شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [14]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [باب إزالة النجاسة:

يجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة، وعلى غيرها سبع إحداها بتراب في نجاسة كلب، وخنزير، ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه، وفي نجاسة غيرهما سبع بلا تراب، ولا يطهر متنجس بشمس، ولا ريح، ولا دلك، ولا استحالة غير الخمرة، فإن خللت أو تنجس دهن مائع لم يطهر، وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله، ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام بنضحه، ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر، وعن أثر استجمار، ولا ينجس الآدمي بالموت].

مناسبة هذا الباب لما قبله

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب إزالة النجاسة).

أما عن مناسبة هذا الباب لما قبله فقد تقدم لنا في أول كلام المؤلف رحمه الله تعالى أن الطهارة إما أن تكون عن حدث، وإما أن تكون عن خبث، وإما أن تكون في معنى رفع الحدث، وأول ما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن أقسام المياه، وأول ما عرف الطهارة ذكر أن لها ثلاث صور:

الصورة الأولى: رفع الحدث.

الصورة الثانية: معنى رفع الحدث.

وهاتان الصورتان تقدم الكلام عليهما.

الصورة الثالثة: زوال الخبث، وهي الصورة الأخيرة من صور الطهارة، فلما تكلم المؤلف رحمه الله عن طهارة الحدث ناسب أن يتكلم عن طهارة الخبث، وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (باب إزالة النجاسة) يعني: باب تطهير النجاسة.

تعريف النجاسة ومشروعية إزالتها

والنجاسة في اللغة: هي القذر والوسخ.

وأما في الاصطلاح: فهي عين مستقذرة شرعاً، رتب الشارع عليها أحكاماً.

والدليل على إزالة الخبث القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] ، أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [البقرة:125] .

ومن السنة سيأتينا -إن شاء الله- أحاديث كثيرة، أحاديث الاستنجاء والاستجمار، وسائرها فيها دليل لإزالة النجاسة، والإجماع قائم على ذلك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب إزالة النجاسة).

أما عن مناسبة هذا الباب لما قبله فقد تقدم لنا في أول كلام المؤلف رحمه الله تعالى أن الطهارة إما أن تكون عن حدث، وإما أن تكون عن خبث، وإما أن تكون في معنى رفع الحدث، وأول ما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن أقسام المياه، وأول ما عرف الطهارة ذكر أن لها ثلاث صور:

الصورة الأولى: رفع الحدث.

الصورة الثانية: معنى رفع الحدث.

وهاتان الصورتان تقدم الكلام عليهما.

الصورة الثالثة: زوال الخبث، وهي الصورة الأخيرة من صور الطهارة، فلما تكلم المؤلف رحمه الله عن طهارة الحدث ناسب أن يتكلم عن طهارة الخبث، وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (باب إزالة النجاسة) يعني: باب تطهير النجاسة.

والنجاسة في اللغة: هي القذر والوسخ.

وأما في الاصطلاح: فهي عين مستقذرة شرعاً، رتب الشارع عليها أحكاماً.

والدليل على إزالة الخبث القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] ، أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [البقرة:125] .

ومن السنة سيأتينا -إن شاء الله- أحاديث كثيرة، أحاديث الاستنجاء والاستجمار، وسائرها فيها دليل لإزالة النجاسة، والإجماع قائم على ذلك.

النجاسة على الأرض ونحوها

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (يجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة).

هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان كيفية تطهير النجاسة، حيث ينقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: أن تكون النجاسة على الأرض، أو على الحيطان والجدران ونحو ذلك، فهذه تكفي فيها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة، فإذا غسلت غسلةً واحدة ذهبت بعين النجاسة فقد طهر المحل، ويدل لذلك قصة الأعرابي لما بال في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أريقوا على بوله ذنوباً من ماء )، وهذا في الصحيحين، فيكفي خصوصاً إذا وقع بول -مثلاً- على أرض الحمام يكفي غسلة واحدة، المهم ألا يبقى شيء من عين النجاسة، فإذا صببت صبة واحدة كفى ذلك، ومثل ذلك أيضاً: الرمل أو الأحواض، وعلى الجدران يكفي غسلة واحدة أو صبة واحدة بشرط أن تزول عين النجاسة، فلا يبقى أثر للبول، أو الغائط تقوم بالدفن له، وسيأتينا أثر الدم إذا بقي وأثر النجاسة، سيأتي إن شاء الله.

النجاسة المتوسطة وكيفية تطهيرها

قال المؤلف رحمه الله: (وعلى غيرها سبع).

هذا القسم الثاني من أقسام تطهير النجاسات، وهو النجاسة المتوسطة كيف تطهر؟

النجاسة المتوسطة: هي ما عدا النجاسة المغلظة والنجاسة المخففة، وسيأتينا -إن شاء الله- بيان النجاسة المغلظة والمخففة، ومثال النجاسة المتوسطة: نجاسة بول الكبير الذكر والأنثى، ونجاسة الدم المسفوح، ونجاسة الغائط ونحو ذلك من النجاسات.

هذه النجاسة المتوسطة، قال لك المؤلف رحمه الله: لا بد فيها من سبع غسلات، فلو وقع على ثوبك بول لا يكفي أن تغسله مرةً واحدة، بل لا بد من سبع غسلات، وسنبين -بإذن الله- ضابط الغسل، واستدلوا على ذلك بما يروى من حديث ابن عمر قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل الأنجاس سبعاً )، وهذا الحديث غير ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

الرأي الثاني: أن النجاسة المتوسطة لا يشرع في غسلها عدد، وإنما تكاثر بالماء حتى يغلب على الظن طهارة المحل وزوال النجاسة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى، وهذا القول هو الصواب، وعلى هذا نقول: إذا وقع على الثوب نجاسة فإنه يغسلها مرةً أو مرتين أو ثلاثاً، حتى يغلب على ظنه أن المحل طهر؛ لأن النجاسة عين مستقذرة شرعاً، فإذا زالت بأي مزيل وبأي عدد طهر المحل؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد بالنسبة لإزالة النجاسة إلا فيما يتعلق بالاستجمار والاستنجاء -كما سلف لنا- فقد ثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم العدد، وما عداه فإنه يبقى على الأصل وهو عدم التعبد بعدد، فإذا وجدت النجاسة وجد الحكم وهو وجوب الغسل، وإذا انتفت النجاسة انتفى وجوب الغسل.

النجاسة المغلظة وكيفية تطهيرها

قال المؤلف رحمه الله: (إحداها: بتراب في نجاسة كلب وخنزير).

هذا القسم الثالث: النجاسة المغلظة، وما هي النجاسة المغلظة؟

قال المؤلف رحمه الله تعالى: هي نجاسة الكلب ونجاسة الخنزير، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني: أن النجاسة المغلظة هي نجاسة الكلب فقط وهذا قول الإمام مالك رحمه الله تعالى، أما الخنزير فإن نجاسته نجاسة متوسطة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة يقول: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب )، فخص النبي صلى الله عليه وسلم الكلب.

فالصواب: أن النجاسة المغلظة هي نجاسة الكلب، أما نجاسة الخنزير فهي نجاسة متوسطة.

وهنا مسألة وهي: هل التغليظ شامل لجميع جسم الكلب أو هو خاص بموضع من مواضع الكلب؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فعندنا ريق الكلب، وروث الكلب، ولبنه، وبوله، ودمه، فالصواب في هذه المسألة: أن هذا خاص بريق الكلب وما ولغ فيه الكلب؛ لأن الأصل عدم التغليظ، فنقتصر على النص، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم )، فالصواب أنه خاص بريق الكلب وما ولغ فيه الكلب، وأما ما يتعلق ببوله، وبروثه ولبنه ومنيه ودمه، فهذه كلها من النجاسات المتوسطة.

وهل هو خاص بكلب دون كلب، أو أنه يشمل الكلب الذي يباح اقتناؤه والكلب الذي لا يباح اقتناؤه؟

نقول: الحديث عام ( إذا ولغ الكلب ) فيشمل الكلب الذي يقتنى ككلب الصيد والحرث والماشية، والكلب الذي لا يقتنى.

وهل يشترط التراب أو نقول: بأن التراب ليس شرطاً؟

قال رحمه الله: (ويجزئ عن التراب أشنان).

الأشنان: نوع من الثمر، يستخدم في غسل الملابس.

وقول المؤلف رحمه الله: (سبع).

يعني: هل يجب التسبيع في نجاسة الكلب، أو ليس واجباً في نجاسة الكلب؟ المؤلف رحمه الله يقول: لا بد من سبع غسلات، وهذا مذهب الشافعي ، ودليل ذلك ما سلف من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك : أن التسبيع ليس شرطاً، وأنه يكتفى بثلاث غسلات؛ لأن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أفتى بالغسل ثلاثاً من ولوغ الكلب، وهذا ثابت عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، لكن نقول: العبرة بما روى الراوي لا بما رأى، والصواب في ذلك ما دام فيه سنة مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد إذاً من سبع مرات.

وقوله رحمه الله: (بتراب) هل لا بد من التراب أو نقول: بأن التراب ليس شرطاً؟

المذهب أن التراب بعينه ليس شرطاً، يعني: لا بد من التراب أو من شيء يقوم مقام التراب، وعند الشافعية أن التراب يتعين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على التراب، وعند الحنفية والمالكية أن التراب ليس شرطاً؛ لأنهم أصلاً ما يرون التسبيع، فلو غسل بدون تراب ثلاث غسلات فإن هذا مجزئ، والحنابلة يقولون: التراب أو ما يقوم مقام التراب من أشنان أو صابون ونحو ذلك.

والصواب في ذلك ما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ( أولاهن بالتراب )، وفي لفظ: ( إحداهن بالتراب )، فنقول: لا بد من التتريب، وإذا ثبت أن غير التراب يقوم مقام التراب في النظافة نقول: يكتفى به، فلو ثبت أن الصابون أو الكلوركس، أو نحو ذلك يقوم مقام التراب بالتطهير فيكتفى بذلك؛ لأن بعض المتأخرين يقول: بأن لعاب الكلب لا يطهره إلا التراب، يعني فيه جراثيم لا يطهرها إلا التراب، وعلى كل حال إن ثبت أن غير التراب يقوم مقام التراب فهو على ما ذهب إليه الحنابلة، وإن لم يثبت فعلى ما ذهب إليه الشافعية من تعين التراب.

وهل التتريب يكون في الغسلة الأولى أو في الغسلة الأخيرة؟

نقول: هذا كله جائز، لكن الأولى أن تكون في الغسلة الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أولاهن بالتراب )، يعني: يضع التراب، ثم يضع عليه الماء، ثم بعد ذلك يحركه فتكون غسلة، ثم الغسلة الثانية، والثالثة والرابعة، وهكذا حتى سبع غسلات.

فإن قيل: لماذا السبع مع أننا نقول: إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وقد يزول أثر لعاب الكلب بغسلتين أو ثلاث، فلماذا نغسل سبع مرات؟ نقول: هكذا جاء الحديث كما قال الإمام أحمد رحمه الله، ونقول: هذه سنة مستقلة عن قاعدة إزالة النجاسات: أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً إذا زالت بأي مزيل طهر المحل، فهذه قاعدة، نستثني منها ولوغ الكلب فقد ورد فيه سنة مستقلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا له نظائر، فمثلاً: لكي نقطع اليد في السرقة لا بد من حرز يكسر ويأخذ المتاع، لكن أحياناً لا نشترط الحرز، كما إذا جحد العارية؛ لأنه ورد فيه سنة مستقلة مستثناة من هذا الباب الكبير.

قال المؤلف رحمه الله: (وفي نجاسة غيرهما سبع بلا تراب).

هذا تكلمنا عليه وقلنا: إن النجاسة المتوسطة المشهور من المذهب أنه لا بد فيها من سبع غسلات.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (يجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة).

هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان كيفية تطهير النجاسة، حيث ينقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: أن تكون النجاسة على الأرض، أو على الحيطان والجدران ونحو ذلك، فهذه تكفي فيها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة، فإذا غسلت غسلةً واحدة ذهبت بعين النجاسة فقد طهر المحل، ويدل لذلك قصة الأعرابي لما بال في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أريقوا على بوله ذنوباً من ماء )، وهذا في الصحيحين، فيكفي خصوصاً إذا وقع بول -مثلاً- على أرض الحمام يكفي غسلة واحدة، المهم ألا يبقى شيء من عين النجاسة، فإذا صببت صبة واحدة كفى ذلك، ومثل ذلك أيضاً: الرمل أو الأحواض، وعلى الجدران يكفي غسلة واحدة أو صبة واحدة بشرط أن تزول عين النجاسة، فلا يبقى أثر للبول، أو الغائط تقوم بالدفن له، وسيأتينا أثر الدم إذا بقي وأثر النجاسة، سيأتي إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله: (وعلى غيرها سبع).

هذا القسم الثاني من أقسام تطهير النجاسات، وهو النجاسة المتوسطة كيف تطهر؟

النجاسة المتوسطة: هي ما عدا النجاسة المغلظة والنجاسة المخففة، وسيأتينا -إن شاء الله- بيان النجاسة المغلظة والمخففة، ومثال النجاسة المتوسطة: نجاسة بول الكبير الذكر والأنثى، ونجاسة الدم المسفوح، ونجاسة الغائط ونحو ذلك من النجاسات.

هذه النجاسة المتوسطة، قال لك المؤلف رحمه الله: لا بد فيها من سبع غسلات، فلو وقع على ثوبك بول لا يكفي أن تغسله مرةً واحدة، بل لا بد من سبع غسلات، وسنبين -بإذن الله- ضابط الغسل، واستدلوا على ذلك بما يروى من حديث ابن عمر قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل الأنجاس سبعاً )، وهذا الحديث غير ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

الرأي الثاني: أن النجاسة المتوسطة لا يشرع في غسلها عدد، وإنما تكاثر بالماء حتى يغلب على الظن طهارة المحل وزوال النجاسة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى، وهذا القول هو الصواب، وعلى هذا نقول: إذا وقع على الثوب نجاسة فإنه يغسلها مرةً أو مرتين أو ثلاثاً، حتى يغلب على ظنه أن المحل طهر؛ لأن النجاسة عين مستقذرة شرعاً، فإذا زالت بأي مزيل وبأي عدد طهر المحل؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد بالنسبة لإزالة النجاسة إلا فيما يتعلق بالاستجمار والاستنجاء -كما سلف لنا- فقد ثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم العدد، وما عداه فإنه يبقى على الأصل وهو عدم التعبد بعدد، فإذا وجدت النجاسة وجد الحكم وهو وجوب الغسل، وإذا انتفت النجاسة انتفى وجوب الغسل.

قال المؤلف رحمه الله: (إحداها: بتراب في نجاسة كلب وخنزير).

هذا القسم الثالث: النجاسة المغلظة، وما هي النجاسة المغلظة؟

قال المؤلف رحمه الله تعالى: هي نجاسة الكلب ونجاسة الخنزير، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني: أن النجاسة المغلظة هي نجاسة الكلب فقط وهذا قول الإمام مالك رحمه الله تعالى، أما الخنزير فإن نجاسته نجاسة متوسطة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة يقول: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب )، فخص النبي صلى الله عليه وسلم الكلب.

فالصواب: أن النجاسة المغلظة هي نجاسة الكلب، أما نجاسة الخنزير فهي نجاسة متوسطة.

وهنا مسألة وهي: هل التغليظ شامل لجميع جسم الكلب أو هو خاص بموضع من مواضع الكلب؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فعندنا ريق الكلب، وروث الكلب، ولبنه، وبوله، ودمه، فالصواب في هذه المسألة: أن هذا خاص بريق الكلب وما ولغ فيه الكلب؛ لأن الأصل عدم التغليظ، فنقتصر على النص، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم )، فالصواب أنه خاص بريق الكلب وما ولغ فيه الكلب، وأما ما يتعلق ببوله، وبروثه ولبنه ومنيه ودمه، فهذه كلها من النجاسات المتوسطة.

وهل هو خاص بكلب دون كلب، أو أنه يشمل الكلب الذي يباح اقتناؤه والكلب الذي لا يباح اقتناؤه؟

نقول: الحديث عام ( إذا ولغ الكلب ) فيشمل الكلب الذي يقتنى ككلب الصيد والحرث والماشية، والكلب الذي لا يقتنى.

وهل يشترط التراب أو نقول: بأن التراب ليس شرطاً؟

قال رحمه الله: (ويجزئ عن التراب أشنان).

الأشنان: نوع من الثمر، يستخدم في غسل الملابس.

وقول المؤلف رحمه الله: (سبع).

يعني: هل يجب التسبيع في نجاسة الكلب، أو ليس واجباً في نجاسة الكلب؟ المؤلف رحمه الله يقول: لا بد من سبع غسلات، وهذا مذهب الشافعي ، ودليل ذلك ما سلف من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك : أن التسبيع ليس شرطاً، وأنه يكتفى بثلاث غسلات؛ لأن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أفتى بالغسل ثلاثاً من ولوغ الكلب، وهذا ثابت عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، لكن نقول: العبرة بما روى الراوي لا بما رأى، والصواب في ذلك ما دام فيه سنة مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد إذاً من سبع مرات.

وقوله رحمه الله: (بتراب) هل لا بد من التراب أو نقول: بأن التراب ليس شرطاً؟

المذهب أن التراب بعينه ليس شرطاً، يعني: لا بد من التراب أو من شيء يقوم مقام التراب، وعند الشافعية أن التراب يتعين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على التراب، وعند الحنفية والمالكية أن التراب ليس شرطاً؛ لأنهم أصلاً ما يرون التسبيع، فلو غسل بدون تراب ثلاث غسلات فإن هذا مجزئ، والحنابلة يقولون: التراب أو ما يقوم مقام التراب من أشنان أو صابون ونحو ذلك.

والصواب في ذلك ما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ( أولاهن بالتراب )، وفي لفظ: ( إحداهن بالتراب )، فنقول: لا بد من التتريب، وإذا ثبت أن غير التراب يقوم مقام التراب في النظافة نقول: يكتفى به، فلو ثبت أن الصابون أو الكلوركس، أو نحو ذلك يقوم مقام التراب بالتطهير فيكتفى بذلك؛ لأن بعض المتأخرين يقول: بأن لعاب الكلب لا يطهره إلا التراب، يعني فيه جراثيم لا يطهرها إلا التراب، وعلى كل حال إن ثبت أن غير التراب يقوم مقام التراب فهو على ما ذهب إليه الحنابلة، وإن لم يثبت فعلى ما ذهب إليه الشافعية من تعين التراب.

وهل التتريب يكون في الغسلة الأولى أو في الغسلة الأخيرة؟

نقول: هذا كله جائز، لكن الأولى أن تكون في الغسلة الأولى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أولاهن بالتراب )، يعني: يضع التراب، ثم يضع عليه الماء، ثم بعد ذلك يحركه فتكون غسلة، ثم الغسلة الثانية، والثالثة والرابعة، وهكذا حتى سبع غسلات.

فإن قيل: لماذا السبع مع أننا نقول: إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وقد يزول أثر لعاب الكلب بغسلتين أو ثلاث، فلماذا نغسل سبع مرات؟ نقول: هكذا جاء الحديث كما قال الإمام أحمد رحمه الله، ونقول: هذه سنة مستقلة عن قاعدة إزالة النجاسات: أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً إذا زالت بأي مزيل طهر المحل، فهذه قاعدة، نستثني منها ولوغ الكلب فقد ورد فيه سنة مستقلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا له نظائر، فمثلاً: لكي نقطع اليد في السرقة لا بد من حرز يكسر ويأخذ المتاع، لكن أحياناً لا نشترط الحرز، كما إذا جحد العارية؛ لأنه ورد فيه سنة مستقلة مستثناة من هذا الباب الكبير.

قال المؤلف رحمه الله: (وفي نجاسة غيرهما سبع بلا تراب).

هذا تكلمنا عليه وقلنا: إن النجاسة المتوسطة المشهور من المذهب أنه لا بد فيها من سبع غسلات.

قال رحمه الله: (ولا يطهر متنجس بشمس ولا ريح ولا دلك).

المؤلف رحمه الله تعالى ذكر ثلاثة أقسام: النجاسة على الأرض، والنجاسة المتوسطة، والنجاسة المغلظة، وبقينا في النجاسة المخففة، وهذه سيأتي بيانها -إن شاء الله-.

قوله رحمه الله: (متنجس) ولم يقل: نجس؛ لأنه عندنا نجس وعندنا متنجس، فالمتنجس هو الشيء الطاهر، أو العين الطاهرة التي طرأت عليها نجاسة، مثل: الثوب عين طاهرة طرأت عليه نجاسة، وهذه يسميها العلماء رحمهم الله بالنجاسة الحكمية، أما النجس فهو العين التي ذاتها وأصلها نجس مثل: الغائط، والبول والكلب، فهذه عينها وذاتها نجسة، فالنجس على المذهب لا يطهر أبداً، فلو غسلت الكلب بماء البحر، أو غسلت الروث ما طهر أبداً، لكن المتنجس أن تكون العين طاهرة ثم تطرأ عليها النجاسة، هذا هو الذي يطهر، وما هي آلة تطهيره؟

أراد المؤلف رحمه الله أن يبين آلة تطهيره فقال: المتنجس لا يطهر بالشمس، ولا بالريح، وكذلك لا يطهر بالدلك، فلو أتيت بالثوب أو الفراش وقد أصابه بول وجعلته في الشمس وذهب أثر البول فيقول لك: ما طهر، أو عرضته للريح وذهب أثر النجاسة كذلك يقول: لا يطهر، أو بالدلك على الشيء الصقيل كالطاولة حيث وقع عليها شيء من البول وأتيت بالمنديل ومسحته فكذلك لا يطهر، وإنما الماء هو الذي يطهر.

وجمهور العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: يشترط الماء لتطهير المتنجس، واستدلوا على ذلك بما تقدم في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بال الأعرابي أمر بذنوب من ماء فأهريق على بوله )، وكذلك أيضاً في الصحيحين في حديث أسماء : ( في الثوب يصيبه دم الحيض؟ قال: تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه )، فقال: ( تقرصه بالماء ).

والرأي الثاني رأي أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن المتنجس يطهر بأي مطهر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، واستدلوا على ذلك بأن الإجماع قائم على أن الخمر تطهر إذا استحالت بنفسها، فالخمر إذا انتقلت من كونها خمراً إلى كونها خلاً فإنها تطهر، والإجماع قائم على ذلك، وكذلك ذيل المرأة يطهره ما بعده، وكما جاء في الحديث: ( الخف طهوره التراب ) يعني: يكفي أن يمسح عليه، ولما ذكرنا من القاعدة: أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً، إذا زالت بأي مزيل طهر المحل، فالصواب في ذلك: أن المتنجس يطهر بالشمس، ويطهر بالدلك، ويطهر بالريح، ويدل لذلك سائر أدلة الاستجمار كما استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأن الماء ليس شرطاً، فالإنسان ينتهي من قضاء الحاجة ويأخذ المنديل أو الحجر ويمسح، فسائر أدلة الاستجمار تدل على أن الماء ليس شرطاً، وأيضاً بعض الأشياء الآن مع تقدم العلم كالتطهير بالبخار، وبعض الأثواب وبعض الأوراق ما تطهر بالماء، وإنما تنشفها بالمنديل ونحو ذلك، هذه تكون طهارتها طهارة الثياب كما ذكر شيخ الإسلام أن الثياب لو أنك غسلتها بالماء فسدت، فطهارة كل شيء بحسبه، وكما ذكرنا أن الصواب أن الماء ليس شرطاً، وأن المتنجس يطهر بأي مزيل.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع