أرشيف المقالات

المحاورات بين المصلح والمقلد

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
المحاورة الرابعة أسرار الحروف والزايرجة والجفر.
اقرأ تفرح جرب تحزن.
هل أسرار الحروف محصورة في المسلمين وحروفهم.
دفع الله الناس بعضهم ببعض. اختلاف الخطوط العربية وفي أيها السر.
مبتدع هذه الأمور طائفة الباطنية.
رسالة كشف الحقائق في أصول عقائد الدروز المبنية على أشكال الحروف وأعدادها. غرائب وعجائب في ذلك.
الباطنية والصوفية.
تجربة منفعة الحروف.
أسباب النفع.
الولع بالغرائب.
الوهم.
تأثير النفس.
فائدة التاريخ. رجع الشيخ والشاب إلى الحوار.
ومبادلة الأفكار.
وأراد الشاب أن يتكلما في مسألة مرض المسلمين الاجتماعي وعلاجه , ويشرح للشيخ رأيه في الاجتهاد والتقليد وكون الإسلام طريقة واحدة لا ينبغي الاختلاف والتفرق فيه على ما تقدم له الإلماع إليه.
فلما علم الشيخ منه ذلك استأناه قائلاً (المقلد) : فاتني أن أذكر لك في محاوراتنا السابقة أسرار الحروف وفعلها في شفاء المرضى وقضاء الحاجات , وهي مبنية على التجربة الصحيحة الواقعية فلا يسعك إنكارها لأنك تقول دائمًا: إن العلم الصحيح هو ما يشهد له الوجود وتؤيده التجربة الصحيحة.
وكذلك الجفر والزايرجة أخبر العارفون بهما بأمور فكانت كما قالوا , ولقد سكتُّ عنهما من قبل لأنني لم أكن أعلم أن لهما طرقًا علمية مضبوطة فخشيت أن تقول فيهما ما قلت في حساب الجمل , وبعد المفارقة رجعت إلى شيخين جليلين عالمين بالزايرجة وأسرار الحروف والأوفاق وقد استغنيا من هذه المعرفة أحدهما مغربي والآخر مصري , وسألتهما عن ذلك فأخبراني أن لهذه العلوم أصولاً صحيحة مضبوطة لاستخراج المجهولات ومعرفة المغيبات لا كحساب الجمل الذي ليس له قاعدة مضبوطة إلا المعروفة في التأريخ به كما ذكرت. (المصلح) : إن كثيرًا من الناس قد اغتروا بمثل هذا الكلام , وصدقوا بأن ما يقال في الأفواه والكتب من أن هذه الأوفاق والحروف مجربة صحيح فجربوا بأنفسهم ما كتبه الديربي وغيره فكانت نتيجة تكرار التجربة أن وضعوا لها هذه القاعدة التي سارت مثلاً وهي (اقرأ تفرح جرب تحزن) وأنا أعتبر التجربة مؤيدة للعلم إذا كانت مطردة لا تتخلف إلا لسبب معلوم ولو في الجملة ولا بد أن يكون العلم بها متيسرًا لكل أحد وإننا نراها هنا على قدم العهد بها محصورة في نفر قليل من الدجالين الذين يحتالون على أكل أموال الناس بالباطل.
ولو كان لها طريق علمي صحيح لارتقت بارتقاء العلوم وتقدمت بتقدمه , ولكننا نراها تتدلى كلما ارتقى العلم الصحيح وتتأخر حيث تتقدم المعارف الحقيقية حتى تلاشت من أكثر بلاد أوروبا وأميركا الشمالية وهي من فروع علم السحر والطلسمات. (المقلد) : مه فإن هذه العلوم والأسرار محصورة في الحروف العربية ومخصوصة بالمسلمين ولذلك لا تصح إلا على أيدي الصالحين , فإذا لم توجد في أوربا وأنكرها أهلها فلا يصح لمثلك إنكارها.
وأما الذين جربوها فلم تصح معهم فسببه أنهم لم يقوموا بشرطها وهو إما الرياضة المخصوصة التي يعرفها أهلها , وإما الإذن من شيخ أعطاه الله تعالى هذا السر , وهذا الكلام ينطبق على شرطك في وجوب اطراد التجربة وعدم تخلفها إلا بسبب وهذا هو السبب.
وهل يسعك إنكار التواتر في صحة هذه التجارب في جميع البلاد الإسلامية؟ لا أتذكر أن هذا الأمر ذكر في مجلس إلا وسمعت الشهادات من الكثيرين بوقوع شيء منه لهم إما شفاء مرض , وإما قضاء حاجة , وإما دفع عاهة {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} (البقرة: 251) . (المصلح) : أرى أنه لم يبق لكم من الاجتهاد إلا وضع آيات القرآن في غير مواضعها فإن قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ} (البقرة: 251) الآية نزلت في سياق حرب داود عليه السلام لجالوت وانتصاره عليه كما نزل قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} (الحج: 40) في الإذن للمسلمين بالجهاد والمدافعة عن أنفسهم لمن يحاربونهم لأنهم مسلمون.
ولا يجيء هنا اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب؛ لأن مسألة أسرار الحروف ليست مما نحن بصدده في شيء. وإذا كان لها وجه إليه صحيح فهو دفع مثلي لهذه الاعتقادات الخرافية التي تفسد عقول الأمة وأخلاقها وأعمالها.
ولنعد إلى الموضوع. أما قولك إن هذه الأسرار مخصوصة بالحروف العربية فهو يقتضي أن السر محصور في هذه الأشكال المعروفة للحروف , وهي مختلفة الآن فخطوط أهل المشرق من عرب وترك وفرس مغايرة لخطوط أهل المغرب , ولا يشبه شيء من خطوط أهل هذه القرون خطوط القرون الأولى زمن الصحابة والتابعين كالخط الكوفي بأشكاله.
ومن يعلم مثار هذه البدع في الملة لا يعجب من دعوى أن لأشكال الحروف أسرارًا , ولو كنت مطلعًا على التاريخ لكفيتني مؤنة التطويل بهذه البديهيات عند العارفين. هذه البدعة من فتن طائفة الباطنية التي هي أشد الطوائف عبثًا في الإسلام وإفسادًا له حتى إن بلاءها لا يزال ينمو ويتجدد إلى الآن , وآخر فرقهم البابية والبهائية.
وقد راجت بدعتهم هذه كأكثر بدعهم في سوق التصوف للتشابه بل والاشتباه بين غلاة المتصوفة وبين الباطنية , وهذا هو منتزع قولك إن هذه الأسرار لا تظهر إلا على أيدي الصالحين أو من أذنوا له بها.
أصاب المسلمين رشاش من تلك البدع فأفسد فيهم ما أفسد , وأما الباطنية أنفسهم فليست الحروف وأشكالها وأعدادها وتناسبها وتخالفها وطبائعها معدودة من أسرار الدين وقواعده الأساسية. وقد مزجوا الكلام عليها بعلم الحساب والنجوم كما فعل حسن الصباح رئيس الإسماعيلية وغيره. أنا لم أكتف بما رأيت في كتب التاريخ العربية من أخبار طوائف الباطنية بل وقفت أيضًا على كثير مما اكتشفه مؤرخو أوروبا وزدت على هذا أن وقفت على بعض الكتب الخطية لطائفة الدروز والنصيرية.
وهذه الكتب من بنات الحقاق ومخبآت الصناديق لا يجوز عندهم طبعها ولا اطلاع أحد غير رؤساء الدين عليها. (المقلد) : أرجو أن تطلعني على شيء من هذه الكتب السرية. (المصلح) : لا أسمح بإعارة هذه الكتب لأحد , ولكنني أقرأ لك منها جملة أو جملتين؛ لتزداد يقينًا.
ثم فتح درجًا من منضدته وأخرج منه رسالة وقال: هذه الرسالة الموسومة بكشف الحقائق.
وهي في أصول مذهب الدروز وقلب منها أوراقًا وقرأ ما يأتي: (وقد ذكرنا لكم في السيرة المستقيمة بأن آدم الصفاء هو العقل , وكان اسمه شطنيل , واسم إبليس حارَت وإنما ذكرناهما في وقت ظهور الصورة البشرية وهو تمام سبعين دورًا , وكذلك قلنا حارت أربعة أحرف (ح) ثمانية (أ) واحد (رت) ستمائة ساقط يبقى من جملة الاسم تسعة.
والتسعة إذا كتبتها كانت أربعة أحرف (ت س ع هـ) والاسمان حارت وإبليس إذا حسبتهما يبقى منهما أربعة أحرف؛ لأن بقية اسم حارت تسعة وبقية اسم إبليس سبعة تسقط اثنا عشر يبقى أربعة أحرف سوى , فقد حسبنا اسمه بالطول والعرض ومزدوجًا وفردًا فوجدناه أربعة أحرف , ووجدنا التاء التي في آخر الاسم حارت أول حروف التسعة دليل على ناموس الناطق وزخرفه في كل عصر وزمان وأن أول النطقاء هو آخرهم , وإنما يتصور في الأقمصة بالتكرار كما أن الولي قائم في كل عصر وزمان.
فبهذا السبب أهل الشرائع يرون محبة الأعداء كافة ولا يرون محبة رجل موحد ولا يكون في الحجة أوضح من هذا ولا أبين منه. ثم رجعنا إلى العقل فوجدناه ثلاثة أحرف , والنفس ثلاثة أحرف لكنهما يفترقان في حساب الجمل الكبير.
وكذلك جهال الشيعة ينظرون إلى العقل والنفس بعين الدعوة لا غير وهما يتفاضلان في المنزلة لأن العقل هو الذكر والنفس بمنزلة الأنثى , والذكر هو المفيد , والأنثى هو المستفيد والعقل إذا حسبناه في حساب الجمل الكبير وجدناه مائتين , والنفس مائة وثلاثين فوجدنا اسم العقل زائدًا عن اسم النفس سبعين درجة وهم حدود الإمامة والتوحيد. وأنا أعدهم لكم بمشيئة مولانا سبحانه حتى لا تشركوا به أحدًا من خلقه. فأولهم (النفس) واثني عشر حجة له في الجزائر وسبعة دعاة للأقاليم السبعة كما قال: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} (المدثر: 30) , و (الكلمة) واثني عشر حجة وسبعة دعاة للأقاليم السبعة لأن للكلمة نظير النفس.
و (السابق) واثني عشر حجة لا غير , و (التالي) واثني عشر حجة لا غير لأن له مثل ما للسابق.
و (الداعي) المطلق وله مأذون ومكاسران فصاروا الجميع سبعين حدًّا منهم تفرعت جميع الحدود العلوية والسفلية , وهم كلهم من قبل العقل , وهو الإمام المؤيد من قبل مولانا سبحانه وتعالى يسقط منهم من يريد , ويرفع درجة من يريد بتأييد مولانا العلي الأعلى سبحانه وإرادته كما قال في القرآن: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يس: 82- 83) . فهؤلاء الحدود السبعون الذين ذكرناهم هم أذرع السلسلة الذي قال في القرآن {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} (الحاقة: 30) أي ضد الإمام إذا بلغ غايته وتمت نظرته خذوه بالحجج العقلية وغلوه بالعهد وهو الذبح الذي قالوا بأن القائم يذبح إبليس الأبالسة {ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ} (الحاقة: 31) أي غوامض علوم قائم الزمان الذي تتحجم العلماء والفهماء عند علمه أي يصمتوا ويتحيروا {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} (الحاقة: 32) أي ميثاق قائم الزمان الذي هو سلسلة بعضها في بعض وهم سبعون رجلاً في دعوة التوحيد {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ} (الحاقة: 33) أي الضد الروحاني ما كان يقر بإمامة شطنيل وفضيلته)
إلخ. (المقلد) : قد ضاق صدري من هذا الكفر الذي لا أساس له إلا هذه الشبه الحسابية , وإني أرى لفظه فاسدًا كمعناه , ولا أدري لِمَ لمْ تصلح عبارته.
ثم إن ما قرأته ليس فيه شيء يدل على اعتبار أشكال الحروف وصورها. (المصلح) : إنني كتبت هذه الرسالة كما وقعت إلي من بعض الجنود العثمانية الذين حاربوا دروز حوران في الفتنة الأخيرة ولم أصلح شيئًا في عبارتها ولا في إملائها؛ لأنني سمعت أن هذا الغلط عندهم علامة على الصحة , وعدم وقوع الكتاب في يد أجنبي.
وأما اعتبارهم أشكال الحروف مع أعدادها فاسمع ما أقرؤه عليك فيه.
ثم قلب أوراقًا وقرأ ما نصه: والألف والباء والتاء والثاء يتشابهون بعضهم ببعض (كذا) غير أن الألف يكتب بالطول والباء والتاء والثاء تكتب بالعرض فالألف دليل على العقل وهو الإمام, والألف قائم بلا نقطة فوقه ولا علامة تحته , والباء دليل على النفس وهي الحجة , وتحته نقطة واحدة لأن بينه وبين العقل حدًّا واحدًا وهو الضد الروحاني فصارت نقطة الباء من تحت حيث عصى الضد أمر باريه , ونافق على إمامه وهاديه , ولو كان الضد طائعًا لكانت نقطة الباء من فوق , فلما سبق الضد صار حزبه أكثر من حزب النفس , والتاء دليل على الكلمة , وفوقها نقطتان دليل على الحدين اللذين فوقه , والثاء دليل على الجناح الأيمن وهو السابق رابع الحدود الذين فوقه في المرتبة وكُتبتُهم (هكذا ضبط في الأصل) بالعرض دليل على طاعتهم للإمام الذي هو العقل وقبولهم منه) وذكر في الرسالة ههنا كلامًا ثم قال: (ثم نرجع إلى الحروف ومعانيها على الترتيب فالجيم والحاء والخاء في الصورة شيء واحد لكن بينهم فرق كثير في الحقيقة؛ لأن الجيم دليل على شريعة الناطق الظاهرة , والنقطة التي تحتها دليل على شريعة الأساس التي هي تحت الظاهرة مستورة فيه إلى أن قال - (والحاء في حساب الجمل ثمانية , وكذلك قائم الزمان احتوى على علم الثمانية الذين هم حملة العرش كما يقال: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: 17) وهو توحيد مولانا العلي الأعلى سبحانه وعبادته.
وكذلك الميم والواو والراء والزاي والنون شيء واحد , وهذه صورتهم عند نزولهم م ور ز ن لكن الميم شكلته من خلفه مدورة , والواو شكلته قدامه , وهذه صورتهما , والنون يبقى على حاله لكن فوقه نقطة , والميم دليل على محمد , والواو دليل على وصيه , وشكلتيهما دليل شريعتيهما , وشكلة الميم من خلفه مدورة كذلك شريعة الناطق ظاهرة , وشكلة الواو قدامه كذلك شريعة الأساس باطنة , ولولا الشكلتان اللذان على الميم والواو لما كان يعرفان.
وكذلك محمد وعلي لولا ظاهر الشريعة وباطن التأويل لما كان يقع عليهما اسم الناطق والأساس)
إلخ إلخ. (المقلد) : لقد بغضت إلي هذه الحروف بهذا الكلام الهذيان , ولولا ما ذكرت لك من التجارب الصحيحة على انتفاع الناس بفوائدها لوافقتك على القول بعدم تلك الفائدة , والحمد لله الذي جعلنا من أهل السنة والجماعة الذين لا إفراط عندهم ولا تفريط. (المصلح) : إن أهل الحق الذين سلموا من الغلو في الدين ومن الإفراط والتفريط هم السلف الصالحون الذين كانوا على هدي الراشدين رضي الله عنهم. فإن الذين يسمون أنفسهم أهل السنة في هذه القرون المتأخرة لم يسلموا من بدع الباطنية وغيرهم , ولكنهم سموها بأسماء أخرى , ولو قابلت بين كلام الباطنية وكلام الصوفية من أهل القرن الرابع فمن بعدهم لم تجد إلا فرقًا يسيرًا.
على أن فقهاء هذا العصر يتعصبون لهذه الحروف ويطعنون في دين من يقول بلزوم تبديلها لما فيها من المعايب التي يعسر معها التعليم , ويكثر التحريف.
وأما ما ذكرت من التجارب فغير منضبط ولا متحقق بحيث يعلم أن يكون من التأثير في بعض التجارب هو من الحروف.
وإنني أنا جربت بنفسي شيئًا من ذلك فأفاد وعاشرت من اشتهروا بأن تعاويذهم وتمائمهم لا يختلف تأثيرها وصدقوني الخبر فيما يكتبون. كان من هؤلاء شيخ من الأشراف يقصده المسلمون والنصارى من بلاد كثيرة ليكتب لهم ما يستشفون به الأمراض أو يستعطفون قلوب من يعشقون إلى غير ذلك من الأغراض.
وقد أخبرني أنه يكتب للمسلمين آيات من القرآن ولغيرهم هذه العبارة (رز باللبن.
عافية على البدن.
رز بحليب.
كلما برد يطيب)
وكانوا ينتفعون بذلك , والسبب في غالبه الوهم الذي يحدثه الاعتقاد على أن أكثر ذلك لا ينفع ولا يفيد , ولكن الناس ينسونه ويحفظون ما تحدث عقيبه الفائدة المطلوبة , وإن كان حدوثها لسبب آخر خفي عنهم , بل يعمون عن السبب وإن كان ظاهرًا لأنهم مع اتخاذ هذه الوسائل الغريبة الغيبية يأخذون بالأسباب الظاهرة الطبيعية , وإنما ولعهم بالغرائب هو الذي يذهلهم عن السبب الظاهر ويحملهم على إضافة الأثر للوسيلة الغريبة غير الطبيعية. ومن الناس من أعطي استعدادًا للتأثير بنفسه إذا هو وجهها إلى الشيء بهمة قوية وعزيمة صادقة , وقد وجد في كل أمة أفراد من هؤلاء فكانوا فتنة للناس , والبحث في هذا التأثير من أدق مسائل علم النفس , ومن علماء الفلسفة من ينكره ولا سعة معنا في الوقت للخوض فيه. (المقلد) : لقد سمعت اليوم ما لم أسمع بمثله من قبل وظهر لي أن من يطلع على التاريخ يمكنه أن يورد شبهًا على علوم الدين لا يمكن دفعها لغير المطلع عليه اطلاعًا واسعًا , ولا أرى المشايخ الذين يقولون بكراهة قراءته ويزعمون أن الاطلاع عليه يضعف العقل إلا في ضلال مبين.
ولكنني أرى أنه يشترط أن يكون المطلع عليه كالمطلع على الفلسفة والمنطق كامل القريحة راسخًا في العقيدة أو كما قال الأخضري: ممارس السنة والكتاب ...
ليهتدى به إلى الصواب (المصلح) متبسمًا مستبشرًا: أحمد الله تعالى على اقتناعك بفائدة علم التاريخ فإنه مغذي العقل ومربي الأمم وينبوع علم الاجتماع الذي هو أفضل العلوم الكونية وأنفعها , وإذا أردت مطالعة كتبه فابدأ بمقدمة ابن خلدون , وها أنا ذا أقدمها لك هدية فاقرأها بإمعان فإنها مفخر الأمة الإسلامية على الأمم الغربية فإنها أستاذهم الأول في فلسفة التاريخ، وعلم الاجتماع البشري (السسيولوجيا) وأصول السياسة وعلم التربية والتعليم (البيداجوجيا) وهي مترجمة إلى جميع لغاتهم , ولكنهم توسعوا في العلوم التي استفادوها منها حتى نقضوا كثيرًا مما أبرمت.
وهدموا بعض القواعد التي بنت. فتقبل الشيخ الهدية شاكرًا , وانصرفا على أن يعودا إلى البحث في الجفر والزايرجة قبل الخوض في بحث الاجتهاد والتقليد وعلاقة ذلك بإعادة مجد الإسلام. ((يتبع بمقال تالٍ))

شارك الخبر

المرئيات-١