فوائد مذمومة
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
فوائد مذمومةالحمد لله الذي أحلَّ البيعَ وحرَّم الرِّبا، والصلاة والسلام على رسول الله الذي بلَغ العُلا.
وبعد:
قد استنكر الكثيرُ من العلماء تسميةَ الرِّبا الذي يأخذه البنك بـ (الفائدة)؛ وذلك لأنَّ هذه التَّسمية هي من باب التنميق والتزيِين للمنكَر، وتسميته بغير اسمِه، فهي من باب تحلية هذا المنكَر في أعيُن الناس، حتى يظنوا أنَّ الرِّبا هو فائدة ومصلحة لهم.
فهي كمَن يسمِّي الخمرَ بـ (المشروبات الروحيَّة)، ومِن المعروف عند العلماء أنَّ للرِّبا أنواعًا متعدِّدة، ويعتبر أشد وأخطر هذه الأنواع ما يُعرف بـ (ربا القروض)، ويسمَّى أيضًا بـ (ربا الديون)، و(رِبا النسيئة)، والنسيئة تعني: التَّأجيل أو التأخير، وهذا النوع من أشدِّ أنواع الرِّبا تحريمًا، وهو نفسه الذي تمارسه البنوك الربوية الآن.
وقد تضافرَت وتكاثرَت النصوصُ الصحيحة والصريحة من كتاب الله وسنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، والعلماء والأئمَّة والمسلمين قاطبةً على حُرمة الرِّبا، وأنه من أكبر الكبائر، وقد قال عنه بعضُ العلماء: (لقد جاء فيه من الوعيد ما لم يأتِ في غيره)، فالنَّاظِر في الآيات الكريمة، والنصوصِ الشرعيَّة التي نصَّت على تحريمه، يلاحِظ شدَّةَ الوعيد الذي جاء في حرمة هذا الرِّبا، منها:
• أنَّ المصِرِّين على الرِّبا في حربٍ مع الله ورسوله.
• أنَّ آكل الرِّبا ومؤكله وكاتبَه وشاهديه ملعونون مَطرودون من رحمة الله تعالى، وهم جميعًا سواء.
• أنَّ الرِّبا من السَّبع الموبِقات.
• أنَّ المرابي يُعذَّب بالسباحة في نهرٍ من الدَّم، وكلَّما أراد الخروجَ منه، استقبله رجلٌ يقِف على ضفَّة ذلك النهر، ورمى عليه حجرًا، فأعاده إلى النَّهر، ليعيد السباحةَ به مجدَّدًا.
إنَّ دين الإسلام أباح استثمارَ المال عن طريق التجارة، وأحلَّ البيعَ بالتراضي؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29].
ولكن الإسلام سدَّ الطَّريقَ على كل مَن يحاول استثمار ماله عن طريق الرِّبا، فحرَّم قليلَه وكثيره، وشنَّع على اليهود أكلهم الرِّبا؛ إذ أخذوا الرِّبا وقد نُهوا عنه، وكان من أواخر ما نزل من القرآن قولُه تعالى في سورة البقرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278، 279].
والإسلام حين شدَّد في أمر الرِّبا وأكَّد حرمتَه، إنَّما راعى في ذلك مصلحةَ البشريَّة في أخلاقها واقتصادها.
وأعلم أنَّ في المعاملات البنكيَّة ما هو مُباح، وما هو محرَّم بيقين، وما هو خليطٌ يتداخل فيه الخبيث بالطيِّب، ولكن الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن، والفوائد التي يَأخذها المودِع في البنك، هي ربًا محرَّم، فالرِّبا: هو كلُّ زيادةٍ مَشروطة على رأس المال؛ أي: ما أُخِذ بغير تجارةٍ ولا تعَب، فهذه فوائد مذمومة ومحرَّمة.
فكلُّ علماء الإسلام قديمًا وحديثًا أجمعوا واستقرُّوا على حُرمة هذه الفوائد البنكيَّة المذمومة.
• يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله:
من العجيب أن نرى ونسمع أناسًا ينتسِبون إلى العلم يحاولون جاهدين أن يُحلِّلوا ما حرَّم الله.
ولا أدري لماذا يصرُّون على ذلك، إلَّا أن يكونوا قد أُولعوا بالحَداثَة والعصرنة التي تحاول جاهدةً أن تهبط بمنهج السَّماء إلى تشريع الأرض.
ومن العجيب أن نرى مَن يقولون بأنَّ الرِّبا المحرَّم هو الأضعاف المضاعفة بنصِّ القرآن، ولم يفرِّقوا بين واقعٍ كان سائدًا وبين قيْدٍ في الحكم، وكأنَّهم لم يقرؤوا القرآنَ: ﴿ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279]، فلا ضِعف ولا أقل مِن الضِّعف فضلًا عن المضاعفة يقبله هذا النصُّ.
ولست أدري أيضًا ما الذي يَمنع البنوكَ التي تقول: إنَّها استثماريَّة من أن يحسبوا العائدَ الفِعلي على أموال المودِعين مع تقدُّم أدوات الحِساب تقدُّمًا لا يتعذَّر معه الصعود والهبوط بالعائد حسب واقع التعامل.
وأعجب أيضًا أن تكون البلاد التي صدَّرتِ الرِّبا لنا تَسعى الآن بقول علماء الاقتِصاد فيها إلى خفْض الفائدة إلى صفر.
وإذا كان بعض العلماء قد قال بالتحليل، وجمهرةُ العلماء لا تزال تقولُ بالتحريم، فلنسلِّم جدلًا أنَّ العلماء في الإسلام انقسموا حولَ هذه المسألة بالتَّساوي تحليلًا وتحريمًا، فما حكم الإسلام في الأمور المشتبهة التي تقِف بين الحلال والحرام؟
هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: فمَن فعل الشبهات فقد استبرَأ لدِينه وعِرضه؟ أم قال: ((فمَن اتَّقى الشُّبهات)).
وأنا - واللهُ يَشهد - أربأ بمنسوب إلى علم الإسلام أن يَرضى لنفسه أن يكون ممَّن لم يستبرِئ لدينه وعِرضه.
ولو أنَّ هؤلاء حَكَّموا عقولَهم وأفهامَهم وأنصفوا أنفسَهم لقالوا بالتحريم.
♦ قرار مجمع منظمة المؤتمر الإسلامي:
(المؤتمر الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406 هـ، الموافق 22 - 28 ديسمبر 1985 م).
بعد التأمُّل فيما جرَّه هذا النِّظام من خرابٍ نتيجة إعراضه عمَّا جاء في كتاب الله تعالى من تحريم الرِّبا جزئيًّا وكليًّا تحريمًا واضحًا بدعوته إلى التوبة منه، وعلى الاقتِصار على استعادة رؤوس أموال القُروض دون زيادة أو نُقصان قَلَّ أو كثر، وما جاء من تهديد بحَرْبٍ مدمِّرة من الله ورسوله للمرابين.
قرَّر المؤتمرُ الآتي:
أولًا: أنَّ كلَّ زيادة (أو فائدة) على الدَّيْن الذي حلَّ أجَلُه، وعجز المدينُ عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزِّيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد - هاتان الصورتان ربًا محرَّم شرعًا.
ثانيًا: أنَّ البديل الذي يضمن السيولَة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام - هو التعامُل وَفقًا للأحكام الشرعية، ولا سيَّما ما صدر عن هيئات الفتوى المعنيَّة بالنَّظر في جميع أحوال التعامل التي تمارِسُها المصارِف الإسلاميَّة في الواقع العملي.
ثالثًا: قرَّر المَجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلاميَّة إلى تشجيع المصارف الإسلاميَّة القائمة، والتمكين لإقامتها في كلِّ بلدٍ إسلامي لتغطِّي حاجةَ المسلمين؛ كيلا يعيش المسلم في تناقضٍ بين واقعه ومقتضيات عقيدته.
أسأل اللهَ لي ولكم أن يرزقنا الحلالَ الطيِّب الذي يرضيه عنَّا.