فقه العبادات [36]


الحلقة مفرغة

المقدم: عددتم في لقاء ماضٍ أهل الزكاة الذين يدفع لهم الزكاة، هل بقي شيء؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ابن السبيل

نعم بقي من أصناف أهل الزكاة صنف واحد: وهو ابن السبيل، وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، وإن كان في بلده غنياً؛ لأنه محتاج، ولا نقول له في هذه الحال: يلزمك أن تستقرض وتوفي؛ لأننا في هذه الحال نلزمه أن يلزم ذمته ديناً، ولكن لو اختار هو أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة فالأمر إليه، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً من مكة إلى المدينة، وفي أثناء السفر ضاعت نفقته ولم يكن معه شيء وهو غني في المدينة، فإننا نعطيه ما يوصله إلى المدينة فقط؛ لأن هذه هي حاجته ولا نعطيه أكثر.

حكم صرف الزكاة في المصالح العامة

وإذا كنا قد عرفنا أصناف أهل الزكاة الذين تدفع إليهم، فإن ما سوى ذلك من المصالح العامة أو الخاصة لا تدفع فيه الزكاة، وعلى هذا لا تدفع الزكاة في بناء المساجد، ولا في إصلاح الطرق، ولا في بناء المكاتب.. وشبه ذلك؛ لأن الله عز وجل لما ذكر أصناف أهل الزكاة قال: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [التوبة:60]، يعني: أن هذا التقسيم جاء فريضة من الله عز وجل: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].

صرف الزكاة للأصناف الثمانية جميعهم أو لواحد منهم

ثم نقول: هل هؤلاء المستحقون يجب أن يعطى كل واحد منها أو كل صنف؛ لأن الواو تقتضي الجمع؟

فالجواب: أن ذلك لا يجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )، فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صنفاً واحداً، وهذا يدل على أن الآية يبين الله تعالى فيها جهة الاستحقاق، وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الأصناف.

الأولوية في مستحقي الزكاة

ولكن إذا قيل: أيها أولى أن يصرف فيه الزكاة؟

قلنا: إن الأولى ما كانت الحاجة إليه أشد؛ لأن كل هؤلاء استحقوا الوصف، فمن كان أشد إلحاحاً وحاجة فهو أولى، والغالب أن الأشد هم الفقراء والمساكين، ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].

حكم صرف الزكاة في الأقارب

المقدم: ما حكم جعل الزكاة في الأقارب؟

الشيخ: الزكاة في الأقارب الذين هم من أهلها أولى من أن تكون في غير الأقارب؛ لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة، فإذا كان أخوك أو عمك أو أبوك أو أمك من أهل الزكاة فهم أولى بها من غيرهم، لكن إذا كانوا يأخذون الزكاة لحاجتهم وأنت يجب عليك نفقتهم فإنه لا يجوز لك أن تعطيهم من الزكاة في هذه الحال؛ لأنك إذا أعطيتهم من الزكاة رفدت مالك ووقيته مما تعطيهم من الزكاة، فإذا قدرنا أن لك أخاً فقيراً وأنت عندك زكاة ونفقته تجب عليك، فإنه لا يجوز أن تعطيه لفقره؛ لأنك إذا أعطيته لفقره رفدت مالك ووقيته مما تعطيه، إذ لو لم تعطه من الزكاة لوجب عليك الإنفاق عليه.

أما لو كان على أخيك هذا دين لا يستطيع وفاءه، مثل: أن يحصل منه إتلاف شيء، أو جناية على أحد، ويلزمه مال، ففي هذه الحال يجوز أن تقضي دينه من زكاتك؛ لأنه لا يجب عليك قضاء دينه، وإنما الواجب عليك نفقته.

وقاعدة ذلك: أن الأقارب إذا أعطاهم الإنسان زكاة ماله لدفع حاجتهم وهم ممن تجب عليه نفقتهم، فإن ذلك لا يصح، وإن أعطاهم لدفع أمر لا يلزمه القيام به، فإن ذلك جائز، بل هم أحق بذلك من غيرهم.

فإن قال قائل: ما دليلك على هذا؟

قلنا: الدليل عموم الأدلة، بل عموم آية الصدقة التي أشرنا إليها فيما سبق: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، وإنما منعنا إعطاءهم فيما إذا كان إعطاؤهم لدفع حاجتهم التي يجب عليك دفعها؛ لأن هذا من باب إسقاط الواجب على الإنسان بالحيلة، والواجب لا يمكن إسقاطه بالحيل.

المقدم: لكن نريد التمثيل أيضاً لدفع المال للوالد أو الوالدة؟

الشيخ: مثلاً: أبوك اشترى سيارة بخمسة آلاف ريال مثلاً، واحترقت السيارة لزمه خمسة آلاف ريال، وأنت لا يلزمك أن تدفع له؛ لأن هذا ليس من النفقة، فيجوز لك أن تقضي دينه هذا من زكاتك، وكذلك لو لزم أحد من أقاربك الآخرين شيء من أجل جناية أو إتلاف، فإنه يجوز لك أن تدفع زكاتك في قضاء هذا الشيء.

حكم إسقاط الدين عن المدين واعتباره من الزكاة

المقدم: هل يجوز إسقاط الدين عن المدين ويكون ذلك من الزكاة؟

الشيخ: لا يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة:103] (خذ) والأخذ لابد أن يكون ببذل من المأخوذ منه، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم )، فقال: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد )، فلابد من أخذ ورد، والإسقاط لا يوجد فيه ذلك، ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده، فكأنما أخرج الرديء عن الطيب؛ لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، فإن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي، فصار الدين دون العين، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج زكاته عنها لنقصه، وقد قال تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267].

ومثال ما سألت عنه: لو كان على الإنسان عشرة آلاف ريال زكاة، وهو يطلب رجلاً فقيراً عشرة آلاف ريال، فذهب إلى الرجل الفقير وقال: قد أسقطت عنك عشرة آلاف ريال، وهي زكاتي لهذا العام.

قلنا: هذا لا يصح؛ لأنه لا يصح إسقاط الدين وجعله عن زكاة العين لما أشرنا إليه آنفاً، وهذه مسألة يخطئ فيها بعض الناس ويتجاوزها جهلاً منهم، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه لا يجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بلا نزاع.

دفع الزكاة للمدين الفقير على أن يردها قضاء للدين

المقدم: هل يجوز دفعها للفقير بشرط أن يردها للدافع؟

الشيخ: لا يجوز، يعني: لو كان لك مدين فقير، ودفعت إليه زكاتك فلا بأس ولا حرج حتى لو ردها عليك فيما بعد، لكن أن تشترط عليه ذلك لا يجوز؛ لأنك إذا فعلت هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في ذمة الفقير، والزكاة لا يجوز أن يحابي فيها الإنسان أحداً لا نفسه ولا غيره.

نعم بقي من أصناف أهل الزكاة صنف واحد: وهو ابن السبيل، وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت نفقته، فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده، وإن كان في بلده غنياً؛ لأنه محتاج، ولا نقول له في هذه الحال: يلزمك أن تستقرض وتوفي؛ لأننا في هذه الحال نلزمه أن يلزم ذمته ديناً، ولكن لو اختار هو أن يستقرض ولا يأخذ من الزكاة فالأمر إليه، فإذا وجدنا شخصاً مسافراً من مكة إلى المدينة، وفي أثناء السفر ضاعت نفقته ولم يكن معه شيء وهو غني في المدينة، فإننا نعطيه ما يوصله إلى المدينة فقط؛ لأن هذه هي حاجته ولا نعطيه أكثر.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات [40] 3734 استماع
فقه العبادات [22] 3388 استماع
فقه العبادات [31] 3332 استماع
فقه العبادات [14] 3309 استماع
فقه العبادات [33] 3174 استماع
فقه العبادات [43] 3047 استماع
فقه العبادات [27] 2970 استماع
فقه العبادات [59] 2866 استماع
فقه العبادات [52] 2855 استماع
فقه العبادات [18] 2751 استماع