الصلح بين الدولة والإمام
مدة
قراءة المادة :
48 دقائق
.
رسالة طويلة أرسلها إلى جريدة الحقيقة البيروتية من اليمن ضابط عثماني
شهد الحرب والصلح هنالك بنفسه، لما فيها من الفوائد الجديرة بالتأريخ قال:
كان يوم السبت الواقع في 8 ت 1 سنة 327 يومًا عظيمًا في اليمن حيث
تجلت السعادة على تلك الربوع وانمحى الشقاء والبؤس اللذان كانا يرفرفان عليها
وأراني فخورًا في زف هذه البشرى لإخواني في الدين والوطنية.
إن قرية (دعان) الواقعة على مسافة خمس ساعات من الشمال الشرقي من
قضاء (عمران) سيكون لها شأن في التاريخ حيث عقد فيها الاتفاق، وتم توقيع
شروط الصلح بين الإمام يحيى بن حميد الدين وقائد الحملة عزت باشا فانحسم بذلك
الخلاف وهدأت الخواطر وارتاحت النفوس، ولعمري إن الاتفاق خير وسيلة لحقن
الدماء؛ لأن التطاحن لا يجدي نفعًا بل يكون سببًا لتأصل البغض وضعف القوة.
وقد قام الإمام بحضور القائد وأركان حربه ونواب اليمن وألوف من سكانها
داعية للدولة بدوام العز حتى اعتقد الناظر أن رابطة الاتحاد والإخاء ستكون أبدية
إلى ما شاء الله لما ظهر على الوجوه من علائم الإخلاص وسيماء الاتحاد.
وفي اليوم الرابع من الشهر المذكور كان العلم العثماني يخفق على
(قلعة عمران) بين دخان كثيف حيث كانت أحد عشر مدفعًا تطلق استقبالاً للقائد
وهيئة أركان حربه الذي جاء من صنعاء لاقتطاف ثمرة أتعابه ومساعيه التي صرفها
منذ ستة أشهر في هذه الأصقاع فلم تكد تنتهي أصوات المدافع حتى ظهر ذلك البطل
والتعب بادٍ على وجهه والشيب عام رأسه فشعرت عندئذ بفضله؛ لأن الصلح كان
على يديه وذلك لحكمته ودرايته، وكم من قواد أوفدتهم الحكومة إلى ذلك القطر
رجاء إصلاحه فآبوا من حيث أتوا ولم يستطيعوا أن يفيدوا شيئًا , وإليك أسماء الذين
جاءوا معه:
الميرالاي أحمد عوني رئيس أركان حرب الحملة. والميرلوا عبد السلام باشا رئيس أطباء الحملة.
والقائمقام رجب بك.
البكباشية عاصم وعزت.
والقول غاسية قدري وعصمت بك، واليزباشية عاشور وسيفي وصالح وصفوت وناظم بك، وياور القائد الملازم سرور بك، والكاتبان إلهامي وسليمان بك، ومبعوث الحديدة محمود نديم بك مع مبعوث صنعا، وقومندان الجندرمة برتو بك، ومدير مكتب الرشدية والعسكريةبصنعاء، والبكباشي بهاء الدين بك وأحد علماء الروضة والميرالاي أحمد بك، والسيد أحمد قاسم من أشراف اليمن وأحد الساعين في هذا الصلح.
وقد ضُرب موعد الاجتماع في قرية دعان الواقعة على بعد خمس ساعات من الشمال الشرقي من عمران (بينهما) وبين قرية (حمر) التي هي مركز لاجتماع رجال الإمام يحيى كما ذكرنا. وقد قدم الإمام يحيى إلى دعان قبل أن يغادر عزت باشا صنعاء لكي يعد المعدات لاستقباله.
وفوق ذلك فإنه أرسل لاستقباله حفيد الإمام الأسبق السيد محمد بن المتوكل الملقب بسيف الإسلام مع كثير من المشايخ ورؤساء القبائل، وهو الذي حاصر قلعة عمران قبل ستة أشهر وضيق عليها الحصار بدفاعه مدة أربعة أشهر، وها هو ذا قد قصد اليوم هذه القرية حيث تستقبله الجنود التي كان يحاربها وتحييه التحية العظمى. كانت مخايل النجابة وعلائم الذكاء تتلألأ على ذلك الوجه الذي يخالط سمرة لونه شيء من الاصفرار فكان يخيل للناظر إليه في أول وهلة أنه في حضرة هونغ هنغ زعيم الثورة الصينية من حيث بهاء طلعته ورَبعة قامته وقلة شعر لحيته وسدول شاربيه ولباسه الحرير الأصفر. وكان بين وفود الإمام الموفدين لاستقبال القائد أيضًا ناصر مبخوت من مشاهير قواد الإمام، وقد كان مستخدمًا برتبة يوزباشي بالجندرمة (أى الشرطة) ثم فر منها ولحق بالإمام وهناك ظهر منه ما ظهر من قوة وشجاعة. وفي صباح يوم الأربعاء توجه عزت باشا من (عمران) إلى (دعان) مع من ذكرنا أسماءهم وعشرين من الخيالة النظامية وخمسة وعشرين من خيالة الجندرمة، ولو كان ذلك قبل هذا اليوم لما تسنى لعزت باشا أن يبتعد عن عمران مسافة ساعتين إلا بقوة ألاي (4 توابير) كامل العدد والعدة؛ لأنها آخر الأراضي الداخلة تحت إدارة الدولة، أما اليوم فقد أصبح تحرسه قلوب اليمانيين وترعاه نفوسهم.
فلما اقتربنا من دعان مسافة ساعة ونصف وجدنا المستقبلين على وجوههم آثار الشجاعة والنبل وفي مقدمتهم سيف الإسلام السيد أحمد قاسم والمقدم المشهور مقداد والشيخ عبد الله أبو منصر وعلي سراجي ويحيى شبام وراجح باشا شيخ قبيلة (سراح) وكانت الحكومة وجهت عليه رتبة ميرميران لاستمالته إلا أنه بقي من رجال الإمام حتى الآن.
والسيد عبد الله بن إبراهيم وهذا كان قد أرسله الإمام للآستانة في السنة الماضية للمفاوضة مع الدولة بشروط الصلح. كان هؤلاء الأبطال يقودون العربان ويحاربون الحكومة من مناخة إلى صنعاء. ويلقب الإمام ثلاثة من رجاله بسيف الإسلام وهم السيد محمد بن المتوكل والثاني السيد قاسم والثالث أبو نبيلة إلا أن هذا الأخير لم يكن حاضرًا الاحتفال بل بلغني أنه موجود مع رجاله بجهة (سعدا) . أما السيد قاسم فهو عم مبعوث صنعاء الميرلاي أحمد بك، وقد خرج من صنعاء منذ خمسة وثلاثين سنة وهو من ذاك التاريخ بجانب الإمام، وقد رويت عنه رواية قالها يومًا: إنني لما خرجت من صنعاء كنت لا أملك سوى بندقية إبراهيمية، أما اليوم فإننا نملك على مئة ألف بندقية من أحدث طرز وما يقرب من مئة مدفع. أما علي المقداد فهو من عائلة قديمة يرجع تاريخها إلى ألفي سنة، وقد حارب الدولة منذ عشرين عامًا إلا أن لذلك أسبابًا عظيمة حملته على محاربتها والوقوف بوجهها وهي أنه قدم أحد القواد العثمانيين في الزمن السالف وأراد أن ينتقم من العربان فدعا الأمير إليه فلما حضر لديه أمر أتباعه بربط هذا الجليل بعجل المدفع ثم أمر بإطلاقه فقطعت يداه من عظم القوة وكادت روحه تخرج من صدره، ثم فكه وتركه مغمى عليه، فلما أفاق عاهد الله والرسول على أن لا يقرب هو ولا أولاده من الدولة وأن يقف حياته لمحاربتها ما دام فيه عرق ينبض. هذا نموذج من الإساءة التي يستعملها رجال الدولة الذين يقصدون اليمن للإصلاح فلذا كان اليمانيون يقفون في وجه الدولة مهما أرسلت إليهم من المصلحين؛ ذلك لأنهم رأوا الإساءة من السابقين وذهبت ثقتهم من اللاحقين. يبلغ الأمير من العمر 85 سنة وكان رجاله ينقلونه على ألواح الخشب أثناء المحاربة لعجزه وعدم استطاعته ركوب الخيل، وكان يصدر أوامره الحربية وهو على هذه الحالة ويدير شئون المحاربين ويقودهم بكل رصانة. أما عبد الله أبو منصور فقد كان سببًا في انكسار حملة فيضي باشا سنة 1321 شرقي (كذا والمراد السنة المالية) وكيفية ذلك أنه لما هجم التابور المنسوب إلى ألاي (ريزا) على (شهاره) ودخلها استولى الرعب على قلوب العربان فأوشكوا أن يفروا من وجه الجنود، لولا أن قام عبد الله أبو منصور وعقل ركبتيه كي لا يستطيع الفرار إذا هاجمه العدو - وهي وسيلة استعملها لتشجيع العربان وأمثولة وضعها ليعلمهم الثبات إبان القتال - وقتل بعض الفارين من العربان عبرة لغيرهم فكانت النتيجة أن ثبت العربان حتى أفنوا التابور عن آخره وضعفت بذلك قوة الحملة. نرجع إلى مسألة الصلح: كنا نتقدم إلى (دعان) وكان يتقدمنا ألوف من العربان يلعبون بخناجرهم ويطلقون بنادقهم في الفضاء احتفاء بنا وهي نفسها التي كانوا يطلقونها علينا في الوقائع.
وكانوا يسيرون إلى جانبنا وهم ينشدون الأناشيد الحربية التي لا تحلو إلا بالأمم المتصفة بالشجاعة والوفاء. هناك أثَّر فيَّ هذا المنظر وقلت في نفسي: ما أحلى هذه المؤاخاة وما أسلم هذه القلوب التي تزينها النية الصافية. لا شك أن ما رأيناه من مظاهر الإخلاص وعلائم الاتفاق هو نتيجة سعي قادة الأفكار من الفريقين في إصلاح ذات البين، وأنا على يقين أنه لولا وجود عزت باشا في اليمن لما تم الصلح ولا رجعت السكينة إلى تلك الربوع، فكم من قواد أموا هذه البلاد فأهلكوا الحرث والنسل ولم يتركوا نوعًا من أنواع الظلم إلا فعلوه فكان ذلك سببًا في إبادة ألوف من الجنود الذين ذهبوا ضحية جور هؤلاء القواد من أبناء الأناضول والروم أيلي. تلك هي سياسة القواد السابقين التي لم يلتفت إليها عزت باشا بل نظر إلى المصلحة العامة قبل كل شيء، ولولا ذلك لما تسنى له الحصول على وفاق ووئام بين طائفتين من المسلمين تقتتلان، فهيأ للجيش العثماني عضدًا قويًّا يبلغ عدده ثلاثة ملايين؛ لأن الإمام يحكم على هذا العدد ويمكنه أن يكون محاربًا مع الجيش العثماني جنبًا لجنب إذا مست الحاجة ولا يستبعد القارئ هذا، فالمثال حسي ظاهر وهو أنه لما بلغ الإمام إعلان إيطالية الحرب على الدولة أرسل نبأً برقيًّا إلى مقام الخلافة العظمى يقول بأنه مستعد لتقديم مئة ألف مقاتل كاملي العَدد والعُدد. بينما كنت غارقًا في بحور هذه التأملات إذ تذكرت صحيفة الماضي حيث كنت شاهد عدل على المقابلة التي وقعت منذ سنتين مع السيد الإدريسي في صبيا وجرى لنا استقبال حافل وأرسل لنا الإدريسي رؤساء العشائر والمشايخ وبقينا عنده ثمانية عشر يومًا لم يدُر في خلالها على ألسنتنا غير حديث وجوب اتحاد المسلمين يدًا واحدة دفعًا للطوارئ الخارجية المحدقة بنا، وكان السيد يقول لنا: إنه لا سلامة ولا راحة ولا سعادة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلا بإطاعة أكبر دولة إسلامية والالتفاف حولها وهي دولة الخلافة العظمى.
إلا أن هذا الائتلاف كان وقتيّا؛ لأن بيننا وبينه الآن دماء تجري كالأنهر وسيوف تلعب بالرقاب فشتان ما بين ائتلاف الأمس واليوم [1] . كان الاتفاق مع الإدريسي على أثر تهديده فكنا الساعين إليه قبله خوفًا من إراقة الدماء فعد ذلك ضعفًا من الحكومة، أما اليوم فإن الاتفاق بخلاف ذلك فقد أدرك الإمام أن لا فائدة من هذه المحاربات ولا نتيجة من التطاحن وأن ذلك يضعف القوى فتصافحنا مصافحة ولاء وإخلاص وتعاهدنا أن نكون يدًا واحدة في السراء والضراء. (دعان) بلد مبني على قمة جبل يتألف من مئة منزل بين دور وأبراج جعل واحد منها للإمام يحيى والثاني لعزت باشا قائد الحملة، وبعد أن استرحنا من عناء السفر ساعتين قصدنا البرج الذي نزل فيه الإمام. هناك وجدنا بعض العربان وقوفًا على الأبواب حاملين سلاحًا حديثًا ثم انتقلنا إلى رواق ضيق مظلم حتى بلغنا حجرة الإمام حيث كان جالسًا على مقعد بسيط يلاصق الأرض متكئًا على وسادة وأمامه أدوات الكتابة وأوراق منها ورقة مكتوبة ممضاة بختم الإمام ولم تكن الغرفة مزينة إلا أننا رأينا على جدران الغرفة سبحة وساعة ومصحفًا في محفظة قماش خضراء وسيفًا ونظارة. وأما الإمام فسنه يناهز الأربعين وعلى وجهه أثر الجُدري حنطي اللون أسود العينين حادهما قليل شعر الحاجبين والشاربين واللحية، وكنا نرى حينما يبتسم أسنانه الناصعة البياض , وخلاصة القول فإن سيما الذكاء والنبل كانت تتلألأ على ذلك الجبين الوضاح والوجه المنير الذي يجذب القلوب. وسأذكر لكم من قبل الاستطراد أربعة عشر شرطًا من شروط الإمامة سبعة منها فطرية والباقي كسبي. الفطري أن يكون علويًّا فاطميًّا سليم الحواس صحيح البنية حرًّا أن لا يكون ابن أمة عالمًا عادلاً. والكسبي أن يكون مستقلاً في رأيه سخي الكف جسورًا لا يهرب من القتل وأن لا يتقاعد عن الحرب إذا كان هناك مسوغ شرعي، وأن يكون وحيدًا في الإمامة وذكرًا قادرًا على استمالة الأكثرية أي مصيبًا في رأيه [2] . وقد رأيت أثناء إقامتي في تلك الربوع أن أحسن حكومة ديموقراطية هي إدارة الإمام. وجدت الشيخ ناصر مبخوت واقفًا على باب حجرة الإمام حاملاً السلاح كأنه يؤدي وظيفة الخفر، وكان هذا الشيخ قد قدم للإمام خدمات جليلة حين وفاة والده وهو الذي سعى مع العلماء في إتمام البيعة له. إن للإمام يحيى سلطة عظيمة على اليمن حتى إنه يمكن للرجل أن يتجول الأراضي اليمانية دون أن يمسه سوء إذا كان لديه رخصة من الإمام والعرب يحترمونه احترامًا زائدًا وذلك لشدة تعلقهم به. كان الوافد على الإمام حينما يقرب من منزله بدعان يطلق عياره الناري في الفضاء دلالة على الاحترام والتعظيم. إن هذا الاحترام العظيم وتلك السلطة المطلقة هما معلقان على كلمة تخرج من فم شيخ الإسلام الزيدية وذلك إذا ظهر من الإمام عمل استبدادي أو أمر يخالف الشريعة الإسلامية فعندئذ ينزل عن تلك العظمة وأحيانًا تقود هذه الفتوى الإمام إلى محل القصاص.
وخلاصة القول أن فتوى شيخ الإسلام الزيدية كسيف بتار معلق فوق رءوس الأئمة. قبل أن أبين لكم شروط الصلح التي عقدت في هذه المرة أرى أن أذكر للقراء شروط الصلح السابقة التي طلبها الإمام قبل الدستور لنقابل بين هذه وتلك. لا يخفى أن الحكومة في الدور السابق كثيرًا ما سعت في الائتلاف والصلح وكانت الوفود تلو الوفود ولكنه يا للأسف لم يتسن لهؤلاء حقن الدماء ودفع الخسائر التي كانت تتكبدها الحكومة من إزهاق الأرواح وضياع الأموال، وآخر وفد أرسلته الحكومة في سنة 1324 هجرية للإصلاح ذات البين بين الطائفتين طلب منه الإمام الشروط الآتية مفتتحة بهذه المقدمة: شروط الصلح التي كان اقترحها الإمام (وافقت مستمدًّا بعون الله على شروط الصلح ما بيني وبين مأموري سلطان الإسلام الذي أدعو الله أن يؤيد ملكه لإطفاء نار الحرب الموقدة، وأن نستبدل الفوضى والعداوة بالصداقة لتسلم البلاد من القلاقل وتحقن الدماء وتزول المحن من هذه البقعة ويستتب الأمن ويُربط المؤمنون برابطة الإخاء التي لا انفصام لها ويرتفع الظلم من بينهم. 1- أن تطبق الأحكام على الشريعة الغراء. 2- أن يرجع عزل وتعيين القضاء وحكام الشرع إلى الإمام. 3- أن تكون معاقبة الخائنين والمرتشين منوطة بالإمام. 4- تخصيص رواتب كافية للحكام وللمأمورين كي لا تدفعهم القلة إلى الارتشاء. 5- إحالة الأوقاف إلى عهدتنا لإحياء المعارف في هذه البلاد. 6- إقامة الحدود الشرعية على مرتكبي الجرائم من المسلمين والإسرائيليين كما أمر الله بها وأجراها رسوله التي أبطلها المأمورون كأن لم تكن شيئًا مذكورًا. 7- يؤخذ العُشر من المزروعات التي تُسقى بماء السماء، وأما التي تسقى بمياه الآبار فيؤخذ منها نصف عشر بعد أن يقدر ذلك أرباب الخبرة، وإذا حصل اختلاف يرجع إلى الأصول التي وضعها عبد الله بن رواحة في الخرص.
ويؤخذ عن البقر والغنم والإبل النصاب الشرعي، وأما الأراضي التي تغل مرتين أو ثلاثًا فيؤخذ عنها نصف العشر أو ربعه ورفع ما سوى ذلك من التكاليف. 8 - إن جباية الأموال المارّ ذكرها تكون بواسطة مشايخ البلاد تحت نظارة مأموري الدولة، وإذا تجاسر أحد على أخذ زيادة عن التكاليف المار ذكرها فعزله أو تحديد الجزاء له راجع إلينا ولا يكون لنا علاقة بقبض الأموال الأميرية. 9- تعفى عشائر حاشد وحولان وحدا وأرحب من التكاليف. 10- يسلم كل منا الخائنين الذين يلتجئون إليه. 11- إعلان العفو العمومي في البلاد كي لا يُسأل أحد عن ماضيه. 12- أن لا يولى أحد من أهل الكتاب على المسلمين. 13- أن تشمل أحكام هذه المواد المار ذكرها صنعاء وتعز وملحقاتها. 14- أن لا تتداخل الحكومة في شئون (آنس) ولا تعارضني في تعيين المأمورين من قِبلي لهذا القضاء لفقرهم وقلة حاصلاتهم، ولما يخشى من وقوع محظور في مخالطة مأموري الحكومة لهم. 15- أن تكون المحافظة على هذه البلاد من تعديات الدول الأجنبية راجعة للدولة. إن تنفيذ هذه الشروط في البلاد اليمانية يكون سببًا لسلامة الأفراد البشرية وترقي البلاد وإحيائها فيظهر الأمن بأبهى مظاهره ويحصل منه خير كثير. لا يخفى أن البعض يستفيدون من كثرة سَوْق العساكر إلى البلاد اليمانية إذ لا يخلو ذلك من الفائدة المادية لهم، ولعلهم لا يرضون بهذه الشروط؛ لأن باتباعها يستتب الأمن وينقطع ورود العساكر إلى هذا القطر فيخسرون بذلك ما كانوا يؤملون. لذلك أطلب صدور فرمان سلطاني يتضمن قبول الشروط المار ذكرها كي يطمئن اليمانيون وترتاح قلوبهم ولا يعترضني المأمورون في إجراء الأحكام التي تخولنيها الشروط وإحالة إدارة بلاد (الشرقية) من اليمن التي تشابه بلاد (آنس) إلى عهدتي. ...
...
...
...
...
...
...
...
13 صفر سنة 1324 هذه هي شروط الصلح التي كان طلبها الإمام من موفدي الدولة إلا أنه لم يتم الاتفاق عليها في زمن الحكومة الماضية؛ لأن الذين نيط بهم أمر الصلح لم يكونوا أهلاً له. كانت المسألة اليمانية بعد إعلان الدستور شغل الدولة الشاغل، وقد كادت تقرر أن تترك الجبال الآهلة بقبائل الزيدية للإمام يديرها كيف شاء لولا أن ظهرت في اليمن تلك الحركة الأخيرة وحصل ما حصل. أنقل للقراء اليوم الشروط التي حصل الاتفاق عليها وهي أخف وطأة من الأولى [*] [3] : 1- عقد الاتفاق ما بين الإمام المتوكل على الله يحيى بن حميد الدين وقائد الحملة اليمانية عزت باشا على إصلاح أمور بلاد صنعاء، عمران، حجه، كوكبان، حجور، آنس، ذمار، بريم، رداع، حراز، وتعز، التي يقطنها الزيديون الذين هم اليوم تحت إدارة الدولة. 2- ينتخب الإمام حكام مذهب الزيدية ويبلغ الولاية ذلك، وهذه تخبر الآستانة لتصدق المشيخة على ذلك الانتخاب. 3- تتشكل محكمة استئنافية للنظر في الشكاوى التي يعرضها الإمام. 4- يكون مركز هذه المحكمة صنعاء وينتخب الإمام رئيسها وأعضاءها وتصدق على تعيينهم الحكومة. 5- يرسل الحكم بالقصاص إلى الآستانة للتصديق عليه من المشيخة وصدور الإرادة السنية به، وذلك بعد أن يسعى الحاكم في التراضي ولا يفلح.
ولا ينفذ الحكم إلا بعد التصديق وصدور الإرادة بشرط أن لا يتجاوز أربعة أشهر [4] . 6- إذا أساء أحد المأمورين (الحكام والعمال) الاستعمال في الوظيفة يحق للإمام أن يبين ذلك للولاية. 7- يحق للحكومة أن تعين حكامًا للشرع من غير اليمانيين في البلاد التي يسكنها الذين يتمذهبون بالمذهب الشافعي والحنفي [5] . 8- تتشكل محاكم مختلطة من حكام الشافعية والزيدية للنظر في دعاوى أصحاب المذاهب (المختلفة) . 9- تعين الحكومة محافظين تحت اسم مباشرين للمحاكم السيارة التي تتجول في القرى لفصل الدعاوى الشرعية وذلك دفعًا للمشقات التي يتكبدها أرباب المصالح في الذهاب والإياب إلى مراكز الحكومة. 10- تكون مسائل الأوقاف والوصايا منوطة بالإمام. 11- صدور عفو عام عن الجرائم السياسية والتكاليف (الضرائب) الأميرية التي سلفت. 12- عدم جباية التكاليف الأميرية لمدة عشر سنوات من أهالي أرحب وحولان لفقرهم وخراب بلادهم على شرط أن يحافظوا على صداقتهم وارتباطهم التام بالحكومة. 13- تؤخذ التكاليف الأميرية بحسب الشرع [6] . 14- إذا حصلت الشكوى من جباة الأموال الأميرية لحكام الشرع أو للحكومة فعلى هذه أن تشترك مع الحكام في التحقيق وتنفذ الحكم الذي يحكم به عليهم. 15- يحق للزيدية تقديم الهدايا للإمام بشرط أن تكون بواسطة مشايخ الدولة أو الحكام [7] . 16- على الإمام أن يسلم عشر حاصلاته للحكومة [8] . 17- عدم جباية الأموال الأميرية من (جبل شيرق) لمدة عشر سنوات [9] . 18- يخلي الإمام سبيل الرهائن الموجودين عنده من أهالي صنعاء وما جاورها وحراز وعمران. 19- يمكن لمأموري الحكومة وأتباع الإمام أن يتجولوا في أنحاء اليمن بشرط أن لا يخلوا بالسكينة (بالأمن) . 20- يجب على الفريقين أن لا يتعديا الحدود المعينة لهما بعد صدور الفرمان السلطاني بالتصديق على هذه الشروط اهـ[10] . استفدنا من هذا الاتفاق فوائد جمة أهمها ترك الإمام لقب أمير المؤمنين للخليفة والاكتفاء بالإمامة. ثانيًا: ثبوت القطر اليماني تحت إدارة الدولة وإقرار الإمام بحاكمية الدولة على البلاد اليمانية كما طلب أحمد مختار باشا في تقريره.
اليوم بعد أن كانت الدولة تعتبر الإمام يحيى عدوًّا مبينًا أصبح الصديق الحميم واعترفت له بالإمامة رسميًّا لتنظيم إدارة الزيديين. أعلن الإمام يحيى عدم صلاة الجمعة صباح هذا اليوم لأننا كنا مسافرين فذهبنا لتناول الطعام حيث كنا مدعوين عند الإمام فعند وصولنا إلى المنزل وجدنا العربان مصطفين بأيديهم البنادق من طرز موزر لأداء السلام. دخلنا المنزل فوجدنا شرشفًا (أي سماطًا) ممدودًا على الأرض حوله الأرغفة فجلسنا حوله وكان إذ ذاك الإمام لابسًا لباسًا من الحرير أبيض حاملاً خنجرًا ذا حمائل من ذهب حتى إن الناظر إلى الإمام كان يرى في شخصه ولباسه حالة السلم. كان شيخ إسلام الزيدية جالسًا على يمينه وعلى شماله (سيد عمرو) وهو أول من سعى في الائتلاف والوفاق مع السيد قاسم بين الإمام يحيى وعزت باشا الذي كان حينئذ بجانب سيد عمرو فكأن هذا يفتخر وهو جالس بالتوفيق بين قائد الحملة وقائد اليمن. كان سيف الإسلام جالسًا عن شمال السيد قاسم وعلى يمين شيخ الإسلام رئيس أطباء الحملة اليمانية عبد السلام باشا الذي كانت له اليد البيضاء في تطمين قلوب العساكر حين أصابتهم الكوليرا بين صنعاء ومناخة فجمع أطباءه وأوصاهم أن لا يفشوا خبر وجود الوباء بين الجند لئلا ترتعد فرائصهم وتنحل قواهم. كان على يسار عبد السلام باشا الميرالاي أحمد عوني بك رئيس أركان حرب الحملة الذي مكث في اليمن عامين في حملة سنة 1314 مع المرحوم عبد الله باشا وهو الذى أخمد فتنة الألبان في السنة الماضية، ولم يكد يتم مهمته حتى ندب للذهاب إلى اليمن حيث كانت المسألة اليمانية في دورها الأخير فلبى الطلب فخورًا. هناك أقام خطوط الهجوم والدفاع بين صنعاء ومناخه حتى تمكن من الاستيلاء على الأول وشهد له بالمقدرة الحربية كثيرون. كنت أرى على وجهه مخايل التعقل فكأني به يقول للناظر إليه والمستطلع فكره: إن الذي يود فتح اليمن والاستيلاء عليها يجب عليه أن يجذب قلوب أهلها ويعاملهم بالرقة لا أن يخرب بلادهم ويدعها قاعًا صفصفًا.
وكان لا يحول نظره عن الإمام؛ لأنه لم يتمكن مدة وجوده باليمن عامين من رؤية ذلك الوجه الوضاح. دار البحث أثناء جلوسنا حول مائدة الطعام في علم الحكمة والكيمياء وخاض كل في هذين الموضوعين، وكنا نقارن بين اجتهاد الأقدمين والمتأخرين من هذا العصر. ولما أزف وقت الظهر من يوم الجمعة قام الأعراب لتأدية فريضة الجمعة فأمر عندئذ الإمام الخطيب أن يخطب في القوم الخطبة الآتية: أحمد الله - سبحانه وتعالى - الذي وفق بين المسلمين الذين تجمعهم كلمة التوحيد، وفرض عليهم أن يكونوا يدًا واحدة في السراء والضراء، وأمرهم أن يقاوموا كل من يتعدى عليهم بقوله {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: 194) {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} (الحج: 78) {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران: 103) بعد أن كنتم أعداء تضمرون الوقيعة بعضكم ببعض.
عباد الله! ابتعدوا عن الاختلاف فإنه مدعاة للشر والشر مجلبة الخراب {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103) {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46) [11] إلخ ما قال. كثيرًا ما دار الحديث بين القواد ورؤساء القبائل عن المحاربات التي كانت تجري في القطر اليماني وتوصلنا بالحديث إلى أسرار المحاربة، وكم كانت قوة العربان في المحاربات الأخيرة في كل موقعة. كان عدد جيش العرب في واقعة بيت شعبان 800 فقتل منهم خمسون وجرح كثيرون، واضطر الجيش إلى الانسحاب ليلاً. أما في محاربة مفحق فقد كانت قوة العرب مؤلفة من ثلاثة آلاف محارب وفي بيت سلوم وغملان كانت عشرة آلاف وقد قال لي أحد المقدمين: إننا نعترف ببسالة الأرنائوط لأنهم كانوا يهجمون ولا يبالون بالرصاص الذي كان ينصبّ عليهم كالمطر. وقد قال لي رئيس ثان من العربان: إننا لا نلتذ بمحاربتكم ولا نقدم عليها إلا مكرهين؛ لأننا نتدين بدين واحد فلذا كنا في أكثر المواقع مدافعين ولا نهاجم لا مضطرين ونحن نود أن نكون في محاربة دولة ترغب في التعدي على حقوقنا هناك ترون منا ما يشيب له الطفل الرضيع وتتأكدون أن العرب يحقرون الموت في سبيل الدفاع. إن هذا الاتفاق جعل ما كان بيننا نسيًا منسيًّا غير أننا آسفون محزونون لما أصاب إخواننا بطرابلس الغرب من تعدي تلك الدولة الطاغية. كان العرب جميعهم يتألمون من الحرب القائمة بين الدولة وإيطاليا وكثيرًا ما وفد علينا رؤساء العشائر يسألوننا: هل من سبيل للوصول إلى طرابلس الغرب لمساعدة إخواننا؟ بينما الجميع في هذا الحديث إذ قام سيف الإسلام بين الجميع وصرخ بصوت جهوري ملأ الفضاء وقال: إن أعظم قوة للإسلام هي الاتفاق ووحدة الكلمة ثم رفع يديه ودعا للطرابلسيين بالنصر وسأل الله أن يثبت أقدامهم على محاربة الدولة الطاغية.
وأمن له الجميع. ثم التفت عزت باشا وخاطب الجميع بقوله: إننا نفضل الموت على أن نرى الإسلام مستذلاً - فأجابه سيف الإسلام: إن ذلهم يتوقف على انشقاقهم وجهلهم وإني لا أجد معرة أعظم من هذه فيجب أن تتجدد للإسلام قوته ويرجع مجده وعظمته. وفى يوم السبت أخذنا نستعد للرجوع فخرج الإمام يحيى بموكب عظيم ودعا لنا بالتوفيق، وقد أرسل معنا ابن المتوكل وناصر مبخوت لمرافقتنا إلى عمران فلما اقتربنا منها أطلقت المدافع من القلعة أحد عشر طلقًا كأنها تشير إلى أن السلم في اليمن قد انتشر والأمن استتب بفضل حكمة القائد عزت باشا. إن هذا الاتفاق كان سببًا لحقن الدماء وعدم تيتم الأطفال وثكل الأمهات أبناءهم، ولا شك أنه سيزين تاريخ العثمانية. كانت الدولة تنظر إلى اليمانيين بنظرة العداء وقد روت أرضهم من دماء أبناء الرومللي والأناضول (وغيرهم) فقتل فيها ما ينيف على الخمسمائة ألف [12] وأنفقت الملايين من الدراهم في هذا السبيل إلا أن ذلك يرجع لسوء الإدارة في تلك القطعة. لما حصل الانقلاب في المملكة العثمانية أخذ رجالها يبحثون عن علاج يداوون به هذا الداء العُضال المتأصل في جسم الدولة إلى أن قُدِّر لعزت باشا أن يكون الشفاء على يديه وقد وُفِّقَ لعقد الائتلاف مع الإمام يحيى الذي هو رئيس مليون ونصف من الزيدية الذين لا يبالون بالحروب يأتمرون بأمره ويخضعون لإشارته وللإمام ثروة عظيمة يبلغ ريعها 200000 ليرة سنويُا، وله نفوذ عظيم في اليمن. يجدر بنا أن نعترف بأن سياسة القوة التي سارت عليها الدولة في اليمن لا تفيد شيئًا وأنه لمن الظلم الفادح أن تغتصب أموال اليمانيين وتخرب ديارهم لا لذنب جنوه بل لهوى في نفوس القواد الذين كانوا يؤمون البلاد اليمانية فيهلكون الحرث والنسل. أي صلاح أدخلناه في اليمن منذ استيلائنا عليها.
وأي صلاحية تخولنا الحاكمية عليها ما دامت الإدارة سيئة وأرباب الحل والعقد في الحكومة السالفة لا يرقون لحال اليمانيين ولا يرحمون. كانت إدارتنا لليمن حتى اليوم بالمدفع وتمنعنا -يا للأسف- عن تنفيذ خطة الإصلاح التي وضعت له فنحن لا ننكر على الحكومة الحالية ما أجرته في المدة الأخيرة؛ لأن الإصلاح لا يتأتى إلا بالقوة [13] . على أن فرنسا لما دخلت الجزائر أدارت أمورها بستين ألف جندي لكنما نحن العثمانيين لا يجمل بنا أن نفعل فعلها في اليمن من حيث الظلم بل من حيث الإصلاح. أخطأ الذين كانوا يقولون بوجوب الزحف على (شهارة) فماذا ينفعنا؟ فقد سبق لنا الدخول إلى (غفلة) غير أننا رجعنا بخُفَّيْ حُنين بعد أن أريقت دماء كثيرة من الطائفتين الإسلاميتين.
فليس الإصلاح في الاستيلاء على البلاد، وإنما الإصلاح كل الإصلاح أن نجذب قلوب اليمانيين فيميلون بطبيعتهم إلى الدولة ويعترفون بحاكميتها ويتفيئون ظلالها. لو استعمل القواد السابقون ما استعمله عزت باشا من الحكمة والدراية لكانت اليمن جنات تجري من تحتها الأنهار. إن عزت لما أعلن أنه سيأمر بين الناس بالعدل ما كان من اليمانيين إلا أن وفدوا عليه في صنعاء زرافات زرافات واثقين من كلامه، ثم كانوا لا يلبثون بعد دخولهم ومحادثتهم له أن يخرجوا من عنده ملآنة أعينهم بالدموع؛ (لأنهم أيقنوا إخلاصه في الخدمة) وحاملي الهدايا الثمينة، إلى أن حصل الاتفاق بينهم ورفع الخلاف، وبدل اليمن ثوبه البالي بثوب جديد. نعم إن هذا الاتفاق الذي حصل بين الزعيمين سيدر بالخير والبركة على الأقطار اليمانية فتنجلي سماؤها التي كانت متلبدة بدخان البنادق والمدافع الكثيف وتحرث أرضها ويشتغل فيها أهلها ويذوقون طعم الأمن والسكنية فيهدأ بالهم، وتسعد حالهم، وستكون الحوادث الماضية درسًا لرجال الدولة فلا يضعون الشدة حيث يجب أن يكون اللين اهـ ما نشر في الحقيقة بتصحيح قليل للعبارة. *** حديث في صلح اليمن لضابط عثماني كبير نشرت جريدة المفيد البيروتية حديثًا لأحد صاحبيها أو محرريها مع أميرالألاي إحسان بك الذي كان رئيس أركان الحرب لفيلق اليمن عند إلمامه ببيروت عائدًا من اليمن قال الكاتب: ضمني وأميرالألاي إحسان بك مجلس، ولما علمت أن قدومه من اليمن وأنه من كبار الضباط استطردته في الكلام إلى البحث في شئون الاتفاق مع الإمام.
قلت: وهل لإحسان بك معرفة بعزيز بك؟ قال: نعم هو من أعز أصدقائي وهو الرجل الذي جمع إلى همة الشباب حكمة الشيوخ، قلت: وما عندك من نبإه؟ قال: إنه بطل هذا الاتفاق. (قلت) : وكيف كان ذلك؟ قال: (إن عزيز بك شاب غيور أنِف فخور يعز عليه أن يستمر القتل بين الجنود العثمانية وبين عرب البادية (كذا) وقد أتى هذا القطر والتحق بحملة اليمن وفي النية أن يوفق بين عزت باشا والإمام يحيى حقنًا للدماء، وقد نجح مسعاه لدى قائد الحملة، فإن عزت باشا لم يكن ممن يحبون سفك الدماء دون طائل ولا ممن يقودون الجيوش بقصد التخريب والتدمير. هذه العاطفة التي وجدها عزيز بك في قلب عزت باشا سهلت عليه سبيل الاتفاق مع الإمام. قلت: إن عزيز بك هو بطل الاتفاق وأؤكد لكم أن هذا البطل هو من أصدق الرجال الذين خدموا الدولة والأمة معًا، فإن خوفه على دولته من الانقراض لاشتغالها عن الأمور الخارجية بتجريد الحملات على أبنائها، و (حبه) بقاء العرب ذخرًا للدولة تستصرخهم عند الحاجة، حملاه على عقد الاتفاق، وقد تمكن بطلاقة لسانه من إقناع الإمام بأن القتال إذا استمر بينه وبين الدولة فإن الأجانب الذين يتربصون بنا الدوائر سوف يستولون على هذه البلاد. على هذه الفكرة بني أساس الاتفاق بين عزت باشا والإمام يحيى ومن ذلك يظهر لكم أن عزيز بك هو بطل هذا الاتفاق. - ما وجه الخلاف الذي من أجله كانت تسفك دماء الأبرياء؟ إن الإمام منذ أعوام كثيرة يدعي الإمامة وإنكم إذا قرأتم نص ختمه تعلمون وجه الخلاف وسبب خروجه على الدولة.
كان للإمام قبل الاتفاق ختم كبير نقش عليه: (نصره الله) ومن تحتها بصورة هلال (السيد يحيى بن محمد حميد الدين) ويلي ذلك كلمة (أمير المؤمنين المتوكل على الله رب العالمين) هذا هو ختم الإمام قبل الاتفاق.
وأما بعده فأصبح كذلك (إمام الزيود السيد يحيى بن محمد حميد الدين) ومن ذلك تعلمون بسبب الحروب اليمنية، فعزت باشا وعزيز بك لم يحقنا دماء أبناء الأمة اليوم فقط بل إنهما حقنا دماء أبناء كثيرة لم يخلقوا بعد، والله يعلم كم كانت هذه الحروب تستغرق من الأجيال لولا هذا الاتفاق. كم يبلغ عدد الجند في اليمن اليوم وما هي خسارتهم في الحرب الأخيرة؟ (يناهزون ستين تابورًا وتقدر خسارتهم بستة آلاف ومعظمهم مات بسبب الأمراض التي كثيرًا ما تنتشر بين الجنود لحرارة الإقليم) . - هل يتقاضى الإمام راتبًا من الدولة؟ (نعم يتقاضى ألفًا ومائة ليرة عثمانية مشاهرة ولمشايخ العربان رواتب مقننة أيضًا) . - ماذا كانت فوائد الاتفاق بعد أن عقد؟ (وزع الإمام منشورًا على جميع القبائل الموالية له يحذرهم من الخروج على الدولة والتعدي على الجنود النظامية والانصراف عن مناوئة الدولة إلى الاهتمام بزراعة الأرض فكان من ذلك أن الجندي النظامي أصبح يروح ويغدو بسلاحه الكامل في أنحاء اليمن دون أن يعارضه معارض) . (أما الرسوم الأميرية فتجبى بواسطة رجال الإمام الذين يصحبون رجال الجندرمة، ولم نسمع بعد عقد الاتفاق بشيء مما كان يقع بين الجباة وبين العربان الأمر الذي كان يفضي إلى امتشاق الحسام وسفك الدماء بين الفريقين) . (أكثر بلاد الدولة أمنًا اليوم هو القطر اليماني غير أن اليمن هي اليوم في حالة البداوة، وإن في خصب أرضها وطيب تربتها ما يساعد الدولة على نقلها من حال إلى حال) . (تمد الدولة اليوم خطًّا حديديًّا من الحديدة إلى جميلة وما مدته إلى الآن يقدر بثلاثة كيلو مترات، إلا أنها ساعية بتسوية الأرض وبسط الطريق لكن مد السكة الحديدية لا يجدي الأهالي نفعًا؛ إذا لم تكن البلاد غنية، وإذا أتيح لهذه البلاد أن تغنى فأرضها ستكون كنز هذه الثروة) . (إن الخط الحديدي يسهل نقل الجنود إلا أن الدولة إذا جرت على سياسة عزت باشا عقدت مع مشايخ القبائل عقود الاتفاق في بطن الجزيرة وساعدت على زراعة الأرض أصبح هذا الخط اقتصاديًّا أكثر منه عسكريًّا، فإن اليمانيين متى قعدوا عن قتال الدولة وتعهدوا معها انصرفوا إلى الزراعة والصناعة، وإن ذكاء هؤلاء القوم يساعد كثيرًا على انتشار المدنية في تلك الربوع، وإن من مصلحة الدولة أن يساس هؤلاء سياسة الحلم لا سياسة العنف والشدة. (فى بعض الأنحاء من اليمن تنبت الأرض أربع مرات في السنة وبعضها تنبت مرتين فإذا عنيت الدولة بزراعة البلاد اليمنية كان لها مورد جديد يزيد في ماليتها، وإنه ليؤسفني أن أصرح لكم بأن الحكومة أرسلت كثيرًا من الأدوات الزراعية ولكنها لم ترسل معلمين زراعيين حتى الآن وهذا الإهمال كان السبب في تعطيل هذه الأدوات. (إن حكومة الآستانة لم تغفل هذا الأمر فقط بل إنه مضى على عقد الاتفاق شهور ولم يصادق عليه إلا أول من أمس، وكثيرًا ما كان عدم وفائنا سببًا في خروج مشايخ اليمن علينا فإن الوفاء بالعهد عند العرب من الأمور التي يتوقف عليها بقاء ثقة المحكوم بحاكمه) . هل تعهد الإمام لقاء الامتيازات التي منحته إياها الدولة بالمساعدة عند الحاجة؟ (نعم وعد بتقديم مائة ألف مقاتل بالعدة الكاملة، وهذه قوة لا يستهان بها. - ما هي سياسة عزت باشا مع الإدريسي وهل يمكن عقد اتفاق معه؟ (من رأيي أن تعقد الدولة اتفاقًا مع الإدريسي ولكن الامتيازات التي تكون للإدريسي هي لا شك غير امتيازات الإمام، فإن الإدريسي حديث في المهدوية غير أن في عزم عزت باشا أن يجرد عليه قوة من الجيش اليمني وستبدأ عما قريب الحركات العسكرية في عسير، ومن رأي عزت باشا أن الإدريسي قد ادعى المهدوية حديثًا، وأما الإمام يحيى فنسبه ثابت والإمامة وراثية في عائلته، فإذا عقد القائد معه اتفاقًا يخشى من ظهور مئات أمثال الإدريسي، فقضاء على كل دعوى من هذا القبيل يرى القائد من الضرورة خضد شوكة الإدريسي، ولكن رأيي الخاص هو أن عزت باشا إذا جرد على الإدريسي عسكرًا لا بد وأن يرجع إلى فكرة الاتفاق، فإذا كان لعقد الاتفاق سبيل فمن واجب الحكومة أن لا تدع هذا السبيل) . - وهل في تلك الأنحاء غير الإمام يحيى والإدريسي من مشايخ العرب يعتد بهم؟ (يوجد شرقي اليمن بعض السلاطين وسياسة عزت باشا اليوم استمالة هؤلاء السلاطين دفعًا لما يتهدد البلاد من الأخطار، فإذا تغاضت الحكومة عن إرضاء هؤلاء فإن دولة أجنبية تستميل إليها هؤلاء خفية بما تمنحهم إياه من الأموال وما تقدمه لهم من الأسلحة.
وأذكر لكم من هذا القبيل أن سلطانين من سلاطين شرقي اليمن لما سمعا باتفاق عزت باشا مع الإمام وعلما باستقامة هذا القائد ورويته قدما إليه وعرضا عليه الإطاعة للدولة، وقد اعترفا لعزت باشا بدسائس بعض الدول وأطلعاه على رسائل سرية كان عمال تلك الدولة يبعثون بها إليهما. (إن عزت باشا يتبع الآن سياسة حسناء وقد أحسن وِفادة هذين السلطانين واعترف بسلطتهما شرقي اليمن وأعطى كلاً منهما علمًا عثمانيًّا وأنعم عليهما بالخلع ومنحهما الأموال، وعندي أن من الواجب على الحكومة أن تسير على هذه السياسة مع العرب ومع بقية العناصر العثمانية. (وقد ينبغي للحكومة حفظًا لهذا الملك من الانقراض أن تسير في الداخلية على سياسة الحلم واللين وأن تدَّخر هذه القوات للعدو الخارجي الذي يتهدد البلاد اهـ. (المنار) إن ما رآه هذا الضابط العاقل من وجوب اتفاق الدولة مع الإدريسي هو الصواب المحتم، وإن قتاله خطأ أو خطر، وإنه هو يتمنى الاتفاق والخضوع للدولة كما نعتقد، وهنا قبل أن تقاتله الدولة وتقاتل الإمام اقترحنا عليها الاتفاق معهما كليهما، وكلمنا رءوف باشا في ذلك وجزمنا له بأن الإمام والإدريسي يرغبان فيه ويخلصان للدولة ما وفت بعهودهما، كما بينا ذلك في المنار.
وقد تبين صدق رأينا في الاتفاق مع الأول وسيتبين في الثاني.
ثم يتبين صدق رأينا في الاتفاق مع سائر أمراء جزيرة العرب وزعمائها أيضًا.
وكان بعض الزعماء في حضرموت وغيرها كتبوا إلينا من بضع سنين يخبروننا بدبيب الدسائس الأجنبية في بلادهم، ورغبتهم في أن ترسل الدولة إليهم أعلامها وعمالها ليديروا أمرهم، فعرضنا ذلك على أحمد مختار باشا الغازي فقال: إنه الآن غير ممكن لوعورة الطرق وقلة، أو فقد الرجال الأكفاء الذين يرضون أن يقيموا في تلك البلاد، وتعذر إقناع السلطان بذلك.
والآن قد سنحت الفرصة فعلى الدولة أن تغتنمها، وتجعل جزيرة العرب هي الركن الأقوى لمظاهرتها وتأييدها، على نحو ما أشرنا إليه في الجزء الأخير من السنة الماضية. كان ساسة الدولة يظنون أن إصلاح جزيرة العرب وتقويتها خطر على سلطة الترك يخشى أن يفضي إلى إيجاد دولة عربية مستقلة يدعي حاكمها الخلافة، وهذا هو السبب لجعلهم بلاد الحجاز خرابًا، ومتابعة الحرب في اليمن وغيرها كما أشار إلى ذلك إحسان بك، ولكنه لا يرجى منه أن يذكره بغير الصيغة التي ذكره بها. ولم يوجد في الدولة رجل أمكنه أن يجعل الجزيرة ولايات تركية أو عثمانية، ولا أن يجعلها ولايات ممتازة مرتبطة بالدولة بعسكريتها وخارجيتها، مع بقائها مستقلة في إدارتها. أما الآن وقد ظهر للعيان أن العرب أشد العناصر العثمانية حرصًا على الارتباط بالدولة والإخلاص لها، باستقتالهم في حرب إيطاليا بطرابلس الغرب، وشرائهم بقاء التبعية العثمانية بكل ما يملكون من مال ودم - وظهر أيضًا أن الدولة تعجز عن حفظ جزيرة العرب - وهي مهد الإسلام - من تعدي الدول البحرية كما عجزت عن الدفاع عن طرابلس الغرب ونيط الدفاع عنها بأهلها - وظهر أيضًا أن الدولة العلية نفسها على خطر، بعد ما أجمعت أوروبا على عدم التزام معاملتها بقوانين حقوق الدول، - أما وقد ظهر كل هذا فقد صار من الواجب المحتم على الدولة أن تعقد الاتفاق مع جميع أمراء الجزيرة فتقر كل أمير منهم على ما هو عليه، وتساعده على التعليم والتمرين العسكري وسائر ضروب الإصلاح، ويكون أهم أصول الاتفاق بينها وبينهم هو الاتحاد العام في الجيش عند الحاجة وكيفية الإنجاد والدفاع عن المملكة. *** حال اليمن على عهد السلطان محمود الثاني كان ابتداء تحرش الدولة العثمانية باليمن في سنة 934 في عهد السلطان سليمان القانوني أي زهاء أربع مئة سنة، وقد بينا ذلك في المجلد الثالث عشر نقلاً عن كتاب (البرق اليماني في الفتح العثماني) ومن ذلك أن الحرب كانت سجالاً بين الدولة واليمانيين، وبقيت كذلك إلى الآن. ولما ولي السلطان محمود الثاني كانت الدولة محفوفة بالنوائب والأحداث، ففي زمنه كانت فتنة الإنكشارية، والحرب الروسية، وعصيان والي يانية ووالي بغداد، وثورة اليونان، وحرب إيران، وحرب محمد علي باشا ودخوله الشام، ثم حرب الوهابية في نجد والحجاز، ولكن اليمن كانت راضية في ذلك العهد بالصلح بينها وبين الدولة العلية على مال تؤديه.
وقد وقف بعض أصدقائنا في بعض دور الكتب في الآستانة على صورة بعض المكتوبات الرسمية في ذلك وهذا نصها: (1) بسم الله الرحمن الرحيم من خليل باشا إلى الجناب العالي الفاضل الأديب والكامل الأريب العالم العلامة والمنصح الفهامة حضرة أخينا الشيخ محمد بن أحمد الحرازي سلمه الله تعالى آمين.
وبعد السلام على الدوام وصلت كتاب حضرة أخينا الإمام حفظه الله تعالى وذكر قدومكم إلى بندر الحديدة وصحبتكم المبلغ المائة الألف الريال الفرنسية المعجلة فصادر إلى طرفكم معتمدنا الحاج يوسف أغا لقبض المبلغ المذكور وتسليم البنادر إلى طرفكم ويقيم عندكم لقبض المائة الألف الريال الفرنسية المؤجلة كل شهر خمسة وعشرين ألف ريال فرنسيًا من أول شهر شوال عام 1234 وآخرها شهر محرم الحرام عام سنة 1235 فليعلم ذلك. حرر في شهر رمضان عام ألف ومائتين وأربعة وثلاثين سنة 1234 ...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
صورة الختم ...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
رب سهل ...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
أمور خليل (2) الحمد لله تعالى بلغني من يد القاضي محمد الحرازي وسيد الفيروز وأمير اللحية فتح الله موكلين من طرف الإمام المهدي مائة ألف ريال معجلة التي يوكلني بقبضها أفندينا خليل باشا حفظه الله تعالى بتاريخ شهر شوال سنة 1234 وقبضتها بالتمام والكمال من المذكورين الموكلين والسلام ختام. ...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
صورة الختم ...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
يوسف عبده ...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
1328 (1) البعد بين الائتلافيين أن الأول كان غير مبني على الإخلاص من مندوب الدولة فيه وهي التي لا ترضى إلى الآن بالصلح مع الإدريسي بل ترى سحقه كما سيأتي بيانه عن ضابط عثماني آخر. (2) المنار: هكذا أوردها، وقد خلط فيها بين الكسبي وغيره. (*) نشرت طنين هذا الاتفاق بالتركية وترجمه مندوب المقطم فرأينا أن نشير إلى الفروق القليلة بين النسختين ونشير إلى المواد بأعدادها في الهامش دون الأصل. (3) في المادة الأولى عند ذكر بريم كلمة (ميوم) بين قوسين كما رأيت.
وفيها زيادة (وما حولها) بعد سرد أسماء البلاد وآخرها في الذكر تعز ورداع. (4) في نسخة طنين أن الفريقين يسعيان في الصلح والتراضي. (5) في نسخة طنين (الحكومة تعين الحكام للشافعية والحنفية فيما عدا الجبال) . (6) (لا تكلف الحكومة أهل اليمن غير التكاليف الشرعية) . (7) للزيدية أن يقدموا الهدايا للإمام إما توًّا وإما بواسطة مشايخ الدولة أو الحكام، ففيها زيادة جواز تقديمها بغير واسطة. (8) (يؤدي الإمام عشر أراضيه) وليس فيها ذكر الحكومة. (9) في نسخة طنين أن جبل شيرق حوالي آنس وأن أهله في غاية الفقر. (10) (بعد التصديق على هذه الوثيقة الائتلافية) ائتلافنامه (بالفرمان السلطاني لا يتعدى أحد الفريقين على البلاد التي هي تحت إدارة الفريق الآخر. (11) المنار: نقل الكاتب ما عدا الآية الأولى من الآيات (وكذا سائر الخطبة) بالمعنى؛ لأنه لم يكن يحفظها فزاد ونقص وقدم وأخر فنقلناها كما هي لأنه الواجب. (12) يريد الكاتب قتلى الحروب الأخيرة من عهد حملة أحمد مختار باشا إلى حملة عزت باشا، وإلا فالقتلى هنالك يعدون بالملايين إذا ارتقينا في عدهم إلى أول تصدي الدولة لليمن في زمن السلطان سليمان وكان أكثر الجيش الذي يرسل إلى هنالك من العرب المصريين وغيرهم (راجع ص 225 من المجلد الثالث عشر) . (13) إن الكاتب على إنصافه لم ير بدًّا من عذر الحكومة الحاضرة على سوقها الحملة التي هو أحد رجالها لحرب اليمن ليبرئ نفسه بتبرئتها والحق أن إثمها كإثم من سبقها أو أكبر، وقد أخطأ في تقليده بعض ساسة الدولة بجعل الترك من العرب كالفرنسيس من أهل الجزائر، وأخطأ أيضًا في جعله هذا الصلح أثر قوة الحملة وهي لم يتم لها الظفر، وكان الإمام قد رغب في الصلح قبلها وكاد ثم في وزارة حلمي باشا لولا أن أوقفه الاتحاديون لتنفيذ سياسة المدفع السابقة.