تفسير قول الله لنبيه (اتق الله) - سهام عبيد
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
قال الله سبحانه وتعالى لنبيه في مطلع سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب:1]. وقد ترد على بعض العقول إشكالية ألا وهي: كيف يأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالتقوى وهو بلا شك أتقى الناس كما قال صلى الله عليه وسلم في غير موضع: «أما واللهِ إني أخشاكم للهِ، وأتقاكم له...» (صحيح الجامع:1336)، و«إن أتقاكم وأعلمَكم باللهِ أنا» ( البخاري :20)، و«قد علمتم أني أتقاكم للهِ، وأصدَقُكم وأبرُّكم...» (البخاري:7367)؟
تعريف التقوى أولا:
التقوى هي –كما قال الراغب-: "حفظ النّفس عمّا يؤثم وذلك بترك المحظور، ويتمّ ذلك بترك بعض المباحات"، وقال الجرجانيّ: "التّقوى في الطّاعة يراد بها الإخلاص وفي المعصية يراد بها التّرك والحذر"، وقيل هي: "الاحتراز بطاعة اللّه عن عقوبته وصيانة النّفس عمّا تستحقّ به العقوبة من فعل أو ترك" (موسوعة نضرة النعيم).
وأجمل ما قيل في تعريفها قول طَلْق بن حبيب: "التقوى: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله" ( تفسير القرآن العظيم).
وقد ورد لفظ (التقوى) في القرآن الكريم على خمسةِ أوجه:
1- الخوف والخشية؛ كما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [ الحج :1].
2- العبادة؛ كما في قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:2].
3- ترك المعصية؛ كما في قوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقر:189] أي لا تعصوه.
4- التّوحيد؛ كما في قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} [الحجرات:3] أي للتّوحيد.
5- الإخلاص؛ كما في قوله سبحانه: {ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] (موسوعة نضرة النعيم).
والآن لنقف مع تفسير هذه الآية من عدة مصادر لنرى ما المقصود بهذا:
- "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {يا أيُّها النَّبِي اتَّقِ اللَّهَ} بطاعته، وأداء فرائضه، وواجب حقوقه عليك، والانتهاء عن محارمه، وانتهاك حدوده" (تفسير الطبري).
- وقال بن كثير في تفسيره: "هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا، فَلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى".
- وذكر في تفسير اللباب: "وقيل: الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة".
- وقال الزمخشري: "{اتقِ الله}: واظب على ما أنت عليه من التقوى، واثبت عليه، وازدد منه، وذلك لأن التقوى باب لا يُبلغ آخره".
- وذكر ابن عطيه في تفسيره: "قوله: {اتقِ} معناه دُم على التقوى، ومتى أُمر أحدٌ بشيءٍ هو به مُتلبس فإنما معناه الدوام في المستقبل على مثل الحالة الماضية".
- "وأمره بالتقوى للمتلبس بها، أمر بالديموية عليها والازدياد منها" (تفسير البحر المحيط).
- وقال النسفي في تفسيره: " اثبتْ على تقوى اللهِ ودُم عليه وازدد منه فهو بابٌ لا يُدرك مداه".
ويستفاد من هذا أن أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتقوى معناه المداومة عليها والازدياد منها، ويُستفاد منه أن الخطاب موجه أيضًا –بل بالأصل- إلى جميع المسلمين؛ أن يلزموا التقوى في جميع أفعالهم، وفي سرهم وعلانيتهم.