أرشيف المقالات

حكمة مشروعية تعدد الزوجات

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
حكمة مشروعية تعدد الزوجات
 
الحمد لله رافعِ السماء بلا عماد، وباسطِ وخافض الوِهاد، أحمَده حمدًا عددَ كل شيء، وملءَ كل شيء، ثم الصلاة والسلام على من حبَّر القرآن تحبيرًا، وارتقى في مراقي إتقانه شأوًا كبيرًا، وعلى من سلك منهجه في حسن التغنِّي، واقتفى سنته في التزيين والتجلِّي؛ أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].
 
سبب نزول الآية:
عن عروة بن الزبير، أنه سأل عائشة رضي الله عنها، عن قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا ﴾ [النساء: 3]، إلى ﴿ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، فقالت: "يا بن أختي هي اليتيمة تكون في حِجْرِ وليِّها، تشاركه في ماله، فيُعجبه مالُها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها، بغير أن يُقْسِطَ في صَداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن، إلا أن يُقسِطوا لهن، ويبلُغُوا بهن أعلى سُنَّتِهن من الصَّداق، وأُمِرُوا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن"[1].
 
كان العرب في جاهليتهم الجَهلاء يتزوجون العدد الكبير من النساء، فلما جاء الإسلام قنَّن التعدد، فلا يجوز للرجل أن يجمع إلى عصمته أكثر من أربع نسوة؛ قال الشافعي في الأم: "ودلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمُبَيِّنة عن الله عز وجل على أن انتهاءه إلى أربع تحريمٌ منه لِأَنْ يجمع أحدٌ غير النبي صلى الله عليه وسلم"[2]، وقد روى الشافعي في كتابه الأم دليل حرمة أن يجمع الرجل إلى عصمته أكثر من أربع نسوة، فروى عن مالك عن ابن شهاب ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلمَ وعنده عشر نسوة: أمْسِكْ أربعًا وفارِقْ سائرَهُن))[3].
 
نبَّه الله تعالى في الآية السابقة إلى أمر هامٍّ، وهو أن من خاف عدم العدل بين الزوجات فتلزمه زوجة واحدة فحسب، بدليل قول الله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3]، يقول ابن عاشور عند تفسيره لهذه الآية: "وقوله: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3]؛ أي: فواحدة لكل من يخاف عدم العدل"[4].
 
ولا يعني هذا أن نلغي فكرة التعدد من نفوس الرجال؛ فللتعدد محاسنُ كثيرة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر[5]:
1- أن في ذلك وسيلةً إلى تكثير عدد الأمة بازدياد المواليد فيها.
 
2- أن ذلك يُعين على كفالة النساء اللائي هن أكثر من الرجال في كل أمة؛ لأن الأنوثة في المواليد أكثر من الذكورة.
 
3- أن الشريعة قد حرمت الزنا، وضيَّقت في تحريمه؛ لِما يجر إليه من الفساد في الأخلاق والأنساب ونظام العائلات، فناسب أن تُوسِّع على الناس في تعدُّد النساء لمن كان من الرجال ميَّالًا للتعدد مجبولًا عليه.
 
حكم التعدد في الشريعة الإسلامية:
يقول الدكتور وهبة الزحيلي: "إن تعدد الزوجات جائز مباح في الإسلام، وليس كل مباح مرغوبًا فيه، فهو غير مرغوب فيه إلا لحاجة أو ضرورة، مثل معالجة ظرف طارئ عقب الحروب، وقتل الرجال، وكثرة النساء الأرامل، فيكون التعدد عملًا إنسانيًّا وإنقاذًا، وقد يكون التعدد بسبب عقم المرأة"[6].
 
ويقول الدكتور محمد الصابوني إن "مسألة تعدد الزوجات ضرورة اقتضتها ظروف الحياة، وهي ليست تشريعًا جديدًا انفرد به الإسلام، وإنما جاء الإسلام فوجده بلا قيود ولا حدود، وبصورة غير إنسانية، فنظَّمه وشذَّبه، وجعله دواءً وعلاجًا لبعض الحالات الاضطرارية التي يعاني منها المجتمع"[7].
 
ويقول الدكتور محمد الصابوني أيضًا عن التعدد: إنه "نظام قائم وموجود منذ العصور القديمة، ولكنه كان فوضى فنظَّمه الإسلام، وكان تابعًا للهوى والاستمتاع باللذائذ، فجعله الإسلام سبيلًا للحياة الفاضلة الكريمة...
إن المجتمع في نظر الإسلام كالميزان يجب أن تتعادل كفَّتاه، ومن أجل المحافظة على التوازن يجب أن يكون عدد الرجال بقدر عدد النساء، فإذا زاد عدد الرجال على عدد النساء، أو بالعكس، فكيف نحل هذه المشكلة؟ لقد اختارت ألمانيا (المسيحية) التي يحرم دينها التعدد، فلم تجد خيرة لها إلا ما اختاره الإسلام، فأباحت تعدد الزوجات؛ رغبة في حماية المرأة الألمانية من احتراف البغاء، وما يتولد عنه من أضرار فادحة وفي مقدمتها كثرة اللقطاء"[8].
 
شروط التعدد:
1- القدرة المالية.
 
2- القدرة البدنية: قال ابن العربي: "فإذا قدر الرجل من ماله ومن بنيته على نكاح أربع فليفعل، وإذا لم يحتمل ماله ولا بنيته في الباءة ذلك، فليقتصر على ما يقدر عليه"[9].
 
3- العدل في النفقة والمبيت.
 
مما سبق يمكن أن نُجْمِلَ حِكَمِ التعدد في ديننا الحنيف، ونضيف عليها في النقاط الآتية:
1- يسهم تعدد الزوجات في الحدِّ من انتشار الفواحش، وخاصة في مثل زماننا الذي انتشر فيه الشر.
 
2- يُسهِم التعدد في حل مشكلة قد تصل بين الزوجين إلى الطلاق بسبب العقم، فيتزوج الرجل طلبًا للولد.
 
3- إن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة؛ فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين، بل ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب[10].
 
4- إن الزواج من امرأة أخرى يخفف الحمل على الزوجة الأخرى من الاعتناء بالزوج وخدمته وتلبية حاجياته.
 
5- إن النكاح سبب للترابط وتآلف الأسر فيما بينها؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].
 
6- من الرجال من يكون حادَّ الشهوة لا تكفيه الواحدة، وهو تقيٌّ نزيه ويخاف الزنا، ولكن يريد أن يقضي وطرًا في التمتع الحلال، فكان من رحمة الله تعالى بالخلق أن أباح لهم التعدد على وجه سليم[11].
 
7- قد يكون الرجل كثير السفر، فيحتاج إلى إحصان نفسه في غربته[12].
 

[1] صحيح البخاري 3/ 139، حديث رقم: (2494).

[2] الأم للشافعي: 5/ 155.

[3] الأم للشافعي: 5/ 53.

[4] التحرير والتنوير 4/ 226.

[5] ينظر: التحرير والتنوير 4/ 226.

[6] التفسير الوسيط: 1/ 283.

[7] روائع البيان 1/ 428.

[8] روائع البيان 1/ 429، 428.

[9] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 409.

[10] موقع إسلام ويب.

[11] الزواج لابن عثيمين 1/ 30.

[12] أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة ص32.

شارك الخبر

المرئيات-١