فقه العبادات [65]


الحلقة مفرغة

المقدم: مما يتعبد أو يتقرب به إلى الله عز وجل في شهر رمضان التراويح، فما المقصود بالتراويح والتهجد؟

الشيخ: التراويح هو القيام، قيام رمضان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

وسميت تراويح؛ لأن الناس فيما سبق كانوا يطيلونها، وكلما صلوا أربع ركعات بتسليمتين استراحوا قليلاً ثم استأنفوا، وعلى هذا يشمل حديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً)، فإنها دليل على أنه كان يصلي أربعاً بتسليمتين لكن يتروح بينها وبين الأربع الأخريات، وهذه التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه صلى بأصحابه ثلاث ليال ثم تأخر، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم)، وينبغي للإنسان ألا يفرط فيها لينال أجر من قام رمضان وهو مغفرة ما تقدم من الذنب.

وينبغي أن يحافظ عليها مع الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، ولا يخفى أن التراويح المشهودة الآن فيها أخطاء من الأئمة ومن غيرهم.

المقدم: إذاً: لعلنا نتطرق لهذه الأخطاء في اللقاء القادم إن شاء الله؟

الشيخ: ذكرنا فيما سبق أن هناك أخطاءً يقع فيها بعض الأئمة، وكذلك بعض الناس من غير الأئمة، أما أخطاء الأئمة فكثير من الأئمة يسرع في التراويح إسراعاً عظيماً، بحيث لا يتمكن الناس من الطمأنينة وراءه، ويشق على كبار السن والضعفاء والمرضى ونحوهم، وهذا خلاف الأمانة التي حملوا إياها، فإن الإمام مؤتمن، يجب عليه أن يفعل ما هو الأفضل، ولو كان يصلي وحده لكان حراً، إن شاء أسرع على وجهٍ لا يخل بالطمأنينة، وإن شاء أبطأ، لكن إذا كان إماماً يجب عليه أن يتبع ما هو الأفضل للمأموم.

وقد نبه أهل العلم والأئمة إلى أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يسن، فكيف بمن يسرع سرعةً تمنعهم أو تمنع بعضهم من فعل ما يجب من الطمأنينة والمتابعة.

كذلك بعض المأمومين يصلي التراويح على صفة الوتر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها أحياناً، فيوتر بخمس يسردها سرداً لا يجلس إلا في آخرها، أو سبعاً لا يجلس إلا في آخرها، أو تسعاً فيجلس في الثامنة حين يتشهد ثم يقوم ويصلي التاسعة، فبعض الأئمة يفعلون ذلك، وهذا لا أعلمه وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قام بالناس إماماً، وإنما كان يفعله في بيته، وهذا الفعل وإن كان له أصل من السنة أن يوتر مثلاً بخمس أو سبع لا يوتر إلا في آخرها أو بتسع يجلس في الثامنة ليتشهد ولا يسلم ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم، لكن كون الإمام يفعله في رمضان يشوش على الناس.

ثم إن بعض الناس قد يحتاج إلى الخروج، إذا صلى ركعتين أو صلى أربع ركعات وسلم الإمام فإنه يخرج، وبعض الناس يكون عليه حظر من البول أو غيره، فيشق عليه أن يسرد الإمام خمس ركعات أو سبع ركعات أو تسع ركعات، وإذا كان الإمام يريد أن يبين السنة فإننا نقول له: بين السنة بقولك، وقل: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يوتر بخمس وبسبع ولا يوتر إلا في آخرها، وبتسع، يأتي بالثامنة ويتشهد ولا يسلم ثم يأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم، ولا تفعل هذا مع جماعةٍ يلزمون هذا الأمر، أو يأتي أناس قد سبقهم بعض الصلاة فيشكل عليهم أو يشق عليهم، ثم إني إلى الآن لا أعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه الوتر على هذا الوجه، وإنما كان يصلي في بيته.

وأما الأخطاء التي تقع من غير الأئمة ممن يصلون القيام فهو أن بعض الناس تجده يقطع هذه التراويح، فيصلي في مسجدٍ تسليمةً أو تسليمتين، وفي مسجدٍ آخر كذلك، ويمر عليه وقت، فيفوته الأجر العظيم الذي قال به الرسول عليه الصلاة والسلام: (من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، وهذا أجر عظيم.

كذلك أيضاً بعض المأمومين تجده يخطئ في متابعة الإمام فيسابقه، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار).

المقدم: أيضاً الذي يصلي التراويح هل يلزمه إن صلاها أن يحافظ عليها في جميع رمضان؟

الشيخ: لا، لا يلزمه أن يحافظ عليها؛ لأنها سنة، فإن فعلها أجر، وإن تركها فهو غير معاقب، ولكن يفوته خيرٌ كثير كما قلنا.

المقدم: بعض الأئمة يبكي بكاءً شديداً وينتحب أيضاً، وهناك من يؤاخذه على ذلك، ويرى أنه تكلف، فما حكم هذا العمل؟ وما حكم من يؤاخذ الإمام على هذا الحال؟

الشيخ: أما الشيء الذي يأتي بغير تكلف ويكون بكاءً برفق لا بشهاق كثير فهذا لا بأس به، وهو من الأمور التي تدل على لين قلب صاحبها وعلى كمال خشوعه وحضور قلبه، وأما من تكلف فإن هذا أخشى أن يكون من الرياء الذي يعاقب عليه فاعله ولا يثاب عليه، كما أن بعض الناس تجده في قنوت الوتر يأتي بأدعيةٍ طويلة وبأساليب غريبة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون فيها مشقة على المصلين أو بعضهم، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يختار من الدعاء الأجمع ويدع ما سوى ذلك.

فالذي أنصح به إخواننا الأئمة ألا يطيل هذا القنوت بحيث يشق على الناس، ويدعون فيه بأدعيةٍ غريبة مسجوعة، وخير الكلام ما قل ودل، وكون الإنسان يأتي بالشيء على الوجه المشروع الذي لا يمل به الناس أفضل من كونه يأتي به على وجه يمل به الناس.

المقدم: بعض المأمومين يحمل المصحف في رمضان لمتابعة الإمام في صلاة الليل، وقد يكون الإمام لا يحتاج إلى من يفتح عليه لأنه يقرأ من المصحف أيضاً، فما حكم ذلك؟

الشيخ: الذي نرى أن المأموم لا يحمل المصحف إلا للضرورة إلى ذلك، مثل: أن يقول الإمام لأحد من الناس: لا أضبط القراءة، فأريد أن تكون خلفي تتابعني من المصحف فإذا أخطأت ترد علي، أما فيما عدا ذلك فإنه أمر لا ينبغي، لما فيها من انشغال الذهن والعمل الذي لا داعي له، وفوات السنة بوضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر، فالأولى ألا يفعله الإنسان إلا لحاجةٍ ضرورية.

المقدم: في ليلة القدر يحيونها بالصلاة والعبادة ولا سيما ليالي آخر رمضان، فهل هذا موافق للصواب؟

الشيخ: لا، ليس موافقاً للصواب، فإن ليلة القدر تتنقل، فقد تكون ليلة سبع وعشرين، وقد تكون ليلة إحدى وعشرين، كما تدل على ذلك الأحاديث الكثيرة في ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه ذات عام أري ليلة القدر فكان ذلك ليلة إحدى وعشرين)، ثم إن القيام لا ينبغي أن يخص بتلك الليلة التي يرجو أن تكون هي ليلة القدر، بل اجتهاده في العشر الأواخر كلها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان إذا دخل العشر شد المئزر وأيقظ أهله وأحيا ليله عليه الصلاة والسلام، فالذي ينبغي للمؤمن الحازم أن يجتهد في ليالي هذه الأيام العشر كلها حتى لا يفوته الأجر.

المقدم: نود أن نعرف ما المقصود بالاعتكاف؟ وما حكمه؟

الشيخ: الاعتكاف هو لزوم الإنسان مسجداً لطاعة الله سبحانه وتعالى لينفرد عن الناس فيشتغل بطاعة الله، ويتفرغ بذلك، وهو في كل مسجد سواءً كان في مسجدٍ يجمع فيه، أو في مسجدٍ لا يجمع فيه، ولكن الأفضل أن يكون في مسجدٍ يجمع فيه، حتى لا يضطر إلى الخروج لصلاة الجمعة.

المقدم: هل الاعتكاف له أقسام أو أنه قسم واحد؟

الشيخ: الاعتكاف قسم واحد وهو كما أسلفنا لزوم مسجدٍ لطاعة الله عز وجل، لكن قد يكون أحياناً بصوم، وقد لا يكون بصوم، وقد اختلف أهل العلم: هل يصح الاعتكاف بدون صوم أو لا يصح إلا بصوم؟ ولكن الاعتكاف مشروع وهو ما كان في الليالي العشر -عشر رمضان- لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف هذه العشر رجاءً لليلة القدر.

المقدم: هل الاعتكاف له زمان محدد أو يقتصر على رمضان أم يوجد في غير رمضان؟

الشيخ: المشروع أن يكون في رمضان فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف في غير رمضان إلا ما كان منه في شوال حين ترك الاعتكاف سنةً في رمضان فاعتكف في شوال، ولكن لو اعتكف الإنسان في غير رمضان لكان هذا جائزاً؛ لأن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إني نذرت أن أعتكف ليلةً أو يوماً في المسجد الحرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك).

المقدم: هل للاعتكاف شروط محددة، أو أركان محددة؟

الشيخ: الاعتكاف ركنه كما أسلفت لزوم مسجد لطاعة الله عز وجل، تعبداً لله وتقرباً بالتفرغ لعبادته.

وأما شروطه فهي شروط بقية العبادات، وهي ما نسميها: الإسلام، والعقل، ويصح من غير البالغ، ويصح من الذكر والأنثى، ويصح بلا صوم، ويصح في كل مسجد.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات [40] 3740 استماع
فقه العبادات [22] 3397 استماع
فقه العبادات [31] 3369 استماع
فقه العبادات [14] 3316 استماع
فقه العبادات [33] 3186 استماع
فقه العبادات [43] 3055 استماع
فقه العبادات [27] 2977 استماع
فقه العبادات [59] 2874 استماع
فقه العبادات [52] 2862 استماع
فقه العبادات [18] 2760 استماع