فقه العبادات [54]


الحلقة مفرغة

المقدم: في لقائنا الماضي سألنا عدة أسئلة حول الأخطاء في الحلق والتقصير، والأخطاء في الإحرام وفي يوم التروية، ثم خلصنا إلى الأخطاء في المبيت في منى في اليوم الثامن، وانتقلنا بعده إلى الأخطاء في الذهاب إلى عرفة والوقوف بها، وذكرتم من الأخطاء فيما يحضرني في الوقوف بعرفة الوقوف خارج عرفة، والانتقال من ذلك الموقف إلى المزدلفة دون الوقوف بعرفة، والتوجه بالدعاء إلى الجبل واستدبار القبلة، والحرص أيضاً الشديد على الذهاب إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع تجشم المتاعب وما إلى ذلك، وأيضاً أن الناس يعتقدون حرمة النبات في عرفة، كما يعتقدون حرمته داخل الحرم، فهل هناك أيضاً أشياء غير هذه الأشياء التي يقع فيها الحجاج؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اعتقاد أن جبل الرحمة له قدسية خاصة

نعم هناك أخطاء في الوقوف بعرفة غير ما ذكرناه، منها: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسيةً خاصة؛ ولهذا يذهبون إليه، ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيءٌ من رائحة الوثنية، فـ(إن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة).

وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة والسهول التي فيها، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.

المزاحمة في الصلاة في المسجد لصلاتي الظهر والعصر

ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضاً: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع إمام المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجاً وضيقاً، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضاً، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) ، وكذلك أيضاً قال: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ، فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذىً عليه ومشقةٍ فإن ذلك خيرٌ له وأفضل.

الخروج من عرفة قبل غروب الشمس

ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة: أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى مزدلفة، وهذا خطأٌ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه.

وعلى هذا؛ فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت لغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس، فلا يجوز الإبقاء للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.

إضاعة الوقت في غير فائدة

ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الوقوف بعرفة: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمةً من الغيبة والقدح في أعراض الناس، وقد تكون غير بريئة لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في المحظورين: أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خللٌ حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، والثاني: إضاعة الوقت، أما إذا كان الحديث بريئاً لا يشتمل على محرم ففيه إضاعة للوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة بما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا ملّ من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة في بحث في العلوم الشرعية، أو كذلك مما يدخل السرور عليهم ويفتح لهم باب الأمل والرجاء برحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهزوا الفرصة في آخر ساعة في النهار، فيشتغل بالدعاء، ويتجه إلى الله عز وجل متضرعاً إليه مخبتاً منيباً طامعاً في فضله، راجياً لرحمته، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا خير الأدعية، فإن الدعاء في هذه الساعة حريٌ بالإجابة.

نعم هناك أخطاء في الوقوف بعرفة غير ما ذكرناه، منها: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسيةً خاصة؛ ولهذا يذهبون إليه، ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيءٌ من رائحة الوثنية، فـ(إن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة).

وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة والسهول التي فيها، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات [40] 3733 استماع
فقه العبادات [22] 3387 استماع
فقه العبادات [31] 3332 استماع
فقه العبادات [14] 3309 استماع
فقه العبادات [33] 3174 استماع
فقه العبادات [43] 3047 استماع
فقه العبادات [27] 2969 استماع
فقه العبادات [59] 2866 استماع
فقه العبادات [52] 2855 استماع
فقه العبادات [18] 2751 استماع