فقه العبادات [32]


الحلقة مفرغة

المقدم: في لقاء ماضٍ سألناكم عن شروط وجوب الزكاة، وأعددتم منها: أن يكون مالك المال حراً، وتحدثتم عن مال المملوك وأنه لا يجب عليه زكاة؛ لأن المال مال المالك، لكن هل يعفى المال من التزكية أم يدفع المالك من المال؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

زكاة المال الذي عند المملوك على مالكه؛ لأنه هو مالك المال، كما أثبتنا ذلك من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من باع عبداً له مال فماله لبائعهإلاأنيشترطهالمبتاع )، وعلى هذا فتكون الزكاة على مالك المال، وليس على المملوك منها شيء، ولا يمكن أن تعفى الزكاة عن هذا المال.

السائل: أيضاً نود أن نعرف ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقدار الزكاة في كل نوع منها؟

الشيخ: الأموال التي يجب فيها الزكاة، هي:

زكاة الذهب والفضة

أولاً: الذهب والفضة، والزكاة فيهما واجبة بالإجماع من حيث الجملة؛ لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]، وكنز الذهب والفضة: هو أن لا يخرج الإنسان ما أوجب الله عليه فيه من زكاة أو غيرها وإن كان ظاهراً على سطح الأرض، وإذا أعطى الإنسان ما يجب لله فيه من الزكاة وغيرها فهو غير كنز وإن دفن في الأرض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى به جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار )، والزكاة في الذهب والفضة واجبة على أي حال كانت، سواء كانت دراهم في الفضة ودنانير في الذهب، أو كانت تبراً -أي: قطعاً من الذهب- أو كانت قطعاً من الفضة، أو كانت حلياً يستعمل أو لا يستعمل؛ لعموم الأدلة الواردة في ذلك، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الحلي: حين أتت امرأة معها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ولرسوله )، وهذا نص صريح في وجوب الزكاة في الحلي ولو كان ملبوساً، وإنما وجه النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب إلى أم البنت؛ لأنها هي ولية أمرها، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء -أعني: مسألة الحلي- ولكن الراجح ما قلناه؛ لأن الأحاديث عامة، والأحاديث الخاصة فيها جيدة، بل صححها بعضهم، ولا شك أنها تقوم بها الحجة؛ لأنه يشهد بعضها لبعض، والأصل وجوب الزكاة في الذهب والفضة حتى يقوم دليل على التخصيص.

والواجب في الذهب والفضة ربع العشر، أي: واحد من أربعين، وطريقة استخراج ذلك: أن تقسم ما عندك على أربعين، فما خرج بالقسمة فهو الزكاة، فإذا كان عند الإنسان أربعون ألفاً من الفضة -أي: أربعون ألف درهم- فليقسم الأربعين على أربعين ويخرج واحداً، فهذا هو الزكاة، وكذلك لو كان عنده أربعون ديناراً، فليقسم الأربعين على أربعين ويخرج واحداً، أي: دينار واحد، وعلى هذا فقس، قلّ المال أو كثر، بشرط أن يبلغ النصاب.

ونصاب الذهب: خمسة وثمانون جراماً وهي تساوي عشرة جنيهات سعودية ونصف، وزيادة قليلة، فإذا كان الذهب تبلغ قيمته هذا وجبت فيه الزكاة، وإن كان دون ذلك لم تجب فيه الزكاة.

أما الفضة فنصابها مائة وأربعون مثقالاً، وتساوي بالدراهم -دراهم الفضة السعودية- ستة وخمسين ريالاً، أي: ما يزن ستة وخمسون من ريال الفضة السعودية، فإذا بلغ عند الإنسان من الفضة ما يزن ذلك فقد وجبت فيه الزكاة، وما دون هذا فلا زكاة فيه.

وليعلم أن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الذهب لا يضم إلى الفضة في تكوين النصاب؛ لأنهما مادتان مختلفتان، وهما وإن اتفقا في المنفعة والغرض فإن ذلك لا يقتضي ضم أحدهما إلى الآخر لتكوين النصاب؛ لأن الشارع قدر لكل واحد منهما نصاباً معيناً يقتضي أن لا تجب الزكاة فيما دونه، ولم يحك عن النبي صلى الله عليه وسلم بضم أحدهما إلى الآخر، وكما أن البر لا يضم إلى الشعير في تكوين النصاب مع أن مقصودهما واحد، فكذلك الذهب والفضة، وبناء على ذلك لو كان عند الإنسان نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة لم تجب عليه الزكاة لواحد منهما؛ لما ذكرنا من أنه لا يضم الذهب إلى الفضة في تكوين النصاب، ويلحق بالذهب والفضة ما جعل بدلاً عنهما بكونه نقداً يتعامل به، كالأوراق النقدية المعروفة بين الناس اليوم، فإذا كان عند الإنسان من هذه الأوراق ما تساوي قيمته نصاباً من الذهب أو الفضة، فإن الزكاة تجب عليه فيها؛ لأنها نقود وليست هنا للتجارة، إذ إنها هي قبل الأشياء التي تقبل بها، وهي وسيلة التبادل بين الناس، فكانت كالدنانير والدراهم، وليست كعروض التجارة كما زعمه بعضهم.

وليعلم أن الزكاة في الذهب والفضة واجبة، وإن كان الإنسان قد ادخرهما لنفقاته وحاجاته، فإذا كان عند الإنسان عشرة آلاف درهم أعدها لشراء بيت يسكنه، فإن الزكاة واردة فيها ولو بقيت سنوات، وكذلك لو كان قد أعدها ليتزوج بها، فإن الزكاة واجبة فيها ولو بقيت سنة أو أكثر.

المهم أن الزكاة واجبة في عين الذهب والفضة وتجب فيهما بكل حال، وما يظنه بعض الناس من أن الدراهم إذا أعدت للنفقة أو لحاجة الزواج ونحوه لا زكاة فيها فإنه ظن خاطئ، لا أصل له لا في الكتاب ولا في السنة ولا في أقوال أهل العلم، وهذا بخلاف العروض، فإن العروض هي التي يشترط فيها نية التجارة، أما الذهب والفضة فتجب فيهما الزكاة بكل حال، هذا أحد الأموال التي تجب فيه الزكاة، وهو الذهب والفضة.

الخارج من الأرض من الحبوب والثمار

الثاني: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر )، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )، فتجب الزكاة في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، من الحبوب: كالبر والذرة والرز وغيرها نعم، ومن الثمار: كالنخيل والعنب الذي تزبب ويحصل منه الزبيب.

وأما التي لا تتزبب ففيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه لا زكاة فيها؛ لأنها ملحقة بالفواكه كالبرتقال والتفاح، ومنهم من قال: إنها تجب فيها الزكاة باعتبار أنه في أصل العنب؛ لأن أصل العنب المزبب أنه شبيه بالتمر، والاحتياط: أن يخرج الإنسان الزكاة منه.

وأما ما ليس بحبوب ولا ثمار يكال ويدخر مثل الفواكه على اختلاف أنواعها والخضروات على اختلاف أنواعها فإنه لا زكاة فيه ولو كثر.

ومقدار الزكاة في الحبوب والثمار العشر، -أي: عشرة في المائة- إذا كانت تسقى بلا مئونة، كالذي يشرب من عروقه لكون الأرض رطبة، أو الذي يشرب بالطل، أو الذي يشرب بالأنهار، أو الذي يشرب من القنوات التي ترد في الأرض ثم ينبع فيها الماء، فهذا كله يجب فيه العشر؛ لأنه لا مئونة في استخراج الماء الذي يسقى به، وأما إذا كان يسقى بمئونة كالذي يسقى بالسواني أو بالمكائن أو بالغرفات أو ما أشبهها، فإن الواجب فيه نصف العشر، فأبطل الشارع عنه نصف العشر مراعاة لحاله، ونصف العشر: خمسة في المائة، فإذا قدرنا أن هذه المزرعة أنتجت خمسة آلاف صاع، كان الواجب فيها إذا كان الزرع يسقى بلا مئونة خمسمائة صاع، وإذا كان يسقى بمئونة كان الواجب مائتين وخمسين صاعاً، وعلى هذا فقس.

ولكن لا تجب الزكاة في الحبوب والثمار حتى تبلغ نصابها، والنصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مجموع الآسق ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فما دون ذلك فلا زكاة فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )، هذان المالان مما تجب فيهما الزكاة.

أما الخضروات فلا زكاة فيها، ولكن الإنسان إذا باعها فإن في ثمنها الزكاة إن بقي حتى تم عليه الحول، وكان من النقدين: الذهب والفضة أو ما جرى مجراهما، أما لو باعها بعروض، مثل: أن يبيعها للسيارات أو بأقمشة أو بأواني، فإنه لا زكاة فيها أيضاً ما لم ينو التجارة فإن نوى التجارة صارت الزكاة واجبة وجوب زكاة العروض التي سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى في المستقبل.