عقيدة أهل السنة والجماعة في توحيد العبادة (1، 2)


الحلقة مفرغة

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تقدست أسماؤك، وتعالت صفاتك، ولا إله إلا أنت، سبحانك اللهم وبحمدك عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، نشهد أن لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك وصفيك من خلقك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أيها الأحبة في الله! لقد اصطلح علماء المسلمين عند الحديث عن مباحث ومسائل العقيدة الإسلامية على تقسيم مباحث التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة، وتحدثوا في توحيد الربوبية عن توحيد الله سبحانه وتعالى بأفعاله، وعدم نسبة أفعاله سبحانه وتعالى إلى أحدٍ سواه من الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والخفض والرفع، والإعطاء والمنع، وما إلى ذلك من أفعال الخلق.

وهي التي جعلها القرآن الكريم -عند حديثه عن توحيد العبادة- جعلها مقدمة وتوطئةً للحديث عن توحيد العبادة، وجعلها حجةً وبرهاناً على أن العبادة لله وحده سبحانه وتعالى، إذ أن من استحق الربوبية فهو المستحق للعبادة وحده سبحانه وتعالى، وتحدثوا في توحيد الأسماء والصفات كما يظهر من اسمه عن أسماء الحق سبحانه وتعالى التي سمى بها نفسه، أو سماه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] . وتحدثوا عن صفات الحق سبحانه وتعالى التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتوحيد العبادة أو توحيد الألوهية هو توحيد الخلق للخالق بأفعاله، فتوحيد الربوبية: هو توحيد الخالق بأفعاله سبحانه وتعالى، وعدم نسبة شيء من أفعاله إلى سواه، وتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة: هو توحيد الخالق سبحانه وتعالى في أفعال الخلق، بمعنى: ألا تصرف أفعال الخلق، ولا يتوجه بها، ولا يقصد بها إلا الخالق سبحانه وتعالى.

وتوحيد الألوهية بمعنى توحيد الله سبحانه وتعالى بأفعال العباد إنما تحدث القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة عن أمر فطري فطر عليه البشر كافة، فالإنسان خلق وهو يحمل في كل ذرات كيانه وجسمه وروحه ونفسه وذاته معنى العبودية، ولا يمكن أن يخرج الإنسان في لحظة من لحظات حياته عن كونه عبداً، وذاك ما تحدثت عنه الآية الكريمة في قول الحق سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] .

لقد جعل الله سبحانه وتعالى صفة العبودية ملازمةً للإنسان في صفة الخلقية، فالإنسان منذ أن خلق وركب كون لكي يكون عبداً في هذه الحياة، ومكونات أو مبررات عبودية الإنسان في هذه الحياة كثيرة جداً منها: فقره إلى من سواه، وعجزه أمام من سواه، وضعفه أمام من سواه، وجهله وحاجته إلى من سواه، فالإنسان فقيرٌ دائماً محتاجٌ إلى من خلقه وأوجده وفطره وبرأه في هذه الحياة، والإنسان ضعيفٌ دائماً أمام من خلقه وأوجده وبرأه في هذه الحياة، والإنسان جاهلٌ بذاته، جاهلٌ بحاله، ومستقبله ومآله، كل هذه المعاني تؤكد لنا أن الفقير الضعيف العاجز الجاهل المحتاج لا بد أن يبقى عابداً لسواه، والذي يبقى بيد الإنسان بعد ذلك هو أن يصرف هذه العبودية إما لله سبحانه وتعالى، وإما لغير الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا في حديث شريف عن هذا المعنى، وهو قدرة الإنسان على أن يصرف هذه العبودية التي تنطق بها كل ذرة في ذاته، والتي تنطق بها كل خلية في نفسه، هذه العبودية التي هي ملازمة له، ولا يستطيع أن ينفك عنها أبداً، ولا أن يتخلص عنها أبداً، بل هو عبدٌ شاء ذلك أم أبى، يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (أصدق الأسماء حارثٌ وهمام) فهو يحدثنا صلى الله عليه وسلم عن قدرة الإنسان وإرادته، بمعنى: أن أصدق اسمٍ يمكن أن ينطبق على الإنسان، ويحدد صفة وطبيعة هذا الإنسان حارثٌ وهمام، حارثٌ كناية عن القدرة بمعنى: أن الإنسان لديه قدرة يستطيع أن يتحرك بها وأن يفعل بها، وهمامٌ بمعنى: أن الإنسان لديه إرادة متجددة مرة بعد أخرى، فهو صاحب قدرة وهو صاحب إرادة، ولذلك يستطيع بهذه القدرة والإرادة وإن كانت إرادةً محدودةً، وإن كانت قدرةً محدودةً يستطيع أن يصرف تلك العبودية إما إلى الله سبحانه وتعالى، وإما إلى غير الله سبحانه وتعالى.

والإنسان يعلم علم اليقين بأن غير الله سبحانه وتعالى لا يملك لذاته نفعاً ولا ضراً، فكيف يملك لغيره نفعاً أو ضراً؟ وبالتالي فإنه لا يستحق أن يصرف له شيئاً من معاني العبودية، إذ إن الذي يجب أن تصرف له معاني العبودية هو من برئ من صفات الفقر التي تحدثنا عنها في العبيد، برئ من صفات الفقر والعجز والجهل والضعف، وما برئ من هذه الصفات إلا فاطر السماوات والأرض سبحانه وتعالى.

يحدثنا القرآن الكريم عمن اتجهوا يمنة ويسرة يبحثون عن جهة يصرفون إليها عبوديتهم غير الله سبحانه وتعالى، فيقول سبحانه وتعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً [الفرقان:1-2] أرأيت إلى قدرة الله وإلى غنى الله سبحانه وتعالى وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:2-3] هذا هو مفترق الطريق بين العبودية لله سبحانه وتعالى الذي يملك الأرض والسماوات، والذي خلق كل شيء، والذي قدر كل شيء سبحانه وتعالى، والذي هو غنيٌ عمن سواه سبحانه وتعالى، وبين من صرفوا العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، وهم في الحقيقة يُخلقون ولا يَخلقون، وهم في الحقيقة عاجزون ضعفاء فقراء محتاجون، هذا هو مفترق الطريق بين العبوديتين.

العبودية لله هي القضية الكبرى

ويحدثنا سبحانه وتعالى عن أهمية هذه العبودية، وأنها من أجلها خلقت الأرض والسماوات، وخلقت الدنيا والآخرة، وخلق الموت والحياة، وخلقت الجنة والنار، وخلق الوجود كله.

إذاً فهي القضية الكبرى في هذا الوجود، وهي القضية الكبرى في تقدير الحي القيوم سبحانه وتعالى، وهي الغاية من خلق السماوات والأرض والوجود كله، يقول سبحانه وتعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1] هذا هو توحيد الربوبية الذي تحدثنا عنه الذي يؤكده القرآن الكريم ويجعله مقدمةً وبرهاناً ومبرراً لطلب العبودية لله سبحانه وتعالى وحده تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] فليس هناك من مالكٍ على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، وكل من عدا الله سبحانه وتعالى فإنما هم عبيدٌ لله مستخلفون في بعض ملك الله في تنفيذ شيءٍ من قدر الله سبحانه وتعالى، وليسوا بمالكين على الحقيقة، ولو كانوا أصحاب ملكٍ حقيقيٍ في هذا الوجود، لنفذت إرادتهم عندما يريدون، لكن الذي ينفذ هو قدر الله سبحانه وتعالى، وهو مراد الله سبحانه وتعالى، لذلك فهو سبحانه وتعالى يسلب الملوك ملكهم رغماً عن أنوفهم، ويسلب الأغنياء مالهم رغماً عن أنوفهم، ويسلب الأحياء حياتهم رغماً عن أنوفهم، أتوا إلى الدنيا بدون اختيارهم، وسيغادرونها بدون اختيارهم، فالملك بيده سبحانه وتعالى وهو مالكٌ قادرٌ، ليس بمالكٍ عاجزٍ سبحانه وتعالى تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:1-2] .

إذاً أرأيت كيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة، أي: خلق الدنيا والآخرة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] ليرى أتعبدون الله سبحانه وتعالى، أو تعبدون غير الله سبحانه وتعالى، ليرى أتوحدون الله سبحانه وتعالى بأعمالكم، أو لا توحدون الله سبحانه وتعالى بأعمالكم.

العبودية لله انسجام مع الكون كله

إن كل ما في الوجود يعبد الله سبحانه وتعالى إنما الإنس والجن أعطوا قدراً من الحرية يتحركون في خلال هذا القدر المحدود ليحققوا معنى العبودية الاختيارية في أرقى صورها وأعلاها، هذا القدر من الحرية الذي أعطيه الإنس والجن في هذه الحياة هو ما تحدثت عنه الآية السابقة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فإن عبدوا الله سبحانه وتعالى، وانسجموا مع موجودات الكون التي يقول عنها سبحانه وتعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] فالأرض تسبح، والسماوات تسبح، والشجر يسبح، والحجر يسبح، وكل موجود يعبد الله سبحانه وتعالى إلا عصاة بني آدم هم الذين يشذون في هذه الحياة، ويذهبون بعيداً عن الصراط المستقيم والطريق القويم، لذلك كما ورد في بعض الآثار: [أنه حتى الحشرات في جحورها تلعن عصاة بني آدم] لأن المخلوقات كلها متوجهة إلى الله سبحانه وتعالى، والعصاة فقط في هذه الحياة أياً كانت هذه المعصية من الكفر فما دونه هم فقط الذين يجرون على خلاف نواميس الله وسنن الله، يصارعون كل شيء في هذا الوجود حتى أنفسهم وذواتهم، لذلك يعيشون في صراع مع مخلوقات الله سبحانه وتعالى.

توحيد العبادة هو وظيفة الأنبياء والرسل

توحيد العبادة هو وظيفة الأنبياء والرسل، وهو الذي دعا إليه المرسلون، وهو الذي بعث به المرسلون في هذه الحياة، وهو الذي افترق الناس فيه إلى مؤمنين وكافرين، وأصحاب جنة وأصحاب سعير، وحزب الله وحزب الشيطان، يحدثنا عن ذلك القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] إذاً فجميع الأنبياء في هذه الحياة من أولهم إلى آخرهم إنما كانت رسالتهم ووظيفتهم الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى واجتناب الطاغوت؛ وهو كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى أياً كانت صورة تلك العبادة، وأياً كان شكل تلك العبادة، وهو ما سنتحدث عنه بعد قليل، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] يعلق على هذه الآية شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، فيقول: إن العبادة هي قلب رحى الدين التي يدور عليها الدين وتدور عليها بعثة الأنبياء والمرسلين، إن العبادة والعبودية لله هي قلب رحى الدين التي يدور الدين كله من حولها، إذ إنها هي المهمة والوظيفة التي جاء بها الأنبياء المرسلون في هذه الحياة.

وفي الحديث الذي رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ أتعلم ما حق الله على العبيد؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً).

ولذلك كانت منـزلة العبودية لله سبحانه وتعالى هي أعلى وأرقى وأعظم درجات المؤمنين التي يمكن أن يصلوا إليها، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أشرف مقام وأعلى منـزلة وصل إليها ليلة الإسراء والمعراج وصفه بالعبودية لله سبحانه وتعالى، فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] حينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يتحدث عن تشريفه وتكريمه لنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد اصطفاه وشرفه وكرمه على الخلق قاطبة، ثم زاده تشريفاً وتكريماً في ذلك المقام مقام الإسراء والمعراج والقرب من الحق سبحانه وتعالى، فنعته الحق سبحانه وتعالى ووصفه في هذه المنزلة العالية الرفيعة بالعبودية لله سبحانه وتعالى.

ويحدثنا سبحانه وتعالى عن أهمية هذه العبودية، وأنها من أجلها خلقت الأرض والسماوات، وخلقت الدنيا والآخرة، وخلق الموت والحياة، وخلقت الجنة والنار، وخلق الوجود كله.

إذاً فهي القضية الكبرى في هذا الوجود، وهي القضية الكبرى في تقدير الحي القيوم سبحانه وتعالى، وهي الغاية من خلق السماوات والأرض والوجود كله، يقول سبحانه وتعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1] هذا هو توحيد الربوبية الذي تحدثنا عنه الذي يؤكده القرآن الكريم ويجعله مقدمةً وبرهاناً ومبرراً لطلب العبودية لله سبحانه وتعالى وحده تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] فليس هناك من مالكٍ على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، وكل من عدا الله سبحانه وتعالى فإنما هم عبيدٌ لله مستخلفون في بعض ملك الله في تنفيذ شيءٍ من قدر الله سبحانه وتعالى، وليسوا بمالكين على الحقيقة، ولو كانوا أصحاب ملكٍ حقيقيٍ في هذا الوجود، لنفذت إرادتهم عندما يريدون، لكن الذي ينفذ هو قدر الله سبحانه وتعالى، وهو مراد الله سبحانه وتعالى، لذلك فهو سبحانه وتعالى يسلب الملوك ملكهم رغماً عن أنوفهم، ويسلب الأغنياء مالهم رغماً عن أنوفهم، ويسلب الأحياء حياتهم رغماً عن أنوفهم، أتوا إلى الدنيا بدون اختيارهم، وسيغادرونها بدون اختيارهم، فالملك بيده سبحانه وتعالى وهو مالكٌ قادرٌ، ليس بمالكٍ عاجزٍ سبحانه وتعالى تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:1-2] .

إذاً أرأيت كيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة، أي: خلق الدنيا والآخرة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] ليرى أتعبدون الله سبحانه وتعالى، أو تعبدون غير الله سبحانه وتعالى، ليرى أتوحدون الله سبحانه وتعالى بأعمالكم، أو لا توحدون الله سبحانه وتعالى بأعمالكم.

إن كل ما في الوجود يعبد الله سبحانه وتعالى إنما الإنس والجن أعطوا قدراً من الحرية يتحركون في خلال هذا القدر المحدود ليحققوا معنى العبودية الاختيارية في أرقى صورها وأعلاها، هذا القدر من الحرية الذي أعطيه الإنس والجن في هذه الحياة هو ما تحدثت عنه الآية السابقة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فإن عبدوا الله سبحانه وتعالى، وانسجموا مع موجودات الكون التي يقول عنها سبحانه وتعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44] فالأرض تسبح، والسماوات تسبح، والشجر يسبح، والحجر يسبح، وكل موجود يعبد الله سبحانه وتعالى إلا عصاة بني آدم هم الذين يشذون في هذه الحياة، ويذهبون بعيداً عن الصراط المستقيم والطريق القويم، لذلك كما ورد في بعض الآثار: [أنه حتى الحشرات في جحورها تلعن عصاة بني آدم] لأن المخلوقات كلها متوجهة إلى الله سبحانه وتعالى، والعصاة فقط في هذه الحياة أياً كانت هذه المعصية من الكفر فما دونه هم فقط الذين يجرون على خلاف نواميس الله وسنن الله، يصارعون كل شيء في هذا الوجود حتى أنفسهم وذواتهم، لذلك يعيشون في صراع مع مخلوقات الله سبحانه وتعالى.

توحيد العبادة هو وظيفة الأنبياء والرسل، وهو الذي دعا إليه المرسلون، وهو الذي بعث به المرسلون في هذه الحياة، وهو الذي افترق الناس فيه إلى مؤمنين وكافرين، وأصحاب جنة وأصحاب سعير، وحزب الله وحزب الشيطان، يحدثنا عن ذلك القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] إذاً فجميع الأنبياء في هذه الحياة من أولهم إلى آخرهم إنما كانت رسالتهم ووظيفتهم الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى واجتناب الطاغوت؛ وهو كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى أياً كانت صورة تلك العبادة، وأياً كان شكل تلك العبادة، وهو ما سنتحدث عنه بعد قليل، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] يعلق على هذه الآية شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، فيقول: إن العبادة هي قلب رحى الدين التي يدور عليها الدين وتدور عليها بعثة الأنبياء والمرسلين، إن العبادة والعبودية لله هي قلب رحى الدين التي يدور الدين كله من حولها، إذ إنها هي المهمة والوظيفة التي جاء بها الأنبياء المرسلون في هذه الحياة.

وفي الحديث الذي رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ أتعلم ما حق الله على العبيد؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً).

ولذلك كانت منـزلة العبودية لله سبحانه وتعالى هي أعلى وأرقى وأعظم درجات المؤمنين التي يمكن أن يصلوا إليها، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أشرف مقام وأعلى منـزلة وصل إليها ليلة الإسراء والمعراج وصفه بالعبودية لله سبحانه وتعالى، فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] حينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يتحدث عن تشريفه وتكريمه لنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد اصطفاه وشرفه وكرمه على الخلق قاطبة، ثم زاده تشريفاً وتكريماً في ذلك المقام مقام الإسراء والمعراج والقرب من الحق سبحانه وتعالى، فنعته الحق سبحانه وتعالى ووصفه في هذه المنزلة العالية الرفيعة بالعبودية لله سبحانه وتعالى.

لا يعبد الله إلا بما شرع

ومن أهم مسائل توحيد العبودية وقضية العبودية وتوحيد العبادة لله سبحانه وتعالى، من أهم مسائلها: ألا عبادة لله سبحانه وتعالى بدون علم، إن الله سبحانه وتعالى قد فرض علينا عبوديته، وفرض علينا سبحانه وتعالى أن نعبده بما شرع سبحانه وتعالى، فلا معبود بحق إلا الله، ولا يعبد الله سبحانه وتعالى إلا بما شرع، لا يعبد الله سبحانه وتعالى بالأهواء، ولا بالشهوات، ولا بالخيالات، ولا بالأوهام، ولا بالعادات، ولا بالتقاليد، ولا بالاستحسان، إنما يعبد الله سبحانه وتعالى بوحيٍ نزل به على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] يقول العلماء: لقد جعل الله سبحانه وتعالى العلم سابقاً للعمل، وجعل العمل لاحقاً وتابعاً للعلم، فالعمل هنا هو الاستغفار للذنب، لكن لا يتأتى الاستغفار حتى يكون العلم قبل ذلك بمن الذي يغفر سبحانه وتعالى؟ من الذي يُسْتَغْفَر؟ وكيف يُسْتَغْفَر؟ ومماذا يُسْتَغْفَر! فيكون العلم سابقٌ للعمل في هذه القضية، ولذلك بين الله سبحانه وتعالى أن خشية الله سبحانه وتعالى وهي من أعلى درجات العبادة القلبية لا تتأتى إلا لمن قد رسخ في العلم قبل ذلك، فيقول سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] إذ لا تتحقق الخشية إلا بعد أن يسبقها العلم بذلك؛ يسبقها العلم بالله سبحانه وتعالى كما سنرى، ويسبقها العلم بحال العبد وفقره وحاجته إلى ربه سبحانه وتعالى، فخشي ربه سبحانه وتعالى، وأخبت لربه سبحانه وتعالى.

إن العلم المحمود شرعاً، والعلم الضروري للعبادة، والعلم الضروري لتوحيد الحق سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول هو العلم بالله سبحانه وتعالى، والعلم بالله سبحانه وتعالى يتحقق من خلال النظر والتأمل لأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته وتنـزيهه سبحانه وتعالى عما لا يليق به من خلال التأمل بأسماء الله سبحانه وتعالى والتأمل في صفات الله سبحانه وتعالى، فإذا علم العبد أن من أسماء الله سبحانه وتعالى العليم، وعلم أنه لا تخفى عليه خافية، وعلم أن من أسمائه سبحانه وتعالى السميع وأنه يسمع ما جل وما قلَّ من الأصوات، وعلم أن من أسمائه البصير وأنه يبصر كما ورد في الحديث: (دبيب النملة السوداء، في الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء) وأقل من ذلك.

وإذا كان من أسمائه سبحانه وتعالى القدير، وأن قدرته لا يعجزها شيء، ولا يحدها شيء.

وكان من أسمائه سبحانه وتعالى الحي، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، إذا تأمل الإنسان في أسماء الله وصفاته وعرف ربه سبحانه وتعالى وهو أشرف العلوم على الإطلاق، فالعلم بالله هو من أشرف العلوم، وكل علمٍ بعد ذلك إنما هو فرعٌ للعلم بالله سبحانه وتعالى، فيعلم بالله سبحانه وتعالى علماً يورثه اليقين، ويورثه الانقياد لله سبحانه وتعالى.

إذا تأمل في آيات الله في هذا الكون، وما أكثر آيات الله في هذا الكون كما ورد في الحديث عن أم المؤمنين رضي الله عنها أنها استيقظت وإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبكي حتى بلًّ لحيته الشريفة، فقالت له رضي الله عنها وأرضاها: (ما أبكاك يا رسول الله؟ فداك أمي وأبي -أو كما ورد في الحديث- فتلا صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191] ) كما قال ذاك الأعرابي، يقول: الخطوة تدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الواحد القهار.

إن المصنوع يدل على الصانع، وإن المخلوق يدل على الخالق سبحانه وتعالى، فآثار حكمته، وآثار قدرته، وآثار قوته، وآثار علمه سبحانه وتعالى تظهر واضحةً جليةً في آياته الباهرة الظاهرة في هذا الوجود، فتعرف إلى سبحانه وتعالى من خلال آياته التي بثها في هذا الوجود، وكما سمعنا من الآيات الكريمة من خلال التأمل في آيات الله في الأرض وفي السماوات، هذا التأمل المستبصر لأصحاب العقول والألباب أورثهم اللهج بذكر الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، أصحاب عقول نظروا إلى آثار الله سبحانه وتعالى في الكون وفي خلقه فانطلقت ألسنتهم تذعن لله وتذكر الله وتتذكر الله وتشهد بعظمة الله سبحانه وتعالى. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ [آل عمران:190-191] وما أكثر آيات الله الباهرة! سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] .. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] كما يحدثنا القرآن الكريم.

ثم أيضاً من خلال النظر في أقدار الله سبحانه وتعالى، ومن خلال النظر في أفعال الله سبحانه وتعالى، وما فيها من الآيات الباهرة.

أيها الأحبة في الله! وأنا أتلو في كتاب الله وأتلو في قصة موسى وفرعون أرى عظيم أقدار الله، وأرى آيات الله الباهرة، هذا الجبار المتجبر الطاغوت المتكبر الذي ادعى الربوبية في الأرض واعتدى عليها، ولم يكن من قبله، ولا من بعده كما حدثنا القرآن من ادعى هذا الأمر وهو قضية الربوبية، هذا الجبار حين قيل له: سيلد في هذا العام من سيكون على يديه زوال ملكك، أصدر قراراً وقرر أن يفني جميع المواليد في تلك السنة واستنفر قوته وجنده، وقال: لن يبقى في هذا العالم مولودٌ حيٌ على الإطلاق، صدر قرار فرعون، وصدر قرار رب العالمين بأن يبقى هذا المولود، وأن يعيش في بيت فرعون، وأن يتولى تربيته فرعون رغماً عن أنفه، وأن يكون على يديه هلاكه وزوال ملكه، فقدر من الذي نفذ؟ أقدر الله سبحانه وتعالى، أم قدر فرعون؟ بل الذي نفذ هو قدر الله سبحانه وتعالى، هو قرار الله سبحانه وتعالى، هو تقدير الله سبحانه وتعالى، وما أكثر العبر والعظات في آيات الله سبحانه وتعالى.

فمحمد صلى الله عليه وسلم وهو في ذلك الغار الضيق والدنيا كلها تغلي من حوله، والدنيا كلها تضطرب من حوله، والدنيا كلها تطلب رأسه وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى معه، فيقول لصاحبه: (لا تحزن إن الله معنا) ومن كان الله سبحانه وتعالى معه فهو المنتصر لا محالة، وهو الفائز لا محالة، وهو الأعلى لا محالة بإذن الله سبحانه وتعالى.

آيات الله في أقداره التي تتقلب في الليل والنهار، من تأملها بنفسٍ صافيةٍ وبصيرةٍ يقظةٍ وعقلٍ مستيقظٍ وتأمل في هذه الأقدار وما فيها من الآيات الباهرات عرف الرب سبحانه وتعالى، وبعد ذلك أن ينزه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به من صفات النقص التي اتصف بها المخلوقون القاصرون الفقراء الجهلاء الضعفاء في هذه الحياة، فيعتقد أن الله سبحانه وتعالى يتصف بكل صفة كمال على الإطلاق منزهٌ عن كل صفة عيب على الإطلاق، يعتقد ذلك، ويعلم ذاك بالتفصيل الذي ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى. إذاً العلم الذي نحتاجه لعبادة الله سبحانه وتعالى هو العلم بالله سبحانه وتعالى.

كما أن العلم بالله سبحانه وتعالى يورثنا بعد ذلك الرغبة والمسارعة إلى البحث والاستقصاء للعلم بدين الله سبحانه وتعالى، والعلم بدين الله الذي أمر به وشرعه في هذه الحياة لتسيير هذه الحياة كلها، وهو ما سنتحدث عنه بعد قليل، والعلم بدين الله وهو جزءٌ من دين الله، أي: بما أعد الله لأوليائه من الثواب، وما أعد الله لأعدائه من العقاب، هذا هو العلم أيها الأحبة الذي لا تستقيم الحياة بدونه، وهو الذي يجعل الإنسان يعبد الله سبحانه وتعالى على بصيرة.

الإخلاص شرط في قبول العبادة

المسألة الأخرى التي لا تتحقق العبادة بدونها هي: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، فلا عبادة بدون إخلاص، والإخلاص هو قلب العبادة وهو لبها وهو روحها، والعبادة بدون إخلاص إنما هي جثمان وهيكل ميت لا روح فيه، يقول الله سبحانه وتعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3] ويقول الله سبحانه وتعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] ويقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] لا يمكن أن تكون عبادة لله بدون إخلاص لله سبحانه وتعالى.

إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل وقيل: (يا رسول الله! الرجل يقاتل ليرى مكانه، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل للمغنم، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

إذاً: لا بد أن يتوجه الإنسان بكليته إلى الله سبحانه وتعالى، فلا يقصد ولا يكون له مقصد ولا غاية غير الله سبحانه وتعالى، لأنه -كما ذكرنا قبل قليل- ليس هناك أصلاً من يستحق أن تتوجه إليه غير الله سبحانه وتعالى، فغيرك يا عبد الله يحمل الضعف الذي تحمله، ويحمل العجز الذي تحمله، ويحمل الفقر الذي تحمله، أفيعقل أن يتوجه فقيرٌ إلى فقيرٍ فيسأله أن يفك ضائقته؟! أيعقل أن يتوجه ضعيفٌ إلى ضعيفٍ فيسأله أن يعينه؟! أيعقل أن يتوجه عاجزٌ إلى عاجزٍ مثله فيسأله أن يرفع من شأنه ويشد من عضده؟! لا يعقل هذا في العقول، لذلك صرف أصحاب العقول أعمالهم إلى من يستحقها سبحانه وتعالى، وإلى من يستطيع سبحانه وتعالى أن يستجيب لدعائهم، وأن يعطيهم سبحانه وتعالى من خزائنه التي لا تنفد.

يقول ابن القيم عليه رحمة الله وهو يتحدث عن الإخلاص: الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله، ولا مجازياً سوى الله سبحانه وتعالى، لا تلتفت إلى غير الله سبحانه وتعالى، ولا تفكر في غير الله سبحانه وتعالى، ولا تجعل في اعتبارك غير الله سبحانه وتعالى، ولا تسأل الجزاء من غير الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يستطيع أيضاً أن يجازي إلا الله سبحانه وتعالى، هو سبحانه وتعالى الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، والمؤمن ينتظر الجزاء في جنة عرضها السماوات والأرض (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وهذه الجنة لا يملك مفاتيحها، ولا يملك إعطاءها إلا الله سبحانه وتعالى، فأولو العزم من الرسل يقول كل منهم: نفسي نفسي، فكيف بغيرهم من عباد الله سبحانه وتعالى؟!

فالإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله، ولا مجازياً سواه.

يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن قيمة الإخلاص في تزكية الأعمال وأنه روحها ومحركها من داخلها، فيقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) فرب عمل قليل بإخلاص عظيم ارتفع إلى عنان السماء وملأ ما بين السماء والأرض، ورب عملٍ في ظاهره مثل الجبال يؤتى يوم القيامة به فإذا هو هباء منثور -والعياذ بالله-.

أما حدثنا المصطفى صلى الله عليه وسلم عن أول ثلاثة تسعر بهم النار، وأنهم أناس في ظاهر أعمالهم وحالهم كانوا من خيار البشر في هذه الحياة، أحدهم كان عالماً بالقرآن معلماً بالقرآن مفقهاً للناس في دين الله، داعياً إلى الله سبحانه وتعالى، والآخر كان مجاهداً في سبيل الله حتى يراق دمه وهو يجاهد ويقاتل في ظاهر عمله، والآخر أنفق ماله يمنةً ويسرةً، من في موازيننا في الحياة أعلى من هؤلاء الثلاثة؟ من أعلى ممن يعلم دين الله وينشره بين الناس بعد أن تعلمه؟ أو يجاهد في سبيل الله ويحامي عن ثغور الإسلام؟ أو ينفق ماله في سبيل الله؟ ينفقه في سبيل الله ويتصدق به في سبيل الله، لكن هذه الأعمال رغم ظاهرها الجميل العظيم وظاهرها الذي هو في الحقيقة أعلى قمة العبادة لله والعبودية لله سبحانه وتعالى، كان مآل أصحابها يوم القيامة أن يكونوا أول من تسعر بهم النار -والعياذ بالله- كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ثلاثة تسعر بهم النار: رجلٌ تعلم القرآن وعلمه، فيؤتى به يوم القيامة فيعرف نعم الله عليه، ويقال: ماذا فعلت؟ فيقول: يا رب! تعلمت القرآن فيك وعلمته، ويقال له: إنما تعلمت لكي يقال: قارئ، وقد قيل، خذوه واذهبوا به إلى النار -والعياذ بالله- ويؤتى بالآخر، وكان قد قاتل في سبيل الله، فيعرف نعم الله ويقال له: ماذا فعلت؟ فيقول: يا رب! قاتلت في سبيلك حتى قتلت، فيقال: إنما قاتلت ليقال جريء أو يقال: شجاع، فقد قيل، خذوه واذهبوا به إلى النار، ويؤتى بالثالث وكان ذا مال وقد أنفق ماله، فيعرف نعم الله، ثم يقال له: ماذا فعلت فيها؟ فيقول: أنفقتها في سبيلك يا رب، فيقال له: إنما أنفقت ليقال: جواد، وقد قيل، خذوه فاذهبوا به إلى النار) هذه الأعمال في حقيقتها وظاهرها ليست معاصي ولا آثاماً حتى يقول الإنسان: أنا لا أجاهد، أنا لا أتعلم القرآن ولا أعلمه، أنا لا أنفق في سبيل الله، لا، بل هو مأمورٌ بالجهاد، مأمورٌ بالعلم والتعلم، مأمورٌ بالإنفاق، ومأمورٌ بعد ذلك، ومأمورٌ أثناء ذلك وبعد ذلك بأن يقصد ذلك كله وجه الله سبحانه وتعالى، لذلك ورد أيضاً في الحديث الشريف أن (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد به إلا عرض الدنيا لا يجد ريح الجنة، وإن ريح الجنة ليوجد من مسيرة كذا وكذا).

إذاً: لا بد في العبادة لله سبحانه وتعالى من الإخلاص، لا بد من أن نخلص القلب لله سبحانه وتعالى، وأن نجعل مقصدنا وغايتنا هو الله سبحانه وتعالى، وألا نطلب الجزاء ولا المحمدة ولا الثواب من أحدٍ غير الله سبحانه وتعالى.

متابعة النبي عليه الصلاة والسلام شرط في تحقق العبودية

أما الأمر الثالث الذي لا يمكن أن يتحقق توحيد العبودية بدونه فهو: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الحق سبحانه وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] كثيرٌ من الناس الذين يدعون محبة الله سبحانه وتعالى وقد يكونون من الصادقين في محبتهم لله سبحانه وتعالى، لكن ذلك لا يكفيهم من النجاة من النار عند الله ما لم يقرنوا محبتهم لله بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أغلق الله كل طريق في هذه الحياة يتوهم الناس أنه يوصل إلى رضوان الله سبحانه وتعالى، وفتح طريقاً واحداً هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فمن التمس رضوان الله سبحانه وتعالى فمن خلال طريق محمد صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، قد يكون الإنسان محباً لله مخلصاً لله، لكنه ليس من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، قد يكون في رهبان النصارى وأحبار اليهود من يحب الله حباً حقيقياً، لكن لا ينفعه ذلك غداً، بل وهو من حطب جهنم -والعياذ بالله-، والسبب في ذلك: أنه ما كان من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الحق سبحانه وتعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد) من أحدث في هذا الدين غير ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو مردودٌ على صاحبه منبوذٌ هو وصاحبه، لا يقبل من صاحبه -والعياذ بالله-.

وهذان الشرطان: الإخلاص، والمتابعة، هما معنى الشهادتين، معنى قولنا وترديدنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمعنى قولنا: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يعبد إلا بما شرع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى، لذلك كان السلف عليهم رحمة الله يقولون: سبيل النجاة أن تعمر باطنك بمراقبة الله سبحانه وتعالى، وأن تعمر ظاهرك بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن تجعل باطنك مراقباً لله لا يتوجه إلا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تجعل جوارحك معمورةً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الشرط الثالث من شروط العبودية لله سبحانه وتعالى.

العبودية يجب أن تشمل جميع جوانب الحياة

أما المسألة الرابعة من مسائل توحيد العبودية لله سبحانه وتعالى فهي: أن العبادة يجب أن تكون شاملةً لكل جوانب الحياة المختلفة، تستوعب حياة الإنسان منذ أن كلف إلى أن ينتقل إلى ربه سبحانه وتعالى، فلا يبقى في مرحلة حياته، ولا في جزء من جزئيات حياته نصيبٌ لغير الله سبحانه وتعالى، بل لا بد أن تكون عبوديتك كاملةً شاملةً لله سبحانه وتعالى، ولذلك عندما عرف شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله العبادة، قال: هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. أي: مستوعبةٌ لحياتك كلها في سرها وفي علنها، وفي عباداتها وفي معاملتها، أي: أن تستوعب عبوديتك لله بيتك وسوقك ووظيفتك وأسرتك ومجتمعك وحبك وبغضك وولاءك وبراءك وشتى جوانب حياتك وجميع مناحي حياتك: في الحياة الفردية، والحياة الاجتماعية، والحياة الفردية، وحياة الأمة في حياة الدولة، وحياة الرئيس، وحياة المرءوس في شتى جوانب الحياة، أن نكون أمة عابدة لله سبحانه وتعالى، فليست العبودية لله فقط موطنها في المسجد، بل العبودية لله موطنها الحياة كلها، يقول سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162] أي: يجب أن تكون الحياة كلها مستوعبةً لشرع الله سبحانه وتعالى، يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] وعندما يعي المسلمون هذه الحقيقة، ويوجهون حياتهم كلها عبوديةً لله سبحانه وتعالى ومتابعةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فثقوا أن المعاني التي نتحدث عنها في التاريخ عن ذلك الجيل وتلك الصفوة ستكرر مرةً أخرى في هذه الحياة.

إن كل الذي فعلوه أنهم وجهوا حياتهم كلها لله سبحانه وتعالى، فكان سمعهم لله سبحانه وتعالى، وكان بصرهم لله سبحانه وتعالى، وكان منطقهم لله سبحانه وتعالى، وكان فكرهم وعلمهم وثقافتهم وإعلامهم وتعليمهم وأقلامهم وكتابتهم لله سبحانه وتعالى.

ولنتأمل أيها الأحبة في الله في حياة المسلمين، ولنفتش في واقع حياة المسلمين، وخذوا مثالاً واحداً من حياة المسلمين وانظروا هل هو محققٌ لمعنى العبودية لله سبحانه وتعالى، خذوا الإعلام في ديار الإسلام، وفتشوا في الصحف، وفتشوا في المجلات، وانظروا في الإذاعات، واسمعوا في التلفاز، وتأملوا، سترون بعد ذلك هل هي تحقق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى، أو تحقق معنى العبودية للأهواء والشهوات والرغبات، والإخلاد إلى الأرض، والركون إلى التراب؟ ثم نرى بعد ذلك هل نحن فعلاً في واقع حياتنا نحقق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى؟

أيها الأحبة! إن في عرف الإسلام، وفي عرف الشرع الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، السياسي في سياسته عابدٌ لله، والاقتصادي في اقتصاده عابدٌ لله سبحانه وتعالى، والمعلم في مدرسته عابدٌ لله سبحانه وتعالى، والمرأة في بيتها وفي أسرتها عابدةٌ لله سبحانه وتعالى، والرجل في رعايته لأولاده عابدٌ لله سبحانه وتعالى، والجار في جواره عابدٌ لله سبحانه وتعالى، والموظف في وظيفته عابدٌ لله سبحانه وتعالى، ففي كل جانب من جوانب الحياة حدودٌ لله سبحانه وتعالى من رعاها حق رعايتها فهو العابد لله سبحانه وتعالى، ومن أهملها وضيعها فهو المتجاوز لحدود الله المنتهك لحرمات الله سبحانه وتعالى، أما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (قد يقول الرجل الكلمة لا يلقي لها بالاً، أو ليضحك بها الناس تهوي به في جهنم سبعين خريفاً) -والعياذ بالله- لو يتأمل هذا الحديث العظيم حملة الأقلام ورجال الصحافة والإعلام، ليحاسبوا أنفسهم قبل أن يُحاسبوا، ويقفوا عند حدود الله سبحانه وتعالى، ويعبدوا الله حق عبادته، ويعلموا أن هذه الكلمة مسئولية، وأنها عبادةٌ وعبوديةٌ يجب أن تصرف لله سبحانه وتعالى، لاستقامت حياة المسلمين.

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يحدثنا عن معنى استيعاب الحياة كلها في عبادة الله سبحانه وتعالى، يقول: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفي ماذا أنفقه) أي إنسان في هذه الحياة لا يمكن أن يخرج لحظة ولا دقيقة من حياته عن هذه الأسئلة الأربعة؟ والسؤال بين يدي الله سبحانه وتعالى، في يوم يقول عنه سبحانه وتعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] الأجسام عاريةٌ، والقلوب والهةٌ خائفةٌ مضطربةٌ، والأبصار خاشعةٌ، والتاريخ الذي كان يخفى ويستر ويغطى مكشوفٌ ومفضوحٌ على رءوس الأشهاد، في ذلك اليوم يقف العبد بين يدي ربه سبحانه وتعالى، والسائل له هو من لا تخفى عليه خافية، من السر عنده علانية، من يحصي القليل والكثير فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] .

هذا دليلٌ آخر على معنى العبودية الشامل الكامل الذي تشوه في أذهان المسلمين، ففي ذلك اليوم لا يتحرك العبد يمنةً ولا يسرةً حتى يسأل عن أربعة أسئلة تستوعب الحياة كلها في شتى جوانبها: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، عن هذه الطاقات، وهذه الجوارح، وهذه القوى التي زودك بها الله سبحانه وتعالى، وأعطاك إياها الله سبحانه وتعالى لتعبده وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ما خلق لك السمع والبصر والفؤاد، وما خلق لك اليد والرجل، وما خلق لك الماء والهواء والغذاء، وما خلق لك الأرض والسماوات إلا من أجل عبادته سبحانه وتعالى، لذلك تسأل يوم القيامة عن هذه الحياة والعمر والزمان، والأمكنة والمؤهلات التي أعطيتها لتعبد الله سبحانه وتعالى، وتسأل عن حياتك الفكرية والثقافية والعلمية.

إن الذين يقولون: الفكر والثقافة والإبداع لا علاقة لها بالدين، تريدون أن تدخلوا الدين في كل شيء؟ الدين في المسجد وفي المحراب، ما علاقة الدين بالأدب؟ ما علاقة الدين بالفكر؟ إن عليهم أن يتذكروا الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى: (وعن علمه ماذا عمل به) سيسأل يوم القيامة عن كل ما تعلم، وعن كل ما علم، وعن كل ما قال.

(وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) وليت أصحاب الربا وأهل الغش وأهل البلاء في الحياة الاقتصادية ترى الانفصام العجيب العظيم في حياة المسلمين، يصلي الرجل في المحراب ويصوم ويتعبد، ثم بعد ذلك يذهب فيتعامل بالربا الذي هو حربٌ لله ورسوله، والذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا أشد من ستٍ وثلاثين زنية) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، والذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (الربا بضعٌ وسبعون، أو كذا حوباً أدناها مثل أن يأتي الرجل أمه) -والعياذ بالله-، ثم تراه بعد ذلك يأخذ الملايين من الربا -والعياذ بالله-، يجب أن يتذكر الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، والسؤال عن كل ماله، لو طلب من الإنسان أن يحصي ماله ربما بعشر سنوات، أين أنفقت؟ ومن أين اكتسبت؟ لما استطاع، بل ربما في سنة، بل ربما في شهر، أو في يوم، لكنه يوم القيامة لن يغادر عرصات القيامة حتى يحاسب على جميع أمواله دخولاً وخروجاً، كسباً وإنفاقاً، هذا هو معنى العبودية الشامل الكامل لله سبحانه وتعالى.

يحدثنا الله سبحانه وتعالى عن بعض جوانب العبودية، فيقول سبحانه وتعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] كل كلمة ينطقها في الحياة مسجلة عند الله سبحانه وتعالى.

ويحدثنا عن جانب آخر من جوانب العبودية، فيقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] .. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] .. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] إذاً حتى الحكم والسياسة لا بد أن تكون عبودية لله سبحانه وتعالى، ليس هناك في الحياة شيء يجل ويعظم عن أن يكون عبودية لله سبحانه وتعالى، بل لا بد أن يكون كل شيء في هذه الحياة عبودية لله سبحانه وتعالى.

وهناك بعض الأحاديث التي تحدثنا عن هذا المعنى، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن المسلم إذا أنفق على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة) أرأيت كيف أن الإنفاق على الأهل عبادةٌ لله سبحانه وتعالى؟ ويقول صلى الله عليه وسلم: (من غرس غرساً، فأكل منه إنسانٌ، أو طيرٌ، أو سبعٌ، أو دابةٌ، فهو له صدقة) هذه هي حضارة الإيمان، هذه هي مدنية الإسلام التي جاء الإسلام لإنشائها في الحياة، المؤمن يعمل في الورشة ويعمل في المزرعة وهو يعلم أنه يعبد الله سبحانه وتعالى، وهو يحرك منجلة، أو يحرك مطرقته، يعلم أن بهذه الحركة يعبد الله سبحانه وتعالى؛ لأنه يحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى، ويلتزم في ذلك بشرع الله سبحانه وتعالى، فلا يتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى، ويريد بذلك أن يحقق مقاصد شرعيةً أمره الله سبحانه وتعالى بتحقيقها.

بل قد يتعجب الناس إذا نظروا فرأوا أن الله سبحانه وتعالى جعل أعظم شهوات الدنيا لذة للإنسان دنيوية جعلها عبادة لله سبحانه وتعالى، يقول صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، فيقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر) وهذه هي المفارقة، ليس هناك في الحياة فراغ، ليس فيها ضياع، إما أجر وإما وزر، إما عبادة لله وإما عبادة لغير الله، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم وهو يحدثنا عن بعض صور العبودية لغير الله، يقول: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم) إن الذين تحدثنا عنهم من أصحاب الربا عبدوا الدرهم والدينار وأهدروا عبودية الله سبحانه وتعالى (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) إن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليه بالانتكاس والتعس -والعياذ بالله-، لماذا؟ لأنه حين يتعارض في نفيه أمر الله وشهوة كسب هذه الخميصة، يقدم هذه الخميصة على أمر الله تعالى، حين يتعارض في نفسه حب الدرهم والدينار وحب الله ورسوله، يغلب حب الله والدينار، أما العبد الحقيقي لله سبحانه وتعالى فلا تساوي الدنيا عنده في مقابل إغضاب الله أو معصية الله لا تساوي جناح بعوضة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

انظروا حتى إلى الجانب الأخلاقي، الجانب السلوكي، الجانب العبادي، كل هذه الجوانب يجب أن تكون عبادةً لله سبحانه وتعالى، يقول صلى الله عليه وسلم: (كل معروفٍ صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط) سبحان الله! هذا الإله العظيم الرحيم الذي يجعل حتى الابتسامة عبادة، سبحان الله العظيم! الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، الله يريد لنا الخير، الله يريد لنا الكرامة، الله رءوف رحيم يريد أن تسجل لك الحسنات على الابتسامة، والنظرة، والكلمة تقولها أو تسمعها، على الحركة، واللقمة ترفعها على فيك (وابتسامتك في وجه أخيك صدقة) إنما يحتاج ذاك إلى قلوب حية يقظة متعلقة بالله سبحانه وتعالى تحتسب كل عمل عند الله سبحانه وتعالى وتجعل حدودها التي تقف عندها هي حدود الله سبحانه وتعالى، ومحارم الله سبحانه وتعالى، وشرع الله سبحانه وتعالى.

ومن أهم مسائل توحيد العبودية وقضية العبودية وتوحيد العبادة لله سبحانه وتعالى، من أهم مسائلها: ألا عبادة لله سبحانه وتعالى بدون علم، إن الله سبحانه وتعالى قد فرض علينا عبوديته، وفرض علينا سبحانه وتعالى أن نعبده بما شرع سبحانه وتعالى، فلا معبود بحق إلا الله، ولا يعبد الله سبحانه وتعالى إلا بما شرع، لا يعبد الله سبحانه وتعالى بالأهواء، ولا بالشهوات، ولا بالخيالات، ولا بالأوهام، ولا بالعادات، ولا بالتقاليد، ولا بالاستحسان، إنما يعبد الله سبحانه وتعالى بوحيٍ نزل به على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] يقول العلماء: لقد جعل الله سبحانه وتعالى العلم سابقاً للعمل، وجعل العمل لاحقاً وتابعاً للعلم، فالعمل هنا هو الاستغفار للذنب، لكن لا يتأتى الاستغفار حتى يكون العلم قبل ذلك بمن الذي يغفر سبحانه وتعالى؟ من الذي يُسْتَغْفَر؟ وكيف يُسْتَغْفَر؟ ومماذا يُسْتَغْفَر! فيكون العلم سابقٌ للعمل في هذه القضية، ولذلك بين الله سبحانه وتعالى أن خشية الله سبحانه وتعالى وهي من أعلى درجات العبادة القلبية لا تتأتى إلا لمن قد رسخ في العلم قبل ذلك، فيقول سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] إذ لا تتحقق الخشية إلا بعد أن يسبقها العلم بذلك؛ يسبقها العلم بالله سبحانه وتعالى كما سنرى، ويسبقها العلم بحال العبد وفقره وحاجته إلى ربه سبحانه وتعالى، فخشي ربه سبحانه وتعالى، وأخبت لربه سبحانه وتعالى.

إن العلم المحمود شرعاً، والعلم الضروري للعبادة، والعلم الضروري لتوحيد الحق سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول هو العلم بالله سبحانه وتعالى، والعلم بالله سبحانه وتعالى يتحقق من خلال النظر والتأمل لأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته وتنـزيهه سبحانه وتعالى عما لا يليق به من خلال التأمل بأسماء الله سبحانه وتعالى والتأمل في صفات الله سبحانه وتعالى، فإذا علم العبد أن من أسماء الله سبحانه وتعالى العليم، وعلم أنه لا تخفى عليه خافية، وعلم أن من أسمائه سبحانه وتعالى السميع وأنه يسمع ما جل وما قلَّ من الأصوات، وعلم أن من أسمائه البصير وأنه يبصر كما ورد في الحديث: (دبيب النملة السوداء، في الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء) وأقل من ذلك.

وإذا كان من أسمائه سبحانه وتعالى القدير، وأن قدرته لا يعجزها شيء، ولا يحدها شيء.

وكان من أسمائه سبحانه وتعالى الحي، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، إذا تأمل الإنسان في أسماء الله وصفاته وعرف ربه سبحانه وتعالى وهو أشرف العلوم على الإطلاق، فالعلم بالله هو من أشرف العلوم، وكل علمٍ بعد ذلك إنما هو فرعٌ للعلم بالله سبحانه وتعالى، فيعلم بالله سبحانه وتعالى علماً يورثه اليقين، ويورثه الانقياد لله سبحانه وتعالى.

إذا تأمل في آيات الله في هذا الكون، وما أكثر آيات الله في هذا الكون كما ورد في الحديث عن أم المؤمنين رضي الله عنها أنها استيقظت وإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبكي حتى بلًّ لحيته الشريفة، فقالت له رضي الله عنها وأرضاها: (ما أبكاك يا رسول الله؟ فداك أمي وأبي -أو كما ورد في الحديث- فتلا صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191] ) كما قال ذاك الأعرابي، يقول: الخطوة تدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الواحد القهار.

إن المصنوع يدل على الصانع، وإن المخلوق يدل على الخالق سبحانه وتعالى، فآثار حكمته، وآثار قدرته، وآثار قوته، وآثار علمه سبحانه وتعالى تظهر واضحةً جليةً في آياته الباهرة الظاهرة في هذا الوجود، فتعرف إلى سبحانه وتعالى من خلال آياته التي بثها في هذا الوجود، وكما سمعنا من الآيات الكريمة من خلال التأمل في آيات الله في الأرض وفي السماوات، هذا التأمل المستبصر لأصحاب العقول والألباب أورثهم اللهج بذكر الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، أصحاب عقول نظروا إلى آثار الله سبحانه وتعالى في الكون وفي خلقه فانطلقت ألسنتهم تذعن لله وتذكر الله وتتذكر الله وتشهد بعظمة الله سبحانه وتعالى. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ [آل عمران:190-191] وما أكثر آيات الله الباهرة! سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] .. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] كما يحدثنا القرآن الكريم.

ثم أيضاً من خلال النظر في أقدار الله سبحانه وتعالى، ومن خلال النظر في أفعال الله سبحانه وتعالى، وما فيها من الآيات الباهرة.

أيها الأحبة في الله! وأنا أتلو في كتاب الله وأتلو في قصة موسى وفرعون أرى عظيم أقدار الله، وأرى آيات الله الباهرة، هذا الجبار المتجبر الطاغوت المتكبر الذي ادعى الربوبية في الأرض واعتدى عليها، ولم يكن من قبله، ولا من بعده كما حدثنا القرآن من ادعى هذا الأمر وهو قضية الربوبية، هذا الجبار حين قيل له: سيلد في هذا العام من سيكون على يديه زوال ملكك، أصدر قراراً وقرر أن يفني جميع المواليد في تلك السنة واستنفر قوته وجنده، وقال: لن يبقى في هذا العالم مولودٌ حيٌ على الإطلاق، صدر قرار فرعون، وصدر قرار رب العالمين بأن يبقى هذا المولود، وأن يعيش في بيت فرعون، وأن يتولى تربيته فرعون رغماً عن أنفه، وأن يكون على يديه هلاكه وزوال ملكه، فقدر من الذي نفذ؟ أقدر الله سبحانه وتعالى، أم قدر فرعون؟ بل الذي نفذ هو قدر الله سبحانه وتعالى، هو قرار الله سبحانه وتعالى، هو تقدير الله سبحانه وتعالى، وما أكثر العبر والعظات في آيات الله سبحانه وتعالى.

فمحمد صلى الله عليه وسلم وهو في ذلك الغار الضيق والدنيا كلها تغلي من حوله، والدنيا كلها تضطرب من حوله، والدنيا كلها تطلب رأسه وهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى معه، فيقول لصاحبه: (لا تحزن إن الله معنا) ومن كان الله سبحانه وتعالى معه فهو المنتصر لا محالة، وهو الفائز لا محالة، وهو الأعلى لا محالة بإذن الله سبحانه وتعالى.

آيات الله في أقداره التي تتقلب في الليل والنهار، من تأملها بنفسٍ صافيةٍ وبصيرةٍ يقظةٍ وعقلٍ مستيقظٍ وتأمل في هذه الأقدار وما فيها من الآيات الباهرات عرف الرب سبحانه وتعالى، وبعد ذلك أن ينزه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به من صفات النقص التي اتصف بها المخلوقون القاصرون الفقراء الجهلاء الضعفاء في هذه الحياة، فيعتقد أن الله سبحانه وتعالى يتصف بكل صفة كمال على الإطلاق منزهٌ عن كل صفة عيب على الإطلاق، يعتقد ذلك، ويعلم ذاك بالتفصيل الذي ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى. إذاً العلم الذي نحتاجه لعبادة الله سبحانه وتعالى هو العلم بالله سبحانه وتعالى.

كما أن العلم بالله سبحانه وتعالى يورثنا بعد ذلك الرغبة والمسارعة إلى البحث والاستقصاء للعلم بدين الله سبحانه وتعالى، والعلم بدين الله الذي أمر به وشرعه في هذه الحياة لتسيير هذه الحياة كلها، وهو ما سنتحدث عنه بعد قليل، والعلم بدين الله وهو جزءٌ من دين الله، أي: بما أعد الله لأوليائه من الثواب، وما أعد الله لأعدائه من العقاب، هذا هو العلم أيها الأحبة الذي لا تستقيم الحياة بدونه، وهو الذي يجعل الإنسان يعبد الله سبحانه وتعالى على بصيرة.


استمع المزيد من الدكتور عوض القرني - عنوان الحلقة اسٌتمع
الإقبال على الله وضوابطه[1-2] 2529 استماع
الإيمان وأثره في الحياه 2019 استماع
العبودية لله 1947 استماع
العبودية لله 1476 استماع
صور من حياة الصحابة 1262 استماع
القوة الضالعة في الأحداث الراهنة 1211 استماع
الاعتدال في المنهج 1126 استماع
سماحة الإسلام 1107 استماع
أسباب التساقط في طريق الهداية 668 استماع
نظرة عقائدية للنظام العالمي الجديد (1، 2) 268 استماع