خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=11732"> سلسلة القصص
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
قصة إبراهيم وسارة والجبار
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعــد:
فسنتحدث إن شاء الله في هذه الليلة عن قصة رواها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخيه وأفضل الأنبياء بعدَه: إبراهيم عليه السلام.
هذه القصة رواها البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات: ثنتين منها في ذات الله، قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]، وواحدةً في شأن سارة، فإنه قد قَدِم أرض جبارٍ ومعه سارة ، وكانت أحسن النساء، فقال لها -إبراهيم يقول لزوجته سارة -: إن هذا الجبار -هذا الملك الكافر الطاغية في هذا البلد- إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلماً غيري وغيرك، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، أتاه -هذا القريب للجبار أتى الجبار- فقال له: لقد قدم أرضَك امرأةٌ لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها، فأُتي بها، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبِضت يده قبضةً شديدة، فقال: ادْعِي الله أن يُطْلِق يدي ولا أضرك، ففعلت، فعاد، فقبِضت أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك، ففعلت، فعاد، فقُبِضت أشد من القبضتين الأولَيَين، فقال: ادعِي الله أن يطلق يدي، فلكِ الله ألا أضرك، ففعلت وأُطْلِقت يده، ودعا الذي جاء بها، فقال له: إنك إنما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخْرِجْها من أرضي وأعطها هاجر ، قال: فأقبلت تمشي، فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف، فقال: مَهْيَمْ؟ قالت: خيراً، كف الله يد الفاجر، وأخدم خادماً قال أبو هريرة: فتلك أمكم يا بني ماء السماء).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا ثلاث كذبات ...).
قال في الحديث عن الكذبة الأولى حين دُعِي إلى آلهتهم: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] وذلك أنه لم تكن به علة ولا مرض؛ ولكنه كان سقيم النفس، كاسف البال، حزيناً على شرك قومه؛ لأنهم لم يلبوا نداءه، ولم يطيعوه في دعوته.
فإذاً عندما قال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] لم يكن في الحقيقة كذاباً، وإنما استخدم التورية، ويقصد بالمرض (المرض النفسي) أنه مريض النفس، اعتلت نفسه من إصرارهم على الشرك والكفر، قال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] لما دعوه للخروج معهم إلى عيدهم، وكانوا يخرجون إلى عيد خارج البلد، قال لهم: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، وقبل أن يقول لهم: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] نظر نظرة في النجوم فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] وكان هؤلاء القوم كفاراً عبادَ الكواكب والنجوم، ويعتقدون أن النجوم لها تأثير في الحوادث الأرضية، وفي مرض الناس، والإنجاب، والرزق.. ونحو ذلك، فأراد إبراهيم الخليل أن يقيم عليهم الحجة، فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:88-89] عاملهم من حيث كانوا؛ لئلا يُنْكِروا عليه فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ [الصافات:90] تركوه وذهبوا إلى عيدهم خارج البلد.
لما خلت البلد وصار معبد الأصنام فارغاً دخل إبراهيم على الأصنام، فكسَّرها، ثم وضع القدوم (الفأس) في يد كبيرهم لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار غِيْرةً لنفسه، وأنف أن تُعبد معه الأصنام الصغار، فقام عليها وكسرها.
فلما رجعوا من عيدهم وجدوا أصنامهم مكسَّرة، قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:62] لأنه لم يتخلف عن حضور العيد غيره، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63] وأشار بإصبعه قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63] أي: غضب من أن يعبد معه الصغار وهو أكبر منها فكسرها.
ماذا أراد إبراهيم من هذا الكلام؟
أن يقيم عليهم الحجة، ولذلك قـال لهم: فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء:63] حتى يخبروا من فعل ذلك بهم، اسألوا الأصنام المكسرة، حتى يخبروكم من كسرها، إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء:63] .
فلما قال لهم ذلك رجعوا إلى أنفسهم، وعرفوا أنها لا تنطق، نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ [الأنبياء:65] رُدُّوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم.
لما قال لهم: فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء:63] رجعوا إلى أنفسهم، قالوا: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ [الأنبياء:64] كيف تعبدون أشياء لا تسمع ولا تبصر.
لكن لما كان القوم على فسادٍ في الطريقة أجيالاً استمرءوا الكفر، وأصروا على الباطل، وعاندوا وتعصبوا لمبدئهم، ورفضوا الحق ورجعوا مرة أخرى، ثُمَّ نُكِسُوا [الأنبياء:65] هذا معنى: ثُمَّ نُكِسُوا [الأنبياء:65] رجعوا إلى الكفر مرةً أخرى بعد أن لاح لهم الحق، وأقنعهم إبراهيم، وتبينت لهم القضية بالحجة؛ لكنهم رجعوا، نكسوا على أنفسهم، مثل المريض إذا صارت له صحوة ثم انتكس مرة أخرى ورجع إلى المرض، لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ [الأنبياء:65] كيف نسألهم وهم لا ينطقون؟
فانتهز إبراهيم الخليل الفرصة، وقال لهم: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ [الأنبياء:66-67] تباً لكم وهلاكاً لكم، وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:67] .
قصة حرق إبراهيم
وجمعوا الحطب -فيما قيل- شهراً، ولما جمعوا ما أرادوا أشعلوا في كل ناحية من الحطب النار، واشتدت النار، وعلت في السماء حتى أن الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، حتى إذا اشتدت لم يعلموا كيف يلقوا إبراهيم فيها، فأتاهم إبليس بفكرة المنجنيق على ما ذكر بعض أهل التفسير، فوضعوه مقيداً مغلولاً، وأطلقوه بالمنجنيق مِن بُعد على هذه النار؛ لأنهم لا يستطيعون الاقتراب منها من شدتها، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] والله تعالى له الأمر من قبل ومن بعد، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] وهو الذي خلق النار فسلب منها خاصية الإحراق، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً [الأنبياء:69] لو لم يقل: سَلاماً [الأنبياء:69] لربما مات إبراهيم من شدة البرد وتجمد، كُونِي بَرْداً وَسَلاماً [الأنبياء:69] حتى لا تؤذيه بالبرد.
وقال إبراهيم كلمة واحدة فقط وهو في الهواء، يلقى بالمنجنيق إلى النار، في اتجاه النار، ذاهبٌ في الهواء، قال: حسبي الله ونعم الوكيل؟
قال ابن عباس كما في صحيح البخاري : [حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار] .
وقال محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما قيل لهم: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] بعد غزوة أحد، قيل لهم: لقد عاد المشركون مرةً أخرى لاستئصالكم، إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] .
كل الدواب كانت تنفخ -بأمر الله- النار عن إبراهيم إلا الوزغ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم، ولذلك أمرنا بقتل الأوزاغ إحياءً لذكرى أبينا إبراهيم، وإظهاراً للكراهية لهذا الحيوان الدابة الذي كان تنفخ النار على إبراهيم، كما جاء في الحديث الصحيح: (وقالت
وأخبرنا في الحديث الصحيح: (أن من قتل وزغاً من أول ضربة فله مائة حسنة، ومن قتلها من الضربة الثانية فله خمسون حسنة نصفها) .
وورد في بعض الآثار: [أنه لم يبق يومئذٍ نار في الأرض إلا طفئت، فلم ينتفع في ذلك اليوم بنارٍ في العالَم].
كذب إبراهيم في ذات الله
وقيل: إنه استخدم التورية أيضاً، قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء:63] وأشار إلى إصبعه.
وعلى أية حالٍ كانت من إبراهيم الخليل عليه السلام طريقة لإقناع قومه ومحاجتهم.
نعود إلى قصتنا:
- بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63] .
- إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] .
- وكذلك عندما قال عن زوجته: إنها أخته.
قال النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الثلاث الكذبات: (ثنتين منهن في ذات الله) ما معنى في ذات الله؟ مع أن قول إبراهيم عن زوجته: هذه أختي، أيضاً فيها معنى من جهة الدفاع عن عرض زوجته وتخليص زوجته في سبيل الله أيضاً؛ لكن خص هاتين بقوله: ( في ذات الله ) مع أن الثالثة في ذات الله أيضاً؛ لكن الثنتين الأوليتين ما تضمنتا حظاً لنفسه، بخلاف الثالثة، فإن فيها حظاً له وهي: نجاته ونجاة زوجته.
الثالثة التي هي في ذات الله؛ لكن فيها فائدة له أو حظاً له، وسعيه لتخليص زوجته، وهو مقصد شرعي مباح لا غبار عليه على الإطلاق؛ لكن امتدح الثنتين الأوليتين؛ لأنها لله محضة ما فيها حظ لنفس إبراهيم وشخصه أبداً.
دخول أرض الجبار .. وطمع الجبار بزوجة إبراهيم
وإبراهيم تزوجها لَمَّا هاجر من بلاد قومه إلى حران، قيل: إنه تزوجها في ذلك الوقت، ولما دخل بها مصر وكان على مصر ذلك الملك الطاغية بعض أقرباء الملك، كما ورد في الحديث رأى إبراهيم ورأى معه سارة ، وكانت قد أوتيت من الحسن شيئاً عظيماً، وقال له: إني رأيتها تطحن، وإنها في غاية الجمال، فالملك كان لا يدع شيئاً مثل هذا يفوته من ظلمه وعسفه وبغيه، فأرسل إلى إبراهيم وإلى سارة وجيء بها، وجيء معه، فسأله عنها، فقال: من هذه المرأة التي معك؟ قال: أختي، ظاهر الحديث أنه أتي بإبراهيم أولاً وسأله من هذه؟ قال: هذه أختي، رجع إبراهيم إلى زوجته، قال: يا سارة ! ليس على وجه الأرض مسلم غيري وغيركِ، ثم طلب منها، إذا سألها الملك عن قرابتها منه مَن تكون بالنسبة له أن تقول له: إنها أخته؛ حتى لا يتناقض كلامه مع كلامها؛ ولئلا يظهر بمظهر الكاذب، فقال: فصدقيه إذا سألك عني، فقولي: هذا أخي؛ لأنني قلت له: إنك أختي، يقصد إبراهيم أختي في الإسلام.
فلعل إبراهيم أحس مسبقاً أن الملك سيطلبها، فأوصاها بما أوصاها به، ولما وقع ما كان يظنه أعاد عليها الوصية لما استدعاه الملك، وقال: من هذه المرأة التي معك؟ قال: أختي، رجع إليها، وقال: إذا سألك فاصدقيني إذا سألك فقولي له: أنك أختي، ولا تكذبيني.
ما هو السبب؟ لماذا لم يقل: إنها زوجتي؟ ولماذا لم يخبر بالحقيقة؟
قيل: إن الملك إذا عرف أنها زوجته لا يمكن أن يصل إليها إلا بالتخلص من زوجها، فيَقْتُل إبراهيم للوصول إلى المرأة؛ لكن لو عرف أنها أخته ربما وصل إليها بطريقة أخرى كالزواج أو غيره، وإن كان رجلاً رَكَّاباً للحرام، كما يتبين من القصة؛ لكنه كان ظالماً يريد اغتصابها، فلعله كان إذا عرف أن المرأة متزوجة قتل الزوج أولاً، فأراد إبراهيم أن يدفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، بين أن يكذب أو يخبر بالحقيقة، ويُقْتل، فارتكب أدنى المفسدتين، وأخبر بتلك الكلمة، وقال لها: (ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري وغيرك).
لو قال قائل: ولوط عليه السلام؟!
فيمكن أن يقال: إن إبراهيم يقصد الأرض التي هو فيها الآن، دخلنا بلد مصر، لا يوجد مؤمن غيري وغيرك، أما الأرض الأخرى ففيها لوط، فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:26] وقال إبراهيم: إِنِّي مُهَاجِرٌ [العنكبوت:26] وهاجر إبراهيم، إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26].
لما أُخِذَت سارة من إبراهيم قام إبراهيم يصلي، ولما أدخلت سارة على الملك لم يتمالك أن بسط يده إليها من شدة جمالها، لأنه لم يستطع أن يقاوم نفسه فقبِضَت يده قبضة شديدة، وفي رواية: (فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي -أي: تدعو- فغُـطَّ) وفي روايـة: (رُكِض برجله) يعني: اختنق، كأنه مصروع، والغط: صوت النائم، من شدة النفخ، غطيط.
فمجموع الروايات يؤخذ منها:
أنه عوقب أولاً بقبض يده؛ أي: شُلَّت يده ولم يستطيع أن يحركها، وثانياً: أنه صُرِع.
جاء في رواية الأعرج : أن سارة توضأت ودعت الله عز وجل قائلةً: (اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط علي الكافر) هي تعلم أنها آمنت به لكن تواضعاً قالت هذا الدعاء.
ولما شلت يد هذا الملك وصرع قال: (ادعي الله لي ولا أضرك) وفي رواية مسلم : (ادعي الله أن يطلق ففعلتْ) قال أبو سلمة : قال أبو هريرة : قالت: (اللهم إن يمت يقال: هي التي قتلته) إن يمت الآن من هذه الصرعة يقول قومه: هي التي قتلته، فربما قتلوها، فدعت الله له فأرسلها، لما تحرر الرجل ورجع إلى حاله الأولى هل توقف؟ أبداً.
تناولها الثانية، ثم قام إليها فقامت تتوضأ وتصلي ودعت الله عز وجل فأخذ مثلها أو أشد، أشد من القبضة الأولى.
وفي المرة الثالثة دعا الرجل الذي جاء له بـسارة وقال له: إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان، ما أرسلتم إلي إلا شيطانة أرجعوها، ولعله لما صُرع ظن أن الشيطان هو الذي تدخل، وكانوا قبل الإسلام في الجاهلية يعظمون أمر الجن جداً، ويرون كل ما وقع من الخوارق من فعل الجن؛ لما رأى الملك نفسه مصروعاً مشلولاً قال: هذا من فعل الجن، هذا شيطان، هذا ليس بإنسان.
أطلق سراح سارة وقال: أعيدوها إلى إبراهيم، وزيادة على ذلك: أعطاها خادمة وهي هاجر وهبها لها لتخدمها، لأنه سمع أنها كانت تعجن العجين أو تخدم نفسها، قال: هذه لا يليق أن تخدم نفسها، فأعطاها خادمة وهي: هاجر .
فلما أطلق سراحها ومعها هاجر أتت سارة إلى إبراهيم وكان يصلي، فقال إبراهيم بعدما انصرف من صلاته: (مَهْيَمْ-أي: ما الخبر؟- فقالت
أبو هريرة ماذا قال عن هاجر في آخر القصة؟
قال: [ تلك أمكم يا بني ماء السماء ] يخاطب أبو هريرة العرب يقول لهم: [تلك أمكم ...] هذه هاجر الـتي كانت خادمة وأُعْطِيَت خادمةًَ وجاريةً لـسارة ، ثم وهبتها لزوجها إبراهيم، قال: [فتلك أمكم يا بني ماء السماء] لماذا يطلق على العرب (بني ماء السماء)؟
لكثرة ملازمتهم للفلوات والصحاري؛ لأن فيها مواقع القطر وهو الماء النازل من السماء، يغشون البراري لأجل رعي أغنامهم، ولذلك سُمُّوا ببني ماء السماء؛ لأن عيشهم على ماء السماء.
وقوله: [تلك أمكم يا بني ماء السماء] قيل: إن العرب كانوا من ولد إسماعيل، وهناك عرب قبلهم؛ لكن هؤلاء العرب المتأخرون كانوا من ولد إسماعيل.
فلما غلبوا على أمرهم وخافوا الفضيحة ولم تبق لهم حجة اجتمعوا هم وملكهم النمرود على إحراق إبراهيم الخليل عليه السلام، وجعلوا له بنياناً قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ [الصافات:97] بنوا له بنياناً كالحظيرة، وجعلوه في هذا البنيان، وجمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب، حتى قيل: إن الرجل منهم كان إذا مرض يقول: لئن عوفيت لأجمعن حطباً لإبراهيم، وكانت المرأة تنذر إن أصابت ما تريد وحصل لها ما تبتغي لتحتطبن في نار إبراهيم، وقيل: إن المرأة منهم كانت تغزل وتشتري الحطب بغزلها، فتلقيه في البنيان إعداداً لحرق إبراهيم، تحتسب الدفاع عن الأصنام والانتصار لها.
وجمعوا الحطب -فيما قيل- شهراً، ولما جمعوا ما أرادوا أشعلوا في كل ناحية من الحطب النار، واشتدت النار، وعلت في السماء حتى أن الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، حتى إذا اشتدت لم يعلموا كيف يلقوا إبراهيم فيها، فأتاهم إبليس بفكرة المنجنيق على ما ذكر بعض أهل التفسير، فوضعوه مقيداً مغلولاً، وأطلقوه بالمنجنيق مِن بُعد على هذه النار؛ لأنهم لا يستطيعون الاقتراب منها من شدتها، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] والله تعالى له الأمر من قبل ومن بعد، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] وهو الذي خلق النار فسلب منها خاصية الإحراق، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً [الأنبياء:69] لو لم يقل: سَلاماً [الأنبياء:69] لربما مات إبراهيم من شدة البرد وتجمد، كُونِي بَرْداً وَسَلاماً [الأنبياء:69] حتى لا تؤذيه بالبرد.
وقال إبراهيم كلمة واحدة فقط وهو في الهواء، يلقى بالمنجنيق إلى النار، في اتجاه النار، ذاهبٌ في الهواء، قال: حسبي الله ونعم الوكيل؟
قال ابن عباس كما في صحيح البخاري : [حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار] .
وقال محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما قيل لهم: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] بعد غزوة أحد، قيل لهم: لقد عاد المشركون مرةً أخرى لاستئصالكم، إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] .
كل الدواب كانت تنفخ -بأمر الله- النار عن إبراهيم إلا الوزغ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم، ولذلك أمرنا بقتل الأوزاغ إحياءً لذكرى أبينا إبراهيم، وإظهاراً للكراهية لهذا الحيوان الدابة الذي كان تنفخ النار على إبراهيم، كما جاء في الحديث الصحيح: (وقالت
وأخبرنا في الحديث الصحيح: (أن من قتل وزغاً من أول ضربة فله مائة حسنة، ومن قتلها من الضربة الثانية فله خمسون حسنة نصفها) .
وورد في بعض الآثار: [أنه لم يبق يومئذٍ نار في الأرض إلا طفئت، فلم ينتفع في ذلك اليوم بنارٍ في العالَم].
وهذه قصة الكذبتين الأوليتين: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، و بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63] .
وقيل: إنه استخدم التورية أيضاً، قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء:63] وأشار إلى إصبعه.
وعلى أية حالٍ كانت من إبراهيم الخليل عليه السلام طريقة لإقناع قومه ومحاجتهم.
نعود إلى قصتنا:
- بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63] .
- إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] .
- وكذلك عندما قال عن زوجته: إنها أخته.
قال النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الثلاث الكذبات: (ثنتين منهن في ذات الله) ما معنى في ذات الله؟ مع أن قول إبراهيم عن زوجته: هذه أختي، أيضاً فيها معنى من جهة الدفاع عن عرض زوجته وتخليص زوجته في سبيل الله أيضاً؛ لكن خص هاتين بقوله: ( في ذات الله ) مع أن الثالثة في ذات الله أيضاً؛ لكن الثنتين الأوليتين ما تضمنتا حظاً لنفسه، بخلاف الثالثة، فإن فيها حظاً له وهي: نجاته ونجاة زوجته.
الثالثة التي هي في ذات الله؛ لكن فيها فائدة له أو حظاً له، وسعيه لتخليص زوجته، وهو مقصد شرعي مباح لا غبار عليه على الإطلاق؛ لكن امتدح الثنتين الأوليتين؛ لأنها لله محضة ما فيها حظ لنفس إبراهيم وشخصه أبداً.
قال: (بينما هو ذات يومٍ و
وإبراهيم تزوجها لَمَّا هاجر من بلاد قومه إلى حران، قيل: إنه تزوجها في ذلك الوقت، ولما دخل بها مصر وكان على مصر ذلك الملك الطاغية بعض أقرباء الملك، كما ورد في الحديث رأى إبراهيم ورأى معه سارة ، وكانت قد أوتيت من الحسن شيئاً عظيماً، وقال له: إني رأيتها تطحن، وإنها في غاية الجمال، فالملك كان لا يدع شيئاً مثل هذا يفوته من ظلمه وعسفه وبغيه، فأرسل إلى إبراهيم وإلى سارة وجيء بها، وجيء معه، فسأله عنها، فقال: من هذه المرأة التي معك؟ قال: أختي، ظاهر الحديث أنه أتي بإبراهيم أولاً وسأله من هذه؟ قال: هذه أختي، رجع إبراهيم إلى زوجته، قال: يا سارة ! ليس على وجه الأرض مسلم غيري وغيركِ، ثم طلب منها، إذا سألها الملك عن قرابتها منه مَن تكون بالنسبة له أن تقول له: إنها أخته؛ حتى لا يتناقض كلامه مع كلامها؛ ولئلا يظهر بمظهر الكاذب، فقال: فصدقيه إذا سألك عني، فقولي: هذا أخي؛ لأنني قلت له: إنك أختي، يقصد إبراهيم أختي في الإسلام.
فلعل إبراهيم أحس مسبقاً أن الملك سيطلبها، فأوصاها بما أوصاها به، ولما وقع ما كان يظنه أعاد عليها الوصية لما استدعاه الملك، وقال: من هذه المرأة التي معك؟ قال: أختي، رجع إليها، وقال: إذا سألك فاصدقيني إذا سألك فقولي له: أنك أختي، ولا تكذبيني.
ما هو السبب؟ لماذا لم يقل: إنها زوجتي؟ ولماذا لم يخبر بالحقيقة؟
قيل: إن الملك إذا عرف أنها زوجته لا يمكن أن يصل إليها إلا بالتخلص من زوجها، فيَقْتُل إبراهيم للوصول إلى المرأة؛ لكن لو عرف أنها أخته ربما وصل إليها بطريقة أخرى كالزواج أو غيره، وإن كان رجلاً رَكَّاباً للحرام، كما يتبين من القصة؛ لكنه كان ظالماً يريد اغتصابها، فلعله كان إذا عرف أن المرأة متزوجة قتل الزوج أولاً، فأراد إبراهيم أن يدفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، بين أن يكذب أو يخبر بالحقيقة، ويُقْتل، فارتكب أدنى المفسدتين، وأخبر بتلك الكلمة، وقال لها: (ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري وغيرك).
لو قال قائل: ولوط عليه السلام؟!
فيمكن أن يقال: إن إبراهيم يقصد الأرض التي هو فيها الآن، دخلنا بلد مصر، لا يوجد مؤمن غيري وغيرك، أما الأرض الأخرى ففيها لوط، فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:26] وقال إبراهيم: إِنِّي مُهَاجِرٌ [العنكبوت:26] وهاجر إبراهيم، إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26].
لما أُخِذَت سارة من إبراهيم قام إبراهيم يصلي، ولما أدخلت سارة على الملك لم يتمالك أن بسط يده إليها من شدة جمالها، لأنه لم يستطع أن يقاوم نفسه فقبِضَت يده قبضة شديدة، وفي رواية: (فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي -أي: تدعو- فغُـطَّ) وفي روايـة: (رُكِض برجله) يعني: اختنق، كأنه مصروع، والغط: صوت النائم، من شدة النفخ، غطيط.
فمجموع الروايات يؤخذ منها:
أنه عوقب أولاً بقبض يده؛ أي: شُلَّت يده ولم يستطيع أن يحركها، وثانياً: أنه صُرِع.
جاء في رواية الأعرج : أن سارة توضأت ودعت الله عز وجل قائلةً: (اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط علي الكافر) هي تعلم أنها آمنت به لكن تواضعاً قالت هذا الدعاء.
ولما شلت يد هذا الملك وصرع قال: (ادعي الله لي ولا أضرك) وفي رواية مسلم : (ادعي الله أن يطلق ففعلتْ) قال أبو سلمة : قال أبو هريرة : قالت: (اللهم إن يمت يقال: هي التي قتلته) إن يمت الآن من هذه الصرعة يقول قومه: هي التي قتلته، فربما قتلوها، فدعت الله له فأرسلها، لما تحرر الرجل ورجع إلى حاله الأولى هل توقف؟ أبداً.
تناولها الثانية، ثم قام إليها فقامت تتوضأ وتصلي ودعت الله عز وجل فأخذ مثلها أو أشد، أشد من القبضة الأولى.
وفي المرة الثالثة دعا الرجل الذي جاء له بـسارة وقال له: إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان، ما أرسلتم إلي إلا شيطانة أرجعوها، ولعله لما صُرع ظن أن الشيطان هو الذي تدخل، وكانوا قبل الإسلام في الجاهلية يعظمون أمر الجن جداً، ويرون كل ما وقع من الخوارق من فعل الجن؛ لما رأى الملك نفسه مصروعاً مشلولاً قال: هذا من فعل الجن، هذا شيطان، هذا ليس بإنسان.
أطلق سراح سارة وقال: أعيدوها إلى إبراهيم، وزيادة على ذلك: أعطاها خادمة وهي هاجر وهبها لها لتخدمها، لأنه سمع أنها كانت تعجن العجين أو تخدم نفسها، قال: هذه لا يليق أن تخدم نفسها، فأعطاها خادمة وهي: هاجر .
فلما أطلق سراحها ومعها هاجر أتت سارة إلى إبراهيم وكان يصلي، فقال إبراهيم بعدما انصرف من صلاته: (مَهْيَمْ-أي: ما الخبر؟- فقالت
أبو هريرة ماذا قال عن هاجر في آخر القصة؟
قال: [ تلك أمكم يا بني ماء السماء ] يخاطب أبو هريرة العرب يقول لهم: [تلك أمكم ...] هذه هاجر الـتي كانت خادمة وأُعْطِيَت خادمةًَ وجاريةً لـسارة ، ثم وهبتها لزوجها إبراهيم، قال: [فتلك أمكم يا بني ماء السماء] لماذا يطلق على العرب (بني ماء السماء)؟
لكثرة ملازمتهم للفلوات والصحاري؛ لأن فيها مواقع القطر وهو الماء النازل من السماء، يغشون البراري لأجل رعي أغنامهم، ولذلك سُمُّوا ببني ماء السماء؛ لأن عيشهم على ماء السماء.
وقوله: [تلك أمكم يا بني ماء السماء] قيل: إن العرب كانوا من ولد إسماعيل، وهناك عرب قبلهم؛ لكن هؤلاء العرب المتأخرون كانوا من ولد إسماعيل.