فقه العبادات [51]


الحلقة مفرغة

المقدم: سألنا عن بعض الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في الحج، فوصلنا إلى الأخطاء التي تقع في ركعتي الطواف وما يكون فيها أيضاً من دعاء وإطالة وما إلى ذلك، الآن نريد أن نعرف الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج أو يقعون فيها عند الخروج إلى المسعى وفي المسعى وفي الدعاء فيه؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في هذه الأمور، أما بالنسبة للخروج إلى المسعى فلا يحظرني الآن شيءٌ من ذلك، وأما بالنسبة للمسعى فإنه يحظرني الأخطاء التالية:

النطق بالنية

الأول: النطق بالنية، فإن بعض الحجاج إذا أقبل على الصفا قال: إني نويت أن أسعى سبعة أشواطٍ لله تعالى، ويعين النسك الذي يسعى فيه، يقول ذلك أحياناً إذا أقبل على الصفا، وأحياناً إذا صعد إلى الصفا، وقد سبق أن النطق بالنية من البدع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية لا سراً ولا جهراً، وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ، وشر الأمور محدثاتها)، وهذا الخطأ يتلافى بأن يقتصر الإنسان على ما في قلبه من النية، وهو إنما ينوي لله عز وجل والله تعالى عليمٌ بذات الصدور.

رفع اليدين عند صعود الصفا واستقبال القبلة

الخطأ الثاني: أن بعض الناس إذا صعد إلى الصفا واستقبل القبلة جعل يرفع يديه ويشير بهما كما يفعل ذلك في تكبيرات صلاة الجنازة، أو عند تكبيرة الإحرام أو الركوع أو الرفع منه أو القيام للتشهد الأول، يرفعون هكذا إلى حذو المنكبين ويشير، وهذا خطأ، فإن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه رفع وجعل يدعو، وهذا يدل على أن رفع اليدين هنا رفع دعاء، وليس رفعاً لصلاة التكبير، وعليه فينبغي للإنسان إذا صعد الصفا أن يتجه إلى القبلة ويرفع يديه للدعاء، ويأتي بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، ويدعو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المشي المعتاد بين الصفا والمروة

الخطأ الثالث: أن بعض الحجاج يمشي بين الصفا والمروة مشياً واحداً، مشيه المعتاد، ولا يلتفت إلى السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وهذا خلاف السنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى سعياً شديداً في هذا المكان، أعني: في المكان الذي بين العلمين الأخضرين، وهما إلى الصفا أقرب منهما إلى المروة، فالمشروع للإنسان إذا وصل إلى العلم الأخضر الأول الذي يلي الصفا أن يسعى سعياً شديداً بقدر ما يتحمله، بشرط ألا يتأذى ولا يؤذي أحداً منه بذلك، وهذا إنما يكون حين يكون المسعى خفيفاً، فيسعى بين هذين العلمين، ثم يمشي إلى المروة مشيه المعتاد، هذه هي السنة.

الرمل في جميع السعي

الخطأ الرابع: على العكس من ذلك، فإن بعض الناس إذا كان يسعى تجده يرمل في جميع السعي من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا، فيحصل في ذلك مفسدتان أو أكثر:

المفسدة الأولى: مخالفة السنة.

والمفسدة الثانية: الإشقاق على نفسه، فإن بعض الناس يجد مشقةً شديدةً في هذا العمل لكنه يتحمل بناءً على اعتقاده أن ذلك هو السنة، فتجده يرمل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، وهكذا حتى ينهي سعيه، ومن الناس من يفعل ذلك لا تحرياً للخير ولكن حباً للعجلة، وإنهاء السعي بسرعة، وهذا شرٌ مما قبله؛ لأن هذا ينبئ عن تبرم الإنسان من العبادة وملله منها وحبه الفرار منها، والذي ينبغي للمسلم أن يكون قلبه مطمئناً وصدره منشرحاً بالعبادة، يحب أن يعتني فيها على الوجه المشروع الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن يفعلها وكأنه يريد الفرار منها فهذا دليلٌ على نقص في إيمانه، وعدم اطمئنانه في العبادة.

والمفسدة الثالثة من الرمل في جميع أشواط السعي: أنه يؤذي الساعين، فأحياناً يصطدم بهم ويؤذيهم، وأحياناً يكون مضيقاً عليهم فيتأذون بذلك.

فنصيحتي لإخواني المسلمين في هذا المقام أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هديه خير الهدي، وأن يمشوا في جميع الأشواط إلا فيما بين العلمين فإنهم يسعون سعياً شديداً كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما لم يتأذوا بذلك أو بغيره.

قراءة: (إن الصفا والمروة..) في كل شوط

الخطأ الخامس: أن بعض الناس يتلو قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]،في كل شوط، كلما أقبل على الصفا، وكلما أقبل على المروة، وهذا خلاف السنة، فإن السنة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلاوة هذه الآية أنه تلاها حين دنا من الصفا بعد أن أتم الطواف وركعتي الطواف وخرج إلى المسعى، فلما دنا من الصفا قرأ:

(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به) ، إشارة منه صلى الله عليه وسلم أنه إنما جاء ليسعى؛ لأن هذا من شعائر الله عز وجل، وأنه إنما بدأ من الصفا؛ لأن الله تعالى بدأ به، فتكون تلاوة هذه الآية مشروعةً عند ابتداء السعي إذا دنا من الصفا، وليست مشروعةً كلما دنا من الصفا في كل شوط، ولا كلما دنا من المروة، وإذا لم تكن مشروعة فلا ينبغي للإنسان أن يأتي بها إلا في الموضع الذي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تخصيص كل شوط بدعاء معين

الخطأ السادس: أن بعض الذين يسعون يخصصون كل شوطٍ بدعاءٍ معين، وقد سبق أن هذا من البدع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخصص كل شوطٍ بدعاءٍ معين، لا في الطواف ولا في السعي أيضاً، وإذا كان هذا من البدع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعةٍ ضلالة)، وعليه فاللائق بالمؤمن أن يدع هذه الأدعية، وأن يشتغل بالدعاء الذي يرغبه ويريده يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويذكر الله، ويقرأ القرآن، وما أشبه ذلك من الأقوال المقربة إلى الله سبحانه وتعالى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله).

الدعاء من كتاب بما لا يعرف معناه

الخطأ السابع: الدعاء من كتاب لا يعرف معناه، فإن كثيراً من الكتب التي في أيدي الحجاج لا يعرف معناها بالنسبة لحامليها، وكأنهم يقرءونها تعبداً لله تعالى بتلاوة ألفاظها؛ لأنهم لا يعرفون المعنى لا سيما إذا كانوا غير عالمين باللغة العربية، وهذا من الخطأ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاءٍ لا تعرف معناه، والمشروع لك أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاءٍ تعرف معناه، وترجو حصوله من الله عز وجل، وعليه فالدعاء بما تريده أنت بالصيغة التي تريدها ولا تخالف الشرع أفضل بكثير من الدعاء بهذه الأدعية التي لا تعرف معناها، وكيف يمكن لشخص أن يسأل الله تعالى شيئاً وهو لا يدري ماذا يسأله؟ وهل هذا إلا من ضياع في الوقت، ولو شئت لقلت: إن هذا من سوء الأدب مع الله عز وجل أن تدعو الله سبحانه وتعالى بأمرٍ لا تدري ما تريد منه.

البداءة بالمروة

الخطأ الثامن: البداءة بالمروة، فإن بعض الناس يبدأ بالمروة جهلاً منه، يظن أن الأمر سواء فيما إذا بدأ من الصفا أو بدأ من المروة، أو يسوقه تيار الخارجين من المسجد حتى تكون المروة أقرب إليه من الصفا فيخرج من باب تكون المروة إليه أقرب من الصفا فيبدأ بالمروة جهلاً منه، وإذا بدأ الساعي بالمروة فإنه يلغي الشوط الأول، فلو فرضنا أنه بدأ بالمروة وأتم سبعة أشواط فإنه لا يصح منها إلا ستة؛ لأن الشوط الأول يكون لاغياً، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب البداءة بالصفا، حيث قال: (أبدأ بما بدأ الله به).