القوة .. سِرُّ عز الأمة


الحلقة مفرغة

الحمد لله؛ خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضَّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرَّم، أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعزُّ الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدِّين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فمن اتقى ربه فاز وسعد، ونال يوم الجزاء جميل ما وُعد، أخلصوا لربكم في العبادة والطاعة، والزموا الجمعة والجماعة، وبادروا الأعمار بصالح الأعمال، وأعدوا العدة ليوم لا بيع فيه ولا خلال، اعتبروا بما طوت الأيام من صحائف السالفين، واتعظوا بما أذهبت المنايا من أماني المسرفين.

أيها المسلمون! ما أجمل القوة في الحق حين تندفع برداً وسلاماً، فترفع المظالم النازلة على الأفئدة الكسيرة، وتطفئ الآلام المبرحة التي تحل بالمظلومين والمستضعفين، ولا يعرف فضل القوة المؤيدة للحق إلا من شقي تحت وطأة الطغيان دهراً طويلاً، إن الضعيف والمظلوم كليهما يستقبلان طلائع القوة وزمجرتها كبوارق صبح تشق دامس الظلام، ما أجمل القوة العادلة عندما تحق الحق وتبطل الباطل.

فضل القوة في الحق

إن القوة التي تقيم بين الناس موازين القسط، وتبسط بينهم العدل، هي ما أمر به الإسلام، وربى عليه أتباعه؛ بل حضَّ على بذل النفس والنفيس من أجله، وفي الحديث الصحيح: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير } وفي التنـزيل العزيز: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60].

الحق المسلوب لن يستطيع رده إلا رجال، لهم جرأة في الحق تربو على جرأة عدوهم في الباطل، وعندهم حرص على التضحية في سبيل الله أشد من حرص عدوهم على المؤامرة والسطو والاحتفاظ بمكاسب الحرام.

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].

إن القوة التي تقيم بين الناس موازين القسط، وتبسط بينهم العدل، هي ما أمر به الإسلام، وربى عليه أتباعه؛ بل حضَّ على بذل النفس والنفيس من أجله، وفي الحديث الصحيح: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير } وفي التنـزيل العزيز: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60].

الحق المسلوب لن يستطيع رده إلا رجال، لهم جرأة في الحق تربو على جرأة عدوهم في الباطل، وعندهم حرص على التضحية في سبيل الله أشد من حرص عدوهم على المؤامرة والسطو والاحتفاظ بمكاسب الحرام.

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].

إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق.

ومع طغيان الأثرة، واستبداد الظلم، وانفلات موازين الحق والعدل؛ يبقى العالم محتاجاً إلى القوة التي تعرف العدل والنظام مثل حاجته إلى الطعام والشراب أو أشدّ، بل لا لذة لطعام ولا شراب إذا ساد الخوف وفشا الظلم.

أيها الإخوة المسلمون! لقد تغير الزمن على المسلمين، فانكمشوا بعد امتداد، ووهنوا من بعد قوة، وما ذلك إلا لسر؛ ولكنه ليس بسر، لقد كشفه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت ).

هذا هو مبعث الوهن الحقيقي، وذلكم هو سر الضعف المهين، أن تخرج الأمة إلى دنياها ومتاعها، فتعيش أسيرة لأوضاعها الرتيبة، متعلقة بشهواتها، لا هم لها إلا الرغائب المادية.

حب الدنيا يجعل الهمام ضعيفاً رخواً خواراً، يضعف أمام امرأة يحبها، أو شهوة يطلبها، أو لذة عارضة ينشدها.

وكراهية الموت تجعل الأفراد والجماعات يؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتاً من بعد موت، وذلاً من بعد ذل، على موتٍ كريم يحيون بعده حياة الخالدين.

حياة الغثاء

حياة الغثاء لها سمتان:

أولاهما: خفة الوزن.

وثانيهما: التفكك والتحلل.

وكل ذلك يولد نتيجة مخيفة، إنها فقد السير على الصراط المستقيم، فالغثاء يساق مساق الزبد الجفاء على الأطراف والهوامش.

وفي أجواء الوهن والغثاء يتولد الخفافيش؛ ثرثرتهم أكثر من إنتاجهم، ودعاواهم أكثر من حقائقهم، وشهواتهم أملك لأزمتهم.

الأمة تعيش أزمات وهزائم، وهؤلاء خفافيش سامدون يضحكون ولا يبكون، وفي الأندية يتسامرون، وفي أجواء من الجدل العقيم يتفيقهون؛ بل هم في خوض يلعبون، ديدن كثير منهم التلاسن في القنوات والمحطات والكتابات، مما ولد موت الشعور، وعدم الاكتراث بأحداث الأمة وهمومها.

آثار الوهن

في أحوال الضعف، وحياة الهوان، وهجواء الغثاء، ترى نفوساً تحللت من المعاصي، وشعوباً انحلت بالإسراف، وأقواماً تهدمت لحب الدنيا وكراهية الموت؛ وحينئذٍ ينتصر الكافرون، وينتفش المبطلون.

حين تضعف الأمة، يطمع فيها من لا يستطيع الدفاع عن نفسه، والقطيع السائب تفترسه الكلاب قبل الذئاب، المعارك يربحها أصحاب العقائد والمبادئ والتضحيات، ولا يربحها المهازيل عباد الشهوات، وأسارى الدنيا.

أي ذل وأي إهانة وأي وهن أكبر من أن يقتل فئام من العرب والمسلمين ولا يسمى ذلك إرهاباً، ويقيدون ويؤسرون ولا يعد ذلك ذلاً؟!

أما غيرهم من أبناء الأمم الأخرى، فإن اعتراض طريقهم، أو تهديد أمنهم، أو الوقوف في مصالحهم يعد جريمة كبرى، وينشئ أزمة عالمية، ويشغل المحافل الدولية، وتتردى أصداؤه في وسائل الإعلام الكبرى.

أوضاع حلت بالأمة في كثير من ديارها وأصقاعها، دكت كيانها، ومزقت شملها، وأغرت أعداءها بالانقضاض عليها.

أيها المسلمون! إن المسلم لا يقيم العزاء على شيء فاته، ولا يندب حظه لأمر نزل به، ولكنه ينظر ويتأمل، ويذكر سنن الله، فهو يفقه كل الفقه أن الانتصار والهزيمة ليست حظوظاً عمياء ولا هي خبط عشواء.. كلا ثم كلا! بل إن الأمور تسير إلى نهايتها وفق سنن الله ومقاديره، ولا مبدل لحكمه، وعند النظر والتحقيق والحساب الدقيق، تدرك أن الضعيف هو الذي فعل ذلك بنفسه، والمنتحر لا يتهم أحد بقتله، فهو قاتل نفسه.

حياة الغثاء لها سمتان:

أولاهما: خفة الوزن.

وثانيهما: التفكك والتحلل.

وكل ذلك يولد نتيجة مخيفة، إنها فقد السير على الصراط المستقيم، فالغثاء يساق مساق الزبد الجفاء على الأطراف والهوامش.

وفي أجواء الوهن والغثاء يتولد الخفافيش؛ ثرثرتهم أكثر من إنتاجهم، ودعاواهم أكثر من حقائقهم، وشهواتهم أملك لأزمتهم.

الأمة تعيش أزمات وهزائم، وهؤلاء خفافيش سامدون يضحكون ولا يبكون، وفي الأندية يتسامرون، وفي أجواء من الجدل العقيم يتفيقهون؛ بل هم في خوض يلعبون، ديدن كثير منهم التلاسن في القنوات والمحطات والكتابات، مما ولد موت الشعور، وعدم الاكتراث بأحداث الأمة وهمومها.




استمع المزيد من الشيخ صالح بن حميد - عنوان الحلقة اسٌتمع
حق الطريق وآداب المرور 3698 استماع
وسائل الإعلام والاتصال بين النقد الهادف والنقد الهادم 3089 استماع
اللغة .. عنوان سيادة الأمة 3073 استماع
الطلاق وآثاره 3015 استماع
لعلكم تتقون 3001 استماع
الماء سر الحياة 2957 استماع
من أسس العمل الصالح 2934 استماع
الزموا سفينة النجاة 2883 استماع
قضية البوسنة والهرسك.. المشكلة والحل 2873 استماع
بين السلام وإباء الضيم 2852 استماع