مسائل فقهية يكثر السؤال عنها


الحلقة مفرغة

الأصل في البيوع الإذن الشرعي والإباحة، إلا أن الفقهاء عقدوا فصولاً للبيوع المنهي عنها، ونصوا على ذلك في قواعد عامة للتيسير والتسهيل، ومن ذلك أنهم وصفوا تلك البيوع بقيود إذا وجدت كانت تلك البيوع منهي عنها في الشرع، ومن ذلك: الغرر، الجهالة، الربا، الضرر، وجود شرط فاسد.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:

فإن التفقه في دين الله تعالى من أجلِّ العبادات: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.

إن منزلة الفقه في الدين -يا عباد الله- من المنازل العظيمة! كيف نعبد ربنا إلا بالفقه، كيف تصح عباداتنا إلا بالفقه، كيف نعرف الحلال والحرام إلا بالفقه، الفقه أساس ديننا، الفهم عن الله ورسوله، فهم الشريعة، فهم الأحكام، وهذا ولا شك، معرفته فرض عين على كل مسلم في كل مسألة احتاج إليها أن يعرف فقهها وحكمها.

وأما التفقه في الدين على وجه العموم، فإنه فرض كفاية، فلا بد أن يكون في المسلمين من يُفقّههم، ويفتيهم، ويعلمهم، ويبين لهم أحكام الله عز وجل، فإن لم يكن ذلك فيهم، أو لم يوجد فيهم من يكفي أثموا جميعاً، ومن هنا تنبع الحاجة إلى معرفة أحكام الدين والتفقه فيها، وكثير من الناس تعرض لهم أحوال ومسائل، لا يجدون فيها حكماً شرعياً في أذهانهم، لا يعرفون الحكم فضلاً عن دليله، فضلاً عن القائل به من السلف والعلماء، فضلاً عن فتوى لمفتٍ ممن يعاصرونه ولو بغير دليل، لا يعرفون ذلك إلا من رحم الله تعالى.

وقد رأيت في هذه الخطبة -أيها الإخوة- أن أذكر لكم مجتمعاً من الأحكام الفقهية في الأبواب المختلفة، من الأشياء التي يكثر سؤال الناس عنها، وقد وجدت بالتجربة أن أكثر ما يسأل عنه الناس: اليمين، والطلاق، والمنامات، وأمور أخرى نأتي عليها في بعض من الترتيب الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى من مسائل واقعية، فرأيت أنه يكثر السؤال عنها، فلعلَّ في بيانها نفعاً إن شاء الله تعالى، وستجدون ذلك في التطبيقات العملية، فيما يواجه الشخص في حياته.

أحكام الآنية وإزالة النجاسات

ففي أبواب الآنية:

لا يجوز استعمال إلا الطاهر من الآنية، وآنية الكفار إذا لم يوجد غيرها تغسل ثم تستخدم، وأما المطلي بالذهب أو الفضة من الآنية وهي كثيرة جداً في الأسواق من الصحون والملاعق وغيرها، مما يؤكل به أو يقدم الطعام به، فإن استخدامه حرام لا يجوز، ومن أكل أو شرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

وأما إزالة النجاسات:

فهي أمر واجب إذا علم نجاسة في ثوبه أو بدنه، وجب عليه المبادرة إلى إزالتها حتى لا يتضرر ببقائها وحتى لا ينساها.

مس المصحف وسنن الفطرة

وأما مس المصحف:

فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عن الأئمة الأربعة اشتراط الطهارة عندهم لمس المصحف، وقال بعض أهل العلم بأن الأدلة في ذلك لم تثبت، بما يؤكد اشتراط الطهارة لها، فالأحوط للمسلم ألا يمس المصحف إلا على طهارة، بخلاف كتب التفاسير أو الكتب التي يوجد فيها آيات مخلوطة بغيرها من الكلام، فإنه لا بأس بمسها على غير طهارة، ولو للحائض والجنب.

وكذلك فإن من سنن الفطرة:

قص الأظافر، وإزالة شعر العانة، وشعر الإبط بأي مزيل كان، والسنة والأفضل إزالة شعر الإبط بنتفه إذا قوي على ذلك، وإزالة شعر العانة بالحلق والاستحداد، وهو الأفضل والأكثر أجراً، ولا يجوز إبقاء هذه الثلاثة: الشعر والأظافر، أكثر من أربعين يوماً، فمن فعل ذلك فهو آثم، ولو كان ظفر الخنصر الذي يحتفظ به عدد من الناس، سواءً كان للمرأة أو الرجل، فإن إبقاءه لا يجوز، وقص ما طال عن الشفة العليا من الشارب واجب، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) رواه أحمد وهو حديث صحيح، وتخفيفه سنة أيضاً، وليس من السنة في شيء إطالته وتعريضه وتكثيفه، ومن ظن أن ذلك رجولة، فهو لا يفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أكمل الرجال رجولة.

خروج الريح والتسمية في الوضوء

وأما خروج الريح:

فإنه لا يلزم منه استنجاء كما يعتقد ذلك كثير من العامة، وإنما هو الوضوء فقط.

ويكثر السؤال عن التسمية عند الوضوء:

وقد ذكر بعض أهل العلم وعدد من المحدثين، أن أحاديث التسمية ترتقي إلى درجة الحسن أو الصحيح، ولذلك لا ينبغي تركها فأما إذا كان في مكان قضاء الحاجة سمى اللهُ في نفسه، وتوضأ، وإن نسي التسمية عند أول الوضوء وتذكرها أثناءه سمى الله تعالى في أثناء الوضوء، وإذا نسيها فلم يتذكرها إلا بعد الوضوء سقطت التسمية عنه.

النوم من نواقض الوضوء

وأما في مسألة النوم:

فإنه ناقض للوضوء إذا استغرق الإنسان فيه؛ سواء كان جالساً في خطبة الجمعة، أو في غيرها، أو كان مستلقياً، فإنه إذا استغرق في النوم، وغاب عما حوله، انتقض وضوءه على الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (العين وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء) فشبه فتحة الدبر التي يخرج منها الريح بالقربة التي فيها غطاء أو فيها خيط يغلق أعلاها، فإذا نامت العين استطلق الوكاء وانحل الخيط، وأصبح ما في الجوف قابلاً للخروج، كما أن الماء يصبح قابلاً للخروج إذا انفك خيط قربة الجلد.

المسح على الجوربين

ويكثر السؤال في المسح على الخفين والجوربين عن نوع الجورب:

والراجح: أن كل جورب يصح أن يسمى جورباً ويطلق عليه اسم الجورب يصح المسح عليه، يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، يبتدئ المسح من أول وضوء بعد الحدث، إذا غسل رجليه ولبس الجوربين، ثم أحدث، ثم توضأ للصلاة، بدأت مدة المسح من حين وضوئه ذلك، هذا ولا ينتقض الوضوء بخلع الجوربين على الراجح من أقوال أهل العلم، كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله وأخبر بأنه لا يعرف في الشريعة أن من نواقض الوضوء خلع الخفين والجوربين، لكن إذا انتهت المدة، لم يعد يجوز له المسح عليهما إلا بعد طهارة كاملة فيها غسل الرجلين.

المسح على الجبائر

ويكثر السؤال في مسألة الجبائر التي توضع على الكسور وغيرها، هل يشترط فيها الطهارة؟

فالجواب: لا يشترط الطهارة عند وضع الجبيرة، لكن على الإنسان أن ينتبه بأن لا تجاوز الجبيرة حدود الحاجة اللازمة لاستمساكها؛ لأن بعض الأطباء أو الممرضين الذين يضعونها ربما يجاوزون حدود الحاجة في الأعضاء التي يجب غسلها في الوضوء، فينتج عن ذلك تقصير في الطهارة، فيغسل من الأطراف من أعضاء الوضوء ما ظهر، ويمسح على الجبيرة في الباقي.

مس الذكر هل ينقض الوضوء؟

وأما مس الذكر:

فإن الراجح من أقوال أهل العلم فيه: أنه إذا كان بشهوة نقض الوضوء، وإذا لم يكن بشهوة لم ينقض الوضوء، كما إذا حدث عند لبس ملابسك مثلاً، وذلك جمعاً بين الحديثين الصحيحين، الواردين عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: (إنما هو بضعة منك)، وحديث: (من مس ذكره فليتوضأ) كما رجح ذلك شيخ الإسلام رحمه الله.

مس المرأة هل ينقض الوضوء؟

وأما مس المرأة:

ففيه خلاف كبير، فقال بعضهم: إذا مسها بشهوة انتقض، وقال بعضهم: لا ينتقض وضوؤه ولا طهارته إلا إذا خرج منه شيء كمذي أو مني فعند ذلك ينتقض وضوؤه، وهو الراجح إن شاء الله تعالى.

حكم التداوي بالحرام

وأما التداوي بالمحرم:

فإنه لا يجوز سواء كان دماً أو نجاسة ونحو ذلك من الأشياء التي ربما يستخدمها بعض الناس في التداوي، وإذا كان الشراب الذي فيه نسبة من الكحول لو شرب بمجموعه مع الكحول، لو شربت منه كمية كبيرة أسكر، فإنه لا يجوز استخدامه، ولم يجعل الله شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها.

ولا يجوز أخذ المقابل على الدم، بالنسبة للذين يتبرعون بالدماء في المستشفيات؛ لأن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم) رواه البخاري .

وتشجيع الناس على التبرع طيب، وربما جاز الدفع؛ دفع الثمن للدم ولم يجز أخذ المقابل عليه، وإنما يجوز دفع ثمنه للضرورة، ولا يجوز أخذ الثمن؛ لأن الشارع نهى عن ثمن الدم، ويجوز نقل الدم للضرورة بمثابة أكل الميتة للمضطر، هذا بخلاف التداوي، أحكام المضطر في نقل الدم تختلف عن أحكام التداوي، فمهما قال لك بعض الأطباء الشعبيين أو المشعوذين في فوائد دم الضب مثلاً أو غيره فاعلم بأنه هراء، وكذلك لا يجوز التداوي بالنجاسات.

وكذلك لا يجوز تعليق التمائم والحروز وغيرها مما فيه طلاسم، أو كلمات غير مفهومة، أو شركية، أو استغاثة بغير الله، أو أرقام ونحو ذلك كفعل المشعوذين، ولا يتداوى به من سحر ولا من عين ولا من غيرها.

كيفية الغسل

وأما كيفية الغسل:

فإنه يغسل عورته أولاً، ثم يغسل يديه بشيء من الأشنان أو الصابون مما علق بهما، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم ينهل الماء على شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم على رأسه، وإذا أخر غسل رجليه إلى آخر الغسل فلا بأس بذلك، والغسل واجب إذا أولج الرجل في امرأته سواء أنزل أم لم ينزل.

من أحكام الحيض والنفاس

ويكثر السؤال عن المسائل المتعلقة بالحيض من قبل النساء أو من أزواجهن:

واعلموا رحمكم الله أن في هذا قواعد بسيطة إذا حفظت فإنها تغني عن كثير من السؤالات، وتزيل كثيراً من الحيرة والاضطراب، فالحيض: أيُّ دم أو صفرة أو كدرة جاء في وقت الحيض فهو حيض، من أي لون كان، أو أي كمية كانت، إذا جاءت في وقت العادة فهي عادة، وإذا جاء دم في غير وقت العادة نظرنا في صفاته، فإن كان مماثلاً للعادة، في اللون والرائحة والأوجاع المصاحبة في البطن والظهر ونحو ذلك حكمنا بأنها عادة، تقدمت أو تأخرت، وإلا فليست بعادة، وكذلك فإن العادة معرضة للتقديم والتأخير، والاتصال والانقطاع، والزيادة والنقصان، ولكن لا تزيد العادة عن خمسة عشر يوماً، فإذا زادت عن خمسة عشر يوماً، اغتسلت وصلت واعتبرت الباقي استحاضة وقضت من الصلوات ما بعد العادة الأصلية، فلو كانت عادتها سبعة أيام، فطال بها الدم في أحد الشهور حتى بلغ ستة عشر يوماً وهي ممسكة عن الصلاة في الخمسة عشر بناء على القاعدة، فإنها تغتسل وتعتبرها استحاضة، وتقضي من الصلوات ما بعد العادة الأصلية وهي السبع من الأيام، وهي معذورة في تركها.

أما النفاس فالراجح أن أقصى مدة له أربعون يوماً، فإن زاد عن ذلك فهو استحاضة، وكل كدرة أو صفرة أو دم من أي لون في الأربعين فهو نفاس، وإذا انقطع الدم قبل الأربعين ونظفت المرأة طهرت واغتسلت لزوجها وللصلاة.

رؤية النجاسة في الثوب

وأما من رأى في ثوبه نجاسة لا يدري متى حدثت، فإن صلاته فيما مضت صحيحة، وعليه المبادرة إلى غسل النجاسة، وأما إن كان الموجود في الثوب أثر جنابة، فإنه يغتسل ويعيد الصلوات من آخر نومة نامها.

صلاة المفترض خلف المتنفل والمسافر بالمقيم

ويكثر السؤال: عن ائتمام المفترض بالمتنفل، والمسافر بالمقيم، وصاحب صلاة العصر بالظهر، واختلاف النيات بين الإمام والمأموم؟

فاعلموا رحمكم الله، أنَّ ائتمام الجميع بالجميع جائز إن شاء الله، فلو اقتدى مفترض بمتنفل، أو متنفل بمفترض، أو مقيم بمسافر، أو مسافر بمقيم، أو اقتدى من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، صح ذلك سواء اختلف عدد الركعات أم لا، ولكن المسافر إذا اقتدى بالمقيم وجب عليه الإتمام، لحديث ابن عباس : (مضت السنة أن يتم المسافر خلف المقيم) والمقيم إذا اقتدى بالمسافر أتم الصلاة ولا بد، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أتموا صلاتكم فإنَّا قوم سَفْر) ومن كان يريد صلاة المغرب، فصلى خلف من يصلي العشاء، جلس في الثالثة وانتظره على الأفضل إلى أن يسلم فيسلم معه، وأما إذا كان يريد أن يصلي رباعية وراء من يصلي ثلاثية مثلاً فإنه يتم بعد سلام الإمام ولا إشكال في ذلك.

ويجوز إذا دخل شخص المسجد فوجد إنساناً يصلي أن يلتحق به، كائنة ما كانت صلاة ذلك الشخص، ويجهر له بالصلاة والتكبيرات بحسب الوقت ليأتم به.

سجود السهو

وأما سجود السهو:

فإن كان للزيادة في الصلاة، سجد بعد السلام سجدتين، ثم سلم مرة أخرى، وفي جميع الحالات الأخرى في النقص أو الشك، فإن الراجح أن سجدته تكون قبل السلام للسهو.

قضاء النوافل وسجود التلاوة

وقضاء النوافل والسنن الرواتب مشروع، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر، وقضاء الوتر مشروع، فإذا قضاه في النهار زاد ركعة، فشفع الذي كان سيصليه في الليل.

وسجود التلاوة مستحب، واشترط له كثير من الفقهاء شروط الصلاة؛ من الطهارة، واستقبال القبلة، وغير ذلك، يكبر إذا كان في الصلاة للسجود ويكبر للرفع لعموم الحديث: (كان يكبر عند كل خفض ورفع) وفي خارج الصلاة، يكبر لسجود التلاوة، ويقول الذكر المشروع فيها ومنه التسبيح المعتاد.

مسافة القصر

وأما السفر، فيكثر سؤال الناس عن مسافته:

ذهب بعض أهل العلم كـشيخ الإسلام رحمه الله: إلى أنه لا حد للسفر، فإن كان عرف الناس في البلد أن ذهابهم منه إلى البلد الآخر سفر، فهو سفر، وذهب عدد كبير من أهل العلم إلى أن مسافة السفر تحدد بمسيرة اليوم والليلة على الإبل التي تحمل صاحبها وعليها متاعه، ومن هنا قدروها بثمانين كيلو متراً.

والجمع في السنة يكون إذا جدَّ بالمسافر السير، فإذا جلس في المكان، أو نزل به، فإنه يقصر من غير جمع كما يفعل الحاج في منى .

والجمع في السفر، وفي المطر، سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو للمريض كذلك قياساً على السفر بجامع المشقة.

تأخير الأموات في المستشفيات

عباد الله: مما يكثر السؤال عنه: قضايا تأخير الأموات في ثلاجات المستشفيات:

فاعلموا أن الإسراع بتجهيز الميت لا شك أنه من دين الله، وأن تأخير الأموات في ثلاجات المستشفيات من المنكرات، وإكرام الميت التعجيل به كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى، بناء على الأحاديث التي حثت على الإسراع بالجنازة، ويستلزم من ذلك سرعة تجهيزها، من غسل، وتكفين، وتقديم للصلاة، ودفن، فهي إما خير تعجلونها إليه، وإما شر تضعونه عن أعناقكم.

والإعلام بموت الميت لا حرج فيه، إلا إذا كان على طريقة أهل الجاهلية، الذين كانوا يصيحون في الأسواق وما يفعل في بعض البلدان من الطواف بسيارة لها مكبر يعلنونه في الشوارع، ونعي الجرائد فيه كثير من المنكرات.

والإسراع بقضاء الدين يخفف كثيراً عن الميت، والاجتماع للعزاء، ووضع الطعام في العزاء للمعزين بدعة قبيحة ومنكرة؛ لأن الصحابي أخبر بأنهم كانوا يرون الاجتماع إلى أهل الميت وعمل الطعام من النياحة، فلمن يكون الطعام؟ لأهل الميت وضيوفهم الذين قدموا عليهم من بعيد ونزلوا في بيتهم مثلاً.

أما المعزون من البلد، فإنهم لا حق لهم في الأكل من الطعام الذي يقدم في العزاء، مهما تواتر الناس وتتابعوا على ذلك، وهذه من البدع القبيحة المنكرة الشائعة، يجعلون العزاء مأكلاً وشرباً، وليس هذا بوقته، ويحملون أهل الميت من التكاليف ما الله به عليم.

ما تجب فيه الزكاة وقضاء رمضان

عباد الله: كل ما استعمل واتخذ للاقتناء فليس فيه زكاة سوى الذهب والفضة على الراجح.

والرواتب لا يزكى إلا ما توفر منها وحال عليها سنة، والأسهم إذا كانت متخذة للبيع والشراء ففي قيمتها وأرباحها الزكاة، وإذا اتخذها ليقتات من أربحاها ويستفيد من الأرباح لا ليتاجر بها فالزكاة في الأرباح إذا حال عليها الحول.

وكذلك فإن بعض الناس يحابون بدفع زكاتهم إلى الأقارب، لا تدفع الزكاة لكل قريب أنت مكلف بالإنفاق عليه، كأصولك وفروعك، وكذلك الزوجة، ولا تدفع إلى قريب فقير له غيره يغنيه، فإن كان هناك من ينفق عليه بما يحتاج لم يجز لك أنت أن تعطيه من زكاتك.

وتستحب المبادرة إلى قضاء رمضان، وعدم تأخيره إبراءً للذمة.

حكم الصلاة في الطائرة والإحرام فيها

وأما الصلاة في الطائرة، والصيام فيها والإحرام، فمما ينبغي معرفة حكمه:

فتجوز الصلاة في الطائرة، على أي اتجاه كانت مادام لا وقت له للصلاة إلا فيها، كالأسفار الطويلة، إذا لم يكن مستطيعاً لاستقبال القبلة، وإذا لم يكن مستطيعاً للقيام صلى جالساً فيها.

وأما الصيام:

فلا يفطر إذا أراد أن يتم صومه، إلا عند اختفاء قرص الشمس بالنسبة إليه في الطائرة.

والإحرام فيها إذا مر بمحاذاة الميقات من الجو، ويجوز أن يحرم قبل ذلك بقليل كخمس دقائق، احتياطاً لسرعة الطائرة.

مجاوزة الميقات بدون إحرام

ويكثر السؤال: عمن كانت له عمرة وعمل في جدة مثلاً، فماذا يفعل؟

فلا بد ولا بد من الإحرام من الميقات، ومن جاوزه بغير إحرام فعليه العودة إليه للإحرام منه، ولزم عليه في هذه الحالة دم، وإن أحرم من جدة وهو مريد للعمرة وهو من الآفاقيين، من أهل البلدان الذين يمرون على المواقيت، فهو مسيء تلزمه التوبة والدم لترك الواجب، فليفعل العمرة قبل أن يذهب إلى العمل إن استطاع، وأما إن كان لا يدري هل يتمكن من العمرة أم لا، ذهب لشغل وقال في نفسه: إن وجدت فرصة اعتمرت وإلا رجعت، فلا حرج عليه أن يحرم من المكان الذي عزم منه على العمرة.

من أحكام العقيقة

وأما العقيقة:

فإنها سنة وفيها تأكيد شديد، وتجوز في أي يوم من الأيام، خصوصاً الذين يريدون فعلها في عطلة نهاية الأسبوع؛ لأجل اجتماع الناس وأقربائهم وظروفهم، والسنة أن يذبح في اليوم السابع، فإن لم يتمكن ففي الرابع عشر، فإن لم يتمكن ففي الحادي والعشرين، لحديث حسن رواه البيهقي في ذلك، وبعد الحادي والعشرين قال بعضهم في مضاعفة السبعة، وقال بعضهم تستوي في أي يوم كان، وكلما كانت أقرب كانت أفضل، وشروطها شروط الأضحية، ولا ينسى نصيب الفقراء منها.

استئذان الوالدين للجهاد

وأما استئذان الوالدين للجهاد:

فإن كان جهاداً مستحباً أو فرض كفاية وجب استئذان الأبوين؛ لأن استئذانهما فرض عين وطاعتهما فرض عين، وإن كان الجهاد فرض عين، كأن حضر المعركة، أو داهم العدو البلد خرج بغير إذن أبويه.

من أحكام البيوع

ولا يجوز في البيع أن يبيع محرماً وهذا كثير في الدكاكين، ولا أن يبيع شيئاً على من يستخدمه في معصية، واعلموا أن الأشياء المبيعة ثلاثة: منه ماهو مستخدم في المعصية فقط، ومنه ما هو مستخدم في الطاعة، ومنه ما يستخدم في الحلال والحرام كالسكين، فإذا عرف أنه سيستخدمه في الحرام، أو غلب ذلك على ظنه لم يجز له أن يبيعه.

وأما الذين يكتبون في الدكاكين: البضاعة التي تباع لا ترد ولا تستبدل، فهذا إذا خرج من المجلس ولم يكن فيها شيء يبيح الرد كالعيب، أما إذا كان في مجلس العقد، جاز له أن يرد رغماً عن البائع، وإذا ظهر فيها عيب جاز له أن يردها رغماً عن البائع، ولو كتب في الدكان، أو على الفاتورة ما كتب.

وكذلك فإن بيع التقسيط جائز على الراجح من أقوال أهل العلم إذا كان يملك السلعة، وكان الثمن معلوماً، جاز له أن بيع تلك السلعة بالتقسيط، أما الذي يفعل اليوم عن طريق شركات التقسيط، فهو رباً وحرام، يقولون له: انتق السلعة وهات الفاتورة، يسددونها عنه ثم يقولون: سدد بزيادة إلى أجل بالتقسيط، فهذا رباً وحرام، ولا شك في ذلك، لكن إذا ملكوا السلعة وحازوها إليهم، ولم يكن هناك إلزام مسبق، جاز لهم أن يبيعوها عليه بالتقسيط، وإن تأخر عن السداد في الموعد لم يكن لهم إلا الثمن الذي اتفقوا عليه.

والبيع على الشرط جائز إذا كان صحيحاً، فإن كان الشرط فاسداً لم يجز البيع، كأن يقول له: أبيعك بشرط ألا تبيع لغيرك؛ فهذا شرط فاسد.

وكذلك فإنه لا يجوز البيع قبل القبض للحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) وقال: (لا تبع ما ليس عندك).

وأما الربا فأشكاله كثيرة، ومن أشهرها القرض الربوي، وهم يتحايلون بتسجيل المبلغ في الكمبيالة أقل مما استلم، ليرد ما في الكمبيالة من الرقم، ولا شك أن هذا حرام واضح أشد الوضوح، وهم يغرون الناس بأشياء، يقولون: لا يلزم كفيل، ويقولون: إذا مت نسامحك، الله أكبر! ما أحسن أخلاقهم، إذا مت نسامحك ترغيباً له في الاقتراض، ويجعلون شروطاً للراتب حتى يتمكنوا من أخذ الربا الذي اشترطوه وكتبوه ضمن المبلغ.

من أحكام الرهن والوكالة

وأما بيع البيوت المرهونة:

لا يجوز أن يباع البيت المرهون إلا بإذن الطرفين.

وفي باب الوكالة، يسأل بعض الناس: إذا وكلنا في شراء شيء، فهل يجوز لنا أن نأخذ ربحاً؟

فنقول: نعم، إذا كان صاحب الشأن يعلم، أما إذا كان لا يعلم فلا يجوز لكم أن تأخذوا ربحاً إلا إذا كنتم أنتم البائعين، فإذا قلت له: أنا أبيعك، جاز أن تأخذ الربح ولو لم تخبره بكم رأس المال عليك؟ أما إذا كنت مجرد وكيل وقال لك: من فضلك اشتر لي كذا من السوق، فيجب أن تخبره بثمنه، ولا يجوز أن تأخذ شيئاً زيادة إلا بإذنه، ومن قال لغيره: بعه بمائة وما زاد فهو لك، فهذا بيع جائز وصحيح.

ما يحدثه الإنسان في ملكه

ولا يجوز للإنسان أن يحدث في ملكه ما يضر الآخرين، فلو أحدث في بيته طاقات ونوافذ تضر بالجيران، أو عمل مقهىً أو تنوراً يؤذي جيرانه، ألزم بإزالته، وبتغطية النوافذ شرعاً، أو عمل ورشة تقلق راحة الجيران ألزم بإزالة ذلك.

ولا يجوز أن يحدث في ملكه ما يضايق الطريق، كأن يبني ويترك الأسمنت والحديد يضيق الشارع، فهذا حرام يأثم به طيلة وضعه في الطريق مضيقاً له، أو أن يجعل لنفسه موقفاً لسيارته، يأخذ من حد الطريق العام الذي هو للمسلمين، فإنه يأثم ويلزم بإزالة ذلك الموقف، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يجوز لأحد أن يخرج شيئاً في طريق المسلمين من أجزاء البناء، أو يعتدي على الشارع العام، أو على الرصيف، كل ذلك حرام، وكذلك فإن بعض الناس يضعون من الأشياء المؤذية: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58].

وإذا كان المال من شخص، والعمل من شخص، كانت شركة مضاربة وفي أحكام الشركات إذا اتفق على النسبة، فهي صحيحة شرعاً، لكن إذا خسرت الشركة يخسر صاحب المال ماله ويخسر صاحب الجهد جهده، ولا يجوز تحميل خسارة مالية للمضارب إذا كان أميناً لم يتعدَ ما اتفق عليه من العمل، وأخذ المال.

واشتراط ضمان رأس المال حرام لا يجوز، فإذا قال له: هات من عندك رأس مال، أتاجر به أضمنه لك، أعطيك من الأرباح نسبة كذا، وإذا خسرت فإنك لا تخسر؛ بهذا الشرط حرام لا يجوز، أما أن يدخل معه على الشركة الجائزة شرعاً وإلا فلا يدخل.

من أحكام الإجارة

وبالنسبة للإجارة، فلا بد أن تكون الأجرة معلومة في عقد الإجارة الشفوي أو الكتابي.

وجهالة الأجرة حرام، إلا إذا كانت الأجرة شائعة في البلد، فلا حرج في عدم ذكرها.

ولا يجوز تأجير المحلات والدور على من يستعملها في معصية الله تعالى، وعقود الموظفين في الشركات والمصالح الحكومية هي عقد إجارة، يجب على الموظف الوفاء بالعمل، ويجب على صاحب العمل الوفاء بالأجرة.

حكم النوم في العمل والانصراف قبل الوقت

ويكثر السؤال من الناس عن حكم النوم في العمل، خصوصاً الذين يعملون في النوبات الليلية وغيرها، أو تقسيم الموظفين الذين يداومون في تلك النوبة فيبقى بعضهم وينصرف آخرون أو ينامون؟

ويكثر السؤال: عن حكم الانصراف من العمل قبل الوقت إذا أدى المهمة في ذلك اليوم؟

فالجواب: كل ذلك بحسب الاتفاق والعقد، فإذا شرطوا عليه أن يبقى مستيقظاً في العمل من السابعة إلى الثانية ظهراً لم يجز له الانصراف إلا بإذن، ولا النوم، ولا تقسيم العمل على الموظفين الموجودين مهما كان قليلاً، وأما إن قالوا له في العقد: إن تنجز عملك اليومي وتنصرف، فإن ذلك لا بأس به فله أن ينصرف.

حكم المسابقات

و أما المسابقات:

فإنها لا تجوز عند جمهور أهل العلم على عوض، إلا فيما يُعين على الجهاد ونشر الدين، كالسباق على الإبل والخيل والسهام وما يقوم مقامها كسائر الأسلحة المستخدمة في التصويب، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) وألحق شيخ الإسلام رحمه الله المسابقات في حفظ القرآن والسنة والدين؛ لأنها تشترك مع الجهاد في نشر الدين، ومنه تعلم أن كثيراً من المسابقات القائمة اليوم بجوائز الاشتراك فيها للجائزة حرام.

والمسابقات ثلاث:

مسابقة محرمة في أصلها، ومسابقة جائزة بعوض كالسبق على الخيل وفي الرمي، ومسابقة جائزة بغير عوض كالسباق على الأقدام وغير ذلك من أنواع الألعاب المباحة.

والرهان حرام إلا إذا كان فيه انتصار للدين وإظهار الإسلام وهيمنته، كما راهن أبو بكر الكفار على غلبة الروم للفرس بحسب ما ورد في الآية، وأما الرهانات الأخرى الموجودة والمنتشرة كثيراً بين الناس فهي حرام ولا تجوز.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب قريب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ففي أبواب الآنية:

لا يجوز استعمال إلا الطاهر من الآنية، وآنية الكفار إذا لم يوجد غيرها تغسل ثم تستخدم، وأما المطلي بالذهب أو الفضة من الآنية وهي كثيرة جداً في الأسواق من الصحون والملاعق وغيرها، مما يؤكل به أو يقدم الطعام به، فإن استخدامه حرام لا يجوز، ومن أكل أو شرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم.

وأما إزالة النجاسات:

فهي أمر واجب إذا علم نجاسة في ثوبه أو بدنه، وجب عليه المبادرة إلى إزالتها حتى لا يتضرر ببقائها وحتى لا ينساها.


استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3615 استماع
التوسم والفراسة 3614 استماع
مجزرة بيت حانون 3544 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3500 استماع
اليهودية والإرهابي 3429 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3429 استماع
حتى يستجاب لك 3396 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3376 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3350 استماع
الزينة والجمال 3340 استماع