خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=16019"> خطب عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
ولاية الله ومقتضياتها
الحلقة مفرغة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال سبحانه: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام:14] سبحانه وتعالى عما يشركون، سبحانه وتعالى عما يوالون من دونه من أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، سبحانه وتعالى عما يشركون في حكمه، وفي حلاله وحرامه، سبحانه وتعالى عما اتخذ من دون الله ولياً يعادى من أجله، ويوالى فيه.
أيها الإخوة: إن الولاء لله سبحانه وتعالى هي مسألة المسائل ورأس الأحكام، وهي قضية خطيرة من قضايا الولاء والبراء وهي رأسها، وكل مسألة في الولاء والبراء إنما هي فرعٌ عن هذه المسألة وهي موالاة الله عز وجل.
الولاية لله والخضوع له سبحانه وتعالى هي الأساس الذي تقوم عليه تصرفات المسلمين من عبادات ومعاملات واتخاذ المواقف من الآخرين، وهذه المسألة التي لو تحطمت في نفوس المسلمين؛ لأصبحوا كفاراً مرتدين، ولا ينفعهم عند ذلك عملٌ صالحٌ أبداً.
ولما كان من أسباب تقهقر المسلمين في هذا العصر تخلخل العقيدة في نفوسهم، كان لا بد من الكلام باستمرار على قضايا العقيدة الهامة والخطيرة، ومسألة الولاية لله سبحانه وتعالى، لو كانت متحققة فعلاً في نفوس المسلمين اليوم لما وصلوا إلى الحالة التي هم عليها الآن.
إن كثيراً من المسلمين قد ارتدوا عن دين الله، ووالوا أعداء الله، وعقدوا معهم الأحلاف، وأطاعوهم في الحلال والحرام، واستوردت القوانين في بلاد المسلمين، يحكمون فيها كفراً ورِدةً عن دين الله؛ بسبب عدم مولاة الله عز وجل. وولاية الله جاءت في القرآن في آياتٍ عديدة: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196] .. اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257].
أيها الإخوة: ولاية الله لها مقتضيات:
فمنها: اتخاذ الله سبحانه وتعالى حكماً، يقول الله عز وجل: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً [الأنعام:114] لا يمكن أن أتخذ غير الله حكماً يحكم في الأمور إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40] فلمن الحكم؟ لله عز وجل.
إن الذين يتحاكمون إلى غير الله ذمهم الله في القرآن ذماً شديداً، ووصفهم بأنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، فمن الذي يحلل؟ ومن الذي يحرم؟ ومن الذي له هذا الحق؟ كيف كفر اليهود والنصارى؟ أليس لأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، يطيعونهم في الحلال والحرام؛ ولذلك كان التحاكم إلى شريعة غير شريعة الله من الكفر الصريح البواح، والذي يعتقد أن شرع غير شرع الله أفضل من شرع الله فهو كافر، والذي يعتقد أن شرع الله مساوٍ لشرع غير الله وهو يأخذ بشرع الله فهو كافر، حتى لو حكم شرع الله ما دام يعتقد أن شرع غيره أفضل، أو أن شرع غيره مثل شرع الله وهو يحكم بشرع الله فهو كافر، ومن اعتقد بأن شرع الله أفضل من شرع غيره لكن يجوز الأخذ بالأمرين فهو كافر.
هذه المسائل الخطيرة من مسائل الاعتقاد قد أصبحت اليوم نسياً منسياً عند كثير من المسلمين.
من مقتضيات الولاء لله: إفراد الله بالنسك: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] فالذي يشرك مع الله في العبادة ليس يوالي الله عز وجل مطلقاً، إذ كيف يشرك معه وهو يواليه، وإفراد الله بالولاية جاء التعبير عنها في القرآن أحياناً بمعنى الاتباع، فقال سبحانه وتعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3] فولاية الله تقتضي اتباع الله عز وجل، وتقتضي -أيضاً- نصرة الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً [الأنعام:14] أغير الله أنصر؟ أغير الله أعلي كلمته؟ لا. فنصرة الله من مقتضيات ولاية الله عز وجل.
من مقتضيات ولاية الله إذا كانت ولايتك لله صحيحة فلا بد أن تتمسك بدين الله، وتترك ما أحدث الناس في الدين من البدع.
قال ابن القيم رحمه الله: التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد.
تجريد التوحيد من مقتضيات الولاية لله.. تجريد التوحيد بجميع أنواعه.. تجريد التوحيد من جميع أنواع الشرك أكبره وأصغره.
من مقتضيات الولاية لله: الانتساب لله وحده، وترك الانتساب إلى ما سواه، قال ابن القيم رحمه الله في المدارج ، في صفات هؤلاء الذين يوالون الله فأصبحوا غرباء، ومن صفاتهم قال: وترك الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية وحده، لا ينتسبون إلا إلى الله ورسوله فقط، لا ينتسبون إلى أحد من الناس، ولا طريقة من الطرائق، ولا جماعة من الجماعات، ولا طائفة من الطوائف، إنهم ينتسبون لله وحده، يفردون الله بالانتساب إليه.
من مقتضيات هذه الولاية أيضاً: أن تنسف الولايات السابقة التي كانت في عهد الإنسان قبل أن يدخل في ولاية الله، كانت القبائل في الجاهلية كل فرد ينتسب إلى قبيلته، يواليها ويعادي من أجلها، وينصرها وإن كانت ظالمة، فلما أسلم هؤلاء تغيرت ولاياتهم، وصارت ولاية الصحابة لله وحده، ولذلك كان أحدهم يدخل في المعركة ضد قبيلته؛ لأن القبيلة كافرة وقد صار هو في معسكر أهل الإسلام وأهل التوحيد، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشدد ويؤكد في مناسبات كثيرة على نسف جميع الولايات الأخرى وإبقاء الولاية لله وحده، ينسف قضايا التعصب للعرق والنسب والقبيلة والطائفة، وهذا الحديث مثال على ذلك: روى البخاري رحمه الله، عن جابر قال: (غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد تاب معه أناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجلٌ لعاب -أي: يجيد اللعب بالحراب- فكسع أنصارياً -ضربه على قفاه- فغضب الأنصاري غضباً شديداً حتى تداعوا -تجمعوا واحتشدوا- وقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين -تحزبت كل طائفة، كل واحد يقول: يا أصحابي! يا للمهاجرين! والثاني يقول: يا للأنصار- فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بال دعوى الجاهلية، ثم قال: دعوها فإنها منتنة) فكل ولاية لغير الله نتن وقذارة تلطخ التوحيد وتدمره، وتبعثره وتفرقه: (دعوها فإنها منتنة).
من مقتضيات الولاية لله سبحانه وتعالى: أن تحب أحباب الله.. أن تحب أولياء الله سبحانه وتعالى، وتعادي من عادى الله، ومن أبغض الله، ولذلك عقل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بشكلٍ عجيب، فكان أحدهم يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: يا رسول الله! إنك لأحب إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إليَّ من أهلي ومالي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك.
أيها الإخوة: تصوروا مقدار هذه المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم.. محبة أولياء الله على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمثلاً في الصحابة، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، أنت ترفع مع النبيين وأنا قد لا أراك، ولو أني قد أدخل الجنة، لكن قد لا أراك، أنا أخشى من هذا يا رسول الله! أنا لا أطيق على فراقك حياً وبعد أن يبعثك الله، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن عنده جوابٌ في المسألة، حتى نزل جبريل بهذه الآية: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ [النساء:69-70] هذا فضل الله، ليست الأموال، ولا السيارات، ولا الأراضي، ولا العقارات، ولا الجاه والمنصب ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ [النساء:70] معية الرسول صلى الله عليه وسلم والصالحين في الجنة، هذا الصحابي مثال لبقية الصحابة.
ولذلك كان أحدهم يترك أخاه وأباه وعائلته وقبيلته وعشيرته ويلتحق بركب المسلمين، لا يواد الكفار ولو كانوا أقرب الناس إليه، بل كان الأمر يصل ببعضهم أن يقتل أباه الكافر؛ لأنه يعادي الله عز وجل.
قال ابن حجر رحمه الله في الإصابة في ترجمة عامر بن عبد الله بن الجراح وهو أبو عبيدة رضي الله عنه، قال: نزلت فيه: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ... الآية [المجادلة:22] قال ابن حجر : وهو فيما أخرج الطبراني بسندٍ جيد عن عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة يتصدى لـأبي عبيدة يوم بدر ، فيحيد عنه -الابن يحيد عن الأب- فلما أكثر من التصدي له، قتله - أبو عبيدة- لأن الأب كافر يعادي الله، وأبو عبيدة مؤمن يوالي الله لا يجتمعان، حتى لو كان هذا من صلب هذا، فقصده فقتله، فأنزل الله هذه الآية: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22].
هذا المستوى الرفيع في الولاية التي تحققت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أوصلهم إلى ما أوصلهم إليه من محبة الله لهم، ونصرة الله إياهم، كان أحدهم يترك أهله وأقرباءه، ويؤاخي رجلاً بعيداً عنه.. بعيداً عن نسبه وبلاده، يؤاخي بلالاً الحبشي، وسلمان الفارسي ، يؤاخي هؤلاء .. يسكن معهم .. يأكل معهم .. يجاهد معهم .. يتعلم معهم، ويترك الكفرة من الأب والابن وغيرهم من أقرب الناس، والمرأة تترك زوجها: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] هذا الحكم مهم جداً في هذا العصر؛ لأنه قد يوجد معك في بيتك مرتدٌ عن دين الله، لما ابتعد الناس هذا الابتعاد الشديد عن الدين، وانسلخوا عن التوحيد، وابتعدوا عن الله عز وجل، لا بد أن نشعر بمعاني المفاصلة التي كان يشعر بها صحابة رسول الله.
ومن أجل ذلك -أيها الإخوة- كان من مقتضيات الولاية لله: تحمل الأذى في سبيل الله؛ لأن هذه الولاية ستكلفك أشياء عظيمة؛ قد تكلفك حياتك.. قد تكلفك مالك وابتعادك عن أرضك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذي عن أنس: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد -من أجل الله، من أجل الولاية في الله؛ لأني أوالي الله- وأخفت في الله وما يخاف أحد -لا أحد أوذي مثلما أوذي الرسول صلى الله عليه وسلم- ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين يومٍ وليلة، ومالي ولـ
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وارزقنا ولايتك ونصرتك يا أرحم الراحمين.
وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله الذي لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، له الأسماء الحسنى فادعوه بها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي والى في الله وعادى في الله، وجمع الأمة على سبيل الله، وجاهد في الله حق جهاده، وعلَّمنا معاني الولاء والبراء، حتى تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ومن أجل الولاية في الله تغرب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوطان، ولاقوا في أسفار الهجرة الأَّمرين، تحملوا ألم الغربة والفقر، وعدم وجود المأوى من أجل الله سبحانه وتعالى، وهذا مثالٌ من الأمثلة: روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بـاليمن في أدنى الجزيرة ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي) هجرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله عز وجل من اليمن قاصدين الرسول صلى الله عليه وسلم (فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى
فقال جعفر : (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، قال: فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً إلى المدينة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا -أعطانا من غنائم خيبر مع أنهم لم يشهدوا فتح خيبر وكانوا فقراء- فكان أناس من الناس يقول لنا -أي: لأهل السفينة، المهاجرين- نحن سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس -وهي ممن قدم معنا- على حفصة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم بنت عمر ، في يوم من الأيام دخل عمر على حفصة وأسماء بنت عميس عندها، فقال عمر : من هذه؟ فقالت حفصة : أسماء بنت عميس، فقال عمر : الحبشية هذه، البحرية هذه، فقالت أسماء : نعم، فقال عمر : سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت -وقالت كلمة تركتها الآن- ثم قالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء والبغضاء -في أرض الحبشة - وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم وأيم والله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباٌ حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف -في هذه الهجرة كنا نؤذى ونخاف في أرض بعداء وبغضاء؛ لأن أهل الحبشة كان أكثرهم كفار- وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله ووالله لا أكذب ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله! إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس بأحق بي منكم، وله وأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أصحاب السفينة هجرتان -أجر هجرتين- قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) امرأة تخرج تتغرب في أرض بعداء وبغضاء، تؤذى وتخاف من أجل أي شيء؟ لماذا تعمل هذا العمل؟ ومن الذي يقوى على هذا العمل؟
أيها الإخوة: إنها الهجرة لله سبحانه لتحقيق ولاية الله ومحاولة لتكوين المجتمع الذي يرضاه الله سبحانه.
والولاية لله كذلك تعني اتخاذ المواقف في ذات الله، وتحديد المواقف من الناس في ذات الله، ووضع الإمكانيات المادية وغيرها في سبيل الله.
مثال: قصة إسلام ثمامة رضي الله عنه، لما أسلم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، يا محمد! ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فلقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ، والله ما كان من دينٍ أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليَّ، والله ما كان من بلدٍ أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ.
هذا كله تم في لحظات الإسلام، هذا الفرق بين إسلام الأوائل، وإسلام الناس اليوم.. في لحظات يدخل في دين الله تقوم مقتضيات الولاء والبراء في نفسه، فيحب رسول الله، ودين رسول الله، وبلد رسول الله أكثر من أي شيءٍ آخر، ثم استأذن رسول الله في العمرة فشجعه عليه الصلاة والسلام عليها، فماذا قال لما ذهب إلى كفار قريش في مكة ؟ اتخاذ المواقف، تحديد الموقف من أعداء الله، ووضع الإمكانيات لنصرة الله وولايته لله، قال: ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، وكانت اليمامة تصدر الحنطة إلى مكة ، حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضع إمكانيات البلد كلها موطنة في سبيل الله، وولايته ونصرته، مَنْ من الناس اليوم يضع إمكانياته في سبيل الله؟ مَنْ من الناس يستشعر هذا؟!
من مقتضيات الولاية لله: عدم اتخاذ أعداء الله أولياء.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] وهناك كثير من المسلمين اليوم يسارعون في موالاة الكفار ومصادقتهم وعقد الاحلاف للنصرة فكيف يجتمعان في قلب عبد؟
وفي العصر الحديث في بلاد الهند لما أتاها النصارى فاستعمروها وكان فيها كثيرٌ من المسلمين، قال العلامة صديق حسن خان رحمه الله، وكان ملكاً في جزء من أرض الهند أو السند كتب مؤلفاً وهو العبرة فيما جاء بالغزو والشهادة والهجرة، يقول فيه عن شيء من أشكال الولاية للكفرة، قال: وأما القوم الذين في بلاد الإسلام والمسلمين ويدعون أنهم من رعية النصارى، ويرضون بذلك ويفرحون به، وإنهم ليتخذون لسفنهم بيارقة، وهي التي تسمى رايات مثل رايات النصارى، إعلاماً منهم بأنهم من رعاياهم، فهؤلاء قومٌ أشربوا حب النصارى في قلوبهم، ويعتقدون بأن النصارى أقوم للبلاد في حفظها من المسلمين، فإن كان القوم المذكورون جهالاٌ يعتقدون دين الإسلام وعلوه على جميع الأديان، وأن أحكامه أقوم الأحكام وليس في قلوبهم مع ذلك تعظيم للكافر وأربابه، فهم باقون على أحكام الإسلام، لكنهم فساق مرتكبون لخطبٍ كبيرٍ يجب تعزيرهم عليه وتأديبهم وتنكيلهم، وإن كانوا علماء بأحكام الإسلام، ومع ذلك صدر منهم ما ذكر، فيستتابوا، فإن رجعوا عن ذلك وتابوا إلى الله وإلا فهم مارقون، فإن اعتقدوا تعظيم الكفر؛ ارتدوا وجرى عليهم أحكام المرتدين.
فهذه المظاهر إظهار شعارات النصارى، والتشبه بهم في ملابسهم وحضور أعيادهم وتهنئتهم بمناسباتهم، دلالة على ولايتهم من دون الله وتوليهم.
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في إمكان |
كيف تحب أعداء الله وتحب الله؟ لا يمكن أن يجتمعان في قلب عبد، وكثير من المسلمين يعظمون اليهود والنصارى، ويعظمون الكفار.. يعتقدون أن الكفار أحسن من المسلمين، وأنهم أفضل من المسلمين في نواحٍ كثيرة.
يقول النووي رحمه الله في الروضة في باب الردة ما لفظه: "ولو قال معلم الصبيان أن اليهود خير من المسلمين بكثير، من أجل ماذا؟ لأنهم يقدرون حقوق معلمي صبيانهم كفر".
الذي يقول: إن اليهود أحسن من المسلمين بكثير، لماذا؟ يقول: لأن اليهود يعطون معلمي الصبيان الحقوق والمسلمين لا يعطونهم، فهو كافر.
واليوم وُجِدَ من المسلمين من ذهب إلى بلاد الكفار وقال بعد عودته: وجدتُ إسلاماً بلا مسلمين، وجد هناك إسلاماً بلا مسلمين، هو المسكين يظن أن الإسلام هو النظافة والترتيب وتنظيم الأعمال والإنتاج، يظن أن هذا هو الإسلام، لا حول ولا قوة إلا بالله، مسخت العقيدة نسأل الله السلامة.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى أن ترزقنا ولايتك، اللهم اجعلنا ممن يوالي فيك ويعادي فيك، اللهم اجعلنا ممن يحب أولياءك ويبغض أعداءك، واجعلنا ممن أمرتهم على التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.