مختصر التحرير [18]


الحلقة مفرغة

ثم قال المؤلف: [وإطلاقه] أي: إطلاق المشتق. [قبل وجود الصفة المشتق منها مجاز إن أريد الفعل، وحقيقة إن أريدت الصفة].

نعم. يُطلق المشتق أحياناً بدون وجود الصفة المشتق منها، ويكون إطلاقه حينئذٍ مجازاً، مثل: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يوسف:36]، هنا إطلاق الخمر على عنب لم يكن خمراً مجاز.

أيضاً أقول: سيفي هذا قاطع، وأنا إلى الآن ما قطعت به شيئاً، فأطلقت عليه أنه قاطع قبل وجود القطع، فهو مجاز إن أُريد الفعل. أما إذا أردت بقولك: قاطع بأنه صالح للقطع فهو حقيقة.

ومثل ذلك: الإنسان حيوان ناطق، ونسمي به طفلاً لم ينطق حتى الآن، فإن أردت الفعل فهو مجاز، لأنه لم ينطق حتى الآن، وإن أردت الصفة فحقيقة؛ لأن هذا الطفل من الحيوان الناطق، ولهذا قال: [وحقيقة إن أريدت الصفة كسيف قطوع ونحوه].

إذاً: إذا قال لنا قائل: المشتق هل يجوز أن يُذكر قبل وجود الصفة؟ نقول: نعم يجوز، ويكون مجازاً إن أُريد الفعل، وحقيقة إن أريدت الصفة.

صفات الله تعالى وبحثها في الاشتقاق

يقول: [فأما صفات الله تعالى فقديمة]، هكذا أطلق رحمه الله، قال: صفات الله قديمة. وهذا على إطلاقه فيه نظر؛ لأن صفات الله منها قديم ومنها ما هو غير قديم الآحاد، فالصفات الخبرية قديمة كاليد والوجه والعين والساق والقدم، والصفات المعنوية اللازمة لذاته وهي التي تسمى صفات ذاتية؛ هذه قديمة.

أما الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته فهذه قديمة النوع حادثة الآحاد، فمثلاً: الاستواء على العرش فعل، وجنس الفعل قديم، لكن كونه استوى على العرش هذا حادث، إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] ، وهذا يدل على أن الاستواء حادث بعد أن لم يكن، (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)، والنزول فعل، وجنس الفعل قديم؛ لكن النزول حادث؛ لأنه يكون كل ليلة، وأيضاً: هو كان بعد خلق السماء الدنيا.

الضحك فعل، وجنس الفعل قديم، لكن الضحك لوجود سببه كقوله: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر؛ كلاهما يدخل الجنة)، هذا حادث.

فإطلاق أن الصفات قديمة فيه نظر؛ لأنه ربما يوهم مذهب الأشاعرة في الكلام، لأن الأشاعرة يقولون: إن الكلام قديم، وكلام الله لا يتعلق بمشيئته؛ لأنه المعنى القائم بالنفس، وهذا موجود في الأزل.

إذاً نقول: يجب علينا أن نقول في كلمة (صفات الله قديمة) أو قديمة النوع والجنس، أما الآحاد فحديثة بالنسبة للصفات الفعلية.

قال المؤلف: [وحقيقة] يعني: صفات الله تعالى حقيقة ما فيها مجاز، فنزول الله حقيقة، ومجيء الله حقيقة، واستواء الله حقيقة، وضحك الله حقيقة، ورضا الله حقيقة.. وهكذا، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، خلافاً لمن قال: إن الله سبحانه وتعالى لا صفات له، وأن صفاته مجاز عن صفات خلقه، وهؤلاء هم المعتزلة، فإنهم يقولون: إن الله تعالى له أسماء وليس له صفات، فهو عليم بلا علم، وقدير بلا قدرة، وسميع بلا سمع، وبصير بلا بصر. لماذا يا جماعة؟ قالوا: لأن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذا خطر عظيم؛ لأن تعدد الصفات مهما بلغ من الكثرة لا يلزم منه تعدد الموصوف أبداً، وإلا لقلنا: كم من إنسان من واحد؟

كثير، لو قلنا: إن الإنسان إذا وصف بالسمع والبصر والكلام والقوة والضعف وما أشبه ذلك.. لو قلنا إنه يتعدد بتعدد هذه الصفات لكان البشر عدة أنواع.

هم يقولون: إن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء، يعني: تعدد الآلهة، نقول: هذا خطأ، وأنتم بأنفسكم الآن تسمعون وتبصرون وتأكلون وتشربون، ففيكم هذه الصفات، ومع ذلك فالواحد منكم لا يلبس إلا ثوباً واحداً وجبة واحدة، فكيف تقولون: إن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء؟

والأشاعرة قالوا: صفات الله حقيقة في سبع صفات فقط، والباقي مجاز، فالرحمة مجاز عن الإحسان أو عن إرادته، والرضا مجاز عن الثواب أو عن إرادته.. وهكذا.

أهل السنة والجماعة يقولون: كل الصفات حقيقة.

المشتق حال وجود الصفة وبعد انقضائها

قال: [والمشتق حال وجود الصفة حقيقةً وبعد انقضائها مجاز].

هذا أيضاً معلوم مفهوم، لكن أتى به المؤلف للتوضيح، ومعناه أن المشتق إذا كانت الصفة لم تزل موجودة فهو حقيقة، وإذا كان باقياً بعد انقضاء الصفة فهو مجاز، فاليتيم ما دام لم يبلغ فالصفة حقيقة، لأن اليتم لا يزال باقياً، فقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] حقيقة.

أما قوله: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] فهو مجاز، لأننا لا نعطيه ماله ما دام يتيماً، بل حتى إذا بلغوا النكاح فادفعوا إليهم أموالهم.

يمكن أن نمثل بهذا على كلام المؤلف: (المشتق حال وجود الصفة حقيقةً)، أيُّ الآيتين التي تنطبق على هذا؟

الجواب: قوله: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] .

(وبعد انقضائها مجاز)، الآية: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2] فإنهم الآن ليسوا يتامى.

يقول: [فأما صفات الله تعالى فقديمة]، هكذا أطلق رحمه الله، قال: صفات الله قديمة. وهذا على إطلاقه فيه نظر؛ لأن صفات الله منها قديم ومنها ما هو غير قديم الآحاد، فالصفات الخبرية قديمة كاليد والوجه والعين والساق والقدم، والصفات المعنوية اللازمة لذاته وهي التي تسمى صفات ذاتية؛ هذه قديمة.

أما الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته فهذه قديمة النوع حادثة الآحاد، فمثلاً: الاستواء على العرش فعل، وجنس الفعل قديم، لكن كونه استوى على العرش هذا حادث، إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] ، وهذا يدل على أن الاستواء حادث بعد أن لم يكن، (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)، والنزول فعل، وجنس الفعل قديم؛ لكن النزول حادث؛ لأنه يكون كل ليلة، وأيضاً: هو كان بعد خلق السماء الدنيا.

الضحك فعل، وجنس الفعل قديم، لكن الضحك لوجود سببه كقوله: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر؛ كلاهما يدخل الجنة)، هذا حادث.

فإطلاق أن الصفات قديمة فيه نظر؛ لأنه ربما يوهم مذهب الأشاعرة في الكلام، لأن الأشاعرة يقولون: إن الكلام قديم، وكلام الله لا يتعلق بمشيئته؛ لأنه المعنى القائم بالنفس، وهذا موجود في الأزل.

إذاً نقول: يجب علينا أن نقول في كلمة (صفات الله قديمة) أو قديمة النوع والجنس، أما الآحاد فحديثة بالنسبة للصفات الفعلية.

قال المؤلف: [وحقيقة] يعني: صفات الله تعالى حقيقة ما فيها مجاز، فنزول الله حقيقة، ومجيء الله حقيقة، واستواء الله حقيقة، وضحك الله حقيقة، ورضا الله حقيقة.. وهكذا، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، خلافاً لمن قال: إن الله سبحانه وتعالى لا صفات له، وأن صفاته مجاز عن صفات خلقه، وهؤلاء هم المعتزلة، فإنهم يقولون: إن الله تعالى له أسماء وليس له صفات، فهو عليم بلا علم، وقدير بلا قدرة، وسميع بلا سمع، وبصير بلا بصر. لماذا يا جماعة؟ قالوا: لأن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذا خطر عظيم؛ لأن تعدد الصفات مهما بلغ من الكثرة لا يلزم منه تعدد الموصوف أبداً، وإلا لقلنا: كم من إنسان من واحد؟

كثير، لو قلنا: إن الإنسان إذا وصف بالسمع والبصر والكلام والقوة والضعف وما أشبه ذلك.. لو قلنا إنه يتعدد بتعدد هذه الصفات لكان البشر عدة أنواع.

هم يقولون: إن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء، يعني: تعدد الآلهة، نقول: هذا خطأ، وأنتم بأنفسكم الآن تسمعون وتبصرون وتأكلون وتشربون، ففيكم هذه الصفات، ومع ذلك فالواحد منكم لا يلبس إلا ثوباً واحداً وجبة واحدة، فكيف تقولون: إن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء؟

والأشاعرة قالوا: صفات الله حقيقة في سبع صفات فقط، والباقي مجاز، فالرحمة مجاز عن الإحسان أو عن إرادته، والرضا مجاز عن الثواب أو عن إرادته.. وهكذا.

أهل السنة والجماعة يقولون: كل الصفات حقيقة.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر التحرير [69] 3202 استماع
مختصر التحرير [54] 3191 استماع
مختصر التحرير [70] 3080 استماع
مختصر التحرير [33] 2825 استماع
مختصر التحرير [36] 2823 استماع
مختصر التحرير [47] 2754 استماع
مختصر التحرير [23] 2743 استماع
مختصر التحرير [45] 2741 استماع
مختصر التحرير [4] 2691 استماع
مختصر التحرير [34] 2624 استماع