وليمة أهل الخندق


الحلقة مفرغة

الوكالة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي تجوز في كل ما يجوز منه النيابة، ولا تجوز في الحقوق الشرعية البدنية المحضة، ولا خلاف في جواز الوكالة الخاصة، وعدم الجواز عند الجمهور في الوكالة المطلقة، ولا ضمان على الوكيل إذا لم يتعد، ولا بأس أن يكون هناك جعل للوكيل مقابل عمله وكيلاً.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فنذكر في هذه الليلة إن شاء الله تعالى حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه؛ في عمل من أعمال الصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم وهم جياع، نرقق قلوبنا بسيرتهم معه، ونتأمل كيف عانوا ما عانوا لنصرة الدين، وكيف ذاقوا ألم الجوع وصبروا عليه ابتغاء وجه الله الكريم، وكذلك ما حصل من معجزاته عليه الصلاة والسلام في تكثير الطعام، الذي رآه الصحابة أمامهم فزاد إيمانهم.

رواية البخاري لقصة طعام الخندق

إنها قصة جابر التي يرويها رضي الله عنه يقول: (إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كديةٌ شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كديةٌ عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أُهِيل، فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت.

فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في ذلك صبر، أفعندك شيءٌ؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأكافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيمٌ لي؛ فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرت له. قال: كثير طيب! قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال: قوموا. فقام المهجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك! جاء النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار معه، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم.

فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يقسم الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذوا منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة) هذا الحديث قد رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب المغازي.

رواية الإمام مسلم لقصة طعام الخندق

وكذلك رواه الإمام مسلم رحمه الله عز وجل، ولفظ الإمام مسلم في صحيحه : عن جابر بن عبد الله : (لما حفر الخندق، رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصة) أي: رأيته ظاهر البطن من الجوع (فانكفأت إلى امرأتي) يعني رجعت إلى زوجتي (فقلت لها: هل عندك شيءٌ؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً، فأخرجت لي جراباً فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن) -البهيمة: الصغيرة من أولاد الضأن تطلق على الذكر والأنثى كالشاة من أولاد المعز، والداجن: ما ألف البيوت. (قال: فذبحتها وطَحنَتْ، فَفَرغَتْ إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بهيمةً لنا وطحنا صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر من أصحابك، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع لكم سوراً -وهو الطعام الذي يدعى إليه، وهي لفظة فارسية- فحيهلا بكم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت لما رأت العدد الكبير: بك وبك) أي أنها ذمته قال الشراح: أو: بك تلحق الفضيحة ويتعلق الذم، أو جرى هذا بسبب سوء نظرك، وبرأيك، وأنك تسببت في جلب الفضيحة بأن جئت بعدد كبير وليس عندنا إلا هذا الشيء لا يكفيهم (فقلت: قد فعلت الذي قلته لي، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم سراً) قال جابر : (وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك، ثم قال: ادعي خابزةً فلتخبز معك ثم قال: واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها) أي اغرفي المرق في قدح. يقول جابر رضي الله عنه: (وهم ألف! فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا -يعني شبعوا وانصرفوا- وإن عجينتنا وإن برمتنا لتغط كما هي).

شرح الحديث والجمع بين الروايات

أما بالنسبة لحديث البخاري رحمه الله والذي يقول فيه جابر رضي الله عنه: إنا يوم الخندق نحفر، فمعروف أن الصحابة رضوان الله عليهم حفروا الخندق في غداة باردة في الشتاء، ولم يكن لهم عبيد يعملون فكانوا يعملون بأنفسهم، ومعروف أن المنطقة التي حفر فيها الخندق -وهي موجودة إلى الآن- صخرية شديدة الصخور، وعرة، صلبة، حتى أنهم لما أرادوا أن يمهدوا شارعاً ويحفروا فيها تكسرت الآلات واستسلم المقاول، وجاءوا بمقاول آخر فحفر شهراً كاملاً إلى أن عبدوا الطريق، والصحابة حفروه في أسبوع بدون آلات مثل هذه الآلات الموجودة الآن، وحفروا بأيديهم في البرد الشديد، وحفروا هذا الخندق عمقاً وعرضاً حوالي ستة آلاف متر.

يقول جابر : فعرضت كديةٌ، وهي القطعة الشديدة الصلبة من الأرض لم يستطيعوا قطعها وأعجزتهم، فلجئوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذه كدية قد عرضت في الخندق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رشوها بالماء، فرشوها، ثم قال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر من الجوع، أصابهم جهدٌ شديدٌ حتى ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطنه حجراً من الجوع.

كانوا يأتون بحجارة رقاق صفائح على قدر البطن تشد على الأمعاء فائدتها ثلاثة أشياء :

أولاً: أن الإنسان من الجوع ينحني ظهره فإذا شدوا عليه الحجارة اعتدل الظهر.

ثانياً: أن هذه الحجارة تبرد حرارة الجوع، والجوع له حرارة، فهذه الحجارة ببرودتها تطفئ شيئاً من حرارة الجوع، أو تمتص من حرارة الجوع التي بالبطن فتجعل الإنسان أصبر وأقدر على المقاومة.

ثالثاً: أن شدها على البطن والأمعاء يجعل الطعام قليل التحلل، فلا يتحلل منه كما لو لم تكن مربوطة.

شد النبي عليه الصلاة والسلام على بطنه حجراً وكان بإمكانه أن يكون أعظم ملوك الأرض، وعنده مفاتيح خزائن الأرض.

قال جابر : ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، أي: لا نطعم شيئاً ولا نقدر عليه، لما عرضت هذه الحجر، كان الناس جياعاً يعملون بأيديهم في حفر صخور صلبة في البرد، والمطلوب إنجاز المهمة بسرعة قبل أن يأتي كفار قريش ومن معهم من العرب، فلما وصلوا إلى هذه الصخرة الصلبة التي أعيتهم، استدعوا النبي عليه الصلاة والسلام فقال: رشوا عليه الماء، ونزل عليه الصلاة والسلام وبطنه معصوب بالحجر، فأخذ المعول أو المسحاة فضرب هذه الصخرة.

وفي رواية: فسمى ثلاثاً ثم ضرب، وفي روايةٍ لما ضربها قال: باسم الله وبه بدينا -يعني بدأنا- ولو عبدنا غيره شقينا، فحبذا رباً وحب دينا -حب: من ألفاظ حبذا، لما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الصخرة، قال الراوي: فعاد كثيباً أهيل، أي: تحولت الصخرة إلى رمل يسيل ولا يتماسك، فصارت الصخرة الصماء الصلبة رملاً ناعماً يسيل، كما قال الله تعالى: وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً [المزمل:14] أي: تحول الجبال إلى رمل سائل.

تفصيل ضرب صخرة الخندق عند أحمد والنسائي

جاء تفصيل هذه الضربة عند الإمام أحمد والنسائي بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب قال: (لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق؛ عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، وفي رواية: تكسرت معاولهم عليها، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول فقال: باسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة).

إنها من غنائم المسلمين وفتوحاتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام في وقتٍ الحصارُ فيه آتٍ، والعرب قد اجتمعت على حربه صلى الله عليه وسلم، واليهود من خلفه قد نقضوا العهد، والمنافقون يرجفون في المدينة .

ضرب الصخرة بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة. (ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس .. والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض -وهذا هو إيوان كسرى- ثم ضرب الثالثة وقال: باسم الله! فقطع بقية الحجر وقال: أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة) وفي رواية أنه لما قال ذلك فرح المسلمون واستبشروا وكان كلما كبر كبروا بتكبيره فرحاً واستبشاراً.

فجاء جابر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! ائذن لي إلى البيت، جاء تفصيل ذلك في رواية ابن عباس : احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق هو وأصحابه وقد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل دللتم على رجل يطعمنا أكلةً) قال رجل:ٌ نعم. وهذا كأنه جابر رضي الله عنه ولذلك استأذن رسول الله ليذهب إلى أهله، فذهب إلى امرأته وهي سهيلة بنت مسعود الأنصاري رضي الله عنها وسألها عما يوجد عندها فقالت: عندي شعير، في رواية: أنه صاع من شعير فقط، وله بهيمةٌ داجن، فذبحت وطحنت وصنعت خبزاً

وقوله في الحديث: والعجين قد انكسر، أي: رطب وتمكن منه الخمير، لأنه يحتاج إلى تخمر حتى يخبز، والبرمة بين الأثاث هي الحجارة التي توضع عليها القدر، وتكون في العادة ثلاثة أحجار، وهي أمكن لئلا يميل القدر ولا يسقط.

ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله طُعيمٌ لي -وطعيم تصغير طعام، يعني أنه قليل- فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، وفي رواية: فقم أنت ونفر معك، وفي رواية: أن جابراً قال: كنت أريد أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فقط، لكنه عليه الصلاة والسلام فاجأه بقوله: (قوموا) فقام المهاجرون وتبعهم الأنصار ومن معهم.

فضل سهيلة بنت مسعود وموقفها من قصة الطعام

وذهب جابر إلى امرأته يقول: ويحك! جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار. المرأة لعلها أولاً قالت: بك وبك، ثم استدركت فقالت: هل سألك عن الطعام؟ قال: نعم، وفي رواية قال جابر : فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، أي: من هذا العدد الكبير من الناس وليس عندي ما أطعمهم، وقلت: جاء الخلق على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي أقول: افتضحت! جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق أجمعين فقالت: هل كان سألك عن طعامك؟ فقلت: نعم. فقالت: الله ورسوله أعلم.

فكشف عني غماً شديداً كلامُ المرأة.

ظنت أنه لم يعلمه فخاصمته، وقالت: بك وبك، فلما أعلمها سكن ما عندها، ثم تحولت القضية إلى إيمان فقالت: الله ورسوله أعلم، وهذا يدل على وفور عقلها، وكمال فهمها رضي الله عنها، هذه سهيلة بنت مسعود الأنصاري نسأل الله أن يحشرنا معها.

هذه المرأة وقع لها قصة أخرى مع جابر ، أي قصة التمر، وهي أن جابراً أوصاها لما زاره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكلمه (كان على جابر دين عظيم تركه أبوه، وزاره النبي عليه الصلاة والسلام لحل مشكلة هذا الدين، وقد أوصى جابر زوجته أن إذا جاءنا النبي عليه الصلاة والسلام فلا تكلميه ولا تتحدثي معه، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف نادته المرأة: يا رسول الله! صل علي وعلى زوجي -أي: ادع لي ولزوجي- قال: صلى الله عليك وعلى زوجك، فعاتبها جابر لأنه قال لها لا تتكلمي فتكلمت، فقالت له: أكنت تظن أن الله يورد رسوله بيتي ثم يخرج ولا أسأله الدعاء) أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن.

المهم أن جابراً رجع إليه فبين له، فأتاه فقال: يا رسول الله! إنما هي عناق وصاع شعير قال: (فارجع فلا تحركن شيئاً من التنور ولا من القدر حتى آتيها، واستعر صحافاً) كما في رواية.

ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة معه أمرهم بالدخول وقال: (ولا تضاغطوا) يعني لا تزدحموا وادخلوا برفق، ثم أخرج العجين، وتفل فيه صلى الله عليه وسلم، ودعا بالبركة، ثم إلى البرمة كذلك ودعا بالبركة وجعل يخمر البرمة أي: يغطيها، ثم ينزع اللحم من البرمة، وأمر الخابزة أن تأتي لتخبز، وأمر بالغرف، وأقعدهم عشرةً عشرةً، فأكلوا عشرة عشرة.

قال جابر : وبقيت بقية فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وفي رواية: فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعون، ويعود التنور والقدر أملأ مما كانا أي: أكثر امتلاءٍ مما كانت قبل أن يأكل منها ألف رجل، وقال عليه الصلاة والسلام في ختام القصة للمرأة: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة، قالت: فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع.

إنها قصة جابر التي يرويها رضي الله عنه يقول: (إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كديةٌ شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كديةٌ عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أُهِيل، فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت.

فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في ذلك صبر، أفعندك شيءٌ؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأكافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيمٌ لي؛ فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرت له. قال: كثير طيب! قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال: قوموا. فقام المهجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك! جاء النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار معه، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم.

فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يقسم الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذوا منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة) هذا الحديث قد رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب المغازي.

وكذلك رواه الإمام مسلم رحمه الله عز وجل، ولفظ الإمام مسلم في صحيحه : عن جابر بن عبد الله : (لما حفر الخندق، رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصة) أي: رأيته ظاهر البطن من الجوع (فانكفأت إلى امرأتي) يعني رجعت إلى زوجتي (فقلت لها: هل عندك شيءٌ؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً، فأخرجت لي جراباً فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن) -البهيمة: الصغيرة من أولاد الضأن تطلق على الذكر والأنثى كالشاة من أولاد المعز، والداجن: ما ألف البيوت. (قال: فذبحتها وطَحنَتْ، فَفَرغَتْ إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بهيمةً لنا وطحنا صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر من أصحابك، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا أهل الخندق! إن جابراً قد صنع لكم سوراً -وهو الطعام الذي يدعى إليه، وهي لفظة فارسية- فحيهلا بكم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم حتى أجيء، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت لما رأت العدد الكبير: بك وبك) أي أنها ذمته قال الشراح: أو: بك تلحق الفضيحة ويتعلق الذم، أو جرى هذا بسبب سوء نظرك، وبرأيك، وأنك تسببت في جلب الفضيحة بأن جئت بعدد كبير وليس عندنا إلا هذا الشيء لا يكفيهم (فقلت: قد فعلت الذي قلته لي، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم سراً) قال جابر : (وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك، ثم قال: ادعي خابزةً فلتخبز معك ثم قال: واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها) أي اغرفي المرق في قدح. يقول جابر رضي الله عنه: (وهم ألف! فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا -يعني شبعوا وانصرفوا- وإن عجينتنا وإن برمتنا لتغط كما هي).


استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
قصة صاحب الحديقة 3079 استماع
قصة إبراهيم وسارة والجبار 2395 استماع
قصة يوم الوشاح 2395 استماع
قصة جريج العابد 2270 استماع
قصة المقداد والأعنز 2242 استماع
قصة مقتل خبيب بن عدي 2044 استماع
قصة موت أبي طالب 2023 استماع
قصة الخصومة بين العمرين 1783 استماع
قصة بني إسرائيل مع البقرة 1740 استماع
قصة هرقل والإسلام 1721 استماع