خطب ومحاضرات
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب صفة الحج ودخول مكة - حديث 780-785
الحلقة مفرغة
الحديث رقم (762) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات، وقال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة)، يعني هذا ابن مسعود رضي الله عنه هو الذي فعل ذلك، متفق عليه.
تخريج الحديث
ولذلك مثل هذا الحديث المصنف رحمه الله يقول: متفق عليه، حقه أن يقال: رواه الستة، بل حقه أن يقال: رواه السبعة؛ لأن الإمام أحمد خرجه في مسنده، ورواه ابن خزيمة وأبو عوانة والبيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة وغيرهم.
معاني ألفاظ الحديث
وفيه: (الجمرة)، والجمرة كأنها مأخوذة من الحصى الصغار، فإن العرب يسمونها: الجمرة ويجمعونها على الجمار، فسميت الجمرة باسم الحصاة التي ترمى بها.
وقوله: (هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة)، هذا دليل على جواز تسمية سور القرآن بمثل ذلك، وإنما خص ابن مسعود رضي الله عنه سورة البقرة؛ لأن كثيراً من المناسك جاءت في هذه السورة، وقال بعضهم: لأن سورة البقرة هي السورة التي ذكر فيها الرمي.
ولا أعلم أن الرمي ذكر في هذه السورة، وإلا أن يكون المقصود الذكر، فإن عائشة رضي الله عنها تقول -كما عند الدارمي وغيره بسند صحيح موقوفاً على عائشة، ولا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم-: ( إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله عز وجل )، وفي سورة البقرة ربنا سبحانه يقول: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203].
ويحتمل أن يكون ابن مسعود ذكر سورة البقرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الدعاء عند رمي الجمار، حتى قال بعضهم: ( أنه كان يطيل بقدر ما يقرأ القارئ سورة البقرة )، في غير هذا الموضع، يعني: ليس عند جمرة العقبة.
فوائد الحديث
فيه أولاً: بيان موضع الرمي، وخاصة رمي جمرة العقبة أنه يرميها من بطن الوادي كما قال جابر رضي الله عنه، وكذلك ابن مسعود هنا كان حديثه أكثر تصريحاً وتوضيحاً: ( أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم رماها )، ومن أي موضع رمى الجمرة أجزأه ذلك، وإنما هذا هو الموضع الفاضل.
من فوائد الحديث: التكبير، وحكمة الرمي أنها لإقامة ذكر الله عز وجل، كما ذكرت عائشة رضي الله عنها.
من فوائد الحديث: بيان خصوصية جمرة العقبة، فجمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى، وهي الأبعد من منى، والأقرب إلى مكة، وهي تقع على الحد ما بين منى ومكة، هذه الجمرة لها خصوصية عن بقية الجمرات، ممكن نستذكر خصوصية جمرة العقبة.
أول خصوصية أنها ترمى يوم النحر، وترمى قبل طلوع الفجر كما رجحناه واخترناه من أقوال أهل العلم، وهو الذي دل عليه الدليل، فهذه من خصوصيات جمرة العقبة.
أيضاً من خصوصياتها: أن التلبية تنتهي عندها كما دل عليه لفظ مسلم : ( حتى بلغ الجمرة ).
ويوجد خصوصية للجمرة أنها ترمى واحدة يوم النحر.
ومن خصوصياتها أيضاً: أنها ترمى من أسفلها، من بطن الوادي كما قال جابر رضي الله عنه، وكما وصف ابن مسعود بخلاف بقية الجمرات.
الحديث رواه البخاري في الحج، باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره، ومسلم أيضاً فيمن رمى من بطن الوادي، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
ولذلك مثل هذا الحديث المصنف رحمه الله يقول: متفق عليه، حقه أن يقال: رواه الستة، بل حقه أن يقال: رواه السبعة؛ لأن الإمام أحمد خرجه في مسنده، ورواه ابن خزيمة وأبو عوانة والبيهقي والدارقطني وابن أبي شيبة وغيرهم.
في الحديث قوله: (رمى جمرة العقبة)، والرمي يعني: القذف أو الحذف، وهذا دليل على أنه لابد أن يرميها رمياً ولا يجوز له أن يضعها وضعاً في الحوض.
وفيه: (الجمرة)، والجمرة كأنها مأخوذة من الحصى الصغار، فإن العرب يسمونها: الجمرة ويجمعونها على الجمار، فسميت الجمرة باسم الحصاة التي ترمى بها.
وقوله: (هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة)، هذا دليل على جواز تسمية سور القرآن بمثل ذلك، وإنما خص ابن مسعود رضي الله عنه سورة البقرة؛ لأن كثيراً من المناسك جاءت في هذه السورة، وقال بعضهم: لأن سورة البقرة هي السورة التي ذكر فيها الرمي.
ولا أعلم أن الرمي ذكر في هذه السورة، وإلا أن يكون المقصود الذكر، فإن عائشة رضي الله عنها تقول -كما عند الدارمي وغيره بسند صحيح موقوفاً على عائشة، ولا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم-: ( إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله عز وجل )، وفي سورة البقرة ربنا سبحانه يقول: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203].
ويحتمل أن يكون ابن مسعود ذكر سورة البقرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الدعاء عند رمي الجمار، حتى قال بعضهم: ( أنه كان يطيل بقدر ما يقرأ القارئ سورة البقرة )، في غير هذا الموضع، يعني: ليس عند جمرة العقبة.
في الحديث فوائد:
فيه أولاً: بيان موضع الرمي، وخاصة رمي جمرة العقبة أنه يرميها من بطن الوادي كما قال جابر رضي الله عنه، وكذلك ابن مسعود هنا كان حديثه أكثر تصريحاً وتوضيحاً: ( أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم رماها )، ومن أي موضع رمى الجمرة أجزأه ذلك، وإنما هذا هو الموضع الفاضل.
من فوائد الحديث: التكبير، وحكمة الرمي أنها لإقامة ذكر الله عز وجل، كما ذكرت عائشة رضي الله عنها.
من فوائد الحديث: بيان خصوصية جمرة العقبة، فجمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى، وهي الأبعد من منى، والأقرب إلى مكة، وهي تقع على الحد ما بين منى ومكة، هذه الجمرة لها خصوصية عن بقية الجمرات، ممكن نستذكر خصوصية جمرة العقبة.
أول خصوصية أنها ترمى يوم النحر، وترمى قبل طلوع الفجر كما رجحناه واخترناه من أقوال أهل العلم، وهو الذي دل عليه الدليل، فهذه من خصوصيات جمرة العقبة.
أيضاً من خصوصياتها: أن التلبية تنتهي عندها كما دل عليه لفظ مسلم : ( حتى بلغ الجمرة ).
ويوجد خصوصية للجمرة أنها ترمى واحدة يوم النحر.
ومن خصوصياتها أيضاً: أنها ترمى من أسفلها، من بطن الوادي كما قال جابر رضي الله عنه، وكما وصف ابن مسعود بخلاف بقية الجمرات.
الحديث رقم (763) عن جابر رضي الله عنه قال: ( رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس ) رواه مسلم .
رواه مسلم في الحج، باب وقت استحباب الرمي، ورواه أبو عوانة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو من حديث جابر الطويل الذي شرحناه أمس.
حكم الرمي قبل الزوال أيام التشريق وأقوال أهل العلم فيه
والآن نشير إلى مسألة الرمي، هل يكون بعد الزوال، أو يكون قبل الزوال.
القول الأول: عدم جواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق وأدلته
ومن الأدلة: أن هذا هو ما كان عليه فعل الصحابة رضي الله عنهم، حتى قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله تعالى عليه: "أني بعد البحث والتحري، وطول الدراسة لم أجد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم رموا قبل الزوال، وهذا دليل على أنه لا يجوز عندهم". هذا هو القول الأول.
القول الثاني: جواز الرمي قبل الزوال في يوم النفر وأدلته
القول الثالث: جواز الرمي قبل الزوال في سائر أيام التشريق وأدلته
أولاً: قول الله سبحانه وتعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]، فقالوا: إن الأيام المعدودات التي ذكرها الله تعالى هي أيام التشريق، واليوم يبدأ بعد الفجر، وقد يقال: بعد طلوع الشمس، فهو محلٌ للذكر، فظاهر القرآن الكريم يدل على أن هذه الأيام هي محل لذكر الله، والرمي من ذكر الله، ومعه ذكر الله عز وجل، وهو إنما شرع لإقامة ذكر الله، فمثله في ذلك مثل بقية المناسك التي تفعل في هذا اليوم. هذا من أدلتهم، وقد ذكره الشيخ السعدي في رسالته.
كذلك استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الجمار توقيتاً محدداً مثل المواقيت في الصلوات وغيرها التي لا يمكن العدول عنها؛ بدليل أن هذه الأشياء ليس فيها نصوص صريحة، وغاية ما فيها فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والفعل يدل على الاستحباب، يدل على السنية، لكن ليس فيه القطع بأن الوقت يبتدئ قبل الزوال، وقد يقال: إنه مثل عرفة عند الإمام أحمد، الإمام أحمد يرى أن يوم عرفة من الفجر، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما وقف بـعرفة إلا بعد زوال الشمس، والجمهور على خلاف قول الإمام أحمد، لكن ظاهر الدليل ذكرنا أنه يدل على أن لقوله حظاً من النظر، ومما يعزز هذا الاحتمال أن ابن عمر رضي الله عنه لما سأله السائل وقال: (متى أرمي؟) في أول الأمر لم يبين له ذلك، حتى أعاد عليه، فقال له: [ إذا رمى إمامك فارم ]، مما يدل على السعة، فلما ألح عليه في السؤال قال: [ كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا ]، ولم يذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً صريحاً.
و العادة في الشريعة أن المواقيت في العبادات من أهم وأخطر الأشياء، حتى إن المواقيت منضبطة، مثل مواقيت الصلوات، صلاة الظهر مثلاً بالزوال، بحيث لو صلى قبل الزوال لم تصح صلاته باتفاق العلماء قولاً واحداً، وكذلك صلاة المغرب مثلاً بغروب الشمس، صلاة الفجر بطلوع الفجر، ولابد أن تكون قبل طلوع الشمس، فالمواقيت تتوفر الدواعي في الشريعة على ضبطها وإتقانها، وروايتها ونقلها نقلاً مستفيضاً واضحاً، بينما فيما يتعلق برمي الجمرات الأمر فيه عموم، ومجرد فعل من النبي صلى الله عليه وسلم.
بل يستدلون -ثالثاً- بأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة بالرمي ليلاً، وقال عليه الصلاة والسلام -كما عند ابن خزيمة وغيره-: ( الراعي يرعى بالنهار ويرمي بالليل )، فقالوا: إذا كان الرمي بالليل رخصة، فالرمي بالنهار قبل الزوال يكون رخصة مثله أو نحوه أو قريباً منه.
واستدلوا أيضاً بحديث عاصم بن عدي، وسوف يأتي هذا الحديث؛ لأنه من أحاديث البلوغ، وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يؤخروا رمي الجمرات إلى اليوم الأخير، ثم يرمون الذي فاتهم، ثم الذي بعده ) وهو حديث صحيح، فقالوا: تأخير رمي الجمرات إلى اليوم الأخير يدل على أن ما قبل الزوال يعتبر رخصةً مثله.
وكذلك استدلوا بما رواه الفاكهي بسند صحيح: أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه -وهو صحابي جليل- كان يرمي الجمرات أيام التشريق قبل الزوال، وهذا الحديث حجة أنه وجد من الصحابة رضي الله عنهم من رمى قبل الزوال.
فهذه أدلة على ما ذكرنا.
الراجح في الرمي قبل الزوال
أولاً: اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقة ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
وفيه ثانياً: الخروج من خلاف العلماء، ولا شك أن الخروج من الخلاف في هذه المسألة التعبدية مطلب، ويبقى أن القول الثاني هو قول لبعض أهل العلم، كما ذكرناه عن ابن الزبير أو عن عطاء، أو عن طاوس، أو عمن ذكرنا من الحنفية، رواية عن الإمام أحمد في يوم النفر، بعض الفقهاء المتأخرين الذين نصروا هذا القول كالشيخ ابن سعدي، والشيخ البليهي والشيخ ابن جبرين، وأيضاً بعض المشايخ أظن الشيخ عبد الله المطلق، ونحوهم أيضاً الشيخ عبد الله المنيع، وكثير من فقهاء الأمصار، فهذا قول وإن لم يكن هو القول المشهور، وليس المطلوب أن يتحول هذا القول أن يكون هو القول السائد، وإنما الذي في نظري أنه مناسب أن يكون في المناسك نوع من التوسعة على الناس أن يفعلوا ما اقتنعوا به، بمعنى أن نصرة هذا القول ليس المقصود فيها أن يذهب القول الأول ويحل هذا القول محله، لا، وإنما المقصود فيها أن هناك من اقتنع بهذا ورأى له وجاهة، أو هناك من عنده ظروف تستدعي أن يأخذ بهذا القول، أو ظروف الحاج أيضاً، يعني: في وقت من الأوقات كان الناس يقتلون عند الجمرة، وهذا أمر شنيع عند الله سبحانه وتعالى أن يقتل الناس في منسك من المناسك.
والآن لا شك أن التوسعة التي حصلت في الجمرات، وسعت جداً وأزالت كثيراً من الحرج على الناس، لكن أيضا لا يمنع أن نعتقد أن هذا القول سيكون له حاجة يوماً من الأيام، بمعنى أنه لو فكرنا بعدد المسلمين الذين يصلون إلى مليار وخمسمائة مليون، من أجل أن يؤدوا فريضة الحج فقط يحتاج إلى أن يستوعب الحرم عشرات الملايين سنوياً، يعني عشرة ملايين أو أكثر، عشرين مليوناً .. يمكن من خلال سبعين ثمانين سنة أن يحج مليار ونصف مليار إنسان، معناه قطعاً أنه سيموت أناس دون أن يتمكنوا من الحج، طبعاً من الأسباب ضيق المكان، فنكون متعبدين بأن ننظر ليس فقط إلى خصوص المسألة بقدر ما ننظر إلى عموم الحاجة، وأن هذه شريعة عظيمة، شريعة الحج، وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، وهي على كل مسلم قادر مستطيع.
فأن تكون المشاريع والمساكن والأبنية مناسبة لذلك، وأن نفكر بعقلية لهذا العدد الكبير من الناس، أن يستوعبهم السعي، أن يستوعبهم المطاف، المسعى طبعاً بأدواره وبتوسعته الجديدة، وهي التي أقرها كثير من أهل العلم، وهو الذي أرى أنه هو الموافق لما كان عليه الأمر من قبل، فإن المسعى لم يكن محدداً بالطريقة التي وجدناها فيما مضى، وإنما كان في سعة من قبل، وكان الناس يسعون في أرض جرداء فضاء ليس عليها حدود ومعالم واضحة، وهكذا في عهود بني أمية وبني العباس حصل لها توسعة في ذلك كما هو معروف.
فأقول: المسعى وكذلك المطاف أن يكون هناك تفكير في طريقة استيعاب الحجاج وتفويجهم، وكذلك ما يتعلق بالجمرات، وما يتعلق بمنى والبناء فيها، وما يتعلق بـعرفة، وما يتعلق بـمزدلفة، وما يتعلق بما يعتبر عربات القطارات التي يقال: إنها سوف تنطلق هذا العام، كل هذه الأشياء هي جزء من مشروع ينبغي أن يكون مستكملاً، وضمن ذلك قضية الأخذ بالأقوال الفقهية التي ليست أقوالاً شاذة، وليست كما قد يبدو نوعاً من تتبع الرخص لمجردها، وإنما هي اجتهادات، وليس المطلوب أن تفرض هذه الاجتهادات على الناس، لا، ليكن غالب الناس وعامتهم يأخذون بالسنة؛ لأنها سنة، فضلاً عن كونهم يعتقدون أن هذا قول راجح، لكن أيضاً أن يسمح -وهذا هو الذي يحدث الآن- لمن أخذ بهذا القول، أو اجتهد فيه، أو رآه أن يفعل ذلك، دون أن تتحول مثل هذه المسائل إلى مهاترات بين طلبة العلم أو ردود.
الرد العلمي طبيعي ومطلوب ولا بأس به، لكن إذا تحول الرد إلى نوع من التشنيع أحياناً أو التحقير أو الازدراء فلا شك أن هذا لا ينبغي أن يحدث بين طلبة العلم، وأن يؤثر العلماء وطلبة العلم فيما بينهم حسن الظن، وحمل الإنسان على الاجتهاد والنصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، وحتى لما يخطئ نقول: إن شاء الله أخطأ بحسن نية، ونقول: إن شاء الله مجتهد، وإذا رأينا أننا نستكثر عليه كلمة مجتهد، نقول: لعله معذور بنيته الطيبة، أو بأنه قلد أحداً من المجتهدين كـعطاء أو طاوس، أو غيرهم من الأئمة والعلماء!
فمثل هذه المسائل إذا أخذت بهذه الطريقة بدلاً من أن تتحول إلى مسائل للجدل بين طلبة العلم، والاختلاف الذي ربما يجعل الناس يتعجبون، أنه كيف طلبة العلم يتعاملون بهذه الروح فيما بينهم، ونحن نرى أنه ما من مسألة عرضت في هذه الدروس إلا وجدنا أنه حتى المسائل الغريبة، مثل من يقول: إن الوقوف أو المبيت بـمزدلفة ليس سنة، وإنما هو منزل نزله، وجدنا من يقول به مثل: عطاء أو ينسب إليه، أو ينسب إلى ابن عباس أو لغيرهم.
وبناءً عليه نقول: إنه لا تأخذ هذا القول لمجرد أنه قال به إمام جليل فتقلده، لا تعرف الحق بالرجال، وإنما اعرف الرجال بالحق، ومع ذلك احفظ أقدار هؤلاء الأئمة والعلماء، وكذلك قدر إخوانك، وإن كان الله فضلك عليهم بمزيد علم أو معرفة أو إدراك أو بصيرة، أو حتى غيرة، ومع ذلك لعل من كمال علمك وإدراكك وبصيرتك وغيرتك أن ترحم إخوانك الذين خالفوك، وأن تحسن الظن بهم، وأن تختلف معهم وترد عليهم بالدليل وما يترجح عندك، دون أن يفضي هذا إلى الازدراء والتحقير والاتهام، وغير ذلك من الأقوال، وحتى لو وجدت في كلام بعض العلماء والأئمة الكبار أنهم قد يشتدون على بعضهم، لا تقلدهم في ذلك، وإنما اختر أفضل ما عندهم، وقد يكون هؤلاء العلماء معذورين؛ لسعة علمهم، وخطؤهم هذا إن شاء الله مغفور لهم، وينغمر في بحر حسناتهم، لكن أنا وأنت مع إخواننا ومع زملاء لنا ربما الواحد يجور أو يعتدي؛ هذا ليس بلائق.
يعني هذا أنا أقوله بمناسبة موضوع الرمي قبل الزوال، ولا أقصد فيه ذات المسألة بقدر ما أعني عموم المسائل، في الحج أو في غير الحج، مما يختلف فيه طلبة العلم، فإن هذا الاختلاف باق وإلى قيام الساعة، إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى، لن نستطيع أن نزيله، لكن نستطيع أن نحاول تربية أنفسنا وتربية طلابنا وإخواننا على حسن الظن بالآخرين، وعلى الرد بالأسلوب العلمي البعيد عن التهجم أو التجريح، وعلى حفظ مقامات المسلمين عامتهم وخاصتهم.
في هذين الحديثين مسألة لها ذيول، ويطول الجدل حولها، وهي مسألة رمي الجمرات قبل الزوال؛ لأن جابراً رضي الله عنه قال: (وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس)، فهذا دليل على أن رمي الجمرات في اليوم الثاني والثالث يكون بعد زوال الشمس.
والآن نشير إلى مسألة الرمي، هل يكون بعد الزوال، أو يكون قبل الزوال.
القول الأول: أنه لا يجوز رمي الجمرات في أيام التشريق قبل الزوال، وهذا مذهب جمهور العلماء، فهو مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد، وهو أيضاً المذهب المشهور عند أبي حنيفة، واستدلوا على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما دل عليه حديث جابر، كما استدلوا أيضاً بما ذكره ابن عمر رضي الله عنه وهو في الصحيحين، لما سأله رجل: [ متى أرمي؟ قال: إذا رمى إمامك فارم، فأعاد عليه، فقال: كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا ]، فقال: كونه يتحين؛ دليل على أنهم كانوا ينتظرون الزوال حتى يحدث، ثم يقومون بالرمي.
ومن الأدلة: أن هذا هو ما كان عليه فعل الصحابة رضي الله عنهم، حتى قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله تعالى عليه: "أني بعد البحث والتحري، وطول الدراسة لم أجد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم رموا قبل الزوال، وهذا دليل على أنه لا يجوز عندهم". هذا هو القول الأول.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 | 4784 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 | 4394 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 | 4213 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 | 4095 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 | 4047 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 | 4021 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 | 3974 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 | 3917 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 | 3900 استماع |
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 | 3879 استماع |