عوامل بناء المجتمع


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذه خطبة عارضة أسوقها تعليقاً على الأحداث الجارية، وإذا كان تأخير البيان عن وقت الخطاب يجوز، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه لا يجوز.

إن الأحداث الجارية التي تمر بها الأمة المسلمة تستحق وقفة جادة، وكم وقفنا هذه الوقفات، لكن الجماهير العريضة لا تجعل الإسلام قضية حياة.

ولو استطعنا أن نجعل قضية الإسلام كرغيف الخبز لكنا أعز أمة، ورغيف الخبز أهم عند الجماهير من الإسلام، ولو أن رغيف الخبز غداً صار بعشرة قروش، لحصلت المظاهرات، ولصار الحديث في كل بيت عن رغيف الخبز، وقد حدثت مظاهرات في الثامن عشر والتاسع عشر من يناير (77 م) عندما ارتفع كيلو السكر من أربعين قرشاً إلى ستين قرشاً، وقامت مظاهرات، وحرقت قاطرات وسيارات كلفت ملايين، وسبب ذلك زيادة عشرين قرشاً في كيلو سكر.

فلو استطعنا أن نجعل قضية الإسلام كقضية الخبز، ما قتل منا مائة رجل ساجد.. كالأبقار.. بل دم الأبقار -الآن- أغلى من دم المسلمين، وأتحدى أي رجل أن يذبح بقرة في الهند، فقد تطير عنقه في مقابل بقرة، لكن ما وصلنا إليه هو بتفريط كثير منا، وكم قام الداعي يحذر هؤلاء العوام من مغبة ذلك، ولكن لا يحبون الناصحين.

رمضان شهر عظيم، لكنه يكشف بسرعة أدعياء الإيمان، يكشف أصحاب العبادة الموسمية، والله عز وجل يكره العبادات الموسمية، إن الله تبارك وتعالى يحب أن يكون العمل دائماً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل)، وقالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن عمله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (كان عمله ديمة).. وكان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا عملوا عملاً أثبتوه: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل).

إن العمل الموسمي يدل على الفتور، والله تبارك وتعالى يحب الطالبين له دائماً، فالذي يداوم على الذكر وإن كان قليلاً يدل ذلك على أنه حسن القصد، أما الذي يعمل بقوة ثم يفتر، يدل دلالة واضحة على أن مطلوبه ليس بذاك، ولذلك فتر عنه، من هنا كان أحب العمل إلى الله أدومه.

فيا تُرَى الذين يصلون في رمضان ويقطعون الصلاة في شوال يعتقدون أن رب رمضان غير رب شوال، أو أن الله عز وجل يسمع ويرى ويحاسب في رمضان فقط؟! عجب والله..!

العمل الموسمي عمل خطير، يكرهه الله عز وجل، والصحابة رضوان الله عليهم ما جعل الله عز وجل الأرض تحت أقدامهم في عشر سنوات فقط، فعشر سنوات في عمر أمة كطرفة عين، أعمار الأمم لا تقاس بالسنين.. أعمار الأمم دهور متطاولة.. فكم يا تُرى تشكل عشر سنوات في حياة أمة.. وكانوا قلة مستضعفين.. إلا لأنهم حققوا العبودية لله عز وجل على الدوام.

وما وصل اليهودي إلى هذه الجرأة ودخل بسلاحه، واطمأن أنه سيقتل مائة أو مائتين إلا لأنه يعلم أنه لن يكون هناك رد فعل، لكنه يعلم أن أقصى ما يمكن أن يفعله المسلمون هو الشجب في الجرائد، وأقوى بيان شجب لوزارة الخارجية. ماذا استفدنا من ذلك الشجب..؟! على الأقل لو يطردون السفير، لكنهم لا يستطيعون فهم أجبن من ذلك.

نحن لا ننسى تصرف إنجلترا في قضية سلمان رشدي لما أهدرت إيران دم سلمان رشدي الذي يسب النبي عليه الصلاة والسلام، ويتهم أزواجه بالزنا، إذا بريطانيا تسحب سفيرها. لماذا يسحبون السفير؟ من هو سلمان رشدي ؟ كم يساوي سلمان رشدي في الخريطة؟ ما له قيمة إلا أنه مواطن إنجليزي من أصل هندي.

بالرغم من أن إيران قتلت عشرات الإنجليز في قلب لندن .. ولكن القضية ليست قضية مواطن، بل القضية قضية الإسلام والكفر، فرئيس أمريكا لماذا يستقبل سلمان رشدي ؟ نكاية في المسلمين، وهذه تحديات سافرة جداً.

ومع ذلك يتكلم عن الإرهاب الداخلي، فما هي نسبة الإرهاب الداخلي بجانب الإرهاب اليهودي؟!

هناك مسلسل اسمه العائلة، يحرمون فيه الخيار وغير ذلك من الأشياء، ويقولون: إن هذا فكر الجماعات الإسلامية.

هل هذا حق؟ أنا أُسَلِّم أنه يوجد من يحرم الخيار، لكن هل يقال: إن هذا فكر شريحة عريضة من المجتمع.

لا. هذا تهريج؟! ومع ذلك فهم ينفقون الأموال الطائلة على مقاومة الإرهاب فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]، إن الذي يحارب الله لا ينتصر، وهؤلاء الذين يحرمون الخيار مع ما فيهم فهم أجود ممن يحارب الله ورسوله، ويكفيك أنت -يا من تتولى حرب الإرهاب- يكفيك الذي أنت فيه من اختلاسات ولصوصية؛ لكن من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، وإذا غضب الله على العبد حرمه التوفيق.

لو أنهم يريدون الفتوى الشرعية في الخيار، فأنا أفتيهم الآن أن الخيار يمكن أن يكون حراماً، لأن الخيار والموز والفلفل الذي مثل البطيخ محقون بالهرمونات التي تسبب أمراض السرطان، وكل الزراعة الآن تالفة، وهذا ليس كلامي، فأنا لا أفهم في هذا المجال، إنما أنقل كلام المختصين في ذلك، فالموز الإسرائيلي محقون بالهرمونات، والخيار والفلفل كذلك محقون بالهرمونات؛ فلذلك يسبب أمراض السرطان، وعلماء الزراعة يقولون هذا، فإذا كانت المسألة كذلك، كانت الفتوى أن هذا أقرب ما يكون إلى التحريم.

هب أن رجلاً مجنوناً زعم أن الخيار حرام.. فهل نعمل عليه مسلسلاً كاملاً ونتهم شريحة عريضة من المجتمع أنها تحرم الخيار، وأن هذا فكرها؟ وهل تعالج القضايا بمثل هذه المسلسلات والتهريج؟ أليس هذا من الظلم البين والعدوان الواضح؟

إن هذا المسلسل يتهم العقائد، وينفي عذاب القبر، ويقول: الأزهر لا يراجع؛ لأن هذا مسلسل درامي، والأزهر لا يفهم إلا في مسلسل تاريخي.

إن هذا المسلسل يسب الله فيه ويقول: إن عذاب القبر ليس فيه نص من القرآن.

وهذا جهل؛ لأن عذاب القبر وارد في القرآن الكريم في آية صريحة جداً، ومع ذلك فإجماع علماء المسلمين أن السنة تنفرد بتقرير الأحكام، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، أنه سمع رجلاً يقول: أوجد لي كذا في كتاب الله، قال: يا أحمق! أوتجد الظهر في كتاب الله أربعاً، والعصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، والصبح ثنتين؟! تجد في كتاب الله عز وجل أن هذا يسر به وهذا يجهر به؟! قال تبارك وتعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، هذه هي آية إثبات عذاب القبر.. غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا [غافر:46]، غدواً وعشياً قبل قيام الساعة، أين يا ترى؟! في البرزخ، وهو عذاب القبر، مع ثبوت عذاب القبر في الأحاديث المتواترة، والنبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من عذاب القبر، وأحاديثه في ذلك مشهورة: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا، وأعوذ بك من فتنة الممات، وأعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وأعوذ بك من فتنة القبر ومن عذاب القبر). و(سلوا الله لأخيكم التثبيت فإنه الآن يُسأل). وحديث البراء بن عازب الطويل في إثبات عذاب القبر.. وفي إثبات سؤال الملكين. وقوله تبارك وتعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27] في عذاب القبر، وفي الثبات على كلمة التوحيد داخل القبر.

فحين يأتي هذا الرجل في مسلسله ويقول: إنه لا يوجد عذاب قبر، ولا يوجد نص من القرآن على ذلك، ويختم الحلقة على هذا، فماذا يعني هذا؟! أهو يخاطب الصم البكم العمي؟! لا. ومع ذلك تجد الجماهير مستمرة في السماع.

ألا من رجل يغار على أحكام الله..! إن جهاز التلفزيون وما يبث فيه سرطان ينخر في جسد الأسرة والمجتمع والأمة، فهو الذي ضيعنا ودمرنا، واقتناؤه حرام، حتى ما يبث فيه من المسلسلات التي يزعمون أنها دينية، من الذي يؤديها؟ أليس ممثلاً داعراً فاجراً كان يمثل عاشقاً في الحلقة الأخرى؟! فهل نرضى أن يمثل دور عمر بن عبد العزيز أو عمر بن الخطاب ، أو عمار بن ياسر؟! هذا طعن في هؤلاء السادة العظماء وتحقير لهم، ومع ذلك لم يحرك المسلمون ضد هذا العفن ساكناً.

وقد رفعت الشكوى للوزير شخصياً -وزير الإعلام- فقال: (ما الجهاز ليه زرار، مش عاجبك. اقفل) فنقول له: أنتم لماذا تقاومون أصحاب المخدرات؟! أليس كل شخص يعرف مصلحة نفسه، ويعرف أن المخدرات حرام؟! إذاً: اتركه يشرب، وكذلك دع السارق يسرق، ودع شارب الخمر يشرب الخمر؟!! لماذا جعل السلطان إذاً؟! هل كل الخلق يعرفون مصلحتهم؟! هل كل الخلق يمكن أن يقفوا على حدود الله عز وجل؟!

والجماهير يجب أن تتنبه أن اليهود لا يلعبون، فألف مليون مسلم على وجه الأرض لا يستطيعون أن يقفوا أمام اثني عشر مليون يهودي في العالم كله، لا يستطيعون أن يرفعوا رءوسهم، وتتم المجزرة أمام أعينهم كما حصل في البوسنة والهرسك، وأريقت دماء الآلاف المؤلفة من المسلمين، وحتى الآن لم يستطع المسلمون أن يصدروا قراراً بضرب الصرب، القضية واضحة جداً.

نقول: إن النفاق يوجد في حال قوة الإسلام، أما في حالة الضعف فلا نفاق، وإنما كفر صريح، إذا ضعف الإسلام وجدت الكفر ظاهراً جداً، وصوته عالياً، وحينما يكون الإسلام قوياً جداً يظهر النفاق، والآن الكفر طافح صريح، والأحداث الجارية مؤلمة جداً، صار الإنسان لا يدري من أي سهم يتألم، وأي سهم يرد:

تكسرت النصال على النصال

ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهم وثانٍ وثالث

فهل نرد سهم المسلسلات الهابطة التي تنخر في جسد الأمة، أم قتل المسلمين وهم سجد ركع، أم سهم البوسنة والهرسك ، أم سهم إرتيريا؟!

فيا ترى أي السهام أشد إيلاماً من صاحبه؟! سهام كثيرة جداً والمسلمون مع ذلك لا يتنبهون: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] في الجحود والنكران، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] في هذا الفتور رغم الحريق المشتعل.

أنا كنت أتصور أن الإنسان يكون فاتر الهمة إذا كانت الأحداث فاترة، لكنها قوية جداً، ورد فعلنا -نحن المسلمون- لا يساوي الأحداث الجارية.

فالواجب أن نربي أولادنا على صد الكفر ومكر اليهود، فأولادنا يقعون ضحية المخدرات، والتطرف الديني أهون ألف مرة من التطرف الدنيوي، وحينما يتطرف المرء في دينه فذلك أفضل من أن يشرب المخدرات -والمخدرات قد طفحت في المدارس، والجامعات، والبعثات التي تذهب إلى إسرائيل- وأفضل من الوقوع في الفاحشة والإصابة بالإيدز؛ كما حصل لسبعين من كفر الشيخ هنا.. ذهبوا في بعثة ورجعوا يحكون عن الليالي الحمراء، وقد عشعش الإيدز في أجسادهم، وبهذا تقتل الأجيال القادمة.

وقد قرأت في مذكرات أحد الساسة الإسرائيليين أنهم كانوا قد نشروا أسرار حرب سبعة وستين قبل وقوع الحرب بخمسة عشر يوماً في الجرائد الأوروبية، وبعدما حصلت الحرب سألوهم عن ذلك، لأن نشر أسرار الحرب على جريدة يعني أنها مناورة لا أقل ولا أكثر، ولا يمكن أن تكون خطة حرب، فلما وقعت الواقعة سألوهم عن هذه الجرأة، فكان ردهم: (إن العرب لا يقرءون وإذا قرءوا لا يفهمون).

وما صرنا إلى هذا إلا بعد أن تركنا ديننا وخالفنا أمر ربنا، وإلا فالمسلمون هم أهل العقول النيرة، وأذكى الناس هم المسلمون، لكن العرب هم الجنس الوحيد الذين لا يصلحون إلا بدين، فغيرهم يصلح بغير دين، لكن العرب لا يصلحون إلا بدين، ويعرف هذه الحقيقة من قرأ التاريخ.

فقد كانت قبل الإسلام قبائل متناحرة لا قيمة لها، فلما جاء الإسلام فجر طاقاتهم، ولم شملهم، وجعلهم قادة أمم، ولا يمكن أن يعود للإسلام مجده إلا من بلاد العرب، ولا يمكن أن يخرج من بلاد الغرب، بدلالة النصوص الكثيرة، فالعرب هم الشجعان بالإسلام، وبلادهم مهبط الديانات.

فهل يتصور لو قامت حرب أن أي أمة تستطيع أن تقاتل قتال العرب المسلمين؟ أبداً. لا يمكن ذلك، لذلك في حرب الخليج قدموهم.

إننا نحتاج إلى يقظة، فكل امرئ حجيج نفسه، أنت رب بيتك، فما الذي يمنعك من الإصلاح؟! ما الذي يمنعك؟! فالحكومة ليس لها دخل في بيتك، ما الذي يمنعك أن تصلح بيتك؟! ربِ أولادك، فالجيل القادم سيمكن له إن شاء الله، أما جيل آبائنا فقد شرب كل الهزائم، لذلك هو غير مستعد للتضحية، والتضحية عنده جنون، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن لا ينتصر الإسلام بنا، لكن إذا تربى أبناؤك على التربية الصحيحة، فالوضع يختلف، والمسألة مسألة وقت فقط، وسوف يمكن الله لهم.

الإنسان عندما ينظر للمسلمين في بقاع الأرض يشعر بحسرة، فأين الحرارة التي كانت موجودة -مثلاً- عند الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله؟! فقد كان هذا الرجل مهموماً بالمسلمين دائماً، رأته أمه يوماً مكتئباً في ذات صباح، فقالت له: يا بني! مالك، أمات مسلم في الصين؟!

رجل همومه تتجاوز -لا أقول: مصالحه الشخصية- إنما تتجاوز بلده إلى البلاد الأخرى، فقد كان نبيلاً ذا همة.

لو أن فينا ثلة من طراز الصحابة لفتح الله بنا، ولكننا ما عَبَّدنا أنفسنا لله عز وجل كما ينبغي.

واعلم أنك لن تحكم العالم وأنت عاجز أن تقيم أسرتك على طريق الله، خمسة أفراد لا نستطيع أن نضبطهم على أمر الله فكيف سنقود أمة؟! إذا عجزت أن تقول للولد: صل، وللمرأة: البسي الحجاب، فأنت إنسان عاجز، وتعجز بداهة عن الأقوى والأكثر، نحن نحتاج إلى تجديد العهد الذي بلي، وإقامة شرع الله في حياتنا:

بأيمانهم نوران ذكر وسنـة فما بالهم في حالك الظلمات

رئيس تحرير جريدة الوفد يكتب بالخط العريض: القرآن غير صالح لكل زمان ومكان..! فهو يطعن في هيمنة الكتاب المجيد، والله عز وجل حكم أنه مهيمن على كل الكتب السابقة، وقال: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وهو يقول: غير صالح، فلا نفاق الآن -كما قلت لكم- وإنما الكفر اشرأبت عنقه باسم حرية الرأي.

والألوف المؤلفة التي تنفق باسم سلسلة التنوير لمكافحة الإرهاب، ينشرون فيها مثل هذا .. وكذلك مذكرات سعد زغلول ، الذي يقول: إننا لا نستطيع الاستغناء عن الخمر، لأن الخمر علاج، ويرد قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها داء وليست بدواء)، أهو هذا الذي نريد أن نجعله الأسوة؟! وما عادوا يعاملون شباب الصحوة الإسلامية كالطفل الصغير، يضرب فيسكت، فهذا قد فات الأوان عليه، وهذا الطفل كبر، ويجب أن يعامل معاملة أخرى، فكان لابد من التنوير حسب زعمهم وفكرهم الخبيث.

وليعلموا أن اتهام المسلمين هذا الاتهام الرخيص الموجود في المسلسلات يذكي جذوة الاشتعال، ولا يطفئها أبداً، وهذا استخفاف بالعقول، والواجب أن نقف وقفة جادة أمام هذه المسلسلات الهابطة، وأمام هذا التنوير المغشوش، فبيوتنا منفصمة عراها، تحتاج إلى وقفة جادة، وأحكام الله عز وجل يفرق بينها تفريقاً صريحاً تبعاً للهوى، ولا يحرك أحد لذلك ساكناً.

أيها المسلمون! إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حكم من قديم في هذه المسألة، فقال: (من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً). ماذا نفعل؟

قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) وإذا تأملت قوله: (عضوا) علمت أن الرجل الذي يعض ليس له يد ولا عضد.. وكأنه يقول: بماذا أمسك بماذا؟ فقيل له: أمسك بأسنانك، فإن حياتك في هذه العضة، فكلمة (عض عليها) معناها أن هذا آخر شيء معك، فلو ضعفت نواجذك خسرت، وقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء) لماذا؟ قال: (من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً) ونحن وقعنا في هذه الاختلافات، إذاً: نرجع إلى كلام الرسول عليه الصلاة والسلام المبين لأحكام الله عز وجل المجملة في القرآن.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

قصة فتح عمورية قصة مشهورة، وكلنا نعرفها، لكن في وقت الضعف يحتاج الإنسان لمن يذكره بانتصارات المسلمين، وقصة فتح عمورية تتلخص في: أن رجلاً يهودياً كشف عورة امرأة مسلمة، فقالت المرأة: وامعتصماه! وبين المرأة وبين المعتصم بحار ومفاوز، لكن النخوة كانت تجري في العروق، فسمعها رجل مسلم فقطع الفيافي وعبر البحار حتى وصل إلى المعتصم، فقال له: إن رجلاً يهودياً كشف عورة امرأة مسلمة فقالت: وا معتصماه! وكان المعتصم رجلاً تدب النخوة في عروقه، وتجري في دمه، فجرد جيشاً كاملاً وفتح البلد -عمورية- لأن يهودياً كشف عورة امرأة مسلمة. واليوم .. كل العرايا من نساء المسلمين بسبب اليهود، فهم الذين كشفوا عورات كل نساء المسلمين إلا من عصم الله منهم، وهم قلة، برغم الرجوع الحميم إلى الله عز وجل في السنوات الأخيرة.

فبيوت الأزياء، والموضة كلها يهودية، فهم الذين كشفوا عورات المسلمين، حتى وصل الأمر إلى (الميكروجب والميني جب والميني ميني واللاميني) وصل الأمر إلى هذا. فيجب الحذر كل الحذر.

وفي الآونة الأخيرة إتماماً لما بدأه الرافضة والمستشرقون؛ نسمع صيحات ولافتات على صفحات الأهرام لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي؛ لأن المؤرخين المسلمين -حسب زعمهم- خونة، فقد كانوا يرضون الحكام، فإذا كانت الدولة أموية، شتموا في العباسيين، وإذا كانت الدولة عباسية شتموا في الأمويين، وهكذا خرجوا بأن علماء المسلمين خونة. وأخرجوا كتباً في ذلك، وقالوا: تريدون أن تحكمونا كما حكمنا معاوية؟!

إن معاوية بن أبي سفيان ، ذاك الرجل الحليم الحكيم الذي حكم المسلمين عشرين سنة وما اشتكى منه أحد، وكان كاتباً لوحي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استخلفه عمر على الشام ، وقد كان يضرب به المثل في الحلم والسياسة، وهو داهية من دهاة العرب رضي الله عنه.

فهم يصورون الخلاف الذي حصل بين علي ومعاوية أنه خلاف دنيوي، ويقولون: هؤلاء هم الصحابة الذين أنتم تريدون أن تتأسوا بهم، هم هؤلاء الذين وردت فيهم الأحاديث المكذوبة -حسب زعمهم-.

والمسلسلات الدينية التي ينشرها أصحاب التنوير المزعوم -وفيها بعض الصحابة- يقصد منها تشويه صورهم الجليلة، لأنه حين ينطبع في ذهن المشاهد أن عمار بن ياسر هو فلان الفلاني الذي يمثل في هذا المسلسل، تذهب الأسوة به، فلذلك العلماء يقولون: القضايا العظيمة لا يتكلم فيها إلا بإتقان؛ لأن صورتها تضعف.

مثلاً: في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا تكلم فيها أي إنسان لا يفقه شيئاً، فالقضية نفسها تذوب، وقيمتها تقل، إنما حين يتكلم فيها الراسخون تظل قيمتها كما هي.

الصحابة رضوان الله عليهم يعتدى الآن -وبكل وقاحة- على شخصيات منهم كما حصل في جريدة في مصر، بأن كُتِب: أن أبا هريرة كذاب يكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس مقصودهم أبا هريرة ، وإنما يقصدون سد باب الإسلام وإبطال نقل الوحيين عن هؤلاء الصحابة الكرام، وقد تسمع في غدٍ أن شخصاً آخر غير أبا هريرة يكذب.

فالكلام عن الصحابة رضوان الله عليهم واتهامهم بالكذب أخطر على الدين من خطر الإيدز على أصحابه.

أمة تهين أسيادها هذه الإهانة تذل والله.

إن المجتمع الغربي يلمع أناساً على أساس أنهم عمالقة، وهم سذج أصحاب شهوات وجنس، وأعظم واحد عندهم لا يساوي شراك نعل واحد عند المسلمين، ومع ذلك لا يسمحون إطلاقاً بتشويه سير العظماء عندهم.

المهم: أن الخرق اتسع على الرَّاقِع، والمسألة تحتاج إلى وقفة جادة، وهاهو رمضان شهر مبارك قد أقبل، وفيه تعرض أكبر نسبة من البرامج والمسلسلات التي تهدم دين الله عز وجل، فأين حرمة رمضان؟! الناس يقبلون على الله عز وجل، وهؤلاء ينفقون الملايين في هذا الشهر ليشغلوهم عن عبادة الله، برغم تحذيرات المفتي وشيخ الأزهر واعتراض العلماء على ذلك، لكن ليس له أكثر من أن يعترض فقط.

وبقي الأمل على الجماهير، فالمسألة بأيديهم، فأنت ابدأ أول خطوة من البيت، رب ولدك على النهوض بالأمة والدعوة، لأن اليهود يربون أولادهم على خدمة المصالح والأهداف والمبادئ، ففي حرب (67م) كانوا لا ينامون وهم يملكون مائة وعشرون رأساً نووياً، ونحن محرومون من أي مفاعل نووي حتى للأغراض السلمية، وتفتيش دوري، وإسرائيل عندها مفاعلات نووية وتنتج القنبلة الذرية، وهم أربعة مليون فقط، ورحمة الله على الشيخ المطيعي فقد كان يقول: (لو كل واحد منا بصق بصقة لأغرقناهم) أي: اليهود، لكنه الخور، خور القلب.

وليس لنا إلا طريق الله عز وجل، وقد جرب زعماؤنا كل الطرق الفاشلة، ونحن نقطع أنها فاشلة، فليس هناك إلا طريق واحد فقط لا غير، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وليست الطرق إلى الله كعدد أنفاس البشر -كما يقولون- فالطريق واحد فقط، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم..

نسأل الله تبارك وتعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.