أرشيف المقالات

لا تقتل خير البشر

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
لا تقتل خير البشر

البعضُ منَّا لا يقبل من الناس إلا الكمالَ أو فوق الكمال؛ ففي أخذه لحقوقِه ومشاعرهم تجاهه فهو ينقِّب عنها بالملاقيط، ويُعميه فقدُ الصغير منها عن الكبير؛ فالناس في تقصيرهم فيها ملومون غير معذورين.
 
وإن استدرنا إليه ونظرنا في عطائه لحقوق الناس ومشاعره تجاههم ورفقه بهم، فهو في تقصيره غريقٌ، لكنه عند نفسه معذورٌ لا يُلام، فله وحده ظروف وآلام، فمن طالَبَ بحقه منه فهو لا يقدِّر ظروفه، ولا يرحم له آلامًا!
 
أوَليس للناس آلام؟ أوليس لديهم ظروف وأعذار؟ أم أنه ليس لسِواه اعتبار؟ وهل تقدير الآخرين عارٌ؟
أما عطاؤه للناس - وإن دقَّ - فيراه بالقنطار؛ فمن فيضِه لا يشكون افتقارًا، وإن شكوا فما كلامهم إلا افتراء، وما حالهم إلا كفرٌ للنعم وازدراء، وإن شكروه فهيهات لا يوفُّوه، وأنَّى لكلماتهم أن تسمو ليقدِّروه؟
 
أما عطاء الناس له وإن اجتهدوا، فتقصيرٌ، وقلة تقدير؛ لهذا فلا ذكر لبذلِهم ولا شكر، والعجيب أنه أولُ خاسر؛ فإن مَن أعطاه إن لم يجد شكرًا، فستُقتلُ نبتة الخير فيه؛ فالشكر مادة ريِّها وأصل نموِّها فيه، وقد ينعدم ما كان يعطيه، فبعدَ ما كان يحصل منهم على شيء قليل - كما يزعم - جعله بجحده صفرًا عديمًا، ألم يقل الله: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن لم يشكر الناسَ، لم يشكر اللهَ))؛ فالشكر أصلُ المزيد، ولا يغرنَّك مقولة: لا شكر على واجب؛ فإن الله أوجب علينا الصلاة والزكاة وغيرها، ويشكر من أدَّاها وفعلها شكرًا ينمو ويفيض، كسبعمائة ضعف وقد تزيد وتزيد، وهو الشكور بالمزيد، فأعطِ الناس حقَّهم بلا إغفال ولا ضير، ليكن حقك منك على بالٍ، ولكن تعامل معه بإغضاء المسامح، واشكر وبالغ يأتِك المزيد حتمًا؛ لأنه وعد جازم، وحذارِ أن تكون بحرصك على استيفاءِ حقوقك وإهمال شكر ما يأتيك من أقلِّها تقتُل خيرًا في قلوب البشر، وحذارِ من تهاونِك في إيصال حقوق الناس، وأَرفِقْ مع عطائِك عذرًا لائقًا؛ أن حقَّهم فائق، وبهذا (لا تقتل خير البشر) حتى وإن كان قليلًا.

شارك الخبر

المرئيات-١