون في بطحاء مكة ، حتى سقط ياسر وسمية مضرجين بدمائهم شهداء في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا أن يقول: (صبراً آل
بل وصل الإيذاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر أهل السير أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، كان يوماً في داره، وإذا ببعض المسلمين يقولون: يا أبا بكر لقد نال المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم وهم يكادون أن يقتلوه، فينطلق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ويصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بالقوم قد أخذوا بتلابيب ثوبه، وهم يجرجرونه، فيحول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، ويدفع هؤلاء مرة، ويدفع هؤلاء مرة، ويصيح بأعلى صوته، أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! أتقتلون رجلاً يقول: ربي الله؟! وما يزال بالمشركين، حتى تركوا النبي صلى الله عليه وسلم ويلتفت المشركون إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فيضربونه على وجهه وعلى أنفه حتى يسقط مغشياً عليه رضي الله عنه وأرضاه.
وحين يُحمل إلى داره رضي الله عنه وأرضاه .. ويفيق من غشيته تكون أول كلمةٍ ترد على لسانه: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فتقول أمه: ألا يكفيك ما أنت فيه، فيقول: [والله لا يقر لي قرار حتى أعلم ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: لا نعلم أين هو! فيقول: ابعثوا إلى
ويبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل، قبيلةً قبيلة..
يقول: (من يمنعني حتى أبلغ دعوة ربي؟ فإن قريشاً منعتني من أن أبلغ دعوة ربي) من يحميني حتى أبلغ دعوة ربي؟ فإن قريشاً قد منعتني أن أبلغ دعوة ربي، ويعرض نفسه على القبائل قبيلةً قبيلة، ومرةً بعد مرة، حتى يأتي إلى أهل الطائف ويعرض عليهم دعوة الله التي جاء بها من عند الله سبحانه وتعالى، فيؤذونه أشد الإيذاء.
حتى إن عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل نالك من الأذى مثل ما نالك في يوم أحد؟) وأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد كسرت رباعيته، وشج وجهه، وسقط في حفرة، حتى كان صلى الله عليه وسلم، لا يستطيع أن يصلي بعد ذلك زمناً إلا وهو جالسٌ صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم. لقد نالني أشد من يوم أحد، وذلك حين ردني أهل الطائف ، حين جاء إليهم فدعا سادتهم إلى دعوة الحق، فأبوا أن يكلموه، قال: ما شأنكم لا تردون عليّ؟ قالوا: إن كنتَ نبياً -يستهزئون به- فأنت أعظم من أن نكلمك، وإن كنتَ كاذباً فأنت أقل من أن نكلمك، قال: أما وقد أبيتم أن تقبلوا دعوتي فاستروا عليَّ، فقاموا فأغروا به سفهاءهم، وأطفالهم ومواليهم، فصفوهم له على الطريق صفين، يرجمونه بالحجارة صلى الله عليه وسلم، حتى أدموا قدميه الشريفتين، وانتعل الدم صلى الله عليه وسلم -وكان معه زيد بن حارثة- وكان صلى الله عليه وسلم إذا أضرجوه بالحجارة جلس حتى يحتمي، فينزل اثنان منهم، فيأخذان بعضديه صلى الله عليه وسلم ويقيمانه ثم يعودون لرجمه مرةً أخرى صلى الله عليه وسلم، ثم كان أن الله سبحانه وتعالى جعل لدعوته قبولاً عند أهل المدينة (يثرب) لما قدر الله لهم من الخير في سابق علمه سبحانه وتعالى.
كانت هناك حرب شعواء ضروس بين الأوس والخزرج من أهل المدينة ، فأتى بعض الأوس لكي يحالف قريشاً على الخزرج، فلما وصلوا إلى مكة لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مكة وافد إلا عرض دعوته عليه صلى الله عليه وسلم، على الرغم مما فعلت قريش لمنع وصول الدعوة إلى الناس.
فقد جعلوا على كل طريقٍ من طرق مكة رجالاً يتناوبون في الليل والنهار، فلا يدخل إلى مكة داخل إلا وقد حذروه من النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: إن بين أظهرنا رجلاً قد فرق جماعتنا وسفه أحلامنا، وعاب آلهتنا، ونال من آبائنا وأجدادنا، فإياك أن تستمع إلى مقاله فيسحرك، فتعود إلى قومك بشر ما يعود به وافد إلى قومه.
هذه هي الحرب الإعلامية التي سلطوها على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكتفوا بأن يجعلوا على طرق مكة رجالاً يتناوبون، وكانوا يؤثرون في الناس حتى إن الطفيل بن عمرو رضي الله عنه وأرضاه، يحدث عن نفسه فيقول: لقد لقيني هؤلاء الرجال على إحدى طرق مكة فما زالوا بي، حتى وضعت القطن في أذني خشيةً أن أسمع النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا الشياطين في كل زمانٍ ومكان، ينالون من دعوة الحق، يشوهون صورتها، ويلمزون حملتها، ويستهزئون بهم، ويسخرون بهم، ويشوهون صورتهم في المجتمعات، حتى ينفروا الناس عنهم، إذ أن للشيطان جنوداً يبثهم في الأرض من الإنس والجن، فينفرون الناس عن الحق، ويمنعون وصول دعوة الحق إلى الناس.
وبالإضافة إلى هؤلاء الناس الذين يتناوبون على الطرق جعلوا معه عمه أبا لهب ، فإذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم وحدثهم، واستطاع أن ينفذ من هذه الخطوط الإعلامية الرهيبة، يكون معه عمه، بعد أن يقضي النبي صلى الله عليه وسلم حديثه، يقوم أبو لهب فيقول: يا معشر العرب! إن هذا ابن أخي وأنا عمه وأعلم الناس به، ولو كان فيما يقول خيرٌ وحق لكنت أولى الناس به، فإياكم إياكم!
فهي حرب اقتصادية .. حرب بدنية .. حرب إعلامية .. على شتى وعلى جميع الأصعدة تنال من محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذاك ليعظم أجرهم عند الله سبحانه وتعالى، وليصلب عودهم، ولتشتد شكيمتهم، وليعلموا أن السلعة التي من أجلها يناضلون ويجاهدون سلعة غالية لا تأتي بالثمن الرخيص: (ألا إن سلعة الله غالية.. ألا إن سلعة الله غالية.. ألا إن سلعة الله الجنة) كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الله سبحانه وتعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] فهكذا العقد بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده المؤمنين في كل زمانٍ ومكان.
وحين دعا صلى الله عليه وسلم الأوس مالت قلوبهم إلى الإسلام، بل أسلم بعضهم، وعادوا إلى قومهم فحدثوهم عن الإسلام، فجاء إلى مكة في الحج من العام القابل اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر رجلاً وقد أسلموا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم.
فبعث معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه -و مصعب بن عمير هذا له حديثٌ عجيب وشأن غريب، سنذكره بعد قليل- بعثه معهم معلماً وداعياً إلى الله سبحانه وتعالى، وكان كما يقال: أول سفيرٍ في الإسلام، فهاجر إلى المدينة ، فانتشر الإسلام فيها على يديه، حتى لم يمض عام إلا وفي كل بيت أناسٌ قد أسلموا، وأصبح الإسلام هو قضية أهل المدينة الرئيسية، وأسلم بعض سادة أهل المدينة ، وفي حج العام القابل جاء مصعب بن عمير ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان قد دخلوا في دين الله سبحانه وتعالى.
ومصعب بن عمير هذا كان أنعم فتىً في مكة، حتى أنه كان إذا مر من الطريق عرف الناس الذين يمرون بعده أن مصعب بن عمير قد مر من هذا الطريق بسبب رائحة الطيب التي يتركها في طريقه تلك.
فلما عرف محمداً صلى الله عليه وسلم، وعرف دعوة الحق، اعتنق هذا الدين، فقامت أمه فمنعت عنه النفقة، ومنعت عنه الطعام والشراب، واشتدت عليه بالإيذاء، ثم أخيراً خرجت إلى الشمس وقالت: والله لا أستظل أبداً حتى تعود عن دينك الذي كنتَ فيه، أو أموت في الشمس، فيسبك العرب بي ما حييت أو ما بقيت.
ثم هاجر رضي الله عنه وأرضاه إلى المدينة ، وكان من أوائل من هاجر، بل كان أول من هاجر على الحقيقة، وكان يحمل لواء النبي صلى الله عليه وسلم، في يوم بدر، فلما أتى في يوم أحد ، كان يحمل أيضاً لواء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان إذا لبس لامته وسلاحه أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وحين رآه المشركون وهو لابسٌ لامته، ظنوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتدوا عليه في الهجوم فقطعت يده اليمنى فحمل الراية باليسرى، فقطعت اليسرى، فاحتضن الراية بعضديه رضي الله عنه وأرضاه، حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه.
فأتوا به ليدفنوه، فلم يجدوا له إلا رداءً، إن غطي به رأسه انكشفت رجلاه، وإن غطيت به رجلاه انكشف رأسه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بكى وقال: (لقد رأيته وهو أنعم فتىً في مكة، ثم أمرهم أن يغطوا رأسه ويكشفوا رجليه).
وكان عبد الرحمن بن عوف بعد ذلك في زمن عثمان كان صائماً رضي الله عنه وأرضاه، فقرب إليه إفطاره وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، فبكى ثم قال: [لقد كان مصعب بن عمير خيرٌ مني، وكان حاله عندما مات كذا وكذا، وإني لأخشى أن تكون قد عجلت لنا في الدنيا طيباتنا] .
بيعة العقبة
واجتمع إليه الأنصار، وتحدث معهم صلى الله عليه وسلم وقالوا له: (يا رسول الله! خذ لك ولربك، فقال صلى الله عليه وسلم: أريدُ منكم أن تحموني مما تحموا منه أنفسكم ونساءكم وأولادكم، فقالوا: لك ذلك يا رسول الله) ثم قام خطيبهم فقال: (يا رسول الله! إن بيننا وبين الناس حبالٌ وإنا قاطعوها، فلعلك إن أظهرك الله عدت إلى قومك وبني عمومتك، فقال صلى الله عليه وسلم: بل الدم الدم، والهدم الهدم، المحيا محياكم، والممات مماتكم، فقام خطيبهم الآخر وقال: يا رسول الله! إن نحن وفينا لك ببيعتنا فقتل رجالنا، ويتم أطفالنا، ورملت نساؤنا، وذهبت أموالنا، ورمتنا العرب عن قوسٍ واحدة، فما لنا يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: إن وفيتم فلكم الجنة).
وانظروا -أيها الإخوة المؤمنون- إلى هذا الفهم العجيب لهذه الفئة المؤمنة، وهم على أعتاب الدخول في دين الله، وفي أول يوم يلجون فيه إلى دين الله، علموا أن العقد مع الله سبحانه وتعالى يقتضي ذهاب النفوس، ويتم الأطفال، وترمل النساء، وذهاب الأموال، وحرب الأصفر والأبيض.
علموا ماذا تعني كلمة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، ولذلك أيضاً أراد صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم أن الثمن غال كبير، كان يمكن أن يقول صلى الله عليه وسلم: أعدكم يا معشر الأوس! بأن تملكوا فارس، وأعدكم يا معشر الخزرج! بأن تملكوا الروم.
أو أعدكم يا أولئك بأن تملكوا كذا من الجزيرة ، وأولئك كذا من الجزيرة؛ لكنه علم أن كل هذه لا تساوي شيئاً في مقابل ما يقدمه المؤمن، وأن الثمن الحقيقي لما يقدمه المؤمن هي جنةٌ عرضها السماوات والأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن وفيتم فلكم الجنة) هذا هو المطلب والمقصد، وهذه هي الغاية التي من أجلها وإليها يسعى المؤمنون، وعليها يتنافس المتنافسون: الجنة..
المهم -أيها الإخوة المؤمنون- أن الأنصار بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة، قام قائلهم فقال: يا معشر الأنصار! إن كنتم توفون للنبي صلى الله عليه وسلم ببيعته فهو والله عز الدنيا والآخرة، وإن كنتم إذا عضتكم السيوف خليتم بينه وبين الناس، فهو والله عار الدنيا والآخرة، فدعوه الآن وهو بين قومه، فقام أسعد بن زرارة، وقال: امدد يدك يا رسول الله! والله لا نقيل ولا نستقيل..
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
علم أن محمداً آخر نبي وأن الهجرة مرة واحدة، وأن الصحبة فيها مرة واحدة، وأنها لن تتكرر بعد ذلك في تاريخ البشرية.
وإن كان يمكن أن يكون من دونها قتلٌ، وسفك دم، وذهاب مال، وهتك أعراض، لكن كل ذلك يهون في سبيل هذه المغالب:
تلك المكارم لا قعبان من لبـنٍ شيباً بماءٍ فعادا بعد أبوالاً |
فسكت أبو بكر وجهز راحلتين، وجهز مالاً وأعد خطة وأعد دليلاً، تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (وفي يومٍ من الأيام وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يلج علينا في ساعةٍ ما كان يلج علينا فيها، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا من مكانٍ ما كان يدخل منه صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم لـ
تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: فما رأيت أحداً يبكي من الفرح قبل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، قال: (يا رسول الله! لقد جهزتُ راحلتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آخذ إحداهما بثمنها؟ فيقول
وينطلق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه مع النبي صلى الله عليه وسلم فيمضي مرةً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومرةً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
فيقول: يا رسول الله! أتذكر الرصد من أمامك، فأخشى عليك من أمامك، وأتذكر الطلب من ورائك فأخشى عليك من وراءك، وأحب أن أفديك بنفسي يا رسول الله!
ويصلان إلى الغار .. فيقول أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: (يا رسول الله! أمهلني قليلاً حتى استبرئ لك الغار، فيدخل ويتأكد أن الغار سليمٌ من الهوام والحشرات ومما يمكن أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج ويقول: ادخل يا رسول الله! فداك أمي وأبي) ويكون أبو بكر قد استنفر قبل ذلك جميع إمكانياته، أخذ ماله كله، وأنفقه في سبيل الله، تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: لقد أتى أبو قحافة وهو رجلٌ كبير السن على دين قومه -أتى إلى عائشة وأسماء - فقال: أين ذهب أبوكم؟ قلن: العلم عند الله، فقال: ما أرى إلا أنه قد رزأكم في نفسه كما رزأكم في ماله، قالت: وكان يضع أبو بكر ماله في كوةٍ في الدار، ويضع عليها قطعةً من القماش -وكان المال كما تعلمون قطعاً من الفضة والذهب توزن وزناً- قالت: فوضعنا أحجاراً صغيرة في مكان المال، ثم جعلنا عليه قطيفة، ثم أخذنا بيد الكاهل الضرير فوضعناها على هذه الحصى، فقال: أما وقد ترك لكم هذا، فقد أحسن إليكم.
قالت: ثم جاء بعد ذلك أبو جهل فسأل أسماء وكانت الكبرى منهما: أين ذهب أبوكِ وصاحبه؟ فأبدت له عدم العلم، فلطمها على وجهها حتى أسقط قرطها من أذنها رضي الله عنها وأرضاها، وكانت رضي الله عنها تعد الطعام، وتذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الليل في تلك الشعاب الموحشة والقفار البعيدة! وفي ليلةٍ من الليالي لم تجد ما تربط به الوعاء الذي فيه الطعام، فمزقت نطاقها إلى قسمين، ثم ربطت بقسمٍ منه الوعاء والقسم الآخر تتزر به، فلقبت منذُ ذلك اليوم بلقب ذات النطاقين.
وكان عبد الله يصحب أخته في الليل، فيحدث النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بما تحدثت به قريش، وبما أعدت من خطط في نهارها، ثم يعود عبد الله وأسماء أدراجهما آخر الليل.
وينطلق عامر بن فهيرة وكان أحد المستضعفين الذين أعتقهم أبو بكر؛ ينطلق بغنم أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فتخفي آثار أسماء وعبد الله ويحتلب منها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
أقول: حتى غنم أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، كان لها دورٌ في أعظم حدثٍ في تاريخ الأمة المسلمة، كان لها مهمةٌ أدتها في هذا الحدث العظيم، وذاك من فضل أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وعظم منـزلته عند ربه سبحانه وتعالى، حتى إنه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أشرقت الشمس ولا غربت بعد النبيين على أفضل من
استمع المزيد من الدكتور عوض القرني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الإقبال على الله وضوابطه[1-2] | 2530 استماع |
الإيمان وأثره في الحياه | 2019 استماع |
العبودية لله | 1948 استماع |
عقيدة أهل السنة والجماعة في توحيد العبادة (1، 2) | 1779 استماع |
العبودية لله | 1476 استماع |
القوة الضالعة في الأحداث الراهنة | 1212 استماع |
الاعتدال في المنهج | 1126 استماع |
سماحة الإسلام | 1107 استماع |
أسباب التساقط في طريق الهداية | 669 استماع |
نظرة عقائدية للنظام العالمي الجديد (1، 2) | 269 استماع |