خطب ومحاضرات
مهلاً أيها الزوجان!
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعــد:
فأحييكم -إخواني- بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونقول في مطلع هذا الدرس: الحمد لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة، هذا الزواج الذي هو نعمة من الله سبحانه وتعالى أنعم بها على عباده يحصل من ورائها منافع عظيمة ومصالح جمة، ولولاه لوقع الناس في حرج عظيم، بل لربما هلك الجنس البشري بدون هذا الزواج، والله الذي خلق الرجل وخلق المرأة وهو أعلم بهما سبحانه وتعالى شرع هذا الزواج وأمر به وحث عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وعلم الأمة أحكام الزواج وآدابه.
سبق لنا -أيها الإخوة- أن تكلمنا في محاضرة سابقة بعنوان: رسالة عاجلة في المشكلات الزوجية عن نصف هذا الموضوع أو عن جزء منه، ونحن نريد أن نكمل -إن شاء الله- هذا الموضوع في هذا الدرس؛ ولأن الموضوع يتكلم عن المشكلات وعما يحدث بين الزوج وزوجته من الأمور التي تعكر صفو الحياة الزوجية ويحدث بسببها شقاء عظيم قلنا:
مهلاً أيها الزوجان! ليقف كل واحد منهما متأملاً متدبراً حياته وعيشته مع الطرف الآخر، ويقف وقفة تصحيح وتأمل في وضعه مع زوجته، وتقف الزوجة موضع تصحيح وتأمل لوضعها مع زوجها، ولعل كل واحد إذا سمع عن شيء من المشكلات في هذا الدرس ليست عنده ولا يعاني منها فليحمد الله على العافية، ويسأل الله المزيد من فضله.
فإنكم ربما تسمعون -أيها الإخوة- من غرائب الأحداث والأخبار التي تحصل في المجتمع والتي نريد أن نذكرها ونقف عندها ونلقي مزيداً من الضوء عليها؛ لأن المشكلات موجودة بالفعل ولأن هذه المشكلات من الخطورة بحيث تهدد كيان هذا المجتمع.
وكثرة حوادث الطلاق وتفشي الأخبار السيئة عن هذا الموضوع هو الذي يجعل لزاماً تكرار الكلام فيه وبسط الكلام والتوسع من أجل لمس الأوتار الحساسة في هذه القضية.
فقد تكلمنا في المحاضرة الماضية الجزء الأول عن أمور منها:
الموقف من الزوج الكافر المستهزئ بدين الله التارك لفرائض الله الذي يرتكب الفواحش، ومسألة الخيانات، والزوج الذي يقاوم الخير، والزوجة الفاسقة الفاجرة في المقابل، وتكلمنا عن المراحل التي تمر بها العلاقة الزوجية وعن بعض المشكلات مثل: معايرة الزوجة والسب والشتم وقضية العناد والزوج البخيل والمرأة الجبانة وهكذا من المشكلات إنما كان هذا تلخيصاً لبعض النقاط التي أوردناها في المرة الماضية.
ونقول إجابة على سؤال طرح في المحاضرة الماضية ما هو الموقف من الزوج الفاجر؟
أما الزوج الكافر فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تبقى معه أبداً، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].
وأما الزوج الفاجر الذي يرتكب الكبائر وتسبب هذه الكبائر مشكلات كثيرة للزوجة وشقاءً ونكداً وتعاسة، فإن المرأة تضطر للموازنة بين الأمور ومعرفة المصالح والمفاسد للتقرير في استمرارها مع هذا الرجل الفاجر من عدم الاستمرار، فقد تضطر المرأة لاحتمال أدنى الضررين من أجل درء مفسدة أكبر، هب أن امرأة -مثلاً- اكتشفت أن زوجها له علاقة بالهاتف -مثلاً- ببعض النسوة وعندها منه أولاد، وهذا الرجل بفجوره ينغص حياة زوجته، ولكن هذه المرأة قد توازن فترى أن تركها لزوجها قد يوقعه في فواحش وأن معصيته الآن قد وصلت إلى درجة معينة وقد تزداد سوءاً لو فارقته، وأن الأولاد من جهة أخرى قد يضيعون، ومهما حاولت فيه لم تر تحسناً فماذا تفعل؟
فنقول: ربما كان صبرها عليه ودعائها له مع البلية التي فيه هو أخف الضررين، ومع الألم النفسي الذي يعتري المرأة من سماع أحاديثه وفسقه وفجوره، وهو يواعد هذه ويتكلم مع هذه ويطلب من هذه أن تخرج معه، إن هذا الوضع يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً على المرأة ولكن ماذا تفعل؟ وقد يكون السبب أنها انتقلت من بيت دين وخير إلى رجل لم يسألوا عنه ولم يتحروا، فاكتشفت بعد سنوات من الزواج وبعد أن أنجبت أولاداً وبناتاً أن له علاقات معينة، وقد يظلمها ويضربها ولا تطيقه.
وهذه امرأة تشتكي من وجع يدها من الضرب ثلاثة أشهر وهي تتحسر ولكن ماذا تملك أن تفعل والمرأة ضعيفة في الغالب، فهذا جواب سريع على السؤال الذي طرح في المرة الماضية عن الموقف من الرجل الفاجر.
وأما المشكلات التي سنتكلم عنها في هذه الليلة فإن النظر في أنواع المشكلات يرجعها إلى أسباب عدة:
فمن الأسباب ما يكون في الزوج والزوجة داخلياً مثل:
أولاً: الإهمال وعدم الإحساس بالمسئولية.
ثانياً: التسلط.
ثالثاً: التدخل فيما لا يعني.
رابعاً: سوء الظن.
خامساً: عدم التوافق النفسي.
سادساً: اعتقادات فاسدة.
سابعاً: وسوسة.
ثامناً: فارق التعليم.
تاسعاً: فارق الطبقة الاجتماعية.
عاشراً: عدم القناعة بالأمور المادية.
الحادي عشر: الغيرة المذمومة.
الثاني عشر: الرتابة في الحياة.
الثالث عشر: عدم الصراحة والصدق.
الرابع عشر: فارق السن.
وهناك عوامل خارجية تسبب المشكلات، مثل:
أولاً: تدخل الأقارب.
ثانياً: تأثير الجيران.
ثالثاً: الأفلام والمجلات.
رابعاً: الجلسات المختلطة المحرمة.
فهذه بعض العوامل الأخرى التي تسبب المشكلات الزوجية.
وسنضرب لكل واحدٍ من هذه العوامل بأمثلة، ونضيف إليها أيضاً من العوامل:
الأول: عدم معرفة الشخص الصحيح الذي يلجأ إليه عند حصول الإشكالات، فيتم الذهاب إلى العرافين والدجالين والسحرة الذين يسرقون أموال الناس وينهبونها، ويغفل عن دور المصلحين والدعاة وأئمة المساجد وغيرهم من طلبة العلم في دورهم في فض مثل هذه المنازعات.
ونبدأ مستعينين بالله تعالى في تبيان أمثلة لهذه المشكلات وما هي النصائح فيها.
تقول امرأة: زوجي يعمل أعمالاً حرة ولا يرجع أحياناً إلا في الساعة الثالثة أو الرابعة ليلاً، ولا يأتي على وجبة الغداء ولا نراه إلا نادراً، ونصحته، فقال: هذا شغلي، فإذا أردتني هكذا وإلا مع السلامة، وهي تقول له: انتبه لأهلك ولأولادك أنا امرأة شابة، إذا مرض الولد ماذا أفعل هل آخذه بسيارة الأجرة لوحدي؟ وهو مع ذلك مهمل في البيت، وتقول: إن بإمكاني أن أطلب الطلاق ولكن ماذا يفعل أطفالي؟ كم إجازة تأتي وتذهب ولم أر أهلي، وإذا ذهبت إلى أهلي فترة لا يسأل عني ولا يأتي لأخذي، وأقول له وأنصحه: نظم وقتك وانتبه لنا ولا أقول لك لا تعمل ولكن بالحدود؛ ولا فائدة.
فنقول: هذه المشكلة واضح فيها جانب الإهمال وإن على هذا الزوج أن يتقي الله سبحانه وتعالى في زوجته وأن يعلم بأن هذه المشاغل الدنيوية لن تنفعه عند الله يوم القيامة ما دام على هذا التفريط في حق زوجته، وأنه ينبغي لمثل هؤلاء الأشخاص هزة قوية توقظهم من غفلتهم وسباتهم.
وهذه حالة مشابهة: امرأة تقول: لا يهتم بي ولا بابنتي لا يسأل عنا، كل يوم مع أصحابه من الشباب، وربما يحضر حلقات علم -يعني: فيه خير- ويقرأ ويطلع، ولكن معاملته مع الناس غير معاملته معي، بعد زواجنا ذهبنا للعمرة فأخذت عمرة لإحدى قريباتي ولا زال يعيرني بها إلى الآن، هو متدين في نفسه ولكن معاملته شيء آخر، يسجل كل أخطائي ولا ينسى منها شيئاً، أقول له في الإجازة: خذنا مكاناً للترويح أو للعمرة فيرفض، ضربني ثلاث مرات وهو يعلم أنني حامل في الشهر الثاني، وسوء معاملته تزداد ويأخذني إلى أهلي يوماً كاملاً يرميني عندهم، وبعد يومين يرجع لأخذي، وكلما أرجعني أبي إليه أعادني وتركني عند أهلي، ولا يسأل عن ابنته بالأيام إذا صارت عند أهلي، ويترك الناس يصرفون على العائلة، وربما فضحني وتكلم عني ونقل الكلام لأهله، ولا يريد بيتاً ولا يتحمل مسئولية، ويعيش مع أهله الآن تاركاً لي عند أهلي ولا يسأل عن بنته.
وربما تهدد أبي وقال: لولا أن المحاكم مقفلة في العطلة لكان لي معكم شأن آخر، وربما نصحه أهله ولكنه لا يستجيب -وهي حامل الآن- وتقول: هل يجوز لي الإجهاض مع هذه الحالة التي أنا فيها.
مرة أخرى نقول: إن بعض الناس يظنون أن التدين في جوانب معينة، كأن يكون محافظاً على الصلوات، ملتزماً بالسنن، له أصحاب طيبون وربما يمارس الدعوة إلى الله ويطلب العلم، ولكن الدين -أيها الإخوة- لا بد أن يشمل الجوانب الأخرى الحساسة في الحياة، لابد أن يدخل الدين بنوره وهداه وأحكامه إلى البيت وإلى العلاقة بين الزوجين، وإلى تربية الأولاد وإلى الاهتمام بالأسرة، أما أن يكون مظهراً التدين خارج البيت فإذا رجع انقلب وحشاً كاسراً، أو رجلاً مهملاً شريراً، فهذا ليس من الدين في شيء.
فنقص التصور عن الدين ونقص التصور عن وجوب دخول الدين والإسلام في كل صغيرة وكبيرة هو الذي يُبرز لنا هذه المشكلات، ومثل هؤلاء يحتاجون إلى تذكير بالله، وتبيان بأن هذا ظلم والله لا يحب الظلم ولا يرضى به، وربما محقت سيئات عمله هذا كثيراً من أعماله الحسنة التي يعملها خارج البيت.
ونذكِّر هنا باعتنائه صلى الله عليه وسلم بأهله، وكيف كان وضعه عليه الصلاة والسلام داخل البيت، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل هو وزوجته كما جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه تختلف أيدينا عليه، فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي، قالت: وهما جنبان) فكان يداعب زوجته صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل معها في أعمق مكان في البيت وفي أخص شيء، ولا زالت العلاقة موجودة بهذه اللطافة وهذا الحسن في المعاشرة، ضرب لنا مثلاً صلى الله عليه وسلم بحياته، فهلا تأسينا به!
ومن أسباب المشكلات كذلك:
إهمال الزوج الإصلاحات داخل البيت، فيترتب على ذلك أمور كثيرة من نقص الأشياء المهمة والحاجية وحصول ضيق في العيش بسبب عدم إقدام الرجل على تفقد ما ينقص البيت، وربما جلست ورقة الأغراض في جيبه أياماً ولا يحرك ساكناً، وربما تعطلت أشياء تحتاج إلى إصلاح وهو لا يأتي بمن يصلحها.
وهذا لا شك أنه يسبب ضيقاً للزوجة التي تعمل في البيت وتتعطل عندها الأشياء، فكيف إذا كانت الأشياء تسبب روائح كريهة ونحو ذلك من الأمور التي لا تطاق، والزوج خارج البيت يتنقل والزوجة تعاني من هذه المشكلات.
وفي المقابل يوجد زوجات ذوات طلبات كثيرة مرهقة للزوج ومزعجة، مرهقة مالياً وجسدياً، فنقول لهؤلاء النساء: اتقين الله سبحانه وتعالى في أزواجكن، ولا تكلف امرأة منكن زوجها مالا يطيق، وإن هذا من الأمور التي تخالف واجب المرأة نحو زوجها، ولنأخذ مثالاً:
رجل يعود إلى البيت بعد العمل منهكاً متعباً يريد الراحة ويصعد الدرجات، فإذا بزوجته تقول له: انزل ينقصنا حزمة من الشيء الفلاني، مع أن حسن التصرف يقتضي أن تعد المرأة ما يحتاج إليه البيت وما يحتاج إليه الطعام حتى يأتي بها الرجل في أثناء عودته، أو تتصل به لتخبره بدلاً من أن تنـزله أكثر من مرة أحياناً ليشتري الأشياء وقد جاء في حينه من العمل، وهذه من الأمور التي تسبب التضايق، نعم. قد يحدث ذلك أحياناً، ولكن إذا تكرر دائماً بحيث ينزل الرجل ويشتري الأغراض وهو في مثل هذه الحال فهذا يكون شيئاً مزعجاً.
عدم توفير حاجات البيت
وهذا مثل واقعي آخر لما ينتجه الإهمال، إنها مخالفة صريحة لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) فهل يكون هذا الزوج متقياً لله سبحانه تعالى وعنده خير لزوجته وهو يتعامل مثل هذا التعامل؟ وماذا يكون الوضع؟
من الأشياء التي تسببها المشكلات الزوجية وسوء المعاملة من قبل الزوج: إعطاء فكرة سيئة عن أهل الدين إذا كان هو ممن ينتسب إلى التدين، فماذا يقول أهل زوجته عندما يرونه -مثلاً- يرميها عندهم ويأخذ نقودها إذا كانت موظفة وربما يتهمها في عرضها وهذا أمر خطير جداً وقذف وأنتم تعلمون حد القذف في الشريعة، وإذا جاءته للتفاهم قال: اذهبي أنا لا أتفاهم معك أنا أتفاهم مع أبيك، وإذا جاء أبوها قال للأب: هذا شيء خصني ما دخلك أنت بيني وبين زوجتي، فلا هو يتفاهم معها ولا هو يتفاهم مع أبيها، وتبقى المسكينة معلقة.
فأقول: إن مثل هذه الحالة تسبب ولا شك أخذاً سيئاً لفكرة لا تليق أبداً على المتمسك بدينه، ويحق للناس أن يتكلموا عند ذلك في أشياء، وربما كان هذا الرجل من الذين يصدون عن سبيل الله.
ومن المشكلات أيضاً التي تنتج عن الإهمال وعدم الشعور بالمسئولية، هذه حالة امرأة لا يوفر لها زوجها الطعام في البيت وقد ينام الأولاد على جوع والزوجة توفر من مالها الخاص لشراء الحاجيات ولا يوجد صابون ولا غسيل ولا منظف ولا ملابس كافية للأطفال ولا يشتري للطفل إلا حذاء واحداً في فترة طويلة، وقد تكبر قدم الطفل ويحتاج إلى حذاء ولا يوجد له حذاء، وهو لا يربي أولاده ولا يراقبهم، يأكل ويذهب للعمل وهي تخرج إلى الشارع لمراقبة الأولاد والبحث عنهم، وقد يمنعها الطبيب من الوقاع لمرض أثناء الحمل وهو يرغمها على ذلك ولا يراعي ظرفها الصحي، ويقول لها: إن الملائكة تلعنك، تمشي في البيت ودمعتها على خدها ويقول لها مُهيناً هاتي حذائي وهو تحته، وإذا طلب منها كأس ماء فلا بد لها أن تقف طيلة الوقت حتى يشرب هو من باب الإذلال، وكيف يكون لهذه المرأة نفسية أن تتزين لزوجها، وهذا الإهمال قد يتعدى إلى صحة المرأة، فقد تحتاج إلى عمليات جراحية أو أخذ إلى الطبيبة ونحو ذلك وهو لا يفعل، ومع ذلك يتهددها بالزواج بأخرى، ويقول: أنت امرأة عاقة وعاصية لا تعملين في البيت ولا تقضين الحاجات، وتنعكس هذه المشاكل على الأطفال.
وهذا مثل واقعي آخر لما ينتجه الإهمال، إنها مخالفة صريحة لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) فهل يكون هذا الزوج متقياً لله سبحانه تعالى وعنده خير لزوجته وهو يتعامل مثل هذا التعامل؟ وماذا يكون الوضع؟
من الأشياء التي تسببها المشكلات الزوجية وسوء المعاملة من قبل الزوج: إعطاء فكرة سيئة عن أهل الدين إذا كان هو ممن ينتسب إلى التدين، فماذا يقول أهل زوجته عندما يرونه -مثلاً- يرميها عندهم ويأخذ نقودها إذا كانت موظفة وربما يتهمها في عرضها وهذا أمر خطير جداً وقذف وأنتم تعلمون حد القذف في الشريعة، وإذا جاءته للتفاهم قال: اذهبي أنا لا أتفاهم معك أنا أتفاهم مع أبيك، وإذا جاء أبوها قال للأب: هذا شيء خصني ما دخلك أنت بيني وبين زوجتي، فلا هو يتفاهم معها ولا هو يتفاهم مع أبيها، وتبقى المسكينة معلقة.
فأقول: إن مثل هذه الحالة تسبب ولا شك أخذاً سيئاً لفكرة لا تليق أبداً على المتمسك بدينه، ويحق للناس أن يتكلموا عند ذلك في أشياء، وربما كان هذا الرجل من الذين يصدون عن سبيل الله.
وبعض الأزواج يطلب من زوجته عمل المستحيل، فقد يكون ليس له إلا ثوب واحد وبقية ملابسه في الغسيل مثلاً وهو يطلب منها أن يكون هذا الثوب جاهزاً ونظيفاً مع أنه يلبسه هو، وقد يكون من النوع البخيل الذي لا يشتري لنفسه ثياباً، فماذا تفعل المسكينة من أجل إرضائه؟
وبعض الزوجات قد تريد أن تضحك في وجه زوجها أو تلاطفه ولكن سوء المعاملة لا يساعدها على ذلك، وربما اضطرت أن تستخدم حاجيات أختها لعدم توفير الحاجات لها.
والجفاف والغلظة في المعاملة الزوجية لا ترضاه الشريعة أبداً، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بـأن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق، والجفاءُ والغلظةُ ينافيان الرفق، وكون الرجل يغلظ تشبهاً بأبيه أحيانا، فبعض الرجال يغلظ مع زوجته، يقول: هكذا يفعل أبي في البيت، فيفعل مثله، فهل كون أبيه قاسياً مع أمه يتعامل معها بغلاظة، هل يكون مبرراً لأن يقلده الولد في المعاملة مع زوجته؟
هذا لعمر الله من التقليد الأعمى المضر: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23] وهذا سبب آخر من الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات الزوجية.
كون الرجل ليس عنده اهتمام بالأطفال فلا يأخذهم في نزهة ولا في ترويح مباح مما يضايق الزوجة ويضايق الأطفال.
ومن المشكلات الأخرى أن يكون الرجل قد نُزعت منه الرحمة تجاه زوجته وأولاده، فقد يهينها أمام الناس، بل في السوق والشارع، وقد يضربها وهي حامل، وهذا رجل وقع بينه وبين زوجته خلاف فطردها من البيت الساعة الثانية عشرة ليلا، توسلت إليه وقبلت رجله دون فائدة، مع أنها قد أحسنت إليه وساعدته في شراء أثاث للبيت وسيارة له، وربما باعت ذهبها من أجله ولكنه لا يقدر ذلك.
وتوفير الأشياء ينبغي أن يكون باقتصاد، فإن الاقتصاد من النبوة، بعض النساء -مثلاً- تهتم بالتموين في البيت وقبل أن تنفذ الأغراض بقليل تطلب أشياء، وهذه حكمة فإنه ليس من الصحيح أن تنتظر دائماً حتى ينتهي كل شيء ثم تطلب، ويتأخر هو في الطلب ثم يعاني البيت من نقص أشياء، فلا ينبغي للزوج عند ذلك أن يقول لها مثلاً: الشيء موجود عندك، صحيح عندها ولكن الذي عندها لا يكفيها إلا فترة قليلة، فينبغي أن يراعي ذلك، وفي المقابل لا تكون هي من النوع الذي يكثر الطلبات وربما تفسد الأشياء في البيت وهي لا تحسن حفظها ولا طهيها ولا تخزينها، وعدم اكتراث الرجل بالأشياء التي يحتاج إليها بيته كأن يقول: نسيت، لا تكلميني الآن، لا شك أن هذه الأمور منافية للمعروف الذي أمر الله به في المعاشرة فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
وبعض الزوجات قد تضطر إلى الذهاب إلى الجيران لاستلاف الأشياء وهذا أمر سيئ، وماذا يقول الجيران عن صاحب البيت الآخر، وبعض الجيران من مضايقتهم لجيرانهم يستلفون منهم كل شيء (يعني: ابتداءً من.. إلى) تدق الباب عندكم طماط؟ نعم. دق الباب: عندكم خبز؟ نعم. عندكم كذا؟ عندكم كذا؟ ما هو السبب؟
قد يكون السبب سوء إتيان الرجل بأغراضه إلى البيت، وقد يكون السبب طبعاً سيئاً في هؤلاء الناس أنهم يريدون الاعتماد على الآخرين، الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم أصحابه أنه لو سقط سوط أحدهم من يده ألا يقول للآخر ناولني إياه، كلما كان الرجل في استغناء عن الناس كلما كان في عز، وفي مكانة محفوظة ومحترمة أكثر.
ومن المشكلات المتعلقة بالحياة الزوجية: تسريب الأسرار البيتية إلى الخارج، بعض الناس علاقتهم بإخوانهم أخص من علاقتهم بزوجاتهم، وهذا ليس عليه انتقاد في الظاهر وفي المبدأ، لكن في الأمور الداخلية يجب أن تبقى علاقة الرجل بالرجل كرجل، وعلاقته بزوجته شيء آخر، فلا يصح أن ينشر بين الرجال أو يخبر شخصاً من الأشخاص دون مصلحة شرعية بما يحدث بينه وبين زوجته من أسرار الاستمتاع وغير ذلك، ولا يجوز لها هي أن تخبر أخواتها أو صديقاتها -مثلاً- ما يحدث بينها وبين زوجها من الخصوصيات وأسرار الاستمتاع كذلك، وهذا حرام، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام مرة وقال: (لعل رجلاً يدخل بيته ويستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. ثم لعله أن يأتي الناس فيخبرهم بما يقع بينه وبين زوجته، فسكتوا، وقال للنساء مثل ذلك فسكتن، فقامت امرأة على ركبتيها متطاولة ليسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن، فنهاهم صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا، وأخبرهم أن مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانه في الطريق فقضى حاجته والناس ينظرون إليهما).
فأن يكون لك علاقة خاصة مع صديق أو أخ في الله فهذا لا يعني أن تسرب الأسرار الخاصة إليه وتخبره وتبوح له بكل شيء، لكن قد يضطر الرجل أن يسأل عالماً أو طالب علم عن شيء من هذه الأشياء الخاصة في مشكلة لا بد لها من حل، هذا لا بأس به، ولكن أن تأخذنا العلاقات الأخوية الفضفاضة بحيث أنها تستوعب كل شيء حتى القضايا الخاصة والمعلومات الدقيقة والأشياء الحساسة التي من المفترض أن تكون أسراراً، فهذا لا يجوز.
ومن المشكلات كذلك: عدم معرفة كل من الزوجين لحدوده ووظيفته، فبعض الناس مثلاً يقول: زوجتي شريكتي في الحياة إذاً لا يصح أن أخفي عليها أي شيء، فيخبرها بأسرار له، قد تكون بينه وبين أخ له مسلم، أو بينه وبين أهله لا يصح أن تطلع عليها هي، وهذا عكس الحالة الماضية، وفي هذه الحالة نقول له: إن أسرار المسلمين أمانة عندك فلا يجوز أن تسربها إلى زوجتك بحجة أنها شريكة في الحياة لا يصح أن يخفى عليها شيئاً، فلكل مقام مقال، ولكل حال التصرف المناسب فيه، فأحياناً قد يخبرها عن أمور مالية، إخبارها عنها يسبب مشكلة، وقد يقول واحد: لا بد أن أخبرها إلى أين أذهب دائماً، ومع من أجلس، وماذا أعرف، وماذا أقرأ، أن تخبرها ماذا تقرأ لا يضر، ولكن بعض الناس قد يتعدون ذلك ليخبر زوجته عن كل خصوصية حتى فيما يتعلق بزملائه وأصدقائه مما يسبب حرجاً لإخوانه في الله، ويسبب ثرثرة من المرأة فتخبر صديقاتها الذين لا يخبرهم أزواجهم في المقابل عن مثل هذه الأمور، فيرجع الزوجات إلى الأزواج، فيقلن: سمعنا من فلانة أنك تفعل كذا وكذا -ما شاء الله- ولماذا لم تخبرنا؟ والسبب أن زوجاً من الأزواج قد باح بأسرار أخيه. نوضح الأمر بمثال:
نفرض أن مجموعة من الناس اتفقوا على أن يقوموا بأمر معين من الأمور المتعلقة بطلب العلم على سبيل المثال، أو نشاط من نشاطات الدعوة إلى الله، اتفقوا على دعوة شخص أو على القيام بأمر من الأمور في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ليس من المناسب أن تعرف الزوجة كل تفصيل يتعلق بهذا الأمر، فيأتي واحد ويتوسع ويخبر زوجته بكل شيء يفعله، فهذه الزوجة تخبر صديقاتها، فتذهب صديقتها إلى زوجها فتقول: ما شاء الله! أنت تفعل كذا وكذا ونحن لا ندري، لماذا تخفي عنا؟ ولماذا تفعل كذا؟ وهذا الرجل من باب الإخلاص والرياء كتم المسألة ما أحب أن يقول لزوجته: والله أنا سأدعو فلاناً وفلاناً، وأنا أحفظ كذا وكذا، وأنا أقوم بكذا وكذا، من باب الإخلاص كتم الأمر، وصاحبه سرب القضية، فذهبت امرأته فأخبرت المرأة الأخرى فجاءت المرأة الأخرى لزوجها معاتبة.
مثلاً: هل كل ما فعل الزوج في الصدقات يرجع ويقول لزوجته: اليوم والله رأيت واحداً وتصدقت عليه، واليوم أنا فعلت كذا وكذا، لا. في بعض العبادات تخفى حتى على الزوجات، وهناك بعض الأشياء ليس من المناسب إخفاؤها عن الزوجة أبدا، وما الذي يحدد ذلك؟ الحكمة التي ينبغي أن يتمتع بها الزوج وتتمتع بها الزوجة، وحتى الزوجة ليس من المناسب أن تخبر زوجها عن مشكلات عائلية موجودة عندها هي، فتخبر زوجها دائماً عن المشكلات التي تحدث بين أبيها وأمها، ليس من المناسب ذلك.
فإذاً يسأل العبد الله أن يرزقه الحكمة في مثل هذه الأمور، وبعض الزوجات تظن أنه بما أن زوجها لا بد أن يعلم أين تذهب هي ومع من تجلس، فهي كذلك لا بد أن تعلم أين يذهب هو بالضبط ومع من يجلس، وهذا قياس مع الفارق، فإن الزوج مسئوليته عن زوجته أكبر من مسئولية الزوجة عن زوجها، والزوج يحق له أن يعرف أشياء عن زوجته في ذهابها ومجيئها ليس بنفس الدرجة التي يحق لها هي أن تعرف عن زوجها؛ إلى أين ذهب وماذا يفعل بالضبط، فالرجل هو المسئول في البيت: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] الرجل هو القوام: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34] فلا يصح للمرأة أن تخلط وتقول: لماذا أنا أخبرك بما أفعل؟ وأنت يجب أن تخبرني بماذا تفعل، لماذا يجب أن أستأذنك في الخروج من البيت؟ وأنت استأذني في الخروج من البيت، هذه مهزلة، فهناك فارق بين الرجل والمرأة يجب أن يراعى، فالتي تعاند ولا تبلغ زوجها بهذه الحجة امرأة مخطئة، ينبغي أن تتقي الله سبحانه وتعالى وأن تخبره بما تريد أن تفعل.
ومن الأشياء التي تسبب مشكلات أيضاً: عدم مراعاة الأزواج مسألة إتيان الزوجة، فبعضهم إذا تزوج يريد أن يدخل بزوجته من أول يوم ليثبت أنه رجل، أو أن أهله يريدون هذا، وهذه المسكينة ما عمرها تعرفت برجل ولا جلست مع أجنبي، فيكون من الصعوبة بمكان فعل هذا الأمر، وعدم الحكمة فيه يؤدي إلى مشاكل، وربما إلى كره من أول يوم، يستمر الكره طيلة العمر ربما بسبب موقف حصل في أول يوم.
وأيضاً من الأشياء التي يخطئ بعض الأزواج في موضوع إتيان الزوجة فيها عدم تطبيق قول الله عز وجل: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ [النور:58] هذه الثلاث المرات: بعد الفجر، ووقت القيلولة، وبعد العشاء وقت النوم، حتى لا يطلع الطفل على شيء لا يناسب أن يطلع عليه، فلا يجوز أن يهجم على مخدع أبيه وأمه ويدخل دون استئذان، هذا إذا كان مميزاً، أما الكبير فمفروغ منه، لكن الذي لم يبلغ الحلم، بعض الناس من سوئهم أنه ربما يأتي زوجته أمام أولاده المميزين، وربما أتاها في وقت الحيض، وربما أتاها في الدبر وملعون من أتى امرأته في دبرها، وربما أتاها في موضع لا يجوز أن يأتيها فيه أصلاً بسبب مشاهدة بعض الأفلام السيئة والهيئات الشاذة التي لا يجوز لرجل بحال أن يكون وضعه مع زوجته فيها هكذا، والسبب في ذلك تقليد الكفرة وعدم مراعاة حرمات الله عز وجل والنظر إلى ما لا يجوز من هذه الأشياء المنتشرة المرئية والمطبوعة التي سببت كثيراً من مشكلات الحياة الزوجية.
ومن الأمور المهمة أيضا: عدم متابعة الرجل لزوجته والعكس في القضايا التعبدية، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حث على متابعة الرجل لزوجته في قيام الليل والعكس، فقال: (رحم الله امرأً قام من الليل فأيقظ أهله فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فأيقظت زوجها فإن أبى، نضحت في وجهه الماء) إذا كان هذا في قيام الليل وهو سنة، فكيف يكون الحال في مسألة المتابعة في قضية الفرائض؟ هذه المسألة ينبغي أن تكون موجودة ويحصل بها اهتمام، بعض الأزواج يذهب إلى صلاة الفجر ويجلس في المسجد بعد الصلاة إلى طلوع الشمس ولم يوقظ زوجته إلى الصلاة.
وإنني أذكر بهذه المناسبة أنني سألت قبل فترة بسيطة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله عن هذه المسألة: رجل ذهب إلى المسجد لصلاة الفجر وبعد الصلاة قعد يذكر الله يريد أن ينتظر طلوع الشمس ليصلي ركعتين ويرجع بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة كما هو الحديث الحسن في هذا الموضوع، فتذكر وهو جالس في المسجد أنه لم يوقظ زوجته لصلاة الفجر وأنها لم تستيقظ، فكان السؤال: هل يأثم الرجل لو جلس وأكمل إلى ارتفاع الشمس وصلى ركعتين للأجر العظيم يأثم لو جلس؟ فقال الشيخ: نعم. يأثم كيف لا وهو يضيع واجباً من أجل سنة؟
بعض النساء -المرأة بما جعل الله فيها من العطف والحنان- قد تقدم إرضاع الولد وتنظيفه إلى آخره على وقت الصلاة ولا تحس أحيانا.
كذلك بعض النساء تأخذها الرحمة بزوجها تقول: دعه.. جاء من العمل، جاء وقت صلاة العصر لابد أن يستيقظ ويصلي العصر ويذهب إلى المسجد، تقول: لا. دعه ينام، مسكين.. مسيكين.. دعه ينام ولا يذهب إلى الصلاة، ولا يستيقظ إلى الصلاة وهذا خطأ، فإن الرحمة أن تأمره بالصلاة وليست الرحمة به أن تتركه ينام عن الصلاة.
ومن الأشياء التي تنغص وتكدر صفو الحياة الزوجية أيضاً: عدم مراعاة الزوج لمسألة النظافة الشخصية، فقد يأتي من العمل ورائحة العرق منبعثة من ثيابه وجسده، وبعد ذلك يريد زوجته في الفراش دون أن يتنظف ولا يغتسل ولا يتطيب ونحو ذلك، وقد تكون حاملاً أو فيها وحام وتتضايق من هذه الأشياء، وقد لا تستطيع مصارحته أو لا تجرؤ على أن تقول: قم وتنظف ومع ذلك يقول: أنت ستلعنك الملائكة، لكن هنا أمور لا بد من مراعاتها، فهذه أمثلة على مثل ذلك.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتد عليه أن يرى منه الريح، أي: كان من أشد الأشياء عليه أن تشم منه الرائحة القذرة أو الوسخة أو الكريهة، كما ورد في الحديث الصحيح: (يشتد عليه أن يرى منه أثر الريح) أثر الريح يعني: الرائحة الكريهة، في العرق أو في الملابس والجسد ونحو ذلك.
ومن الأشياء السيئة في العلاقة الزوجية: الإجراءات التعسفية في عقوبة الزوجة، كيف ذلك؟
هذا رجل إذا حصل خلاف بينه وبين زوجته يقول: اذهبي إلى غرفة نوم الأولاد بسرعة ولا أرى وجهك في الغرفة هنا، وتجلس يوماً .. يومين .. ثلاثة .. أسبوعاً .. أسبوعين وربما شهراً في غرفة الأولاد، هذا عنده عقاب، وإذا جاءت تسترضيه قال: ما الفائدة أنت دائماً تخطئين وتعتذرين، روحي مع السلامة، سبحان الله! أنت تريدها أن تشعر بالخطأ، فها قد شعرت بالخطأ الآن وجاءت تعتذر إليك وتسترضيك ثم تقول: ما الفائدة واذهبي؟ إذاً: متى ستقبل لها عذراً؟ ومتى ستنتهي هذه العقوبة؟ والله عز وجل لما قال للزوج: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] ماذا قال في آخر الآية؟: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] فإذا جاءت المرأة إليك طائعة وقالت لك: ماذا تريد، ونفذت كلامك، فهل بقي لك عذر أمام الله لكي تبغي عليها وتستمر في العقوبة معها بعد أن فعلت ما تريده لك؟
ومسألة التعسف والعنف: أريد أن أربيك، أريد أن أعلمكِ، والمرأة قد تكون في وضع من الحمل أو النفاس لا تطيق ذلك، إن هذا مخالف لقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وبعض الأزواج قد يصل به السوء أو سلبيته في العقوبة أن يعاقب زوجته بمنعها من طاعات.
فأقول: أيها الزوج! إياك أن تعاقب زوجتك المستقيمة على خلاف بينكما بحرمانها من طاعات مثل جلسات العلم أو مركز تحفيظ القرآن، أو القراءة في كتب، أو سماع أشرطة، فهذه ليست عقوبات شرعية على الإطلاق، عاقبها كما أمر الله سبحانه وتعالى، لكن أن تحرمها من طاعات، لا. إلا إذا كان قيامها بأمر من الطاعة يسبب تفويت طاعة أعلى من ذلك، فلنفرض أن زوجة -مثلاً- عندها حلقات علم بلا عدد، حلقة في الصباح وحلقة في المغرب وتحفيظ القرآن وهنا تدريس وعند جاراتها وعند كذا، وترتب على هذا في النهاية عدم القيام بحق الزوج وتضييع الأولاد، البيت غير مرتب .. الطعام غير جاهز .. الملابس غير نظيفة، ففي هذه الحالة لا بد أن الزوج يحد من نشاط زوجته ولو كان نشاطاً دعوياً؛ لأنه يترتب عليه من المفاسد تضييع أشياء أهم، والله عز وجل ما كلف المرأة أن تذهب داعية خارج البيت وتدور على بيوت الناس وتأمر وتنهى لا، وإنما عندها أولويات لا بد أن تقوم بها، فمن أولوياتها:
القيام بحقوق الزوج .. الأولاد .. البيت، قد تطلب العلم في البيت، لا يلزم أن تحضر هنا وهنا وهنا وتذهب في هذه المحاضرات وهذه المراكز وهذه المناسبات وتلك الجلسات في البيوت، ليس مفروضاً عليها هذا، إن حصل فالحمد لله هذا شيء طيب بالحدود المعقولة، ولكن أنها تحضر كل مناسبة ويترتب على ذلك تضييع لحقوق الزوج فليس هذا من قيامها بالحق الذي هو عليها بالإطلاق.
ولا بد أن يكون عند الزوج مراعاة لمشاعر زوجته، وأن يكون عنده إحساس مرهف تجاه هذه الأشياء، وإليكم هذا الحديث العظيم! هذا حديث ينبغي أن نتوقف عنده لنتبين كيف كان صلى الله عليه وسلم دقيقاً في مراعاة شعور زوجته، وإننا عندما نسمع هذا الحديث نقف بإجلال واحترام لشخصية هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم الذي لم تشغله هموم الدولة والغزو والجهاد وتجهيز الجيوش، ونشر الدعوة في العالم، وإرسال الرسائل إلى كسرى وقيصر، ومتابعة الأمور العظيمة لم تشغله عن مراعاة مشاعر أو شعور زوجته بشيء دقيق جداً واسمع معي هذا الحديث.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية وإذا كنتِ عليَّ غضبي، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد -يعني: إذا أتيت لتقسمي قلت: لا ورب محمد- وإذا كنت قلت: لا ورب إبراهيم قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك) فقط الاسم وإلا المكانة في قلبي ما زالت كما هي فقط الاسم.
فهذه الملاحظة الدقيقة تبين ذلك، ومَنْ مثل الرسول صلى الله عليه وسلم في مشاغله ومهماته وواجباته التي عليه؟ لا أحد، لكنه مع ذلك كان يقوم بهذا الدور مع زوجاته رضي الله عنهن.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اقتضاء العلم العمل | 3615 استماع |
التوسم والفراسة | 3614 استماع |
مجزرة بيت حانون | 3544 استماع |
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] | 3500 استماع |
اليهودية والإرهابي | 3429 استماع |
إن أكرمكم عند الله أتقاكم | 3429 استماع |
حتى يستجاب لك | 3396 استماع |
المحفزات إلى عمل الخيرات | 3376 استماع |
ازدد فقهاً بفروض الشريعة | 3350 استماع |
الزينة والجمال | 3340 استماع |