التفقه في الدين فضله ووسائله


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله.

أشكره ولا أكفره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الملكُ الحقُّ المبينُ، إله الأولين والآخرين.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله؛ بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة: أحييكم بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

ثم بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على رسوله، فلا بد من شكر من كان له فضلٌ في ترتيب هذا اللقاء وتنظيم هذا الاجتماع في هذا البيت من بيوت الله.

ومن أخص من يخص بالذكر فضيلة إمام المسجد الشيخ حمد المطوع ، والشيخ تركي بن قعود ، وآخرين من ورائهم لا تعلمونهم الله يعلمهم!

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزي كل محسن بإحسانه ويثيبه، ويجعل هذا الاجتماع مقرباً إلى رضوانه، وأن يكتب لنا ذلك في ميزان حسناتنا؛ ما كان منه من صواب، وما كان سوى ذلك، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعفو ويسامح.

أيها الإخوة: الموضوع الذي اختير لهذا اللقاء، وقد اختاره الإخوة هنا، اختاروه بعنوان: التفقه في الدين فضله ووسائله.

وهو موضوع لا شك جدير بالاهتمام، وجدير بالنظر، وجدير بالتذاكر فيه، ولا شك أنهم ما اختاروا هذا إلا لما لهم من خبرة، ولما يعرفونه من حاجة الناس إلى مثل هذا.

ويكفي لجاذبيته وبيان أهميته: عنوانه (التفقه في الدين) فهو متضمن لكلمتين عظيمتين التفقه والدين، التفقه مضافاً إلى الدين، ولهذا سوف يأتي معنا في ثنايا الحديث إشارات كثيرة، وبخاصة عند قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )؛ فإن هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم -وقد أوتي جوامع الكلم- على وجازتها وعلى قلة ألفاظها، فإنها مليئة بالمعاني كما سوف نشير ولا نستبق الأحداث.

أرجو أن يتسع الوقت للحديث عن جملة من العناصر؛ أذكرها تذكيراً بها: منها التفقه في الدين من حيث معناه، ثم بيان ما كان منه فرض عين وما كان فرض كفاية، ثم إِشارة إلى طبيعة العلم النافع وآثار هذا العلم، وقد يكون فرصة لأن يختبر الإنسان نفسه في هذا الباب، ثم إشارة إلى صفات طالب العلم والفقه؛ صفات على جهة الإجمال، ثم صفات على جهة التفصيل تتضمن الوسائل.

وقبل ذلك فضل العلم وشرف مرتبته؛ لأن العنوان -كما تعرفون- متعلق بالفضائل والوسائل، ثم وسائل عملية، وهي فيها إشارة إلى الصفات ولكنها في الواقع وسائل، منها ما هو وسائل معنوية لا يكاد يتحقق الفقه الحقيقي إلا بها، من الإخلاص والخشية والعمل بالعلم، ثم التلقي عن المشايخ، وسوف يكون لنا فيه وقفة، ثم التواضع وعدم الاستنكاف من تلقي العلم في أي زمن من العمر ومن أي عالم مهما صغر سنه أو لم تكن لك به معرفة من قبل.

ثم مبادرة الشباب، وفرص العمر، والبعد عن الشواغل والتسويف، ثم الأدب لتلقي العلم، ثم عدم التعجل في التصدر، ثم قول لا أدري، ثم عدم الاستنكاف عن السؤال مهما بلغ الإنسان من مراحل علمه وتعلمه.

وهذا إجمال لما سوف يكون الحديث عنه، ولعل الوقت يتسع لكل ذلك، وإن لم يكن فأرجو أن آتي عليه ولو على شيء من الإجمال.

تعريف التفقه

التفقه مأخوذ من الفقه، والتفقه ذاته جاء في خبر الله عز وجل وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، أما خبر الله فقوله سبحانه: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122].

فجاء النص على التفقه في الدين بذاته.

أما خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقوله عليه الصلاة والسلام: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين } .

ولاحظوا أن الآية والحديث كلها ربطت الفقه بالدين، فلا يكون الفقه نافعاً ولا مفيداً إلا حينما يكون مرتبطاً بالدين، وسوف يكون لنا -كما قلت- وقفات عند هذا.

والتفقه مأخوذ من الفقه، والفقه هو الفهم، ولهذا يقول الله عز وجل في المنافقين: لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء:78].

وسوف يأتي معنا كلام جميل لـابن القيم في الفرق بين العلم النافع وغير النافع، بين علم منفي وعلم مثبت.

وصف الله تعالى المنافقين بأنهم لا يفقهون حديثاً، مع أنهم يفقهون ولهم عقول ويفهمون، لكن ما هو الفقه الذي لا يفقهونه؟

يقول الله عز وجل في سحرة اليهود: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102].

في أول الآية أثبت لهم العلم، وفي آخرها نفاه عنهم فما هو الفقه المثبت والمنفي؟

الفقه أخص من الفهم

حينما نقول: الفقه، فإنما نقصد به نوعاً خاصاً من الفهم، فهو فهم مرتبط بالدين، فالتفقه في الدين مقصود به فهم مسائل الدين؛ من صلاة وصوم ومعاملة ونكاح، وكل ما يجب على المكلف معرفته من أمر عباداته ومعاملاته، بل حتى ما يتعلق بعلمه بالله سبحانه وتعالى، وصفاته وما يجب من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص، وهذا كله لا يكون إلا بالعلوم الشرعية المعروفة؛ من التفسير والحديث والفقه والعلوم الخادمة لذلك؛ من المصطلح والأصول ونحو ذلك.

التفقه مأخوذ من الفقه، والتفقه ذاته جاء في خبر الله عز وجل وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، أما خبر الله فقوله سبحانه: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122].

فجاء النص على التفقه في الدين بذاته.

أما خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقوله عليه الصلاة والسلام: {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين } .

ولاحظوا أن الآية والحديث كلها ربطت الفقه بالدين، فلا يكون الفقه نافعاً ولا مفيداً إلا حينما يكون مرتبطاً بالدين، وسوف يكون لنا -كما قلت- وقفات عند هذا.

والتفقه مأخوذ من الفقه، والفقه هو الفهم، ولهذا يقول الله عز وجل في المنافقين: لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء:78].

وسوف يأتي معنا كلام جميل لـابن القيم في الفرق بين العلم النافع وغير النافع، بين علم منفي وعلم مثبت.

وصف الله تعالى المنافقين بأنهم لا يفقهون حديثاً، مع أنهم يفقهون ولهم عقول ويفهمون، لكن ما هو الفقه الذي لا يفقهونه؟

يقول الله عز وجل في سحرة اليهود: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102].

في أول الآية أثبت لهم العلم، وفي آخرها نفاه عنهم فما هو الفقه المثبت والمنفي؟

حينما نقول: الفقه، فإنما نقصد به نوعاً خاصاً من الفهم، فهو فهم مرتبط بالدين، فالتفقه في الدين مقصود به فهم مسائل الدين؛ من صلاة وصوم ومعاملة ونكاح، وكل ما يجب على المكلف معرفته من أمر عباداته ومعاملاته، بل حتى ما يتعلق بعلمه بالله سبحانه وتعالى، وصفاته وما يجب من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص، وهذا كله لا يكون إلا بالعلوم الشرعية المعروفة؛ من التفسير والحديث والفقه والعلوم الخادمة لذلك؛ من المصطلح والأصول ونحو ذلك.

ويتبين ذلك أيضاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).

فعندنا جملة أمور تضمنها هذا الحديث:

أولاً: قوله: (من يرد الله) كأن الأمر راجع إلى إرادة الله سبحانه وتعالى، وإن كان لا شك في أن كل شيء تحت قدرة الله سبحانه وتعالى وإرادته وتصرفه وتدبيره سبحانه وتعالى، لكن لماذا خص الفقه في الدين بارتباطه بإرادة الله سبحانه وتعالى في قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).

فلنا جملة وقفات على هذا الحديث (من يرد الله) ثم (خيراً) ثم (يفقهه في الدين) ثم المفهوم المخالف لهذا الحديث.

وقفة مع (من يرد الله)

من يرد الله: يدل على أن الفقه أحياناً لا ينفع فيه الكسب، وإنما هو راجع إلى ما يفتح الله عز وجل به على طالب العلم من الحق والخير، ولهذا يتنافس الناس في طلب العلم، ولكنَّ هناك أناساً يفتح الله عز وجل عليهم بالعلم وبالورع وبالتقوى وبالصلاح وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65].

وقفة مع لفظ (خيراً)

(خيراً) قال العلماء: إنها مُنَكَّرة، والتنكير هنا للتعظيم، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، فالخيرية في الفقه في الدين وليست في أي فقه، وإنما أن تفقه دينك وأن تفقه أمر دينك، ومفهومه: أن من لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين، وورد حديث عند أبي يعلى قال: {ومن لم يفقهه لم يبالِ الله به }، قال الحافظ ابن حجر : هذه الزيادة ضعيفة، لكن معناها صحيح؛ لأن من لم يتفقه في الدين ويعرف أمور دينه كان على جهل، وإذا كان جاهلاً بأمور دينه، وبما طلب الله عز وجل منه باعتباره مكلفاً، فلا شك أنه لم يرد الله به خيراً، وأنه على خطر كبير.

من يرد الله: يدل على أن الفقه أحياناً لا ينفع فيه الكسب، وإنما هو راجع إلى ما يفتح الله عز وجل به على طالب العلم من الحق والخير، ولهذا يتنافس الناس في طلب العلم، ولكنَّ هناك أناساً يفتح الله عز وجل عليهم بالعلم وبالورع وبالتقوى وبالصلاح وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف:65].

(خيراً) قال العلماء: إنها مُنَكَّرة، والتنكير هنا للتعظيم، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، فالخيرية في الفقه في الدين وليست في أي فقه، وإنما أن تفقه دينك وأن تفقه أمر دينك، ومفهومه: أن من لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين، وورد حديث عند أبي يعلى قال: {ومن لم يفقهه لم يبالِ الله به }، قال الحافظ ابن حجر : هذه الزيادة ضعيفة، لكن معناها صحيح؛ لأن من لم يتفقه في الدين ويعرف أمور دينه كان على جهل، وإذا كان جاهلاً بأمور دينه، وبما طلب الله عز وجل منه باعتباره مكلفاً، فلا شك أنه لم يرد الله به خيراً، وأنه على خطر كبير.